بمناسبة اليوم العالمي للشعر، وتزايد عدد الشعراء في بلادي، الذين لا أحد يعرف عددهم، أقترح أن يؤسسوا حزبا سياسيا في المغرب، ويخوضوا الانتخابات المقبلة في خطوة مهمة لقطع الطريق على الأحزاب الأخرى التي أفسدت كل شيء في البلاد.
بلا مجاملة، أضمن لهذا الحزب النجاح في الانتخابات وبنسبة كاسحة، والقدرة على قيادة المغرب إلى بر الأمان على مدار ولايتين متتابعتين على الأقل، وبانتقادات معارضة مقبولة جدا وصحية. إلى جانب عامل الكثرة، الذي يعتبر أساسيا ومحفزا، فإن أغلب هؤلاء الشعراء جاؤوا من السياسة. كما أن أشهر كُتاب مقالات الرأي هم شعراء، أو بدأوا حياتهم في أرض الشعر قبل أن تسرقهم السياسة والصحافة. فضلا عن أنهم من حملة الشواهد الجامعية العليا وسيرهم الذاتية تُؤهلهم لتقلد أشد المسؤوليات حساسية. أليس الشعر حساسية جديدة بالدرجة الأولى؟ وأقلهم شأنا وسهما طبع ديوانين أو ثلاثة دواوين على حسابه الخاص في إحدى المطابع الخلفية في العاصمة الرباط، في تأشير واضح على قدرة الشاعر على النضال والتضحية.
مسألة نجاح هذا الحزب في الانتخابات مضمونة جدا، مهما حاولت وزارة الداخلية التزوير بأساليبها. كما أن إدريس البصري مات منذ أعوام، وهذا عامل إيجابي نُضيفه إلى العوامل التحفيزية أعلاه. لكن تبقى مسألة من سيكون رئيس الحكومة محيرة قليلا، وإن كنت أخمن أن الشاعر محمد بنيس هو الأجدر بهذه المهمة السهلة الصعبة، لاعتبارات تراكمية بالدرجة الأولى. فالرجل أصدر ما يزيد عن سبعة عشر ديوانا شعريا، على الرغم من أنها كلها غامضة ولا أحد يفهمها. أما إشاعة أن محمد بنيس مجرد ديكتاتور صغير في أرض الشعر في المغرب، وظل باهت للشاعر السوري أدونيس، فيمكن أن نرد عليها بالمثل القائل «وراء كل رجل ناجح مئات الحاسدين». ويمكن أن ندعم جوابنا بكتابه النقدي المهم «ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب» وربما بسببه سيتدخل فضولي ويتساءل بخبثٍ: هل بمستطاع هذا الكِتاب أن يحل مشكلة البطالة في المغرب، وينظف مؤسسات الدولة من الرشوة والفساد، وينعش الاقتصاد الوطني؟ أقول له نعم، مع الشعر كل شيء ممكن. ألم يكن الشاعر سنغور رئيسا لدولة السنغال؟
وبخصوص وزارة الخارجية، فلن نجد بديلا للشاعر عبد الكريم الطبال. الأب الروحي وأحدُ رموز الحداثة الشعرية في المغرب، الذي راكم هو الآخر في القصيدة المغربية وأصدرت له وزارة الثقافة الأعمال الكاملة على الرغم من أن الرجل لم يكتمل بعدُ وعمره بيد الله والملائكة. كما أن معينه لم ينضب، إذ يكتب بمعدل قصيدتين في اليوم، وهو حاضر كتهمة مقبولة منذ مطلع الستينيات في الملاحق الثقافية، دون أن يحيد عن خطه الواضح في القصيدة أو يطرد الأزهار والعصافير من محيطها، ما عدا صورته التي يغيرها على رأس كل عشر سنوات. كما أن سي عبد الكريم رجلٌ زاهد في حياته، ولن يكلف الدولة كثيرا على مستوى البروتوكول ونوع السيارة، باستثناء مسألة المترجمين باعتباره حاصلا على الإجازة في الدراسات الإسلامية.
أما الشاعر حسن نجمي رئيس اتحاد كتاب المغرب سابقا، الذي اجتمعت على محبته أمة الشعر في المغرب، فلن نجد أحسن منه ناطقا رسميا لهذه الحكومة، وهو الذي يجمع بين السياسة والشعر في قبضة واحدة. ورجل البلاغة بامتياز، يُكثر من النعت والحال على نحوٍ فصيح (حاصل على دكتوراه الدولة في الشعر الشفوي) ومُدعمٌ رسمي للشعراء الشباب بحيث يمكن أن يخلق من لا شيء شيئا، ومن لا شاعرٍ شاعرا ومن نصف شاعرةٍ شاعرة مكتملة القد والقوام، عكس كثيرين يرمون أمامك البرميل ويتراجعون إلى الخلف، لتتدحرج أنت وفق مزاج البرميل، دون أن تتبين الطريق أو تنجو. كما أن حسن نجمي تسبقه الطيبوبة قبل القصيدة، ولهذا السبب أحبه دون أن أستطيع أن أضيف شيئا آخر. ولن نستثني طبعا الشاعر محمد الأشعري (اسم على مسمى في الشعر وبصيغة التفضيل) الذي خبر طويلا البروتوكول الحكومي، وقلم أظفاره على مقاس الحداثة الشعرية والسياسية معا، حين كان وزيرا للثقافة في حكومة الاتحاديين، وإن كان قد غسل يديه في ما بعد من حزب الاتحاد الاشتراكي، بسبب إدريس لشكر، وليس بسبب القصيدة التي ما زال يكتبها بحزمٍ وربطة عنق في ضيعته، التي لا تبعد كثيرا عن المكان الذي أكتبُ فيه هذه السطور، لدرجة أصدر صاحبنا أكثر من عشرة دواوين، وبدأ يُراكم في الرواية، ونذكر تحديدا روايته «القوس والفراشة». القوس الذي أصاب حزب الاتحاد الاشتراكي، والفراشة التي ما زالت تُلهم الأشعري، والذي نريده هذه المرة على رأس وزارة الداخلية بفضل عوده الصلب، الذي لم تنخره لا الصحافة ولا الشعر ولا السياسة ولا الوزارة (هل هي بركة مولاي إدريس زرهون؟) وأيضا بفضل رزانته وحكمته وصمته المحير.
ولن يُمانع أحد من الشعراء والشاعرات على اسم الشاعرة أمينة المريني وزيرة للمرأة، وإن كنت شخصيا لا أعرف هل تكتب العمودي أم التفعيلة أم الزجل؟ فقط أراها من حين لآخر بمنديل منقط في الملاحق الثقافية، فأحترمها لهيبتها الواضحة وأتوسم فيها القدرة على النهوض بأوضاع المرأة المهمشة. أليس هذا من مهام الشعر الكبرى؟
مع الوزارات الأخرى يمكن أن نتفق سريعا، ونحول اللائحة الحكومية إلى القصر الملكي، الذي بدوره لن يعترض عليها، الأساس هو الاتفاق وإعادة الثقة إلى نفوس المواطنين، ونُطعمهم ملعقة من الشعر في الصباح وأخرى في المساء. وأن نملأ شوارع المملكة بأصص الورد بدل صناديق القمامة وروث بغال العربات. أن نملأ الساحات العمومية بالعنادل والعصافير بدل رجال الشرطة الذين يهشمون بالهراوات رؤوس الأساتذة والمعطلين. أن نسهر الليل جميعا ونبدأ النهار متأخرين بدل هذا الاستيقاظ المبكر الذي لم يجدنا في شيء. أن نشيع الشعر في الوزارات والمؤسسات ونتكلم جميعا لغة المتنبي وأنسي الحاج ويوسف الخال. وربما ركبنا جميعا مركب رامبو السكران، ودفعنا بالمركب إلى الأعماق لنغرق على مهل في مشهد سيريالي مقبول. المهم أن نقطع الطريق على الشيوعيين والإسلاميين الذين أفسدوا البلاد، وما زالوا.
أقترح حكومة مغربية بوزراء شعراء وشاعرات. أن يتناول المغاربة الفطور بالشعر والغذاء بالشعر والعشاء بالشعر. ويحدث ألا يتغير شيء في حياتي الصغيرة. أن أمر بالجوار فأشم رائحة الطبخ. أن أمرر لساني على شفاهي اليابسة، فأذهب للنوم بمعدة فارغة، فأتألم.
كاتب مغربي
مقالة لطيفة اضحكتني ملء فمي اقترح ان يكتب كل واحد منا عن حكومة مقترحة من شعراء بلده عسى أن تصلح احوالنا