حرب الإبادة وعزلة إسرائيل… من «طوفان الأقصى» إلى «طوفان التضامن» العالمي مع فلسطين

حسين مجدوبي
حجم الخط
1

لندن ـ «القدس العربي»: دخل يوم 7 أكتوبر 2023 التاريخ، ليس فقط بسبب طابعه العسكري من خلال الهجمات التي شنتها المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي، بل بسبب إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بشكل شكّل سابقة في العلاقات الدولية. كل هذا أربك دبلوماسية الكيان الإسرائيلي، لا سيما بعدما وجد نفسه أمام المحكمة الدولية بتهمة حرب الإبادة ومنبوذاً من طرف الرأي العام العالمي باستثناء الحكومات الغربية.

ومنذ اندلاع الربيع العربي، تراجعت القضية الفلسطينية في أجندة الشعوب العربية وبالتالي في الأجندة الدولية، وعانت أكثر مع موجة التطبيع التي أقدمت عليها دول مثل الإمارات والبحرين والمغرب مع الكيان الإسرائيلي.
وبدا في وقت معين أن القضية الفلسطينية ستتخذ منحى بعض القضايا مثل «القضية الكردية» أي قضية تتلخص في مطالب ثقافية واجتماعية أكثر منها قضية ذات طابع استعماري محض.
وسط كل هذا، يقع «طوفان الأقصى» مشكّلاً منعطفاً في القضية الفلسطينية على المستوى العسكري، لكن أساساً على المستوى السياسي الدولي والفكري، ولا سيما استيقاظ الضمير العالمي وانتعاش موجة من التضامن لم تشهدها القضية الفلسطينية من قبل. ويمكن رصد التضامن العالمي شعبياً وفكرياً مع القضية الفلسطينية على ثلاثة مستويات، وهي الشارع العالمي، الإعلام الدولي، ثم موقف شخصيات معروفة في دحض الرواية الإسرائيلية حول معاداة السامية وتوظيف النازية.

طوفان الشارع العالمي

عادة ما كان الشارع العربي هو ميزان قياس التضامن مع القضية الفلسطينية منذ عقود، إلا أنه بعد الربيع العربي وموجة التطبيع، قمعت الأنظمة العربية مثل مصر والإمارات، ونسبياً الجزائر، هذا التضامن الشعبي باستثناء بعض الدول، ومنها تونس وموريتانيا والمغرب الذي سجل أكبر نسبة من التظاهرات في العالم مع فلسطين.
وعوّض الشارع الدولي أو العالمي غياب الشارع العربي، ولم يعد الناس ينظرون إلى القاهرة أو دمشق، بل إلى باريس وواشنطن.
هكذا، كانت مدن العالم في مختلف القارات مسرحاً لأكبر التظاهرات مع القضية الفلسطينية، فقد حضرت بقوة في مئات المدن الغربية، وإن كانت العواصم والمدن الكبرى مثل نيويورك وباريس ولندن وشيكاغو ومدريد وبرشلونة وبرلين وريو دي جانيرو ومكسيكو وسانتياغو دي وواشنطن، مسرحاً لهذه التظاهرات الضخمة.
لقد تميز الشارع الغربي واللاتيني بطابع التضامن العربي مع القضية الفلسطينية على شاكلة التظاهرات الضخمة التي وقعت بداية 2003 ضد الحرب على العراق.
ومن الأمثلة على هذا، أن أكثر من 30 مدينة إسبانية وأخرى فرنسية كانت تشهد في بعض الأحيان تظاهرات لصالح فلسطين، وهو رقم قياسي في عدد التظاهرات يشبه فقط تظاهرات فاتح مايو، حيث تخرج الطبقة العمالية للدفاع عن مصالحها.
ومن باب المقارنة، ورغم استراتيجية الحرب الروسية – الأوكرانية للغرب، ورغم بلورة الحكومات الغربية سردية مكثفة مضادة وعنيفة لروسيا وخطر هذه الحرب على مستقبل ومصير الغرب، لم تشهد سوى مدن قليلة جداً في الغرب تظاهرات متضامنة مع أوكرانيا. وفي الوقت عينه، كانت تظاهرات قليلة العدد وخافتة.

وبالفعل، كان للجالية العربية والمسلمة في الغرب دور كبير في التظاهرات الداعمة لفلسطين، إلا أن هذا لا يحجب الانخراط القوي للمواطن الغربي واللاتيني والآسيوي (كما في ماليزيا وإندونيسيا) في الإعراب عن السخط الكبير تجاه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وحاولت دول أوروبية، ولا سيما فرنسا وألمانيا بالخصوص، منع التظاهرات بحجة أن التضامن مع فلسطين يعني التضامن مع هجمات حركة «حماس» التي صنفوها بالإرهابية، إلا أن قوة التضامن كانت أقوى من المنع الحكومي، لا سيما أمام سقوط المئات من المدنيين قتلى برصاص وقنابل الكيان يومياً، واضطرت باريس وبرلين إلى التراجع والترخيص بالتظاهرات التي كانت تاريخية.
وحاولت إسرائيل مع بعض القوى الأوروبية من اليمين المحافظ تنظيم تظاهرات تضامن معها، بتوظيف «طوفان الأقصى» كعمل إرهابي قائم على معاداة السامية والدين اليهودي وقتل اليهود، إلا أن التظاهرات كانت محدودة العدد والتأثير ولم تتعد أصابع اليد الواحدة في كل أوروبا، وانهارت أمام قوة التضامن العالمي.
ومن مظاهر التضامن الأخرى المواجهة التي حصلت بين وسائل الإعلام الغربية ورواد ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي. ورغم تحفظ وسائل الإعلام الكبرى مثل الجرائد على شاكلة الـ»واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز» الأمريكيتين و»لوموند» الفرنسية، وحتى بعض الصحف الإسبانية منها مثل «الباييس» والألمانية «ذي شبيغل» عن وصف جرائم إسرائيل، إلا أن مواقع فيسبوك ومنصة «إكس» (تويتر سابقاً) شهدت انتفاضة كبرى ببلورة خطاب مضاد لم ينفع معه سوى لجوء إدارتي المنصتين إلى ممارسة أكبر رقابة في العالم ضد حرية التعبير باستهداف تدوينات عشرات الملايين من نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال حجب حسابات وحجب تدوينات وحجب صور.
وقد تكون هذه أكبر موجة من الرقابة في العالم نظراً لحجمها الممتد والشامل لمجموع دول الكرة الأرضية ولا يقتصر على دولة واحدة، لقد كانت وما زالت بمثابة مكارثية عالمية.

أسماء ناطقة بالحق

وجدت موجة التضامن العالمية مع الفلسطينيين تجسيداً لها في مواقف زعماء عالميين وأسماء مثقفين وفنانين، حيث لم تكن إسرائيل تنتظر مواقف مشابهة تضعها ليس فقط في موقف حرج، بل في موقف المنبوذ.
في هذا الصدد، نجد «إسرائيل تمارس حرب الإبادة ضد الفلسطينيين» «إسرائيل تعيد أساليب هتلر في قطاع غزة» لم تكن هذه تصريحات حركات ثورية عربية أو إفريقية، بل هي تصريحات صادرة عن بعض زعماء أمريكا اللاتينية الذين لا يخافون سيف ديموقليس «معاداة السامية» التي ترفعه الدول الغربية حماية لإسرائيل.
وإذا كانت مواقف دول مثل فنزويلا وكوبا وبوليفيا ونيكاراغوا كلاسيكية ضد الكيان ولصالح الفلسطينيين، فقد جاءت تصريحات التضامن من زعماء من طينة رئيس البرازيل لولا دا سيلفا لتشكل المنعطف. فقد كسر الزعيم البرازيلي يوم 18 شباط/ فبراير الماضي محرماً (تابو) كبيراً في الغرب حول الصراع بقوله: «ما يجري في قطاع غزة هو حرب بين جيش مجهز جداً ضد أطفال ونساء، لقد حصل هذا مع هتلر ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية». كان لتصريحات لولا دا سيلفا وقع كبير على إسرائيل والغرب، فهو وضع إسرائيل والنازية في سلة واحدة. طالب البيت الأبيض من الرئيس البرازيلي بالاعتذار عن تلك الكلمات وعياً منه بوزن هذه الشخصية وتأثيرها، لكنه رفض وأصّر عليها.
منعطف آخر من التضامن هو الذي جسده رئيس كولومبيا غوستافو بيترو بنعته إسرائيل بالنازية، واتخاذ إجراءات ضدها ومنها طرد السفير الإسرائيلي. ولعل رمزية كولومبيا أنها كان أكبر حليف لإسرائيل في أمريكا اللاتينية، وكان يتم وصفها بـ»إسرائيل أمريكا اللاتينية» وفجأة تحولت لصالح القضية الفلسطينية.
وترتاح إسرائيل لموقف لندن وواشنطن، فهي تدرك مدى دفاعهما عن المشروع الصهيوني، وتستمر برلين في تأدية ضريبة محرقة أدولف هتلر، بينما يخاف الإسرائيليون من الرأي العام الفرنسي بسبب تنامي المدافعين عن فلسطين.
وعموماً، ظهرت في هذا البلد مجموعة من الأسماء شكلت ما يمكن تسميته «فرسان كلمة الحق» بسبب مواقفها المؤيدة للحق الفلسطيني.
وعلى رأس هذه الأسماء دومنيك دو فيلبان، الوزير الأول في عهد الرئيس جاك شيراك، لكن العالم يتذكره كأبرز وزير خارجية لباريس منذ الحرب العالمية الثانية حتى وقتنا الراهن.
ويقول لفرنسا والغرب والعالم إن حرب غزة سيترتب عنها مزيد من العنف المسلح الذي سيدّمر الشرق الأوسط والعالم وسيخلق جيلاً من الفلسطينيين متعطشاً للانتقام.
واعتبر دو فيلبان أن «طوفان الأقصى» يخل بالنظام العالمي ويضرب مصداقية الغرب بسبب غياب موقف حازم من جرائم إسرائيل. واستعمل دو فيلبان في خطابه الإعلامي والسياسي عدداً من المصطلحات التي أقلقت إسرائيل واللوبي الصهيوني في هذا البلد الأوروبي مثل «الأبرتهايد» و»حرب الإبادة» و»حرب انتقامية».
ومن فرنسا، برز صوت روني برومان، الرئيس السابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» اليهودي المولود في القدس الذي قال قولته الشهيرة خلال تشرين الثاني/ نوفمبر 2006: «أعتقد أنه لو كنت موجوداً سنة 1948 لرفضتُ إنشاء دولة إسرائيل، ودافعت عن دولة يهودية – فلسطينية». وتحوّل روني برومان إلى عقدة للوبي الصهيوني- الفرنسي في المشهد السياسي والإعلامي في فرنسا بخاصة بعد 7 أكتوبر، لأنه اعتبر قطاع غزة أكبر سجن في العالم واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وبرزت أسماء كثيرة في فرنسا تدافع عن الفلسطينيين ومنهم زعيم اليسار ميلانشون، الذي تتهمه إسرائيل بمعاداة السامية، والمحلل الجيوسياسي باسكال بونيفاس بونيفاس الذي رفع داعمو إسرائيل ضده دعوى بمعاداة السامية.
ومن مظاهر انهزام اللوبي الصهيوني في فرنسا هو هزيمة المحرض الأكبر على الحروب برنار هينري ليفي الذي أصدر كتاباً بعنوان «عزلة إسرائيل» ينبه إلى أن ما تتعرض له إسرائيل هو هزيمة الغرب، لكنه فشل في مشروعه السياسي-الفكري، حيث خبا نجمه مع «طوفان الأقصى» ولم يعد يجد تبريراً لماذا تقتل إسرائيل الأطفال، ولماذا ترفض إقامة الدولة الفلسطينية تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة.

عزلة اللوبي

يشكل «طوفان الأقصى» بداية النهاية الحقيقية لتأثير اللوبي الصهيوني. سيستمر اللوبي، لكنه سيبقى محصوراً وسط بعض الأحزاب المحافظة وتيارات وسط الدولة العميقة في الغرب، وبخاصة في بريطانيا، والولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا.
ويعود انهزام اللوبي إلى خسارة معركة الأفكار وفي معركة السردية التاريخية. إذ لم تعد معاداة السامية سلاحاً يرفع في وجه المدافعين عن حقوق الفلسطينيين أمام بطش الاستعمار الإسرائيلي، بل بدأ يتم النظر إلى استخدام معاداة السامية للدفاع عن إسرائيل، بأنها مكارثية جديدة تحد من حرية التعبير. ولم تعد رواية إسرائيل بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط مقنعة، بعدما أقدمت «هذه الديمقراطية» على قتل 40 ألف شخص أغلبهم من الأطفال في ظرف سنة.
ولم تعد تكرر رواية أنها ضحية الإرهاب المنسوب للإسلام لأن الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» و»داعش» لم تصدر أي بيان تضامني مع الفلسطينيين ولم تناد بمواجهة إسرائيل. وكانت هذه من المواضيع التي أثارت بشكل كبير ولافت الرأي العام الغربي.
لقد شكل «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر نهاية البداية الحقيقية لنهاية اللوبي الصهيوني في العالم وبخاصة في الغرب، بسبب تحرك الضمير العالمي واعتبار إسرائيل سبباً من أسباب غياب الاستقرار. ومن المفارقات الكبرى أن كتاب هنري ليفي «عزلة إسرائيل» الذي كتبه لجلب التعاطف تحول إلى عنوان يثير الشفقة ويعكس الواقع وهو أن إسرائيل أصبحت «منبوذة ومعزولة» بفضل طوفان التضامن العالمي مع فلسطين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    اللهم عجل بتدمير أمريكا وتل أبيب بجاه النبي محمد الحبيب مثلما دمروا غزة ولبنان واليمن والعراق وسوريا هذي عقود وعقود وعقود و عصابة الشر الصهيو أمريكية الغربية الحاقدة الغادرة الجبانة تعيث سفكا بدماء الفلسطينيين منذ 1948 ✌️🇮🇷🇵🇸🇱🇧☹️☝️🚀👹🐒👹

اشترك في قائمتنا البريدية