رام الله ـ «القدس العربي»: مبكرا أطلق منتدى مناهضة العنف ضد المرأة، وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية فعاليات المؤتمر الصحافي لحملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، وما تميز به هذا العام هو أنه انطلق وعقد المؤتمر في مكان استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 22/11/2022 في مخيم جنين شمال الضفة الغربية.
في المؤتمر الخطابي طالب المتحدثون بمحاسبة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها بحق النساء، والعمل على توفير الحماية الدولية للمرأة الفلسطينية، في ضوء ما يتعرضن له من اعتقالات، وانتهاكات وعمليات تنكيل، وإلزام إسرائيل على تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، وتقديم الدعم والإسناد إلى سكان جنين ومخيمها، وتسليط الضوء على جرائم الاحتلال، ومساندة الحركة الأسيرة.
وأوضحت كلمات المتحدثين أن انتهاكات الاحتلال بحق المرأة الفلسطينية لا تزال مستمرة، وترتقي لمستوى جرائم حرب ضد الإنسانية، خاصة في المناطق المهمشة والمصنفة «ج».
منح هذا الإطلاق زخما لا بأس به للحملة السنوية التي أطلقتها الأمم المتحدة منذ عام 1991 وهو أمر مطلوب في ظل أن فلسطين تستجيب كما كل دول العالم للحملة مع التأكيد على خصوصية العنف الممارس بحق النساء والإنسان الفلسطيني عن أي دولة أخرى في العالم حيث تعيش النساء في ظل احتلال استعماري مستمر وأطول من عمر الحملة السنوية.
عنف مزدوج
وحسب أريج عودة، رئيس مجلس إدارة طاقم شؤون المرأة فإن الحال في فلسطين يختلف عن كل النساء والسبب في ذلك أن العنف الممارس بحق النساء مزدوج، حيث يعتبر الاحتلال أول الأسباب وأكثرها وضوحا ومباشرة ودموية، فيما يلعب العنف المبني على النوع الاجتماعي دورا آخر ومختلف إلى جانب عنف الاحتلال.
وتؤكد عودة في حديث صحافي لبرنامج «فلسطين هذا الصباح» على شاشة تلفزيون «فلسطين» أن الحملة انطلقت من جنين ومن مكان استشهاد الإعلامية شيرين أبو عاقلة لتأكيد الدلالة السياسية للعنف الممارس بحق النساء، وللمطالبة بالحماية الدولية للنساء والشعب الفلسطيني.
وحسب عودة فإن العنف الاحتلالي الممارس بحق الأسيرات يجب أن يكون أولوية، حيث تعاني الأسيرات من ظروف اعتقال صعبة ولا إنسانية لا تراعي أي من احتياجات النساء، وبشكل خاص وما تتعرض له الأسيرة إسراء جعابيص التي تعاني من سياسة الإهمال الطبي حيث تحتاج إلى مجموعة من العمليات الجراحية الواجبة والتي لا ترتبط بحاجات تجميلية.
وفي بيان صحافي صادر عن مجموعة من المؤسسات الحقوقية والنسوية والتنموية الفلسطينية وأبرزها منتدى مناهضة العنف ضد المرأة، وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية وتحالف أمل، فإن المؤسسات تشارك كل أحرار العالم حملة الـ16 يوما لتؤكد على الحق بالحرية والأمان والاستقلال وتقرير المصير.
وجاء في البيان أنه من الجدير بالذكر أن الأسيرات الفلسطينيات أسوة بالأسرى في سجون الاحتلال يتعرضن لعملية ممنهجة من التعذيب والانتهاكات لحقوقهن من لحظة الاعتقال وأثناء التحقيق، ويواجهن العزل الانفرادي، والاقتحامات الليلية، والإهمال الطبي، والضرب أثناء التفتيش الفجائي للغرف، إضافة إلى وجود كاميرات مراقبة تنتهك خصوصيتهن، كما تتعرض الأسيرات الحوامل لعملية الولادة وهي مكبلة اليدين والقدمين، وهناك العديد من الأسيرات يمنع ذويهن من زيارتهن.
وأكد البيان أن على المجتمع الدولي ومؤسساته وفي مقدمتها الصليب الأحمر تحمل مسؤولياتهم، «فحرية فلذات أكبادنا، هي حق لهم ولنا، وواجب على كل أحرار العالم ومن يتشدقون بقيم حقوق الإنسان، فمن غير المقبول العمل والكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بحقوقنا كفلسطينيات وفلسطينيين».
وطالب البيان بضرورة محاسبة الاحتلال وإجباره على إطلاق سراح أسيراتنا وأسرانا بأسرع وقت. والعمل على توفير الحماية للأسيرات الفلسطينيات والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، لا سيّما توفير الخدمات الطبية اللازمة واللائقة.
قانون حماية الأسرة
وفي سياق العنف المبني على النوع الاجتماعي طالبت أريج عودة بضرورة إصدار مجموعة من التشريعات الفلسطينية وعلى رأسها إقرار قانون حماية الأسرة.
وأكدت عودة أنه فيما يتعلق بالحماية القانونية في الوقت الحاضر تريد النساء إقرار القانون الذي استوفي نقاشه ومع ذلك لا يزال في الأدراج.
وطالبت أيضا بوقف العمل بقانون العقوبات المعمول به منذ عام 1960 وشددت أنه لا يحقق الغرض منه في وقف العنف والجريمة. قائلة أن هناك مسودة جيدة لقانون ولم تقر حتى اللحظة لغياب المجلس التشريعي.
ورأت أن ما جمد من مواد في قوانين فلسطينية مثل الحكم المخفف لجرائم القتل على خلفية الشرف وغيرها من المواد لا تكفي، ولم توفر فرصة لإصلاح واقع الحال، وهذا لن يتم إلا من خلال إقرار قوانين جديدة وسياسات وبرامج منبثقة عنها.
«مسار مش شعار»
وأطلق شركاء محليون ودوليون في الضفة الغربية والقدس وغزة قبل أيام فعاليات ضمن الحملة تحت شعار: «الحماية مسار مش شعار» والتي تدعو في إطارها العام إلى اتخاذ إجراءات محلية وعالمية للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، وزيادة الوعي حوله.
وجاء في بيان الحملة معلومات وفرها مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2019 أن ما يقرب من 60 في المئة من النساء/ الفتيات الفلسطينيات المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج من الفئة العمرية (15-64 عاما) تعرضن للعنف من قبل أزواجهن.
وأشار المسح إلى إن العنف النفسي هو أكثر أنواع الإساءة شيوعا، حيث يؤثر على 57 في المئة من النساء والفتيات.
وهدفت الحملة فيما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى دعم وصول الناجيات من العنف إلى الخدمات من خلال رسائل تمكينية، وإشراك الرجال والفتيان وعامة الجمهور في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات لكسر حاجز الصمت والحد من أثر وصمة العار الناتجة عنه.
يذكر أن الحملة الوطنية لهذا العام في فلسطين تنفذ بمشاركة ما يزيد عن 90 شريكا ممن قرروا إظهار التضامن تجاه هذه الحركة العالمية والتصدي لجميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات. وهي تمتد من تاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر والذي يصادف اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء وحتى 10 كانون الأول/ديسمبر والذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وتشتمل الحملة على مجموعة من الأنشطة التي تم تنسيقها بصورة مشتركة بين كافة الشركاء وتضم مواد خاصة بمنصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مجموعة من الفعاليات اليومية مثل ورشات العمل، والندوات، والجلسات التدريبية، والعروض المسرحية والفنية، والحلقات الإذاعية والتلفزيونية، وغيرها من الأنشطة.
فعاليات سطحية
وتنتقد الناشطة النسوية ناهد أبو طعيمة فعاليات الحملة وأنشطتها هذا العام وتصفها «بالسطحية» فهي مجموعة من النشاطات التي لا تراكم على شيء مفيد وتعبر عن مجموعة أنشطة لإسقاط الواجب، حيث لا تمارس ضغطا مباشرا على الجهات التي يجب ان تتوجه إليها وتحديدا الحكومة الفلسطينية.
وتشدد ان الفعاليات على كثرتها وتنوعها إلا أنها تفتقد التميز وهي تستمر في رفع الشعارات التي لا تتوفر فرصة حقيقية لترجمتها إلى واقع.
وتعتبر أبو طعيمة الحكومة الفلسطينية الطرف الرئيسي الذي لا تتوفر لديه أي رغبة حقيقية في إحداث التغيير المطلوب من سن قوانين جديدة وعصرية، إضافة إلى مماطلتها في سن قانون حماية الأسرة رغم كم هائل من القوانين التي صدرت في المرحلة الماضية.
وترى أبو طعيمة أن المكتسبات التي أنجزتها الحركة النسوية الفلسطينية طوال أكثر من 30 عاما يمكن ان نطلق عليها «جراحات تجميلية صغيرة» على شكل تعديل أو تجميد مادة هنا وأخرى هناك أما على أرض الواقع فالعنف مستمر ومشاركة النساء في العمل السياسي تتراجع والفضاء العام غير آمن والمؤشرات تؤكد زيادة العنف.
وتضيف: «رغم النضال النسوي الطويل إلا أن الحركة النسوية لم تقطف الثمار، فغالبا ما يكون الجهد مشتتا وهو ما يجعل المحصول عبارة عن حديقة غير متناسقة ولا تقدم ثمارا يحتاجها المجتمع وتحديدا النساء».
وترد على شعار الحملة «الحماية مسار مش شعار» بإن المرحلة ومظاهر الفعاليات هي عبارة عن جعجعة من دون طحين.
وتنتقد أبو طعيمة ما تراه تحولا في ممارسات السياسات الدولية التي كانت سابقا تقدم التمويل للمؤسسات المحلية حيث أصبحت تعمل نيابة عن الأخيرة وتتصرف وتنفذ الشغل بالتعاون مع المؤسسات المحلية بعكس ما كان عليه الحال في السابق.
وتقول: «لدينا ما يقرب من 80 مؤسسة يفترض أنها تعمل بشكل جماعي لكنها لا تصب بفعل ذي قيمة يمكن أن يؤثر على الحكومة الفلسطينية بحيث تلزمها بتعديلات على القوانين الخاصة بحماية النساء».
وتنتقد الجهات النسوية الرسمية ممثلة بوزارة شؤون المرأة والاتحاد العام للمرأة الذي يتبع منظمة التحرير الفلسطينية لكونها تلتزم بسقف الحكومة، كما أنهم يظهرون كم يطالب نفسه بأن يقوم بشيء لصالح النساء.
وترى أن الأجدى بالمؤسسات النسوية والحقوقية والتنموية أن ترفع شعارا صغيرا وهدفا محددا يمكنها من خلال الضغط والحديث عنه أن تحققه، وهو أمر يجعل الجدوى أكبر والنتائج أفضل.
وتضيف: «ماذا لو كان شعار الحملة معرفة مصير قضايا النساء اللواتي قتلن خلال السنوات الخمس الماضية؟ أو أي هدف محدد يمكن العمل عليه والضغط من أجل تحقيقه؟».
وتختم أبو طعيمة: «طالما الحملة لا تصل للجمهور أو المجتمع كله فإن ذلك يعني أن الحملة تظهر وكأنها شأن ونشاط خاص بالنساء وهو أمر لا يقود لإحداث اختراق حقيقي».
شبكة منتهكة
وفي سياق متصل أطلقت «حملة» المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي بحثاً جديداً بعنوان «العنف الجندري في الفضاء الرقمي الفلسطيني» والذي يهدف إلى رصد وفهم وتحليل ظاهرة العنف المبني على الجندر في الفضاء الرقمي الفلسطيني، والموجه ضد النساء بالأساس.
سلّط البحث الذي حمل عنوان «شبكة منتهكة» الضوء على ضرورة ضمان حيز رقمي آمن وعادل وحر للجميع عبر المحافظة على الحقوق الرقمية للأفراد والتي تعتبر امتداداً لحقوق الإنسان في الواقع، وأيضا ضرورة معرفة حجم انعكاس العنف الجندري الممارس في الفضاء الرقمي، ومدى تأثيره على العنف الجندري الممارس على أرض الواقع.
وارتكز البحث على قياس ظاهرة العنف ضد النساء وواقعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني في مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية وبين الفلسطينيين/ات في مناطق الـ48 وقطاع غزة وقد نفذت هذه الدراسة عبر استطلاع شمل 1000 مشاركة، إضافة إلى تنفيذ مجموعة بؤرية بمشاركة أكثر من 40 مشاركة، وإجراء مقابلات معمقة مع خبيرات وناشطات في المجتمع الفلسطيني والعمل والنسوي، لاستكشاف التحديات والتوصيات لمكافحة العنف الجندري الرقمي.
وأشارت نتائج الاستطلاع أن 50 في المئة من المشاركات في الاستطلاع يشعرن بأنهن مراقبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن 28 في المئة من المستطلعات سبق أن تعرضن لمحاولات اختراق حساباتهن على منصات التواصل الاجتماعي، فيما تعرض نحو 25 في المئة من المستطلعات لتعليقات أو مضايقات (استهزاء أو تحقير) لكونهن نساء.
أما عن التعامل مع ظاهرة العنف المبني على النوع الاجتماعي، فإن 33 في المئة من المستطلعات اللواتي تعرضن لمضايقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط حذفن حساب المرسل ولم يتخذن أي إجراء آخر، إضافة إلى أن نحو 75 في المئة من المستطلعات يؤيدن مراقبة الأهل لنشاطاتهن على منصات التواصل الاجتماعي.
ويبرز البحث الذي أنجزته الدكتورة نجمة علي بوضوح «المصيدة» التي تعيش فيها النساء الفلسطينيات بكل ما يتعلق بالعنف الجندري الرقمي. فمن جهة، التواجد في الفضاء الرقمي هو حق مشروع ومساحة عامة ومن المفروض أن تكون حرة، آمنة ومتساوية للجميع؛ ومن جهة ثانية، تُستنسخ آليات السيطرة والقمع ضد النساء من خارج الفضاء الرقمي إلى داخله، حيث من الممكن قراءة النتائج على أنها تصف حال إخضاع للنساء وتقييد ظهورهن في الفضاء العام وعدم بذل جهد لحماية النساء من قبل الشركات والتشريعات وسلطات القانون المتمثلة بالشرطة والرقابة المجتمعية.
يذكر أن الأمم المتحدة كانت قد أطلقت عام 1991 حملة الـ 16يوما لمناهضة العنف ضد المرأة، كحدث عالمي بهدف مناهضة جميع أشكال العنف الموجه ضد النساء والفتيات حول العالم. وخصص اللون البرتقالي لوناً لهذه الحملة في دلالة إلى مستقبل أكثر إشراقًا وإلى عالم خال من العنف ضد النساء.