بعد أن حطت الحرب الصهيو – نتنياهوية على شعبنا في قطاع غزة أوزارها، لا بد من التخطيط والتأهب للخطوة المقبلة، والتعامل مع المعادلة الجديدة التي نشأت والتي تمثلت بالوحدة الميدانية للمقاومة الفلسطينية، وكيفية تسخير التأييد العالمي الجارف للقضية الفلسطينية وحملات الإستنكار ضد الوحشية الصهيونية لتسليط الأضواء على حقيقة المشروع الصهيوني.
أفكار يمينية متطرفة
في هذا الوضع الذي نشأ، علينا أن نتعمق في تفكير نتنياهو بعد أن اختبرناه سنوات طويلة. فمن المعروف أن هذا المخلوق نشأ في بيت صهيوني يميني وحمل أفكاره الصهيونية اليمينية المتطرفة إلى حياته العسكرية وحياته السياسية.
وقد قدم نتنياهو الدليل تلو الدليل على أنه مراوغ ومعاد للسلام (رجل حرب ودسائس ومؤامرات وتحريض) ومن المستحيل أن يتحقق أي سلام في عهده. ومن هنا نوجز باختصار مواقفه وأعماله تجاه الشعب الفلسطيني على مدى عقدين من الزمن لكي نستشرف المزيد من توجهاته ومراميه المستقبلية:
• اختلق بدعة “أسلحة الدمار الشامل” في العراق للتمهيد لشن حرب تدميرية ضد هذا البلد بأدوات كان له الذراع الأطول في خلقها وتوجيهها. وذلك لكي يدفع الفلسطينيين إلى التسليم بالمطالب الإسرائيلية والتخلي عن حقوقهم بواسطة حرمانهم من أي ظهير. علاوة على درء خطر استراتيجي يهدد كيانه.
• كان له الذراع الطولى في ترويج دمغ الشعب الفلسطيني بالإرهاب واتهام كل من ينتقد سياسات إسرائيل بالعداء للسامية.
• قضى على معاهدة أوسلو، رغم مساوئها لقضية فلسطين، خوفا من أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف، ورغم التنسيق الأمني الذي وفر له الأمان ضد عمليات مقاومة محتملة.
• عمل على توسيع الإستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية على أوسع نطاق. وهو الذي يوفر الحماية للمستوطنين لتنفيذ هجماتهم واعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينيين في أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم. وقد جرّد الفلسطينيين من أراضيهم بحيث أصبحت غير كافية لقيام دولة فلسطينية.
• تواطأ مع الرئيس المهزوم رونالد ترامب وصهره عاشق الفكر الصهيوني لتمرير صفقة القرن، الإعتراف بالقدس “عاصمة أبدية لإسرائيل”…الخ أملا في تصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
• هندس مهزلة “التطبيع” بدهاء رهيب من أجل تمرير مخططاته ومشروعاته التوسعية والقفز على القضية الفلسطينية.
• حرّض ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وأشعل حربا أهلية امتدت إلى بعض المدن المختلطة.
• أشعل فتنة في المسجد الأقصى وسمح بحماية جنوده المدججين بالسلاح بالإعتداء على المصلين بأسلحة نارية ومطاطية، منتهكا حرمة هذا المكان المقدس مستفزا مليار مسلم في العالم. وحاول ان يشعل بذلك حربا دينية قوامها هدم أقدس مقدسات المسلمين.
نتنياهو لن يتغيّر ومن المستحيل أن يتحول الشيطان إلى ملاك. وبالتالي علينا أن ننظر إليه على علاته ولا يجوز الوثوق به على الإطلاق.
نتنياهو لم ولن يستسلم لهزائمه وهو مصاب بجنون العظمة وتقديس القوة العسكرية. وهو ينظر إلى علاقاته مع العرب الأحرار من منظار الطائرة والدبابة. وسيبقى متمسكا بالحكم حتى وإن كان واثقا من رحيله في ضوء المظاهرات الصاخبة ضده على خلفية فساده. ناهيك عن الانقسام بين حلفائه الذي نشأ عن نتائج الحرب.
ومن الملاحظ أنه في ضوء ما أسفر عنه العدوان على غزة ، انخفضت شعبيته وزادت النقمة عليه بسبب ما أحدثته صواريخ المقاومة من زعزعة الإستقرار وتدهور الحالة المعنوية والخسائر الاقتصادية الجسيمة، وتدهور صورة إسرائيل في العالم التي نجمت عن أعمال الدمار المريعة.
الرأي العام العالمي
أخشى أن يرفض نتنياهو الرحيل مهزوما ولا أستبعد أن يستدرج المقاومة إلى جولة أخرى تنفيذا لوعده أنه سيوجه ضربات قاضية للمقاومة هذه المرة، ظنا منه أن الرأي العام العالمي قد قال كلمته وأن الضرر قد وقع. وهو متأكد من الدعم الأمريكي. ولعله يفكر أن القضاء على المقاومة سيرضي حلفاءه الغربيين كما وعدهم مرارا.
وليس من المستبعد أن يخلق نتنياهو ذريعة لتبرير لجوئه إلى القوة مرة أخرى. فإذا حاول نتنياهو استدراج المقاومة إلى المواجهة في جولة أخرى غير متكافئة، يجب توخي الحذر وعدم الإنجرار وراء مخططاته، بل يجب التركيز على انتفاضة القدس وترشيدها لأن لها مفعولا مؤثرا وتحرم آلة الدعاية الصهيونية من الزعم أن “صواريخ حماس تنهال على المدنيين من دون تمييز”.
الحروب التوسعية
إن الظروف المستجدة تقتضي توفير جميع وسائل الدعم لإنتفاضة القدس لأنها تجسد نكبة 1948 بل وهي صورة مصغرة عنها وعن جميع الحروب التوسعية التي شنتها إسرائيل: استخدام التفوق العسكري .. شن حروب عدوانية …اقتلاع …تهجير… هدم منازل وقرى عن بكرة أبيها ..مصادرة أراض ..انشاء مستعمرات غير شرعية. والعالم يشاهد كل ذلك من منظار حي الشيخ جرّاح.
حذار من الوقوع في أفخاخ نتنياهو الذي قد يحاول مرة أخرى تحويل الأنظار عن انتفاضة القدس وإشغال العالم مرة اخرى بصورايخ غزة .
ومما يميز انتفاضة الأقصى هذه المرة خلافا للانتفاضات السابقة أنها جسدت أيضا الوحدة الوطنية ووحدت المقاومة ميدانيا، وهي تحتل مكان الصدارة في مواقع التواصل الاجتماعي . وفي ضوء هذه المعطيات علينا ترشيد انتفاضة القدس لتأخذ مداها وهي الكفيلة بفضح نوايا الصهيونية التوسعية وإحباط مشاريع ليس في القدس وحدها بل في جميع المناطق المحتلة.
كاتب فلسطيني