حقوق الإنسان في مصر: ورقة مساومة لنظام السيسي وأول اختبار حقيقي لإدارة بايدن في السياسة الخارجية

رائد صالحة
حجم الخط
0

واشنطن ـ «القدس العربي»: يعتقد العديد من المحللين الأمريكيين أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتفاعل بطريقة غريبة نوعاً ما مع وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن قريباً إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، حيث كثف “الدكتاتور المفضل لدى ترامب” من حملته القمعية على جماعات حقوق الإنسان في البلاد، في خطوة تهدف إلى المساومة لاحقاً مع استعداد لتحمل العواقب.
وفي أوقات سابقة، كان التفسير الوحيد لدى دوائر القرار في واشنطن بشأن قيام الأجهزة الأمنية التابعة للنظام المصري بحملة ضد أفراد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، واتهامهم بالخيانة والإرهاب والانتماء إلى جهة غير مرخصة وتشويه صورة الأمة وغير ذلك من الاتهامات المعلبة الجاهزة ورفض الخارجية المصرية للانتقادات الدولية، هو أن ذلك قد يكون علامة على صراع على السلطة داخل النظام. ولكن الخبراء يعتقدون أن الأمر ليس كذلك، إنما اشارة إلى أن عقيدة النظام المهترئة، والتي تتلخص بأن النشاط السياسي والدفاع عن حقوق الإنسان هو مؤامرة غربية لزرع حالة من عدم الاستقرار وتهديد النظام نفسه، ما زالت حية على الرغم من الخلافات بين رجال النظام والأجهزة العسكرية على تقاسم الحصص في الاقتصاد والسيطرة على وسائل الإعلام.
ولاحظ الكاتب هيثم حسنين، وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن، أن الاعتقالات الأخيرة لم تكن عبارة عن مداهمات عشوائية من قبل ضباط أمن من ذوي الرتب الدنيا الذين ليسوا على دراية بشؤون السياسة الخارجية، مشيراً إلى أن نظام السيسي يخطط لوضع يسمح له بالتغلب على ما يعتبره عاصفة قادمة من النقد على حقوق الإنسان وحرية التعبير من الرئيس المنتخب جو بايدن، بما في ذلك توظيف شركات للعلاقات العامة وجماعات ضغط في واشنطن لتحسين صورة النظام في الدوائر السياسية في العاصمة الأمريكية.
ووفقاً لحسنين والعديد من المراقبين في واشنطن، فإن نظام السيسي يستعد لاستخدام دعاة حقوق الإنسان كورقة مساومة مع الإدارة الأمريكية القادمة. ومن المعروف أن انتخاب بايدن يمثل العودة إلى المجتمع الدولي وإنهاء ما لم يتم تحقيقه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بما في ذلك استخدام النفوذ الأمريكي لإطلاق سراح الآلاف من السجناء والنشطاء في الدول المستبدة.
وبحسب ما ورد، يتضمن برنامج السيسي إجراء محادثات مع واشنطن بشأن سجناء “غير إسلاميين” بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بدلاً من مناقشة المعتقلين، الذين تعتبرهم السلطات المصرية “أكثر تهديداً” وتدرك القاهرة بأنها ستحصل على فوائد من خلال إطلاق سراح نشطاء المبادرة المصرية.
ولاحظ المحللون الأمريكيون أن القاهرة كانت تتعمد الخلط بين دعم واشنطن لحركة الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير وبين الدفاع عن جماعة “الإخوان المسلمين” كما أنها أصبحت حذرة من المزاج الجماعي الايجابي عند النشطاء تجاه إدارة بايدن.

حوار قانوني

وأفادت مصادر قريبة من الفريق الانتقالي لبايدن أن من المؤكد أن الإدارة المقبلة ستبدأ بحوار قانوني مع مصر، ومناقشة هذه القضايا مع النظام، ولكن من غير المحتمل أن يرضى أعضاء الكونغرس بهذا فقط، على الرغم من أنها قد تكون خطوة في الاتجاه الصحيح بالنسبة لصناع السياسة الخارجية في واشنطن.
ورأى بعض الخبراء أنه سيتعين على إدارة بايدن العمل مع الكونغرس بشأن مقترحات ربط المساعدات الأمريكية السنوية لمصر بحل القضايا، وخاصة تلك التي تشمل الأمريكيين المحتجزين ظلماً من قبل نظام السيسي.
وسيخدم هذا الأمر عدة أهداف، من بينها تركيز الكونغرس على هدف واقعي وقابل للتحقيق المتمثل في إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين دون استخدام لغة غير عملية، وبعث رسالة إلى النظام المصري هي إن إدارة بايدن مختلفة وأن سياسة “العمل المعتاد” قد انتهت.
والطريق الثالث أمام إدارة بايدن، والذي يقترح الخبراء استخدامه إذا رفض نظام السيسي الاستجابة للمطالب الأمريكية المهذبة إلى حد ما، هو تطبيق قانون ماغنيتسكي العالمي على مصر، وهو قانون يوفر للحكومة الأمريكية المرونة لتحديد انتهاكات حقوق الإنسان واستهداف المسؤولين الفاسدين.
وأشار المحللون الأمريكيون إلى ضرورة تدخل إدارة بايدن لمعاقبة قتلة طالب الدراسات العليا الإيطالي جوليو ريجيني، حيث يمكن للإدارة استهداف المسؤولين الأمنيين الذين شاركوا أو مكنوا من احتجاز المعتقلين الأمريكيين في مصر، والعمل مع شركاء أمريكا، بما في ذلك بريطانيا وكندا للقيام بخطوات بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر.
وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن ولاية بايدن لن تكون مريحة بالنسبة لقادة القاهرة والرياض وأبو ظبي، وقالت إن سياسة ترامب القائمة على أن انتهاك حقوق الإنسان لن تكون عقبة أمام العلاقات الجيدة قد انتهت مع وصل بايدن إلى البيت الأبيض.
وقد حذر بايدن مراراً من الاستبداد الزائد في العالم، وتعهد بمواجهة هذه المشكلة الخطيرة، وقالت الصحيفة إن حملة السيسي القمعية ضد المعارضة والمجتمع المدني قد تكون أول اختبار لإدارة بايدن القادمة بالنسبة لهذه التعهدات.
وأوضحت الصحيفة أن النظام المصري لديه قناعة بمركزية البلاد في الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية في المنطقة، وأن ضغوط واشنطن لها حدود، ولكن إدارة بايدن على ما يبدو ستقلص هذه القناعات عند وضع شروط تربط المساعدات العسكرية التي تتلقاها القاهرة من واشنطن مع الإصلاحات السياسية، وأكد العديد من المحللين، أن إدارة بايدن ستقوم بأكبر عملية مراجعة وتقييم لعلاقات الولايات المتحدة مع مصر، وإعادة شروط العلاقة في منطقة مضطربة من العالم.
وعلى النقيض من ذلك، رأى خبراء أن بايدن لن يمارس سياسة قاسية ضد النظام، من شأنها زعزعة القارب بشكل جذري بسبب العلاقات العميقة بين مؤسسات الأمن القومي الأمريكية والمؤسسة العسكرية المصرية، وعلى حد تعبير البعض، فإن النهج الأمريكي قد يظل بشكل بلاغي ولن يشكل تغييراً حقيقياً في السياسة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية