«حزب الله» بعد نصر الله: بازار طهران؟

حجم الخط
14

نجاح إرهاب الدولة الإسرائيلي في اغتيال حسن نصر الله ضربة موجعة، لعلها الأقسى في تاريخ «حزب الله»، على الأقلّ منذ 1992 حين تولى الأخير الأمانة العامة؛ لكنها، حتى يثبت العكس ربما، ليست قاصمة للظهر على نحو يُقعد الكثير من، أو غالبية، قدرات الحزب الهائلة في ميادين عسكرية وسياسية وعقائدية ومجتمعية. ولعلّ المبدأ الشهير القائل بأنّ الأمور بخواتيمها، لا يسري على حال الهيكلية القيادية العليا للحزب في هذه المرحلة الانتقالية الشائكة والغائمة، مقابل مبدأ آخر أبسط في الواقع، يقول بقراءة المكتوب من عنوانه الأوّل.
فإذا استقرّت طهران، قبل مجلس شورى الحزب ذاته وكوادره، على شخص هاشم صفيّ الدين في موقع الأمين العام فهذا يعني أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي سوف يستمرئ اللعبة مع بنيامين نتنياهو تحت عناوين دنيا، مثل المناوشات المحدودة والاستنزاف غير اللائق بالمسمّى، والكاتيوشا بدل الصاروخ بعيد المدى، والإسناد بدل الحرب المفتوحة؛ فضلاً عن اجترار تعبير «وحدة الساحات» الذي اتضح مراراً أنه لغو لفظي واهي الدلالة وفاضح المعنى. غير مستبعَد، وإنْ كان أضعف احتمالاً، أن تستقرّ طهران على شخص نعيم قاسم، نائب نصر الله الرسمي، الأكثر اقتراباً من صفة الواعظ في حوزة شيعية منه إلى آمرٍ عسكري شاكي السلاح والبلاغة والعنفوان مثل نصر الله؛ وعندها سوف يكون خامنئي قد تجرّع كأس السمّ على غرار الخميني ساعة قبول السلام مع صدام حسين، وانحنى أمام كابوس عودة الحزب إلى أدوار «السيطرة الناعمة» في لبنان خلال أطوار التأسيس المبكرة أواسط ثمانينيات القرن المنصرم وقيادة صبحي الطفيلي وعباس الموسوي.
غير مرجّح، في المقابل، أن تشهد ثقافة الحزب العقائدية (وهي منهاج سياسي وعسكري واجتماعي، في البدء كما في نهاية المطاف) تحوّلات على منوال المراجعة أو التراجع أو التعديل، بصدد الخطّ المركزي الناظم الذي أوضحه نصر الله بجلاء ما بعده جلاء: «نريد أن نقول لكلّ عدو ولكلّ صديق، نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم»؛ وأيضاً: «نحن حزب الله. الحزب الإسلامي الشيعي الإمامي الإثنا عشري»؛ وفي الجوهر الأعمق والأبعد، مشروع الحزب هو «أن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان، ونائبه بالحقّ الوليّ الفقيه»، الإمام الخميني ساعتئذ، ثمّ خامنئي لاحقاً وحتى اغتيال نصر الله.
وما لم تتبدّل علاقة طهران مع رأس النظام السوري بشار الأسد، على نحو يُداني الخصام والفراق أو حتى الطلاق غير المعلَن، فإنّ احتلال «حزب الله» لأجزاء من الأراضي السورية سوف يبقى على حاله، لأنّ القرار الإيراني هو الفيصل الذي يُماثل أو يميّز بين نصر الله وصفي الدين وقاسم؛ لأنهم سواء في الخضوع لإرادة الولي الفقيه. والسوريون الذين ابتهجوا لاغتيال نصر الله لم يمتلكوا، أغلب الظنّ، رفاه مثقف ممانع في بيروت أو عمّان أو تونس أو رام الله يساجل بأنّ جرائم الحرب التي ارتكبها «حزب الله» في سوريا يجوز غفرانها، جزئياً أو تماماً، لأنّ من اغتال نصر الله إرهابي إسرائيلي وعدوّ مشترك أوّل.
السوري، كما كاتب هذه السطور، لا يملك، ولا يصحّ أصلاً، أن ينسى مواقف نصر الله العتيقة والمزمنة في مساندة النظام السوري، قبل انتفاضة 2011 وبعدها؛ وبعض الذروة في استعداء الشعب السوري على «حزب الله» وأمينه العام كان ذلك الخطاب الشهير حين أعلن نصر الله أنه مستعدّ للنزول شخصياً إلى سوريا والقتال فيها. وقبل سنوات سبقت الانتفاضة، واجتياح مقاتلي «حزب الله» أرجاء سوريا طولاً وعرضاً، وارتكاب جرائم حرب شتى؛ هذه سطور حمّلت نصر الله شخصياً إثم مَسْخ بلد عريق إلى مجرّد «سوريا الأسد»، نظام الاستبداد والفساد والتوريث وحصار تل الزعتر واليرموك… ومنذ 2005 ساجلت هذه السطور بأنّ «غلطة السيد بألف مما نَعدّ لسواه»، حين شاء في خطاب علني «توجيه الشكر لسوريا الأسد، لسوريا حافظ الأسد، لسوريا بشار الأسد».
وقد يُنصح لائمو المبتهجين باغتيال نصر الله أن يشفقوا على حزبه، صاحب تاريخ لا يُنكر في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، من تكرار غزوة بيروت 7 أيار (مايو) 2008؛ حين انتشرت عناصر الحزب المسلحة في شوارع العاصمة، وقطعت طريق المطار، بمشاركة عناصر مسلحة من حركة «أمل» والسوري القومي الاجتماعي وبعث النظام السوري. صعب ربما، في المقابل، أن تُنتظر منهم مراجعة عادلة لذرائع «حزب الله» في المساندة العسكرية لنظام الأسد، من طراز أكذوبة «الدفاع عن «المراقد الشيعية» في سوريا، وإشعال جذوة الحمية المذهبية عن طريق انتحال صفة الضحية، وعلى النحو الأشدّ استدراراً للشعور العصبوي الجَمْعي، كما في هتاف نصر الله الشهير: «قولوا رافضة. قولوا إرهابيون. قولوا مجرمون. اقتلونا تحت كل حجر ومدر، وفي كل جبهة، وعلى باب كلّ حسينية ومسجد، نحن شيعة علي بن أبي طالب»!
والأرجح أن الوقت لن يطول قبل أن يقرر الولي الفقيه مصير «حزب الله» ما بعد نصر الله، ليس بهدي من فرائض الإمامة الإثني عشرية أوّلاً، بل انطلاقاً من معدلات أرباح أو خسائر البازار الإيراني الشهير!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فريد:

    بعد اغتيال حسن نصر الله الذي هزّ المشهد السياسي في لبنان والمنطقة، تبرز تساؤلات عميقة حول مصير التوازنات الطائفية والتحالفات الإقليمية التي طالما اعتمد عليها لبنان. هذا الحدث الصادم قد يعيد تشكيل الخارطة السياسية اللبنانية، خاصة في ظل تعقيدات التنافس الطائفي. لبنان يواجه تحديات كبرى تتجسد في التنافس الطائفي الذي لم يعد محصورًا بين القوى السياسية، بل انتقل إلى الشعب، مما يجعل أي حركة احتجاجية أو انتفاضة شعبية تبدو مجرد لحظة غضب عابرة. الانقسامات الطائفية العميقة تكرّس هذا الوضع، وتضعف قدرة اللبنانيين على الوحدة حول هدف وطني مشترك. من جهة أخرى، يرى العالم لبنان على أنه مجموعة من الطوائف المتصارعة، ولكل طائفة عراب إقليمي أو دولي، مما يعزز هذه الانقسامات ويحدّ من فرص بناء مشروع وطني حقيقي…

  2. يقول فريد:

    …القوى المسيحية، على وجه الخصوص، تعاني من ضعف داخلي كبير بسبب الانقسام الحاد، مما يجعل من الصعب عليها التأثير ككتلة واحدة. (وبالمناسبة، الرعاية الفرنسية للمسيحيين في لبنان ليست بالحصرية أو المطلقة كما قد يعتقد البعض، بل هي جزء من سياسة خارجية تسعى إلى تعزيز دور فرنسا في المنطقة بشكل عام، بعيدًا عن الانحياز لطرف معين. وهي ليست مثل إيران أو السعودية في تعاملها مع لبنان؛ فهي لا تسعى إلى دعم فصيل أو طائفة محددة ضد أخرى، على عكس الدول الإقليمية التي تعمل وفق أجندات مذهبية وطائفية واضحة). مع تراجع أعداد المسيحيين وتقلص تمثيلهم السياسي، يتفاقم الخوف من التهميش، خاصة في ظل غياب قيادة مسيحية قوية تستطيع توحيد الطائفة أو التأثير بشكل فعّال على السياسة اللبنانية. في ظل هذه الظروف، تبدو الانتفاضات الشعبية غير قادرة على تجاوز النظام الطائفي، حيث يعود الشعب إلى انحيازاته التقليدية عند أول اختبار. من هنا، يبقى الحل الوحيد أمام لبنان هو الإصلاحات السياسية الجذرية التي تشمل إلغاء النظام الطائفي أو تقليص تأثيره، وهذا يتطلب إرادة داخلية قوية وحركة شعبية مستدامة، بالإضافة إلى دعم وضغط دولي لتحقيق تغيير حقيقي ومستدام.

  3. يقول ابن الوليد. المانيا. (على تويتر ibn_al_walid_1@):

    رغم هذا الوضوح.. والكلام القوي الموثق..
    قد يطل علينا من يريد أن يتجرد السوري من الأنا الوجودية..
    ومن أسس كينونته كإنسان… ومن حقه في الحياة…
    ليعطينا سردية مغايرة تبجل في النهاية سماحته…
    .
    لا أدري كيف يستطيع البعض أن يتعالى بوجوده
    على وجود إخوة له… ويرى أن وجوده أهم من وجود
    أخيه… وعلى أخيه أن يذوب… ويصبح شفافا غير مرئي
    .
    من أجل وجوده هو… هو وفقط.. والآخر لا شيئ..

  4. يقول AR:

    هذا المقال لا يصح من كاتب مثقف عليه عبء الكلمة. اعتقد ان مثل هذا المقال، وحالة الابتهاج السائدة لدى معارضيي الدولة السوريه، كفيله لدعم رأي مناصري الدولة السورية بوضاعة المعارضة السورية وانحطاطتها وسذاجتها ليتم استخدامها كبيدق من قبل اسرائيل لتفتيت ما تبقى من جبهة الرفض.

    1. يقول طاهر العربي:

      إلى AR, بالعكس هذا دور المثقف فضح المفضوح اضهار الحق و ازهاق الباطل. ما فعله نظام عائلة آل الأسد بسوريا فاق كل التصورات اجراما تدميرا تنكيلا قتلا تعذيبا و تهجيرا…تحالفت الطائفية السياسية الإيرانية مع المصالح العائلية لآل الأسد في تسيير سوريا فصار شعارهم احكمكم أو اقتلكم…

  5. يقول على:

    مثلما رفع السيد الشهيد حسن نصر الله الراية بعد استشهاد السيد المجاهد عباس موسوي، سيواصل السيد المجاهد هاشم صفي الدين المرشح الأكبر لخلافته المسيرة، وعلى النهج نفسه، وربما بطريقة ونتائج اكثر قوة وفاعلية، لان السيد هاشم لم يعد ملزما بالكثير من القيود، والتحالفات، والمعادلات، وقواعد الاشتباك التي كانت تجد من حركة سلفه الشهيد نصر الله رحمه الله وادخله فسيح جناته.

  6. يقول طاهر العربي طنجة:

    كل لبناني يجب ان يفهم و يُفهم ان ولاءه للبنان و للبنان فقط.
    النظام الإيراني أبان عن برغماتية، و ماكيافيلية ماكرة في استبدال/بيع/متاجرة عملاءه في الشرق الأوسط مقابل مشروعه النووي الفارسي اولاً و اخيراً…
    مات الملك عاش الملك…و الأيام دول.

    1. يقول عيسى التلحمي:

      أيها العربي
      لا يمكن سلخ لبنان عن سوريا أو مصر عن ليبيا …. كلنا في قارب واحد ولن نتحرر الا بزوال الصهيوني
      لبنان اولا، الاردن أولا … كلها شعارات شوفينية هدفها تمزيق ألامة

  7. يقول مجتهد:

    صدق الكاتب المثقف والموسوعي السيد صبحي حديدي والمشهود له بالنزاهة والموضوعية وإن كان كلامه لا يعجب البعض لأن الحقيقة دوماً مرة. إنه بازار صفوي بامتياز كل شيء فيه قابل للتسليع حتى القدس عملوا منها سلعة بتسمية فيلق القدس وهو في الواقع فيلق الفرس!

  8. يقول صقر قريش:

    الشعب الفلسطيني العظيم المعجزة الفز بكل اطيافه ومقاومته الباسلة نعتوا جميعهم شهيد القدس الذي ضحى بحياته من اجل القدس مقاتلا عنيدا شرسا استشهد مقبلا غير مدير ولم يتراجع عن عهده بنصرة طوفان الأقصى واستشهد على العهد.
    هكذا تموت الأسود شامخة بالرغم من تكالب الضباع.

    1. يقول HAFZ:

      الى صقر قريش: لا ننكر موقف نصرالله وحزب الله من دعم ومساندة القضية الفلسطينية الذين ينتمون الى الطائفة الشيعية في الوقت الذي لم يقدم فيه اي سني دعما للقضية الفلسطينية و عندك دول الجوار السنية التي تتامر على القضية.كذلك لا ننسى ما اقتفه الحزب من اجرام ضد أبطال الثورة السورية الشريف قبل تقسيمها و بيعها بالدولار والجواز الاجنبي.

  9. يقول لؤي:

    مقالة ممتازة. لكن تصحيح. الخميني و ايران لم يتجرعا سم قبول انهاء حرب مع صدام، لانها انتصرت في تلك الحرب. في آخر سنتين للحرب، كانت القوات الإيرانية ترابض حول البصرة، و بعد ثمانية سنوات حرب كانت اغلقت المنفذ البحري للعراق، و شنت ضربات و حملات متتالية في شط العرب، كما اخرجت القوات العراقية من أراضيها قبل سنوات من ذلك التوقيت. — تلك الهزيمة هي من جعلت صدام يغزو الكويت بعدها بسنتين لحفظ ماء وجهه، و رد اعتبار لكبريائه الشخصي.

  10. يقول ييعربي ديمقراطي:

    أقرأ باستمرار مقالات الاستاذ صبحي خاصة في مجال النقد الادبي. انا ممن عارضوا دخول حزب الله الى سوريا و ايدت حق الشعب السوري في التحول الديمقراطي هناك. بنفس الوقت، لا انكر دور الحزب في ردع العدو الاسرائيلي في لبنان و حماية الشعب اللبناني و الفلسطيني الموجود هناك. لفت انتباهي ان الاستاذ صبحي لم يكمل الاقتباس عن السيد حسن نصرالله: ” هتاف نصر الله الشهير: «قولوا رافضة. قولوا إرهابيون. قولوا مجرمون. اقتلونا تحت كل حجر ومدر، وفي كل جبهة، وعلى باب كلّ حسينية ومسجد، نحن شيعة علي بن أبي طالب لن نتخلى عن فلسطين!” و اسقط “لن نتخلى عن فلسطين” وهي جوهر الموقف!

    1. يقول عابر س:

      (( و اسقط “لن نتخلى عن فلسطين” وهي جوهر الموقف! ))
      من يدري ربما هذه هي الذريعة التي يتذرّع بها الحزب وغيره للتدخل في شؤون البلاد لمصلحة إيران

اشترك في قائمتنا البريدية