القاهرة ـ «القدس العربي»: بعد مرور 52 يوما على الانتصار الفلسطيني، الذي قضى على كل الأكاذيب المتعلقة بتفوق الجيش العبري، ما زال نتنياهو ومجلس حربه يسيران في وادي الخدع والأكاذيب للنهاية، وكل المؤشرات تؤكد أنه يعيش أيامه الأخيرة في حكومة الكيان المغتصب، اذ استيقظ شعبه على الحقيقة متجسدة في أن جنودهم غرقوا في وحل غزة، وجاء القرار الجريء بشأن تسليم الدفعة الثانية من الأسرى وسط مدينة غزة، ليفضح أكاذيب نتنياهو ورفاقه بشأن أنهم اتموا السيطرة على غزة، إذ كشفت وقائع التسليم بسط عناصر القسام نفوذها على الموقع. وأكد الرئيس السيسي، أن استقرار وأمن المنطقة يرتبط بشكل أساسي بالاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. جاء ذلك خلال استقبال الرئيس السيسي، في قصر الاتحادية كاتالين نوفاك رئيسة المجر، التي ثمنت التطور المستمر في العلاقات، داعية إلى المزيد من التعاون بين البلدين الصديقين. وتناول اللقاء أولويات التعاون في المجالات الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث تم التوافق على تكثيف الجهود الرامية لزيادة معدلات التبادل التجاري بين البلدين، وتعزيز الاستثمارات المشتركة. كما تناول اللقاء الأوضاع الإقليمية بشكل مستفيض، خاصة ما يتعلق بقطاع غزة والضفة الغربية، حيث استعرض الرئيس السيسي، الجهود المصرية منذ بداية الأزمة وحتى التوصل للهدنة الإنسانية، مشددا على أهمية التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإغاثية إلى أهالي القطاع، بما يلبي احتياجاتهم المعيشية ويحد من حجم المعاناة الإنسانية الهائلة التي يشهدونها، مع ضمان عدم امتداد الصراع إلى الضفة الغربية.
وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن تخصيص إسرائيل أموالا جديدة للاستيطان غير القانوني، ليس دفاعا عن النفس، ولن يجلب الأمن، وأكد رفض التهجير القسري للفلسطينيين في قطاع غزة، موضحا أن هناك ضحايا بالآلاف من المدنيين في قطاع غزة، داعيا إسرائيل إلى احترام القانون الدولي الإنساني. وشدد على أن الحل في غزة يجب ألا يكون منفصلا عن حل القضية الفلسطينية ككل، معتبرا أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أعلنت أسرة عادل عبد الناصر حسين شقيق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عن وفاته مساء السبت، وتم تشييع جثمان الفقيد مساء الأحد في مقابر العائلة في الإسكندرية، بحضور رموز من السياسيين، ونجلتيه يمنى وإنجي. وأقيم العزاء في مسجد المشير طنطاوي في التجمع في القاهرة مساء أمس الاثنين.
لا تبقي ولا تذر
لا يمكن القول إن الجسم السياسي العربي تجاوز خلافاته الرئيسية، أو الثانوية بطبيعة الحال، لكن يمكن القول إن تلك الخلافات لا تظهر بالوضوح ذاته في المؤسسات الإعلامية التي تعبر عن الأطراف العربية، ولا تجتهد تلك المؤسسات في إدامته، ولا تُستخدم كوسائل ردع أو هجوم مباشرين، لكن ما يمكن رصده بقليل من الجهد وفقا لرؤية الدكتور ياسر عبد العزيز في “الوطن”، يتمثل في أن وسائل «التواصل الاجتماعي» أخذت ذلك الدور، وباتت تتفنن في تأديته، عبر ديناميات أكثر ضراوة وإلحاحا. وفي مواكبة حرب غزة الراهنة، تجري معركة أخرى على وسائط «التواصل الاجتماعي» بين مواطنين عرب مُفترضين، تستخدم فيها أحط أنواع الشتائم، وأكثر عبارات الكراهية تبجحا ونكاية، وهي معركة لا يبدو أن القضية الفلسطينية ستحقق منها أي عائد، ولا يبدو أن فيها منتصرا. لقد تواترت تقارير ونتائج دراسات كثيرة تشير إلى وجود تدبير وإسناد لهذه المعركة، التي تندلع تحت معانٍ وطنية وقومية ودينية، وتستهدف دولة ما ومواطنيها بالهجوم، باعتبار تلك الدولة خائنة أو عميلة، وباعتبار قادتها مفرطين، أو متآمرين، وباعتبار مواطنيها خانعين وفاقدي الشرف. ينخرط بعض مستخدمى وسائل «التواصل الاجتماعي»، من الذين يقدمون أنفسهم بوصفهم عربا، في ملاسنات لا تنتهي على تلك الوسائل، ويشنون معارك بانتظام، ويكيلون لمواطنين عرب آخرين شتائم نابية، ويسندون هجومهم، بما يدّعون أنه وثائق مكتوبة أو مصورة، لدعم تصورات يريدون لها الشيوع. بعض التقارير تفيد بأن وحدة استخباراتية إسرائيلية معينة تقف وراء هذه المعارك الكلامية الحادة، بهدف حرف الأنظار عن معركة غزة، وتعميق الخلافات العربية البينية، والإضرار بالمصالح الوطنية والقومية العربية، أو الضغط على بعض الدول التي تؤدي أدوارا في مقاربة الصراع، بما يحد من قدرتها على الفعل.
معارك عبثية
ثمة تقارير أخرى انتبه لها الدكتور ياسر عبد العزيز، تشير إلى وجود كتائب إلكترونية ممولة من بعض القوى العربية، من أجل إحداث هذا الشقاق، وتأجيج الكراهية البينية، أو للدفاع ودرء الهجوم. ووفق أفضل المعلومات المتوافرة، فإنه لا يبدو أن ثمة أدلة دامغة على وجود هذا التدبير، أو قدرة على تحميل المسؤولية لجانب معين برعاية هذه المعارك، بغرض إدامتها وتأجيجها لتحقيق أهداف سياسية، لكن اعتبار أنها تندلع وتزدهر تلقائيا سيكون أمرا صعبا أيضا. يبدو أن ثمة إرادة واضحة لدى أطراف معينة للاستثمار في هذه المعارك التي تندلع على الوسائط الجديدة الرائجة من أجل تعميق الكراهية والخلاف بين الشعوب العربية، ويبدو أيضا أن ديناميات التفاعل عبر تلك الوسائط تغذي هذه الإرادة، وتمنحها أسبابا للنجاح في مقاصدها المؤذية والضارة. قد لا تفلح المواعظ التي يمكن أن توجه للمنخرطين في هذه المعارك العبثية في الحد منها، أو إقناع «زبائنها» بضرورة الكف عن تقديم تلك الخدمات لأصحاب الغرض، الذين لم نجد الأدلة الكافية على وجودهم بعد، لكن الاستسلام لتلك الحالة يمكن أن يقوض الكثير من المعانى والقيم والمصالح التي تجمع أبناء الدول العربية. لا يمكن أن تكون نصرة القضية الفلسطينية، أو مساندة مواطني غزة الذين يتعرضون للقصف الإسرائيلي الهمجي كل يوم سببا للتشاتم بين أبناء الدول العربية، أو معايرة بعضهم بعضا، أو ادعاء أن شعبا بكامله من الخائنين، وشعبا آخر لا يضم سوى النبلاء والمناضلين. يجب أن تكون هناك وقفة ضرورية مع حالة العداء، التي تظهر في تلك الوسائط، بين أبناء الدول العربية، التي لا يمكن أن تحظى بأسباب موضوعية يمكن تفهمها. الفتنة بين أبناء الدول العربية على وسائل «التواصل الاجتماعي» مُصطنعة، وتحظى بتدبير وموارد، والاستسلام لها، وتأجيجها، سيؤدي إلى عواقب وخيمة.
إنجازات مبهرة
عقب التوصل لاتفاق الهدنة القصيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، ارتفعت أصوات في العالم العربي متسائلة عن جدوى عملية طوفان الأقصى، بحجة أن تحرير 150 أسيرا ثمنهم 15 ألف شهيد هي عملية خاسرة بكل المقاييس. ورغم بعض الوجاهة الظاهرية في هذا الكلام، إلا أن النظرة المتأنية التي تبناها أسامة غريب في “المصري اليوم” تكشف أن العملية الفلسطينية كانت لها آثار غائرة أحدثت زلزالا في المجتمع الإسرائيلي، ففضلا عن آلاف القتلى والجرحى في صفوف العدو، فإن العملية المباغتة صدّرت الفزع إلى المجتمع الذي اعتاد أن يرعب أهل فلسطين، بينما يتمتع بالأمان، وكان من نتائج غارة 7 أكتوبر/تشرين الأول إخلاء مستوطنات غلاف غزة بالكامل من المستوطنين، غير إخلاء المستوطنات المتاخمة للحدود اللبنانية، وهذا جعل الانتشار السكاني ينكمش وينضغط في اتجاه الوسط.. فهل هذه النتيجة كانت لتتحقق دون تضحيات؟ كما أن الاجتياح الفلسطيني في ذلك اليوم كشف أن الجيش الإسرائيلي غير منيع، وأن في الإمكان خداع مخابراته ذات السمعة الأسطورية، وهذا زعزع ثقة المستوطنين في أجهزتهم، وقدرتها على حمايتهم ودفع عشرات الآلاف إلى مغادرة إسرائيل بالفعل، وفى الطريق أضعافهم إذا ما طال القتال.. فهل مثل هذه النتيجة كانت لتتحقق بالمجان؟ وإذا نظرنا إلى حجم التغير في وجهة النظر الشعبية في دول الغرب، وتفتّح أعين الناس هناك على حقائق الصراع التي كانوا يجهلونها بعدما تعودوا لعشرات السنين أن إسرائيل حمل وديع يحارب وحوشا يتربصون به. هذه الصورة الزائفة التي رصدها أسامة غريب تم كشفها على نطاق واسع، فعرف العالم أن إسرائيل كيان إجرامي، وأن جيشها منظمة إرهابية تقتل الأطفال وتمنع الماء والغذاء والكهرباء عن المدنيين وتقصف المستشفيات، وهذه المعرفة ليست أمرا هينا، فمن شأنها أن تؤثر في مواقف الساسة المنتخبين وتسحب التأييد المجاني الذي تمتعت به إسرائيل دوما. هل هذه النتيجة لا تساوى شيئا؟ ولمن يظن أن المقاومة في غزة جلبت الدمار لشعبها نقول إن السلطة في رام الله، لم تستطع منع تساقط الشهداء كل يوم واقتحام البلدات وترويع الناس دون سبب، فهل سالمت إسرائيل من سالموها، وهادنت من استسلموا لها؟ قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول لم يكن أحد يحفل بالفلسطينيين الذين كانوا يختنقون في صمت، لكن بفضل التضحيات أصبحت القضية حية تضغط على ضمير العالم الذي شاهد حجم التوحش والغدر الإسرائيليين، وهذا من شأنه أن يجدد منابع المقاومة على الدوام، فهل يمكن أن يحدث هذا دون ثمن؟ إن المثير للدهشة أن أصحاب الأصوات التي صورت النضال انتحارا لم يُعرف عنهم حبهم للفلسطينيين ولا ولاؤهم للقضية، وأنا لا أقصد بكلامي هذا إقناعهم بشيء لأنهم في الحقيقة يعرفون الحقيقة.. هي فقط محاولة لإبطال السم الزعاف ومنعه من أن يصل إلى عروق الطيبين والبسطاء من أهلنا.
ضمائر ميتة
يشعر كثير من العرب وغيرهم بدهشة، إلى جانب الحزن والغضب والاحتقار، إزاء تجرد معظم السياسيين في الولايات المتحدة، ومعهم كثيرُ من الأمريكيين، من الضمير وافتقادهم الأخلاق وعدم إحساسهم بأي ألم، أو ذنب وهم يتابعون مذابح لا سابقة لها من حيث كثافتها، في منطقةٍ بالغة الصغر. يتساءل الدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرام”: لكن لِم الدهشة وهذا تاريخم شاهدُ عليهم خلال موجات استيطان ما كان يُعرف بالعالم الجديد. مذابحهم الرهيبة التي قُتل فيها عددُ يتعذر إحصاؤه من السكان الأصليين هي الأطول زمنا في التاريخ البشري. بدأت منذ وصول كريستوفر كولومبس في آخر القرن 15 (عام 1498)، بعد أن بلغ الجزر الكاريبية في رحلته الأولى 1492، واستمرت على فترات حتى مطلع القرن العشرين. أكثر من أربعة قرون ارتُكبت خلالها آلافُ المذابح الكبرى بهدف إبادة السكان الأصليين، الذين أطلق المجرمون القاتلون عليهم “الهنود الحُمر”. كان كولومبس ورفاقه هم القَتلَة الأوائل. غدروا بمن احتفوا بهم، تماما مثلما فعل الصهاينة مع الفلسطينيين، فسلبوا أرضهم وقتلوا من قاوم منهم. وقد وثَّق الكاتب السويدي لورنس بيرجيني ما تيسر أن يعرفه ويُحققه عن تلك المذابح الأولى في كتابه “كولومبس: الرحلات الأربع”. أُبيدت قبائل بأكملها، مثلما مُحيت عائلات فلسطينية في غزة من السجل المدني. وكانت المذبحة الكبرى الأخيرة في مطلع القرن الماضي، وفق ما أمكن لباحثين توثيقه في ظل قيود شديدة على حرية البحث في هذا المجال. فقد أُبيدت قبيلة الأوساج، التي كانت تقطن منطقة نائية في ولاية أوكلاهوما، عندما اكتُشف النفط فيها ولحقت بسابقاتها، ولم تفلح محاولات السلطات الأمريكية في مختلف المراحل منع انتشار المعرفة بهذا التاريخ الأسود في المجتمع. فقد ازدادت هذه المعرفة، ولكنها لم تؤد حتى الآن إلى شعورٍ بالذنب يقود إلى رفض ارتكاب جرائم مماثلة، إلا في أوساطٍ محدودة من الأمريكيين. وهؤلاء هم من يتظاهرون الآن في كثير من الولايات، ويصدرون بيانات للتنديد بمذابح غزة ويطالبون بوقفها. أما الأغلبية فيبدو أن تاريخهم الدموي يخلق لديهم مناعة ضد الشعور بالألم لما يحدث في غزة، ويدفعهم إلى التمسك بالأكاذيب الصهيونية.
سم العم سام
يستمع خالد حمزة في “المشهد”، لكلام أنصار إسرائيل ويشاهد تعابير وجوههم؛ وهم يتحدثون ويبكون على ضحايا وحوش حماس، الذين باغتوا إسرائيل واحة الديمقراطية، وسط عالم من الديكتاتوريين ومغتصبي السلطة وشعوب راضية قانعة، لم تسمع يوما عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ كما يعرفها الطفل المدلل إسرائيل، لا تصدقوهم.. إذا كان حديثهم البراق عن الحرية وحقوق الإنسان؛ ولا تلتفتوا لتصريحاتهم المنمقة عن الفقر والجوع حول العالم؛ أو عن وعودهم التي مثل كلام الليل المدهون بزبدة؛ الذي إذا طلع عليه الصباح: ساح؟ والكلمات عن الحرية التي يصدع بها الأمريكيون رأسك ليل نهار؛ ولكن أين حرية الأمريكان أنفسهم داخل بلدهم؛ وأين حقوق أهل ميسوري من السود والمهاجرين؛ وأين أبسط قواعد حقوق الإنسان للهنود الحمر أهالي أمريكا الأصليين؟ يحدثونك عن العدالة الاجتماعية؛ ولكن أين عدالة العم سام التي تدوس كل يوم ملايين الأمريكيين المنتظمين في طابور لا ينتهى من بطالة وإدمان وضياع وأمل في غد أفضل لا يأتى أبدا؛ أو في عيش وحرية وعدالة اجتماعية على طريقة الثورات العربية؟ يقولون إنهم مع حرية الشعوب في تقرير مصيرها؛ ولكن أين كلامهم من التدخل الأمريكي السافر في سوريا والعراق وليبيا؛ بل في الحديقة الخلفية للعم سام في بلدان أمريكا اللاتينية؟ ثم أين كل ذلك من انتهاكات أمريكا شبه اليومية من معسكر غوانتانامو سيئ السمعة؛ للتدخل في انقلابات وتغيير رؤساء وعروش حول العالم؛ وفي تسريبات ويكيليكس التي عرت أمريكا كلها من ثوب الخشا والحياء؟ وتحدثنا عن الخصوصية، ولكن أين ذلك من بلد يتجسس على العالم كله؛ بوسائله المتنوعة؛ التي جندها كلها لخدمة مصالحه؟ لا تنخدعوا بدعاية العم سام.. فكلها سيناريوهات مكتوبة ومعدة مسبقا وبإخراج هوليوودي مشوق وجذاب ومحكم؛ ولا تنساقوا وراء شعاراته؛ التي أغرقت العالم كله في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل سوى خدمة مصالح الإمبراطورية الأمريكية؛ على حساب بقية العالم هي ديمقراطية زائفة.
خديعة مكشوفة
هل من الممكن أن ينجح نتنياهو في خداع النخب الإسرائيلية السياسية، من معارضيه ومنافسيه، وأن يُدخِل عليهم الغش بأنه انتصر في غزة؟ واصل أحمد عبد التواب أسئلته في “الأهرام”: هل يمكن أن يُصدِّق هؤلاء أكاذيبه، ويُكذِّبوا الأخبار المناقِضة التي بدأت تشيع من مصادرها الموثوقة؟ وهل يمكن أن يغفلوا عن قوة علامات الفشل، خلال الأيام الأخيرة، في لغة جسده: نبرة صوته، وإطراقة عينيه، وانكساره وهو ينصت، وهبوط كتفيه وهو يتكلم، وتردد خطوته على الأرض، واهتزاز وقفته أمام الكاميرات؟ ثم هل يمكن أن يتهاون هؤلاء في مدى الإساءة التي تسبب فيها لإسرائيل أمام العالم بجرائم الحرب الرهيبة، التي تعودوا أن تضع حكوماتهم عراقيل أمام إشاعتها في العالم؟ وهل يمكن أن يغيب عن هؤلاء أنه بعد أكثر من 7 أسابيع لم يحقق خطوة واحدة نحو أهدافه التي أعلنها عن قدرته على القضاء التام على حماس، وعلى الإفراج عن أسراه بقوة السلاح واستعادتهم سالمين إلى أهلهم؟ ثم ماذا سيكون موقف حلفائه من الدول الكبرى وهم يرون الهوان البالِغ لسُمعة سلاحهم فائق التطور الذي أمدوه به مجانا، ولكنه منح مقاتلى حماس فرصة أن يدمروه بهذه السهولة؟ أما السبق الذي حققته سياسات نتنياهو على يد جيشه في غزة فهو يزيد من تشويه صورتهم في العالم، مما يرجح، إضافة إلى تهم جرائم الحرب، أن يكونوا أول من يتعرضون لتهمة اقتراف جرائم تلويث البيئة، وانتهاك العدالة المناخية، وأن يكونوا أول من يُطالَب بدفع غرامة عن الأضرار البيئية، بعد أن ثبت أنهم استخدموا أسلحة تلوث مخلفاتها التربة، كما أن تهديدهم بالقنص للفلسطينيين إذا سعوا لدفن موتاهم، جعل عمليات الدفن تجرى على عجل في حفر ضحلة، ما جعل الجثامين القريبة من السطح تُتْلِف الأرض الملامسة للهواء، ثم بفرض صحة اتهامه لبعض قادة جيشه بالفشل والتقاعس، فإن هذا لا يعفيه من مسؤولية التخطيط، أو على الأقل الموافقة على خطط، للإفراج عن أسراه بالقوة، وهى مهمة سقط فيها بنسبة 100%، فلم يتمكن من الإفراج عن أسير واحد، ولم ينجح في العثور على جثمان واحد لأحدهم، ثم إنه استسلم بمهانة لشروط حماس بالتفاوض حول تبادل الأسرى، ورضخ سريعا للإفراج عن معتَقَلِين فلسطينيين، وهو ما كانت تماطل فيه الحكومات الإسرائيلية السابقة.
نوبل يستحقها الأكثر جدارة
لا يجد كارم يحيى في “المشهد”، من يستحق “نوبل للسلام” أكثر ممن سطروا وما زالوا ملحمة هذا الصمود الأسطوري في كل مستشفيات غزة. تتشرف “نوبل للسلام” بهؤلاء العاملين بلا كلل ولا تعب ولا يأس، الصامدين في محرقة الجوع والعطش وقطع الكهرباء والوقود والاتصالات ونقص المستلزمات الطبية والأدوية، وتحت نيران الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا بلا نوم أو راحة. تتشرف كل الجوائز والتكريمات العالمية بهؤلاء البشر الأبطال، من بقي لرعاية حالات حرجة وأطفال مبتسرين، ومن غادر منهم قسرا باكين مستشفياتهم وغرف العناية المركزة والعمليات تحت حراب المحتل وتهديداته، حاملين على أكتافهم المرهقة الواهنة من تبقى من جرحاهم ومرضاهم الذين لا يستطيعون السير على الأقدام. وقد شقوا طريقهم في مشاهد “خروج تراجيدية” باحثين عن مستشفى آخر ما زال يعمل، وسط الظلام والبرد والدمار والخراب وبقايا الجثث المتعفنة، ومعها صرخات استغاثة الجرحى والمرضى، وكل المشرفين على الموت بلا رحمة من قادة وجنرالات ورجال اقتصاد وصناعة سلاح وإعلام شركاء في الإجرام، ومعهم الأكاذيب والإفتراءات العبثية المجنونة لاستباحة مستشفيات لا يوجد أي مبرر يسمح بالعدوان عليها. هم الأحق بنوبل للسلام، في هذه المنطقة البائسة المنكوبة بالصهيونية والاستبداد، ومقارنة بالديكتاتور السادات وشريكة السفاح بيغين في جائزة عام 1978 غير المستحقة. وحتى تنصفهم هذه الجائزة العالمية، إن تعقلت وأنصفت وتخلصت من الأهواء الفاسدة، أو تخترع الإنسانية لهم جائزة أرقى وأهم وأعدل، لا بد من أن ترتفع في ميادين المدن العربية وغيرها من حواضر الشعوب المحبة للحرية والسلام تماثيل ونصب تذكارية ولافتات تحيي وتخلد نضالهم الإنساني والوطني والتحرري. وبالطبع ما يزيد على المئتي شهيد بين الأطباء وحدهم، وأعداد أخرى من زملائهم ومساعديهم شهداء وجرحى ومختطفين معتقلين عند الاحتلال، هم الأحق بهذا الحضور في كل الفضاءات العامة الممكنة من أي زعيم يحكم، خاصة من نوعية الطغاة الأبديين في “دولة الشخص”.
مواقف كاشفة
في الوقت الذي كانت فيه الأزمة التي شهدها قطاع غزة كاشفة إلى حد كبير لما آل إليه العالم من ازدواجية في المعايير، إلا أنها كشفت من وجهة نظر بيشوي رمزي في “اليوم السابع”، أن ثمة تغييرا كبيرا وواسعا في النظام العالمي، وإن كان لم يتغير بعد، فعلى الرغم من استمرار الهيمنة الأحادية الأمريكية، إلا أنها لم تعد قادرة على الاستئثار بالمكاسب لحلفائها، دون غيرهم، كما أنها لم تعد المتحكمة في زمام الأمور بمفردها، في ظل صعود قوى دولية، ربما ما زالت بعيدة نوعا ما عن القضية الفلسطينية، إلا أنها باتت تمتلك من الثقل الدولي الذي من شأنه إرباك الولايات المتحدة، وحلفائها، حال دخولهم على خط الأزمة، ناهيك عن بزوغ الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الإقليمية، بعيدا عن الدوران في فلك واشنطن، كما جرت العادة لعقود طويلة من الزمن، وهو ما يتجلى في أبهى صوره في الإدارة الحكيمة للدولة المصرية للأزمة منذ اندلاعها، التي اتسمت بالاستقلالية المطلقة، والقدرة على حشد المجتمع الدولي وراءها. فعلى الرغم من الدعم الذي حظت به إسرائيل من حلفائها، مع بداية العدوان الوحشي على قطاع غزة، نجد أن مخططاتها باءت بالفشل في نهاية المطاف، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية، من بوابة الدعوة إلى تهجير سكان غزة، وهو ما قوبل بالرفض المطلق من الدولة المصرية ومن ورائها الإقليم بأسره، في انعكاس للتغيير الكبير في المشهد العالمي، إلى الحد الذي تواجه فيه سلطات الاحتلال لأول مرة منذ النكبة فشلا دبلوماسيا بهذا الحجم، في ظل اعتمادها المطلق على الطرف الأقوى في المعادلة الدولية، منذ عقود طويلة من الزمن، وهو ما ينطبق كذلك على تذرعها بحجة “الدفاع عن النفس” على خلفية “طوفان الأقصى” للإمعان في قصفها الوحشي على المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال، دون ردع أو رادع، وهو ما كان يؤتي ثماره من قبل، ولكن الأمور لم تسير كما جرت العادة هذه المرة مع تغير المواقف الدولية.
مشهد جديد
يبدو على حد رأي بيشوي رمزي أن استثنائية العدوان على غزة هذه المرة لم يقتصر على الوحشية غير المسبوقة، أو الدعوات المشبوهة، التي عكست رغبة الاحتلال الملحة لتصفية القضية الفلسطينية، وإنما أيضا في قدرته على كشف حالة الارتباك المهيمنة على المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، والشكوك المتزايدة حول قدرة واشنطن على القيادة المنفردة للعالم، وهو ما يمثل أحد إرهاصات نهاية الحقبة الأحادية، التي تمثل امتدادا للعديد من المشاهد السابقة، ربما أبرزها أزمة الوباء والأزمة الأوكرانية، ما تخللهما من شقاق داخل أروقة الغرب، تعكس بجلاء تلك الحالة الضبابية التي باتت تهيمن على المشهد العالمي. فإذا ما اعتبرنا أن الوباء، يمثل برهانا قويا على صعود الصين، في ظل قدرتها على احتوائه، وتقديم المساعدات للدول الأخرى، في الوقت الذي عجزت فيه الولايات المتحدة على القيام بالدور نفسه، بينما كانت أوكرانيا، دليلا على استعادة روسيا قدرا كبيرا من نفوذها الدولي، في إطار قدرتها على فرض رؤيتها في محيطها الجغرافي، بينما لم تستطع واشنطن حماية حلفائها، فإن غزة تمثل نموذجا أكثر وضوحا للتغيير الكبير في النظام العالمي، ليس فقط في ما يتعلق بعجز الحليف الأكبر والأهم لإسرائيل على إضفاء الشرعية لأهدافها، وإنما أيضا في ما يرتبط بمسألة “الرعاية” الأحادية للقضية الأهم والأكبر والأطول أمدا في العالم، وهو ما يبدو في خروج حلفاء واشنطن عن الخط الذي طالما رسمته لهم، خلال أسابيع محدودة.
مؤامرة قديمة
وفي “الوفد” يتابع جمال رشدي، ما قاله الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، من إن التخطيط لقطع مياه النيل عن مصر بدأ منذ أكثر من 800 عام، حيث حصل الرحالة فاسكو دي غاما، على تعليمات من البابا إسكندر الثالث بقطع مياه النيل عن مصر شارحا تفاصيل ما حدث بقوله، إن فاسكو دي غاما تلقى تعليمات من البابا إسكندر الثالث باكتشاف طريق لافريقيا آخر بخلاف مصر، وقال له إن هناك معلومات بأن هناك في شرق افريقيا ملك، اسمه يوحنا «ملك الحبشة»، أرسل له بعثة لتحويل مياه النيل التي تذهب إلى المصريين بعيدا عنهم، بها نقضى على مصر نهائيا، وقد درس الاحتلال الإيطالي لمصر أيضا قطع المياه عن مصر بتحويل نهر النيل إلى المحيط، ولكن لم ينجح أي مخطط بسبب الانحدار الشديد لمجرى النهر من الجنوب إلى الشمال. وما بين الماضي البعيد من المخطط، وواقع تنفيذه المتمثل في إقامة سد النهضة عام 2011 تقود الدولة المصرية حربا ضد صراع متعدد الأذرع مع أحفاد قادة المخطط القديم، في أصعب معاركها عبر التاريخ «معركة الوجود»، فساد النهضة هو السنارة الكبيرة الذي أراد الأعداء اصطياد الجيش المصري بها عبر الكثير من المواقف والتصريحات الاستفزازية من الجانب الإثيوبي، ولكن كانت الرؤية المصرية عظيمة ورائعة، مثلما كانت في أحداث ليبيا والسودان التي كانت تهدف جميعها لصناعة مستنقع للدولة المصرية وجيشها، حتى تأتي اللحظة الحالية المخطط لها في حرب غزة، ويتم تنفيذ أهم أهداف مخطط الشرق الأوسط الجديد عن طريق تهجير أهل غزة إلى سيناء، ومن ثم تحويل إسرائيل إلى مرتكز مستدام للاستعمار الغربي يربط الشرق بالغرب عن طريق حفر قناة «غوريون» الإسرائيلية الملاحية، وربطها تجاريا مع دول الشام والخليج وتلاقي ذلك مع طريق الهند الآسيوي الواصل إلى أوروبا، كل ذلك سيعزل مصر كليا ويؤدي إلى خنق الوجود فيها وهنا الإجابة الصادقة للسؤال المطروح والمدفوع بالخوف على مستقبل مصر، وهو لماذا لم يتم ضرب سد النهضة؟ ولذا فنحن على مشارف انتصار تاريخي للدولة المصرية، ذلك الانتصار سيكتبه التاريخ ليكون مرجعا ليس لدول المنطقة فقط، بل لكل البشرية، ومع ذلك الانتصار ستكون مصر قوة عظيمة داخل نظام عالمي متعدد الأقطاب.
خطأ مطبعي
أوهم أشرف عزب في “الوفد” نفسه كثيرا بأن الارتفاعات غير المسبوقة في الأسعار، سواء المكتوبة منها على السلع أو التي نتلقاها شفاهة عن طريق حاسة السمع، هي من قبيل تلك الأخطاء المطبعية التي تقع فيها بعض الصحف دون قصد، تلك الأخطاء التي يتبدل فيها حرف مكان آخر أو يتغير، فيتحول المعنى كما اوضح الكاتب إلى النقيض، ويكون سببا في أزمات كبيرة، مثل كلمة «يتجول» التي حل فيها حرف «الباء» مكان «الجيم»، أو كلمة «العامر» عندما أخذ حرف «الهاء» مكان «العين»، والأمثلة في هذا الشأن كثيرة، ومن المؤكد كما أوهمت نفسي أن عملية تحجيم الأسعار حدث بها خطأ مشابه للأمثلة السابقة، فتحول المعنى من «تحجيم الأسعار» إلى «جحيم الأسعار»، وسوف يتم تدارك الأمر في أسرع وقت مصحوبا برسالة اعتذار عن هذا الخطأ من الحكومة، أو أي مسؤول فيها أو عنها. هذا المسؤول الذي يغضب غضبا شديدا إذا اقترن اسمه بخطأ مطبعى غير مقصود، فيسارع برفع دعوى قضائية لرد اعتباره، وبعد وساطة الأصحاب والأحباب تهدأ ثورته، وينكمش غضبه، ويقتنع في النهاية بأن ما حدث كان خطأ مطبعيا مجردا من سوء النية، فيقبل الاعتذار، وعفا الله عما سلف، في ظل هذا الوهم الذي أقنعت نفسي به قليلا، أردت أن تتبدل الأدوار، فيسارع المسؤول عن هذا الخطأ المطبعي الذي تسبب في هذه الحالة الجنونية من ارتفاعات الأسعار أن يقدم لنا اعتذارا، ثم نتفهم هذا الخطأ ثم نقبل هذا الاعتذار، ويمر الأمر كأن شيئا لم يكن، ولكن للأسف الشديد لم يكن الأمر كذلك ولن يكون. فاستمرت معدلات التبريرات في النمو، وأخذ عدد «الشماعات» في الازدياد، وعلينا كمستهلكين أو «زبائن» ليس فقط الاقتناع بتلك الأسباب، بل التصفيق لها أيضا، لأن الأمر أكبر من قدراتنا على الاستيعاب، وأوسع من نطاق تصوراتنا للأشياء، وهذا ما أشار إليه أحد الإعلاميين وقال: «يجب أن لا يشغلنا أكل ولا شرب ولا غاز ولا كهرباء، ويجب أن لا نقول كيلو السمنة أو السكر بكام، لأن الموضوع أكبر من كده، الموضوع فوق خيالك»، وقال هذا الإعلامي: “إن البلد النهارده عاوزة كل واحد صامد وواقف معاها وأن أنسى حالي الشخصي، فالأمن القومي يتعرض للخطر”.
تبريرات زائفة
مع يقين أشرف عزب بأن الأخطار تحيط بنا من كل مكان، وأن الزيادة السكانية تلتهم ثمار الإصلاح، وأن تقلبات الطقس والتغيرات المناخية تؤدي إلى نقص بعض السلع الغذائية، بالإضافة إلى تلك التوترات العالمية القريبة منا والبعيدة عنا، كل هذه العوامل تؤثر في الأسعار وتؤدي إلى ارتفاعها، ويجب ألا ننسى إضافة بند جشع بعض التجار إلى القائمة السابقة، والسؤال هنا: ما الخطط التي وضعتها الحكومة مسبقا لمواجهة مثل هذه التحديات؟ وأين الرؤى المستقبلية التي رسمتها الحكومة للحد من هذه الأخطار وتأثيرها؟ نحتاج إلى إجابات مقنعة من السادة المسؤولين، إجابات لا يكون مفادها استبدال حالة الشكوى بحالة الحمد و«بوس الأيادي وش ودهر» على ما وصلنا إليه، وأنه لولا الجهود المضنية التي تقوم بها الحكومة لكانت الأسعار أشد فتكا وإعصارا، ثم نحتاج إلى الخروج من دوامة الاتهامات المتبادلة بين التاجر والحكومة، وأيهما السبب والمتسبب في تلك الارتفاعات الجنونية التي أصابت كل القطاعات تقريبا، فهذه الاتهامات ليست جديدة أو وليدة اللحظة. نحن في حاجة إلى مسؤول يلعب دور الوساطة في عملية صلح معقدة بيننا وبين الفول والطعمية والكشري والعدس والبصل والسكر وباقى السلع الغذائية، التي ارتفع سعرها وخاصمت موائد البعض منا، نحن في حاجة إلى عملية صلح وإصلاح بين هياكل الأجور والأسعار، نحن في حاجة إلى من يرى أن الزيادة السكانية ثروة يمكن استغلالها، وطاقة قادرة على الإنتاج وتجاوز المستحيل وليست عبئا يلتهم ثمار كل شيء