حل الدولتين وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة

هل سيكون حل الدولتين قابلا للتنفيذ بعد عودة السلطة الفلسطينية في رام الله الى غزة؟ سؤال تداوله العديد من المواقع العربية والغربية بعد أن جعلت إسرائيل من مسألة إنهاء حكم حماس هدفا لحملتها العسكرية على قطاع غزة، وبعد أن سقط من الحسابات سيناريو التهجير برفض مصري ومعه مراجعة خطة فك الارتباط الإسرائيلية تحت ضغط أمريكي.
لقد باتت مسألة إعادة تسليم السلطة الفلسطينية مسؤولية الإشراف على قطاع غزة أكثر الاحتمالات وقوعا، وأكثر المسائل إزعاجا لحكومة التطرف الإسرائيلية إذ إنها تضعهم أمام الأمر الواقع في مايخص حل الدولتين بعد زوال العلة التي طالما نسبوا إليها العائق في تحقيق ذلك. وهنا تبرز إشكاليات مدى استعداد سلطة رام الله لتحمل هذا الدور في ظل ضعفها الراهن، وموقف الدول العربية وإدارة بايدن من هذه العودة وفرص السلام وحل الدولتين بعد توحيد الضفة والقطاع تحت مظلة السلطة.

خلافة عباس

بداية عام 2023 كانت حافلة بالتقارير الإعلامية العربية والغربية التي ركزت بشكل كبير على مسألة خلافة محمود عباس وما ستحدثه من انقسامات داخل البيت الفتحاوي، وعن انهيار يوشك أن يقع مع مجيء حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل تحث على معالجة المشكلات الأمنية في الضفة دون الحاجة الى تنسيق أمني يترتب عليه تعزيز وضع السلطة بحل مشكلاتها المادية، ويفتح هذا المخطط الباب للقضاء على ما تبقى من سلطة في الضفة ويعبد الطريق لخطة ضمها بالكامل.
لكن خطة اليمين المتطرف اصطدمت بأولويات دولة إسرائيل على الصعيد الخارجي لاسيما فيما يتعلق بتحقيق المزيد من التقدم في ملف التطبيع العربي… فعلى خلاف ما يرسمه فريق المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية من خطط خبيثة للإجهاز على السلطة وقضم المزيد من المناطق في الضفة الى أن تصبح خاضعة بالكامل لإسرائيل، اعتقد آخرون بأن هذا المخطط سيلحق أضرارا أكثر من المنافع باجهاضه لملف التقارب مع السعودية وفتحه الباب لحركة حماس بالتمدد في الضفة ولملئ الفراغ الذي سيترتب عن سقوط سلطة رام الله.
جاء طوفان الأقصى كحدث ضخم وجاءت معه رؤية أمريكية لما بعد حرب غزة، وانطلق وزير الخارجية انتوني بلينكن في جولة مكوكية الى منطقة الشرق الأوسط لجس نبض حلفاءه قبل وضع الخطة حيز التنفيذ، وزار تل أبيب أيضا لحثها على اتخاد استراتيجية جديدة في غزة تتناغم مع الرؤية العربية والأمريكية وتركزت خطة ادارة بايدن على فكرة توحيد إدارة السلطة الفلسطينية للضفة الغربية وغزة، وعلى رغم العناد الاسرائيلي الظاهر منذ البداية الا أن البيت الأبيض استمر في تسويقها على انها الخيار الأقل شرا من بين الخيارات المتاحة والتي تحظى بتوافق وجهات النظر العربية الأكثر تأثيرا في مسألة الصراع العربي الفلسطيني، لكن المسألة الأكثر تعقيدا في هذا الطرح الأمريكي تكمن في مدى جدية و استعداد المسؤولين في تل أبيب لدعم هذا الوضع الجديد لقطاع غزة، ومدى استعداد الحلفاء العرب لدعم هذا الخيار والذي سيفتح الباب لعودة المتاعب مع ايران بصفتها المتضرر الأكبر من سقوط أحد اذرعها في المنطقة.
طريق محفوف بالعراقيل ينتظر السلطة للوصول الى غزة “هذا في حال حصلت بالفعل على ضوء أخضر يمكنها من ذلك ” ففي ظل الإمكانيات المالية المتاحة للسلطة والتي تجد نفسها تحت رحمة المساعدات الخارجية فإن التحديات التي تنتظرها في قطاع غزة أكبر منها بكثير، وربما سيقودها عامل الوقت وأعباء الوضع الاقتصادي الى تنازلات سياسية ستمارسها إسرائيل مقابل تخفيف قيود بروتوكول باريس الاقتصادي المقوض للاقتصاد الفلسطيني والذي كان من المفترض أن ينتهي عام 1999 حسب ما نصت عليه اتفاقيات أوسلو، هنا سيكون الدعم المالي العربي مطلوبا لإنقاذ السلطة من الوقوع في فخ الابتزاز الإسرائيلي وستكون السلطة بحاجة الى دورعربي في قطاع غزة أكثر من أي وقت مضى لتتجنب، قدر الإمكان، المساعدات المالية الموجهة بإملاءات خارجية تخدم الإسرائيليين أكثر مما تخدم الفلسطينيين.

أطول الصراعات

أما عن فرص السلام وحل الدولتين فالمسألة تتعلق بنوايا إسرائيل أكثر منها بمسألة الوضع الجديد في قطاع غزة بعد سقوط حماس “الذي يبقى مجرد فرضية الآن”. والأكيد أن حكومة نتنياهو ليس لها ما تقدمه في هذا الباب سوى إنها ستستمر في كسب الوقت والهروب الى الأمام وخلق المزيد من العراقيل التي تؤدي الى إبقاء للوضع على ماهو عليه، وهو ما تدعمه إدارة بايدن حتى وإن كانت تقول في العلن عكس ذلك، ادراكا منها باستحالة تنفيذه على أرض الواقع ووعيا منها بعواقبه على الصعيد الداخلي خاصة مع وجود لوبي صهيوني متحكم في السياسات الأمريكية وبالأخص الخارجية منها. لهذا فإن أقصى ما يمكن أن تفعله إدارة بايدن هو حث شركائها في إسرائيل على السماح للغزيين بالعيش في واقع مغاير لما كان عليه الحال خلال حكم حماس، وإقناعهم بأن عودة السلطة الفلسطينية الى غزة ستسمح بالحصول على هدنة طويلة المدى، وهو ما سيمكّنهم من تركيز قوتهم نحو جبهة الشمال، أي ستعيد كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي تشكيل قوتهما الى جانب حزب الله. غير ذلك فإنه لا وجود لمؤشرات حقيقية تدفع بعملية السلام الى بر الأمان والى حل ينهي أطول الصراعات السياسية والإنسانية في العالم الحديث.

* كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية