حكومة أخنوش وورش الأمازيغية… ماذا تحقق؟

شكلت المسألة الأمازيغية أحد الورش الإصلاحية الكبرى التي باشرتها الدولة المغربية منذ عقدين من الزمن بعد الخطاب الملكي التاريخي بأجدير سنة 2001، وسجلت مجموعة من المكتسبات الجوهرية الهامة التي تؤسس في العمق لمغرب حقوقي ينحو في اتجاه دمقرطة الشأن الثقافي واللغوي ويعزز مقومات دولة الحق والقانون والمؤسسات.
حظيت ورش الأمازيغية باهتمام كبير من قبل الملك محمد السادس الذي عبر في بعض خطبه عن الأهمية التي تكتسيها الأمازيغية كأحد أركان المشروع الديمقراطي الحداثي الذي نادى به بعد خلافته لوالده الراحل الحسن الثاني.

مكونات الهوية

قطع المغرب في هذا المجال أشواطا هامة، ذلك أن الأمازيغية أصبحت تتمتع بالحماية الدستورية والقانونية باعتبارها أحد مكونات الهوية الوطنية الموحدة، وتم التنصيص على قانون تنظيمي يتعلق بتفعيل طابعها الرسمي في التعليم ومختلف مجالات الحياة العامة، وكذلك مجلس وطني للغات والثقافة المغربية كمؤسسة دستورية مرجعية في بلورة السياسات العمومية المرتبطة بالثقافة واللغة… ولم يبق بعد هذه الترسانة القانونية الهامة إلا العمل على ترجمتها على أرض الواقع.
أكيد أن مسلسل تفعيل مضامين الفصل الخامس من دستور المملكة المغربية عرف تعثرات ملموسة في عهد حكومة يقودها حزب إسلامي لأسباب سياسية وفكرية وثقافية معروفة… بل وساد في بعض الأحيان خوف حتى على المكتسبات المحققة، لكن ما نتابعه اليوم في ظل حكومة يقودها حزب ليبرالي لا يبعث على الارتياح. وهذا ما يجد تفسيره في ارتفاع اصوات سياسية ومدنية متعالية تنتقد بشدة حكومة عزيز أخنوش التي لم تف بما تعهدت به قبيل إزاحة الإسلاميين من الحكومة.
لم تقدم الحكومة رؤيتها الاستراتيجية لتدبير ملف الأمازيغية لولايتها، كما أنها لم تعمل على تفعيل هيكلة اللجان الاستشارية الوطنية والجهوية كما هو منصوص عليه في المخطط الحكومي المندمج، ولم تعمد إلى تبني مقاربة تشاركية مع المنظمات والهيئات الأمازيغية في تدبير ملف الأمازيغية، أيضا لم يواكب إحداث صندوق دعم الامازيغية 2021 – 2026 الحكامة المطلوبة، فالحكومة لم تكشف لنا كيفية صرف 200 مليون درهم في القانون المالي لسنة 2022، إضافة إلى أن اللقاء الذي نظمته في مدينة الخميسات كشفت فيه عن برمجة  300 مليون درهم برسم قانون المالية لسنة 2023 مع إعطاء الأولوية  للإدارة، وكأن هذا الصندوق لا يهم إلا ورش الإدارة!
والأكثر من هذا وذاك إنها لم تتفاعل مع مطلب ترسيم السنة الأمازيغية التي تصادف يوم 13يناير/كانون الثاني من كل سنة كيوم عطلة مؤدى عنه، مع العلم أن هذا المطلب العادل والمشـروع لا يتطلب سوى تعديل في المرسوم المنظم للعطل الرسمية، كما أن ترسيمه يكتسـي دلالات سياسية ورمزية قوية لكونه سيعزز المنحى الذي أقدم عليه المغرب بعد خطاب اجدير سنة 2001 وبعد الاعتراف السياسي بالأمازيغية ودسترتها سنة 2011 كلغة وثقافة، وهوية وحضارة وتاريخ. هذا دون أن ننسى أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سبق له أن رفع ملتمسا إلى الملك محمد السادس في شأن ترسيم السنة الأمازيغية.
لقد شكل موضوع الأمازيغية أحد الأوراق السياسية والانتخابية التي وظفها حزب رئيس الحكومة في صراعه مع الإسلاميين، لدرجة أن شعار الحزب “أغراس أغراس” أختير بعناية باللغة الأمازيغية، كما أن الحزب فتح تنظيماته أمام مجموعة من الفعاليات التي تنشط داخل الساحة الثقافية الأمازيغية والتي لم يكن هاجسها إلا الدفع بقطار الأمازيغية الذي تعثر مع حكومة الإسلاميين.
لكن الظاهر اليوم أن ورش الأمازيغية يعرف تعثرا جديدا رغم توفر كل الشروط السياسية والدستورية والمادية، ولاسيما أن المسألة الأمازيغية كقضية مجتمعية كبرى لم تعد موضوع خلاف، بل إجماع كافة القوى الحية بعد التعاقد السياسي الذي جسده خطاب أجدير بين المؤسسة الملكية وهذه القوى مما يبرز خصوصية واستثناء المغرب الثقافي.
ما يلاحظ أن الحكومة تختزل الأمازيغية في مجرد حروف تكتب على واجهات المنشآت الإدارية مع العلم أنها أكبر بكثير من ذلك، وهو أمر أشار إليه رئيس الحكومة نفسه في لقاء في مدينة الخميسات عندما أكد أَن الاعتراف بالأمازيغية لا يمكن أن يقتصر على الحقوق الثقافية واللغوية فقط، بل يجب أن “يمتد ليشمل كذلك تدارك تأخر التنمية الاجتماعية والاقتصادية”. فأين نحن من هذا كله؟ إن هذا الأمر يتطلب رؤية إستراتيجية واضحة وسياسية عمومية ناجعة لتسريع وتيرة تفعيل الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة لكونها أحد محاور النموذج التنموي الجديد.

أكبر من حروف

أعتقد أن حكومة أخنوش ملزمة بإعطاء الأمازيغية، كورش استراتيجي، المكانة التي تستحقها ضمن أولوية الأولويات، لأن مؤشر الغضب الاجتماعي المتصاعد هذه الأيام يجب أن يحفزها أكثر على المضـي في مسلسل التفعيل الإيجابي للترسانة القانونية المتعلقة بالأمازيغية. فما تحقق في هذا الشأن لم يكن من قبيل الصدفة، بل جاء بفعل نضالات الحركة الأمازيغية والرؤية الاستراتيجية للملك محمد السادس في كون الأمازيغية أكبر من حروف، فهي قضية سياسية ذات أبعاد وطنية وإقليمية متشعبة، إنها عنوان لمغرب متعدد متصالح مع ذاته وتاريخه الطويل في إطار الوحدة والانسجام.
وبالرغم من هذا وذاك يبقى التفاؤل قائما لتدارك التعثر المسجل لدى الحكومة في تدبيرها لملف الأمازيغية من خلال الكشف عن رؤية إستراتيجية للدفع بقطار تفعيل مضامين القوانين المتعلقة بالأمازيغية، وذلك لتفادي غضب أمازيغي قد يزداد في حدته على الاحتقان الاجتماعي الحالي، وقد يعصف بما تحقق من مكتسبات هامة تمت في سياق مسار مصالحة مؤسساتية شاملة.

كاتب إعلامي من المغرب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بوتلمحراشت ـ المغرب:

    لو قام نظام الحسن الثاني بتبنّي الديموقراطية و وضع أسس حقيقية لحماية الحقوق اللغوية في المغرب، لقام المغرب في عهد محمد السادس بتوفير الكثير من النقاش و الوقت و الجهد ليستخدمها في أمور أخرى أكثر إلحاحا كأمور التنمية و التطور التكنولوجي. اختلاف الألسنة أو اللغات بين الناس آية من آيات الله.

اشترك في قائمتنا البريدية