أرشيف
الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت تدخل فيه الحرب السودانية عامها الثالث، لا تزال المعارك محتدمة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، والتي أسفرت عن مقتل 20 ألف شخص، حسب منظمة الصحة العالمية، في حين تتحدث إحصاءات محلية عن أكثر من 100 ألف منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/ نيسان قبل عامين، وسط نزوح 13 مليونا آخرين داخل وخارج البلاد.
هدوء نسبي
وبعد ثلاثة أيام من المعارك العنيفة، شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أمس الإثنين، حالة من الهدوء النسبي في جبهات القتال، إلا أن الأوضاع الإنسانية تمضي في تدهور مستمر.
وكشف حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي، عن مبادرة، قال إنها بتنسيق دولة (صديقة) – لم يسمها- تم خلالها الاتفاق بين حكومة الإقليم ومكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) لتسيير قافلة إنسانية لمخيم زمزم يوم الأحد 13 أبريل/ نيسان الحالي، وجرى الاتفاق ذاته مع قوات الدعم السريع، مشيرا إلى أن الدعم السريع استهدفت المخيم في التوقيت الذي ينبغي أن تصل فيه المساعدات.
وشدد على أن هذا الأمر يحتاج لإدانة وتوضيح من (أوتشا) مضيفا: « نحن ما زلنا على العهد ونجدد احترامنا للقانون الدولي الإنساني».
والأحد، اجتاحت قوات «الدعم السريع» معسكر زمزم للنازحين، جنوب الفاشر، بعد معارك عنيفة استمرت لأيام. وحسب حكومة الفاشر، قتل خلال اجتياح زمزم والمعارك في الفاشر ومعسكر أبو شوك، 450 مدنيا في ثلاثة أيام.
لجان المقاومة أوضحت أن التقديرات الأولية لعدد المعتقلين بعد اجتياح الدعم السريع معسكر زمزم، تشير الى 1200 شخص، بينما يواجه مئات الجرحى الموت في ظل توقف المستشفيات.
وقالت تنسيقية لجان المقاومة الفاشر إنه على الرغم من حالة الهدوء النسبي التي تعيشها المدينة بعد أيام من المعارك الطاحنة، إلا أن النوائب تتوالى عليها، في ظل انعدام مياه الشرب والمحروقات والمواد الغذائية والدواء.
واستدركت: « فلتعصف الرياح كما تشاء، فنحن من يجعل العاصفة تهدأ إذا أردنا، أو يطلقها نيراناً تحرق من ظنَّ أنَّ الفاشر أرضا للبيع أو الرهان، ليذهب هواة الخرائط إلى الجحيم»، مضيفة: «الفاشر ليست رقماً على طاولة مقامرين، ولا خريطةً يعيد رسمها من لا يعرف لون ترابها، هي لمن يحترم حجارتها العتيقة، لمن يسمع صدى الأجداد في أزقَّتها، لمن يفديها بدمهِ قبل أن يفاوض على شبرٍ منها».
الجيش يستعيد مناطق شمال كردفان… ومئات الجرحى في زمزم ومستشفيات مدمرة
وتابعت في رسالة إلى قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو- الأخ الأكبر غير الشقيق لـ»حميدتي» والقائد الميداني للمعارك الجارية حول الفاشر، إن «الفاشر لا تؤخذ إلَّا بالأرواح يا عبد الرحيم دقلو، ونحن أرواحنا عصيَّة على الفناء».
وأشارت إلى تحرك عدد من فرق الجيش ومتحركات المستنفرين (المتطوعين في الجيش) بينها متحرك الصياد والفرقة 16 مُشاة، مبينة أنها بدأت الزحف والتقدم بخطى ثابتة لفتح الطريق الرابط بين مدن الأبيض والدلنج شمال كردفان، والتقدم نحو الفاشر.
يأتي ذلك في وقت استطاعت قوات الجيش استعادة مناطق جديدة شمال كردفان، بينها «كازقيل، البركة المدينة، البركة موسى، علوبة « بعد عمليات ميدانية نفذها «متحرك الصياد «.
وقالت لجان مقاومة الفاشر إنه بالإضافة إلى القوات القادمة من شمال كردفان، فإن كتائب «غاضبون بلا حدود» – متطوعون في الجيش من الثوار- أعلنت جاهزيتها من داخل الفاشر، للقتال، مضيفة: «بدأت فعلياً كل المتحركات العسكرية الزحف لتحرير أراضي دارفور، الفاشر تجمع كل السودانيين ولن تقاتل وحدها».
وفي بيان تضامني، قالت لجان مقاومة كرري، جنوب مدينة أمدرمان- وسط البلاد – في رسالة إلى أهالي الفاشر ولجان مقاومتها: « فاشر السلطان صامدة، قوية، رغم الحصار المفروض عليهم من قبل ميليشيا الجنجويد لما يقارب العام ورغم شُح الطعام والمياه والدواء والهجمات الفاشلة التي تقدر بأكثر من 200 هجوم، رغم القصف والموت».
وأشارت إلى سقوط المئات من الأهالي في مخيم زمزم وأبو شوك، أطفالاً ونساءً وشيوخًا وأطباء، فضلا عن المئات من المصابين الذين لا بوجد أي مستشفى في المعسكر لإسعافهم، مضيفة: « أن الدعم السريع تنفذ جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في شمال دارفور كما حدث للمساليت في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور».
وتابعت: «شاهدنا جميعًا الفيديوهات المؤلمة التي بثها هؤلاء المجرمون وهم يتباهون بجرائمهم ويصورون الجثث ويصفونهم بأبشع الألفاظ وخطابات الكراهية».
وطالبت لجان مقاومة كرري القيادات العسكرية على رأسها الحركات الدارفورية المتحالفة مع الجيش، أبرزها حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي، بالزحف من أنحاء السودان المختلفة لإنقاذ الفاشر.
وعبرت وزارة الخارجية السودانية عن قلقها العميق من استمرار «حملة الإرهاب والإبادة الجماعية» التي تشنها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في مدينة الفاشر وما حولها في ولاية شمال دارفور.
ودعت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى إدانة جرائم الدعم السريع في الفاشر، مشيرة إلى أن الهجمات التي نفذتها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في الأيام الماضية تعد انتهاكًا صارخًا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وخرقًا جسيمًا للقانون الإنساني الدولي، خاصة الأحكام المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
وناشدت المنظمات الإقليمية والدولية، والمجتمع الدولي بأسره، لإدانة هذه الفظائع بأشد العبارات، والوقوف بحزم مع الشعب السوداني في هذه الظروف العصيبة، مؤكدة التزام الحكومة الراسخ بالعمل والتنسيق الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لرفع الحصار غير القانوني الذي فرضته قوات الدعم السريع على الفاشر على وجه السرعة.
وشددت على ضرورة تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية فورًا ودون عوائق، وضمان حماية المدنيين من خلال جميع التدابير المناسبة.
كارثة المجاعة
وحسب برنامج الغذاء العالمي، حول عامان من الحرب السودان إلى أكبر كارثة جوع في العالم، بينما تستمر المجاعة في الانتشار.
وقال أمس الإثنين أن نصف سكان السودان يواجهون جوعًا حادًا، ونحو (638) ألف شخص يواجهون خطر المجاعة الكارثية، مشيرأ إلى تأكيد المجاعة في (10) مواقع، (8) في شمال دارفور، بينها معسكر زمزم للنازحين وموقعان في جبال النوبة الغربية.
وأشار إلى أن هناك (17) منطقة أخرى، بما في ذلك مناطق شمال وجنوب وشرق دارفور، وجبال النوبة، والخرطوم، والجزيرة، كلها معرضة لخطر المجاعة، لافتا إلى حاجتها بشكل عاجل إلى (650) مليون دولار أمريكي لمواصلة عملياتنا في السودان للأشهر الستة المقبلة
وبينت أنه في المناطق الأكثر تضررًا، يعاني طفل واحد من كل ثلاثة أطفال من سوء التغذية الحاد، متجاوزًا بذلك عتبة المجاعة، مشيرة إلى أن إمكانية الوصول لا تزال تمثل التحدي الأكبر للعمليات الإنسانية.
ولفت إلى أن القتال الدائر في مدينة الفاشر ومحيطها يقيّد الوصول ويعرّض العاملين في المجال الإنساني للخطر، مضيفا: «لا تزال التأخيرات البيروقراطية، والابتزاز، ومنع حركة موظفي الإغاثة الإنسانية، تُعيق عملية الاستجابة».