الناصرة- “القدس العربي”: فشلت حكومة الاحتلال، أمس، بتمرير مشروع قانون قدّمه وزير القضاء ياريف لافين لعزل المستشارة القضائية للحكومة بسبب تحفّظات بعض وزرائها منه، بيد أنها ماضية في تحقيق مخططها لإتمام انقلاب قضائي وسياسي، كانت قد شرعت به خلال 2023، وجمّدته عقب “طوفان الأقصى”.
ومنذ نحو الشهر، وبدعوى أنها “معادية”، وتنصّب نفسها “حاكمة بأمره”، يعمل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم على التخلص من المستشارة القضائية للحكومة الكابحة لأطماعه في بناء نظام سياسي جديد تتمتع به السلطة التنفيذية بصلاحيات واسعة جداً.
مشاريع قوانين إسرائيلية تضيق الخناق على العرب، منها منع ترشح من يصرح ولو مرة واحدة بأنه يؤيد الكفاح المسلح ضد الاحتلال، أو يرفض الاعتراف بإسرائيل بصفتها دولة يهودية
لكن إقالة المستشارة القضائية ليست سوى حلقة في سلسلة تشريعات قضائية تجري الآن محاولة المصادقة عليها في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) يتم فيها استهداف كافة “حراس العتبة”، أي المؤسسات الكابحة والحامية من الاستبداد (النيابة العامة، المحاكم، مراقب الدولة، الإعلام، وغيره) دفعة واحدة، بالجملة وليس “بالمفرق”، بعكس ما كان في بداية مخطط الانقلاب القضائي.
ويواصل لافين مساعيه لتقزيم المحكمة العليا، بدعوى أنها تتمتع بصلاحيات واسعة ما يرجّح كفّة السلطة القضائية على كفّة السلطة التنفيذية بشكل غير ديمقراطي، وبخلاف “رغبة الشعب” الذي اختار أحزاب الائتلاف في انتخابات حرة قبل عامين. وفي التزامن، تواصل طاحونة التشريع بمبادرة ائتلاف نتنياهو بسنّ قوانين تستهدف النخب القديمة والدولة العميقة ومحاصرة المؤسسات المكلفة برقابة ونقد الحكومة.
وجاء هذا الانقلاب على النظام القضائي في مطلع 2023، وهو محاولة لتغيير جوهر النظام السياسي كلّه، أولاً لتأمين نتنياهو وبقية الوزراء من مخاطر اتهامهم بالفساد وتهديد مستقبلهم السياسي، وثانياً تحويل إسرائيل لدولة دينية يهودية قومجية استبدادية تختزل فيها مساحة الحقوق والحريات الليبرالية، وهو مرتبط بالعمق بالصراع بين النخب الجديدة والقديمة، الشرقيين والغربيين، المتدينين والعلمانيين، المؤيدين لتسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني والرافضين لها.
ويرى رئيس حزب “الديمقراطيين” (ميرتس) في هذه القوانين انقلاباً هادئاً على النظام السياسي، كما حصل في بعض دول شرق أوروبا.
وتبعته زميلته عضو الكنيست، والصحفية سابقاً، شيلي يحيموفيتش، التي تحذر اليوم، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، من انقلاب سياسي، على غرار ما جرى في كوريا الجنوبية، خاصة أن الإسرائيليين تعبوا من الاحتجاجات، وباتوا يطبعون مسيرة الانقلاب التدريجية، ويتعايشون معها، رغم خطورتها.
ومن جملة عملية الانقلاب هناك مشاريع قوانين لإلغاء هيئة البث الرسمية، رغم كونها بثاً جماهيرياً، تضييق الخناق على حرية العمل الصحفي، إلى جانب قرار حكومي بمنع نشر إعلانات في صحيفة “هآرتس” بسبب مناهضتها للحكومة وقول مالكها عاموس شوكن في لندن، قبل نحو الشهر، إن مقاتلي “حماس” ليسوا إرهابيين بل هم مناضلون طلاب حرية، ما أثار عاصفة من ردود الفعل.
كما تشمل مشاريع القوانين المطروحة الآن على طاولة الكنيست مشروعَ قانون يقضي بأن يتم تعيين المراقب المسؤول عن الشكاوى ضد القضاة من خلال وزير القضاء، أو من خلال عشرة نواب بدلاً من المحكمة العليا، على أن تتم المصادقة عليه بأغلبية 70 من 120 عضو كنيست.
ويضاف لذلك مشاريع قوانين أخرى، منها تجزئة وظيفة المستشارة القضائية للحكومة لوظيفتين، بهدف إضعاف المؤسسة المكلفة بالدفاع قانونياً عن الدولة بشكل عام في المحاكم، ومنع الحكومة من تجاوز القانون في أفعالها وأقوالها، وغيرها من مشاريع قوانين تضيق الخناق على المواطنين العرب (19% من السكان)، منها منع ترشح من يصرح ولو مرة واحدة بأنه يؤيد الكفاح المسلح ضد الاحتلال، أو يرفض الاعتراف بإسرائيل بصفتها دولة يهودية، وهذا استمرار لقانون الدولة القومية المعروف بقانون الدولة اليهودية، الذي تم سنه في 2018.
وفي الأمس، تمت المصادقة على قانون جديد يعرف بقانون فيلدشتاين، والقاضي بمنح الحصانة القانونية لكل جندي يحوّل مستنداً سرياً لرئيس الحكومة. وهذا ما تعتبره المعارضة والصحافة العبرية قانوناً شخصياً على مقاسات نتنياهو، المشتبه بمكتبه بسرقة وتسريب مستندات سرية لأغراض سياسية فئوية ودعائية.
وذهب الناطق العسكري هغاري للقول، أمس، إنه قانون فاسد يعرض أمن إسرائيل وأمن الكثيرين للخطر بسبب الفوضى المترتبة عليه.
وعلى خلفية الانتقادات والحملة التي شنها الائتلاف الحاكم وأبواقه عليه، تَراجعَ هغاري عن تصريحه، الذي تعرّض لانتقادات من المعارضة أيضاً كونه تدخلاً من قبل المستوى العسكري بصلاحيات المستوى السياسي.
وعرف القانون باسم قانون فيلدشتاين، وهو مساعد نتنياهو السري، المعتقل منذ شهر بشبهة سرقة مستند سري من الجيش وتحويله لمكتب نتنياهو، الذي قام بتسريبه لصحيفة “بيلد” الألمانية، قبل شهور، ويستدل منه أن “حماس” تعمل على صب الزيت على الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، وهذه محاولة خبيثة لتجريم المحتجين والمتظاهرين من قبل مكتب نتنياهو.
علاوة على الاعتقالات والشبهات الموجهة لعدد من مستشاري ومساعدي نتنياهو، تم اعتقال “مفوض مصلحة السجون” التابعة للاحتلال وضابطين في الشرطة، بشبهة تسريب معلومات سرية لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مقابل ترقية في الوظيفة، وهذا يعتبر رشوة طبقاً للقانون.
يتزامن ذلك مع تجدد محاكمة مقاضاة نتنياهو بتهم فساد قدمت ضده قبل عدة سنوات، منها ما يعرف بملف 2000 ويتهم فيه بعرض رشوة على مالك صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قوامها تسهيلات وامتيازات للصحيفة، مقابل تغطيات صحفية إيجابية له ولحكومته.
واليوم، ورغم مكاسب إسرائيل في جبهات الحرب، لا ينسى الإسرائيليون مسؤولية نتنياهو عن عار “السابع من أكتوبر”، ما يفسر نتائج الاستطلاعات التي تتوقع له سقوطاً مدوياً في انتخابات عامة مستقبلية، وهذا ما يوجه نتنياهو في تحركاته وسلم أولوياته بما يتعلق بتفاعلات الداخل الإسرائيلي، وكذلك ما يرتبط بتوجيه دفة الحرب واحتمالات إتمام صفقة مع “حماس”.
هذا السجال الداخلي الخطير المتجدد في إسرائيل لم تطفئه الحرب، رغم أنها كارثية على الجانب الإسرائيلي أيضاً سبق وحذر منه رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين بقوله، خلال مؤتمر هرتسليا للمناعة القومية، عام 2015، إن الخلافات بين “الأسباط الأربعة” في إسرائيل (العلماني، الديني القومي، الحريديم، والعرب) أخطر عليها من قنبلة إيران.
على خلفية هذه المخاطر، تدعو المعلقة الصحفية الإسرائيلية البارزة طوفا تسيموكي، اليوم، لعقد صفقة بين إسرائيل وبين نتنياهو يتم بموجبها إنهاء محاكمته مقابل التنازل عن السلطة، وإلا سيبقى النزيف مفتوحاً، وهذا ما سبق أن دعا له مراقبون ومسؤولون آخرون منهم رئيس المحكمة العليا السابق أهارون براك، الذي حاول إقناع المستشار القضائي السابق للحكومة بذلك، لكن سارة نتنياهو كانت من الجهات التي أفشلت المحاولة طمعاً بالبقاء في السلطة والاستمتاع بمنافعها.
رغم مكاسب إسرائيل في جبهات الحرب، لا ينسى الإسرائيليون مسؤولية نتنياهو عن عار “السابع من أكتوبر”، ما يفسر نتائج الاستطلاعات التي تتوقع له سقوطاً مدوياً
وبناءً على طلب “الشاباك”، وافقت المحكمة المركزية في القدس المحتلة، أول أمس، على نقل محاكمة نتنياهو إلى المحكمة المركزية في تل أبيب، لاعتبارات أمنية، وأُعلن، أمس، أنه من المقرر أن تبدأ جلسات الاستماع إلى شهادته في تهم الفساد الموجهة إليه يوم الثلاثاء المقبل.
ولم يتم بعد تحديد وتيرة الشهادات التي من المقرر أن يقدمها نتنياهو أمام المحكمة، علماً بأن الجدول الذي تم تحديده قبل الحرب كان يشمل عدة جلسات أسبوعية مطولة، قد تصل إلى ثلاث جلسات في الأسبوع، بإجمالي 30 جلسة تستمر ساعات. بعد ذلك، يتم الانتقال إلى مرحلة الاستجواب التي من المتوقع أن تستمر أيضاً عدة أسابيع.
وسبق لمحامي نتنياهو أن طالبوا المحكمة بتأجيل جلسات الاستماع إلى شهادته في أكثر من مناسبة، وبذرائع مختلفة، كان آخرها إصدار “المحكمة الجنائية الدولية” في لاهاي مذكرات اعتقال ضده وضد وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، على خلفية الشبهة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
واليوم كشف النقاب عن أن نتنياهو يطالب بتخفيف وتيرة إدلائه بشهادته في المحكمة إلى مرتين فقط في الأسبوع، ما يعني مواصلة التسويف حتى تطول المحاكمة، وتبقى مفتوحة إلى ما شاء الله.
ههه عصابة بنغفير وسموتريتش و على رأسهم سفاح غزة النتن يريدون اغتصاب حكومة تل أبيب يا حبيب إلى الأبد يا أبو العبد ✌️🇵🇸