حزب الله ولبنان بعد اغتيال نصرالله: سيناريوهات المستقبل

تتوالى الأحداث الجسام في المنطقة العربية، وفي كل مرة نقول إن ما قبل هذا الحدث ليس كما بعده، حتى بدت هذه العبارة مُملة، لأن مسار الما بعد يبقى هو مسار الما قبل نفسه في كل مرة. وبعد الإعلان الحاسم عن مقتل زعيم حزب الله في الغارة التي استهدفت بها إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت نهار يوم الجمعة الماضي، وردت هذه العبارة أكثر من مرة، مُرفقة بالعديد من التساؤلات في ما يتعلق بالحزب وأدواره المتعددة والمُعقدة لبنانيا وإقليميا. فما هي مُعطيات الواقع الذي أنتج هذه النهاية؟
يبدو أن العامل المفصلي في هذا الواقع، كان هو الزيارة السابقة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فالمُراقب للسلوك الإسرائيلي يجد وبوضوح أنه بعد عودة نتنياهو من واشنطن تبدّلت الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل كبير، فبدأنا نشهد عمليات اغتيال على مستوى القيادات العليا في حزب الله، ابتداء من مقتل مُحسن شكر، مرورا بتفجيرات منظومة اتصالات الحزب، ثم اغتيال قادة آخرين على التوالي، تلاه استخدام العدو الصهيوني سلاح الجو بفاعلية كبيرة وبشكل مُكثّف وواسع النطاق على مستوى مناطق جغرافية واسعة، وصولا إلى اغتيال الأمين العام للحزب.
وما زال العدوان مستمرا في مختلف المناطق من لبنان، كل هذا يُبيّن أننا أمام مُنعطف مختلف عما سارت عليه الحرب في مراحلها السابقة كُليّا. وواضح أن هناك قرارا على مستوى عال يقضي باستئصال كل العناصر القيادية في حزب الله، ومحاولة شل آلية عمل عناصر الحزب بشكل كامل. وعندما نستحضر المراحل السابقة نجد أن المرحلة الحالية مرحلة مختلفة تماما، حيث أن هنالك حالة حرب مفتوحة منذ نحو سنة، آليات العمل فيها باتت مختلفة عما كانت عليه في السابق. وعليه فإن النهج الجديد الذي يمارسه العدو الصهيوني، سواء في غزة أو لبنان هو نهج استئصالي، بمعنى أن العدو توصّل إلى نتيجة بأن الاستراتيجيات السابقة في المواجهات التي حصلت في كلا الجبهتين، لم تنجح في تأمين الحماية له، وكانت حالة الاستقرار النسبي، التي تلت تلك المواجهات عاملا مهما في زيادة الاستعداد ضده، في حين أنه والأمريكيين يريدون إعادة ترتيب المنطقة، بشكل يتيح لهم الإمساك بمفاصل القوى الأساسية فيها وإنهاء القضية الفلسطينية.

يحتاج لبنان إلى مشروع ترميمي على المستوى العام، والوضع المرتبط بحزب الله هو جزء من هذا الترميم في المشهد الكُلي وهذا يشير إلى التلازم بين الداخلي والخارجي في المسألة اللبنانية

أما في ما يتعلق بحزب الله اليوم، وبعد مقتل زعيمه، فإن التركيز يتلخص بطبيعة المرحلة المقبلة له في الإطار اللبناني. وهنا يأتي الحديث بأنه كان يُفترض بالحزب قبل أن يكون مؤثرا في الإقليم، بسبب كونه الأداة الرئيسية بيد إيران في المنطقة، أن يكون مؤثرا في الداخل اللبناني بشكل إيجابي، كما أن أعداءه الكُثر في الداخل بعضهم يرى أنه يعيق قيام دولة في لبنان، وأن اهتماماته الإقليمية تلعب دورا مهما في الوضع غير المستقر في البلاد، حيث كان دوره طاردا للوجود العربي في البلد، ما جعل بعض العرب يوقفون مساعداتهم للبنان، خاصة أنه انخرط في تدريب وتجهيز البُنية التحتية للكثير من الميليشيات في المنطقة، مثال على ذلك الميليشيات الحوثية والميليشيات العراقية وتشكيل فروع لها في سوريا. كما لعب دورا رئيسيا في الحرب في سوريا إلى جانب النظام السوري، وقاتل بشراسة قوى المعارضة وامتدت سلبياته لتطال الكثير من المواطنين الأبرياء. واليوم وبعد مقتل زعيمه بات لدى الكثير من المعارضين للحزب في الداخل اللبناني اعتقاد بأن الفرصة باتت مؤاتية لأن تعود للدولة اللبنانية سيادتها، وحجتهم أن حزب الله صادر قرار الدولة، وخاصم الدولة اللبنانية في حقها باحتكار القوة والسلاح، بعد أن رفض وبشكل قاطع تسليم سلاحه إليها، بل وسع من ترسانته العسكرية بشكل فاق ما تملكه القوى الصلبة في الدولة اللبنانية، وعليه قد يُثار هذا الملف في وجه الحزب في المرحلة المقبلة.
كما لا بد من القول إن الحياة السياسية اللبنانية ستكون فيها تغيرات أساسية، انطلاقا من أنه في المراحل السابقة، خاصة في العقدين الأخيرين، كان الانقسام اللبناني قد اتخذ منهجا تصاعديا منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وحتى اليوم، مع اختلاف الوتيرة مع الوقت ومع تبدل المشاريع. وكان الانقسام اللبناني ضمن مشروعين في المنطقة، فهناك فريق ضمن مشروع ما يسمى (محور المقاومة ووحدة الساحات)، وفريق آخر ضمن (المشروع الأمريكي) في المنطقة كرؤية بعيدا عن ما يسمى العمالة وغير العمالة، بمعنى أن السياق العام للتوجه في المنطقة ككل كان فيه صراع بين هذين المشروعين، وينعكس هذا الصراع على الداخل اللبناني بشكل واضح. بالتالي فإن حزب الله يُشكل أحد إشكاليات هذه الآلية التصارعية، والنتيجة أن لبنان دائما كانت لديه مشكلة في أن يكون ذا وحدة في السياق العام للتوجهات الخارجية، والانقسامات على مستوى المشاريع الإقليمية دائما تكون موجودة في التركيبة اللبنانية. لذلك حتى على الرغم من هذه التغيرات التي حصلت على مستوى ضرب بُنية الحزب بإطار القيادة وغيرها، لكن مسألة أن يكون هناك نوع من التماهي ضمن المشاريع المختلفة الخارجية ضمن التركيبة اللبنانية، هذا صعب جدا تحقيقه إلى حد ما بغض النظر عن التغيرات الأخيرة. يمكن أن تكون هنالك تسويات مؤقتة، كما حدث في الطائف والدوحة، ولكن حل هذه المعضلة بشكل جذري هو شيء مستحيل، حتى لو كان لحزب الله مكان في هذه التركيبة اللبنانية بشكل كامل. فهناك انقسام لبناني على الكثير من المستويات، لذلك الحديث اليوم عن محاولة إعادة بناء التجربة اللبنانية بطريقة مختلفة، ربما الحزب هو جزء من هذه المُعادلة، لكن هناك أجزاء أخرى تتعلق بالقوى التي كانت تتصارع في الحرب الأهلية، واستلمت مؤسسات الدولة وأحدثت الكثير من الفساد على مستوى تركيبة الدولة وإمكانياتها، لذلك يحتاج لبنان إلى مشروع ترميمي على المستوى العام، والوضع المرتبط بحزب الله هو جزء من هذا الترميم في المشهد الكُلي. وهذا يشير إلى التلازم بين الداخلي والخارجي في المسألة اللبنانية.
في ضوء ما تقدم يطرح البعض سؤالا مهما يتعلق بمستقبل حزب الله من الآن فصاعدا، في ضوء العوامل الداخلية والخارجية المذكورة آنفا. والإجابة على ذلك هي أنه خلال المرحلة القريبة المقبلة فإن الحزب هو الذي سيحدد هذا الأمر انطلاقا من مُعطيين أساسيين: الأول قدرته على إنتاج قيادة تقوم بدور إعادة ترتيب وهيكلة التنظيم والكف عن اختطاف الدولة. وثانيا يتعلق بدوره وقدرته على توجيه ضربات قوية لإسرائيل، وإذا لم يتمكن الحزب في المرحلة المقبلة من إتمام هذين الأمرين، فإن مسألة وجوده ودوره على الساحتين اللبنانية والإقليمية سيكون أمرا مطروحا للنقاش على كل المستويات.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول وجيه:

    هذا الحزب والملشيات المماثله أساسا وُجدت كي تُفرغ الدوله من محتواها أي في الحقيقه اختطاف الدوله.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    أعتقد بأنه كانت هناك مساومات تحت الطاولة بين إيران و الصهاينة !
    و لذلك ضحت إيران بأتباعها لأجل مصالحها !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول عماد البني:

      انا لو كنت مكان ايران لما دخلت في اي مواجهة حاليا وانا اعمل على برنامج تسلح نووي لان اي مواجهة قد تنتهي بتخريب برنامجها النووي. الحكمة تقتضي ان تبتعد عن المواجهة وتواصل برنامجها النووي حتى امتلاك السلاح النووي وبعدها ستبصق في وجه الجميع دون ان تخشى اي مواجهة.

  3. يقول Abo Mohamad:

    أميركا دفعت وسمحت لروسيا وإيران وحزب الله الدخول والقتال في سوريا لمنع سقوط نظام الأسد، مهمه نجحت فى قمع الثوره السوريه وتدمير سوريا بكل ما تعنيه الكلمه وتهجير ٩ مليون سوري من المسلمين السنه الى خارج سوريا. الان جاء الوقت لانهاء حزب الله كقوه عسكريه وتحويله فقط الى حزب سياسي.

  4. يقول ابن الأردن:

    نعم انه وصف دقيق ومتكامل للوضع الداخلي للبنان ، وعلى اللبنانيين ان لا ينتظروا ان يأتيهم الحل من الخارج ، كما ان هذه الحرب على لبنان اثبتت ان ليس بمقدور حزب مهما كانت قوته ان يتصدى لوحده ، سياسة الحزب في لبنان تلقى معارضة شديده من اغلب مكونات الشعب اللبناني من الطوائف غير الشيعية ، وان هناك معارضه شديده ايضا من المكون الشيعي ،إذا غير حزب الله من سياساته وفك ارتباطه بالمشروع الإيراني. وتخلى عن استراتيجية. مصادرة قرار الدوله وأصبح حزبا لبنانيا خالصا فإنه يمكنه ان يلعب دورا ايجابياً في اعادة لبنان الأخضر ،

  5. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    النظام الداخلي لحزب الله ينص على انتخاب الامين العام للحزب اما رئيس الحزب فهو دائماً الشخص الذي يكون في منصب المرشد الاعلى للثورة الإسلامية في ايران كما يطلق عليه او الولي الفقيه !
    .
    بالتالي هو عملياً حزب ايراني تماماً وليس لبناني البتة ،موقعه فقط و مقره في لبنان لاسباب مقصودة و معروفة !
    بالتالي هو مخلب ايراني تحركه ايران كيفما تشاء تنفيذا لأجندتها وسياستها التي يضعها الرأس الاكبر في ايران اي المرشد الذي هو رئيس الحزب كما ذكرنا.
    وهو امر اعترف به الراحل الامين العام نصر الله في اكثر من مناسبة بالصوت والصورة من ان تمويل الحزب من الابرة إلى الصواريخ حرفياً مرورا بالرواتب هي من ايران
    والممول و المالك هو صاحب القرار النهائي في اي مشروع كما هو معروف
    .
    يتبع لطفاً
    👇👇

  6. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    تتمة رجاءاً..
    حماس حالة مختلفة تماما لأنها لم تؤسس كمخلب ايراني ولا تمتلكها ايران وهي خاضعة لآيدلوجية تكاد تتناقض مع ايدلوجية ايران وحزب الله وهي حركة مقاومة داخل حدودها ولم تجبر على التعامل مع الدولة الايرانية الا من باب المضطر بعد ان القاها إخوة يوسف في الجب ولم يكتفوا بالتخلي عنها وانما شيطنوها ووصموها بالارهاب وقطعوا عنها ليس السلاح فحسب وانما حتى ابسط ضروريات الحياة الا بقدر محسوب
    فركبت مركب المضطر لكنها لم تخضع لتتفيذ اجندة ايرانية مشابهة لأجندة حزب الله الا بقدر تقاطع مصالح استفادت منها ايران من ان تظهر بمظهر الطيب في المنطقة مقابل إخوة يوسف الاشرار
    ومن انها حاملة لواء المقاومة ضد العدو الذي لم يكن يختلف عليه احد إلى وقت قريب قبل دخول موجة التطبيع المريض ومن اجل كسب المنطقة وشعوبها ليسهل عليها لاحقاً التغلغل فيها والهيمنة عليها ولصد الهيمنة والتغلغل الاسرائيلي ،ليس حباً او دفاعاً عن فلسطين أو لوجه الله(لا سمح الله) وانما هي عقيدة بلاد فارس عبر التاريخ من ان امنها القومي يتحقق من خلال الهيمنة على الدوائر المحيطة بها
    .
    يتبع لطفاً…
    👇👇

  7. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    تتمة رجاءاً..
    .
    بالمقابل لايمكن لعاقل ان بلوم حماس على اللجوء إلى المنفذ الوحيد الذي تبقى لها بعد الخذلان المميت من انظمة بلاد العرب اوطاني
    و كما قال تشرشل انني مستعد للتحالف مع الشيطان دفاعا عن بلدي!
    .
    عودة إلى حزب الله …
    كونه مخلب او قفاز ايراني كما اسلفنا ، فإن قرار نزعه و التخلص منه او على اقل تقدير تقليم اضافره هو قرار بيد من صنعه ويمتلكه
    فاذا وجدت ايران ( المالك والممول) ان تقليم اظافر هذا المخلب او حتى التخلص منه في اية لحظة مقابل تحقيق مصالحها و منها صفقة التغاضي او حتى السماح بامتلاك السلاح النووي الذي سيغنيها حتما عن مغامرات تؤذيها قبل غيرها وفي نفس الوقت تحقق لها امنها القومي ( عن بعد) او على الاقل تعتبرها نوع من الهدنة المؤقتة لتحقيق حلم استراتيجي طال انتظاره
    فإنها و التاريخ يشهد لها ستكون مستعدة للتخلي عن اقرب حلفائها فضلاً عن صنيعتها برمشة عين
    .
    يتبع لطفاً
    👇 👇

  8. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    تتمة رجاءاً..
    .
    و تصريحات مسوؤليها بعد الضربة الاسرائيلية القاصمة للحزب ابتداءا من سلسلة الاغتيالات شديدة الغرابة مرورا بتفجيرات البيجر و ليس انتهاءا باغتيال الرأس الكبيرة وقبله رؤوس احدها عجزت اعظم مخابرات العالم عن الحصول حتى على صورة حديثة له منذ 40 عام !
    كل المؤشرات تشير إلى حصول خيانات عظمى لايمكن لعاقل تجاهلها وان ايران وراءها في الغالب الاعم فلايمتلك ال know how او اسرار المهنة الا الصانع نفسه!
    .
    وهو امر يعطينا صورة عن طريقة تفكير يحيى السنوار و معرفته العميقة بالطرف الاخر ( الحلفاء قبل الاعداء) والذي لم يبلغ احد بساعة الصفر حتى قيادات حماس في الخارج .
    .
    العاقل من يتعظ بغيره،فهل ستتعظ مخالب ايران الاخرى في المنطقة ؟
    اشك في ذلك لأن هذه المخالب بلا عقل

  9. يقول سلام عادل _المانيا:

    الأمر معقد وصعب معرفة ما سيحصل لحزب الله او حماس او المنطقة عموما وبعد أن وصلت الأمور لهذه النقطة الحساسة يجب الاعتراف أن ما فعلته حماس لم تتوقع نتائجه ويبدو أن الجميع لا يعرف عدوه جيدا وما يمكن أن يتوقع منه والأمر يبدو أنه ينطبق على حزب الله الذي دخل هذه الحرب مضطرا لاسناد حماس والمهم لقد حصل الذي حصل ولكن النتائج يبدو ستكون كارثية على الجميع وسنشهد وضع كالذي وضعنا فيه السادات سابقا فهل سنشهد كامب ديفيد جديد بين إيران وإسرائيل ام بين مجلس التعاون الخليجي واسرائيل وولادة دولة فلسطينية كما تريدها إسرائيل وأمريكا

اشترك في قائمتنا البريدية