واشنطن: أصبح تطبيق “تيك توك” الصيني، البالغ عدد مستخدميه حوالي 1.6 مليار مستخدم عالميًا، بينهم 170 مليونا في الولايات المتحدة التي تستعد لحظره، مثارا للجدل وحلبة جديدة للصراع والتنافس السياسي والاقتصادي المتصاعد بين واشنطن وبكين، ما يثير التساؤل حول كيفية وصول التطبيق إلى مرحلة الحظر في الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لحظر التطبيق في يناير/ كانون الثاني المقبل، رفع “تيك توك” دعوى قضائية ضد وزارة العدل الأمريكية، في محاولة للحفاظ على وجوده في السوق الأمريكية، حيث يتمسك كل طرف بمواقفه وحججه المختلفة.
في الجزء الثاني من ملف الأخبار الذي تنشره وكالة الأناضول تحت عنوان “سيادة الدول في مواجهة شركات التواصل الاجتماعي”، سيتم التطرق إلى الاتهامات التي وجهها صنّاع القرار الأمريكيون ضد “تيك توك”، واتهامه بتسريب بيانات المستخدمين إلى الحكومة الصينية، بالإضافة إلى ردود تطبيق “تيك توك” على هذه الادعاءات.
جرى إطلاق منصة “تيك توك” لمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة في سبتمبر/ أيلول 2016، تحت مظلة الشركة الأم الصينية “بايت دانس”. وفي عام 2021، تجاوزت شهرة “تيك توك” غوغل ليصبح الموقع الإلكتروني الأكثر شهرة عالميًا، ويضم اليوم حوالي 1.6 مليار مستخدم حول العالم.
حظرت عدّة دول، مثل الأردن، والهند، وأفغانستان، وإيران، وباكستان وتايوان، تطبيق “تيك توك” لأسباب مختلفة، فيما منعت دول مثل أستراليا، وكندا، والمملكة المتحدة ونيوزيلندا استخدام التطبيق على الأجهزة الحكومية.
الولايات المتحدة من جهتها، اتخذت خطوات مشابهة، حيث منعت استخدام “تيك توك” على الأجهزة الفيدرالية بسبب “مخاوف تتعلق بأمن البيانات”.
تعد المنافسة السياسية والاقتصادية والعسكرية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، أحد أبرز ملامح الصراع العالمي، ويشكل “تيك توك” جزءًا من هذه الساحة.
وتتهم الإدارة الأمريكية تطبيق “تيك توك”، الذي شهد تزايدًا سريعًا في عدد مستخدميه داخل الولايات المتحدة وخارجها، بنقل بيانات المستخدمين الأمريكيين إلى الحكومة الصينية، “ما يعرضهم للتلاعب”.
وبدأت هذه المناقشات في عام 2020، واستمرت حتى أقر الكونغرس الأمريكي في أبريل/ نيسان 2024 مشروع قانون يتضمن أول خطوة ملموسة ضد “تيك توك”.
ويشير مشروع القانون إلى أن “تيك توك” يُعد تحت بند “التطبيقات الخاضعة لسيطرة جهة أجنبية معادية”، وأنه مرتبط بشركة “بايت دانس” المتهمة بالتبعية للحكومة الصينية ما يشكل “تهديدًا للأمن القومي الأمريكي”.
وجرى تمرير هذا المشروع من قبل كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ووقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن في 24 أبريل 2024، ليصبح قانونًا نافذًا.
ووفقًا للقانون، يجب على شركة “بايت دانس” بيع “تيك توك” في غضون 270 يومًا، أي بحلول 19 يناير/ كانون الثاني 2025، وإلا سيتم حظر التطبيق في الولايات المتحدة.
وفي حال تحقيق “بايت دانس” تقدمًا ملموسًا في عملية البيع، يُمنح الرئيس الأمريكي سلطة تمديد الفترة المذكورة أعلاه 90 يومًا إضافيًا. وإذا اكتملت إجراءات الانفصال بين “بايت دانس” و”تيك توك” بحلول الموعد النهائي، فإن ذلك سيتيح استمرار وجود التطبيق في السوق الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، يزعم العديد من أعضاء الكونغرس والمسؤولين الأمريكيين أن “تيك توك” يعمل كـ”أداة دعائية” للحكومة الصينية، ويحاول التأثير على المواطنين الأمريكيين وتوجيههم في القضايا السياسية.
تطبيق “تيك توك” من جهته، رفع دعوى قضائية ضد وزارة العدل الأمريكية في مايو/ أيار، وذلك بعد توقيع الرئيس بايدن على القانون الذي أقره الكونغرس في أبريل الماضي.
وفي جلسات الاستماع بالكونغرس، رد الرئيس التنفيذي لـ”تيك توك”، شو زي تشيو، على خطوة الحظر المحتملة، معتبرًا أن هذا الإجراء ينتهك المادة الأولى من الدستور الأمريكي المتعلقة بحرية التعبير.
وأوضح تشيو أن “تيك توك” يعمل كمنصة لمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة، والتي تُستخدم للتعبير عن الآراء مثل منصات أخرى كفيسبوك، و”إكس” (تويتر سابقًا)، وإنستغرام ويوتيوب، مؤكدًا أن حظر “تيك توك” في الولايات المتحدة سيقيد “الحقوق الأساسية” للمستخدمين الأمريكيين.
وفي جلسة الاستماع التي جرت بمجلس الشيوخ في 31 يناير 2024، نفى تشيو بشكل قاطع الادعاءات القائلة إن “تيك توك” يقوم بنقل بيانات المستخدمين الأمريكيين إلى الحكومة الصينية.
وخلال الجلسة نفسها، أجاب تشيو على أسئلة السيناتور توم كوتون، حول هويته وعلاقته بالصين، حيث تم سئل إن كان “صينيًا”، أو “مرتبطًا بالحكومة الصينية”، أو “شيوعيًا”.
تشيو أجاب بالنفي على هذه الأسئلة، موضحًا أنه من سنغافورة ولا يملك أي علاقات بالحكومة الصينية.
بدورها، شددت شركة “تيك توك” في دفاعها بأن الحظر المحتمل ينتهك الدستور الأمريكي، مؤكّدة أن قطع علاقتها مع شركتها الأم “بايت دانس” خلال المدة المحددة في القانون ليس أمرًا ممكنًا من الناحية التقنية أو العملية.
فيما أشار تشيو إلى أن الفترة الزمنية المحددة تعتبر غير كافية، نظرًا لصعوبة انفصال شركة ضخمة تعمل على نطاق عالمي عن شركتها الأم بهذه السرعة.
وبينما تستمر المعركة بين الحكومة الأمريكية و”تيك توك”، يرى خبراء أن من بين الأسباب الأخرى وراء رغبة الإدارة الأمريكية في حظر التطبيق هو التغطية الواسعة التي قدمتها المنصة للفظائع الإسرائيلية في غزة خاصة وفلسطين عامة.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية تزعم أن السبب الرئيسي هو علاقة “تيك توك” بالصين، إلا أن هناك اعتقادًا قويًا بين الجمهور الأمريكي والدولي بأن العامل الفلسطيني له تأثير كبير أيضًا على القرار الأمريكي حول التطبيق.
وفي هذا السياق، عبّر بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين بشكل واضح عن انزعاجهم من الاستخدام الفعّال لـ”تيك توك” من قِبل الفلسطينيين.
وعلى سبيل المثال، قال السيناتور الجمهوري ميت رومني، في مؤتمر صحافي شارك فيه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في أبريل الماضي: “يتساءل البعض لماذا يوجد هذا الكم الكبير من الدعم لخطوتنا المحتملة لحظر تيك توك. إذا نظرتم إلى المنشورات الفلسطينية، فستجدون أن معظمها موجودة على تيك توك”.
وأشار رومني في حديثه إلى أن إسرائيل تُعتبر “بارعة جدًا” في مجال العلاقات العامة، لكنه أقر بأن إسرائيل تخسر في هذا المجال (منصات التواصل الاجتماعي)، عندما يتعلق الموضوع بغزة، مرجعًا ذلك إلى تأثير منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك”.
كما أعرب عضو الكونغرس الجمهوري مايك لولر، عن موقف مماثل، حين تحدث عن الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لغزة (في الولايات المتحدة)، وقال: “سنحظر تيك توك لأننا لا نريد أن تُستخدم أحداث غزة ضد إسرائيل في الولايات المتحدة”.
حظر “تيك توك” في الواقع يتشابه مع قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلية حظر قناة الجزيرة الإخبارية، وهو ما يجعل قضية “تيك توك” تتجاوز قضية مثل مجرد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، لتصبح أيضًا عنصرًا مهمًا في سياق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
بينما يتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن خطوات نحو حظر تطبيق “تيك توك”، يواصل في الوقت ذاته استخدامه النشط للتطبيق الذي كان جزءًا من حملته الانتخابية.
وعلى غرار بايدن، بدأت نائبة الرئيس كامالا هاريس، في استخدام “تيك توك”، كجزء من حملتها الانتخابية للرئاسة، حيث أطلقت في يوليو/ تمّوز الماضي، حسابًا خاصًا بها على “تيك توك” تحت اسم “كامالا هاريس” (@kamalaharris)، ونشرت من خلاله مقطع فيديو ضمن حملتها، مما يظهر اعتمادها على المنصة للوصول إلى شريحة أوسع من الناخبين.
وكما هو الحال مع بايدن وهاريس، يُعتبر الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي دونالد ترامب من الشخصيات العامة التي تستخدم “تيك توك” بشكل نشط، للتواصل مع الناخبين.
وعلى الرغم من أنه كان من أوائل من اتخذوا خطوات لحظر التطبيق في عام 2020، إلا أن موقفه تغيّر لاحقًا، حيث تراجع عن دعوات الحظر وأعلن عن معارضته لإيقاف المنصة.
بل وأكثر من ذلك، فقد ذهب ترامب إلى استخدام تطبيق “تيك توك” في إعلانات حملته الانتخابية الأخيرة، وقال وقتها: “إذا كنتم تريدون الحفاظ على تيك توك، صوّتوا للرئيس ترامب”، مما يعكس التحوّل الواضح في موقفه تجاه حظر المنصة.
(الأناضول)