لنتفق أولا على أن ما قام به الكيان الصهيوني يوم 1 أبريل باختراق السيادة السورية وتدمير مبنى القنصلية الإيرانية، وقتل عدد من العسكريين والدبلوماسيين والمدنيين يمكن تصنيفه بكل سهولة على أنه «جريمة عدوان». وقد أثرت هذه المسألة مع المتحدث الرسمي للأمين العام، ووافقني على أن ما قامت به إسرائيل هو «عدوان». وقد أصدر الأمين العام أنطونيو غوتيريش، بيانا واضحا يدين هذه العملية قائلا: «يجب احترام مبدأ حرمة المباني الدبلوماسية والقنصلية وموظفيها في جميع الحالات وفقا للقانون الدولي». فالاعتداء على بعثة دبلوماسية هو انتهاك للقانون الدولي وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
بعد الجريمة مباشرة، طلبت سوريا عن طريق الوفد الروسي، جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، فانعقد المجلس يوم 2 أبريل. واقترح السفير الروسي فيسالي نيبنزيا، أن يصدر المجلس بيانا يدين استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ويدين انتهاك حصانة المقرات الدبلوماسية في أي مكان وأي بلد. لكن الدول الكولونيالية الثلاث، قديمها وجديدها، رفضت إصدار أي بيان، رغم أن الجريمة واضحة وضوح الشمس، وراحت في كلماتها تقرّع إيران وتتهمها بكل أنواع التهم، ورفضت تلك الدول الثلاث تحميل الكيان أي مسؤولية.
ويكفي أن هذه الهجمة كشفت العديد من المواقع العسكرية، التي تعمل لخدمة النظام وكشف زيف المواقف، فالدول التي لم تستطع أن تفتح معبرا واحدا أمام المساعدات الإنسانية، سارعت للانضمام لجبهة الدفاع عن الكيان الصهيوني من أول دقيقة
وبما أن الكيان الصهيوني نقل قواعد الاشتباك من الهجمات غير المباشرة إلى هجوم على سيادة الدولة، فما كان أمام إيران إلا أن تنقل قواعد الاشتباك إلى المستوى نفسه، بمهاجمة الكيان في أعماقه بخلاف مناوشات الماضي التي كانت غير مباشرة. إيران تصرفت بمهنية عالية، والتزمت بحرفية القانون الدولي. قدمت رسالة لمجلس الأمن، وللأمين العام، تؤكد حقها في الدفاع عن النفس بموجب البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على هذا الحق صراحة، لأي دولة يتم الاعتداء عليها، إلا في حالة قيام مجلس الأمن باتخاذ إجراءات فورية ورادعة ضد المعتدي، وكذلك ينص البند نفسه، على مسؤولية الدولة التي تتخذ إجراءات انتقامية أن تبلغ مجلس الأمن. «التدابير التي يتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا»، وهو ما قامت به إيران حرفيا. أعلنت سلفا عن الهجوم وأبلغت تركيا وسويسرا بذلك، ولم يكن الهجوم سرا، أطلقت مسيرات وصواريخ بالستية وصواريخ كروز ما يزيد في مجموعها عن 300 أسقطت في غالبيتها قبل وصولها، لكن مجموعة من الصواريخ وصلت قاعدة نيفاتيم الجوية، ومطار رامون وسببت أضرارا لا أحد يعرف حجمها. والتصدي لم يكن محصورا في الكيان، بل كما أعلنت الدول الكولونيالية الثلاث مشاركتها في صد الصواريخ والمسيرات، إضافة إلى عدد من دول المنطقة. وحسب موقع (The Intercept) فقد أسقطت الولايات المتحدة معظم المسيرات والصواريخ. وحسب مصادر البنتاغون فقد نسقت الولايات المتحدة الرد، عبر جبهة دفاع تمتد من شمال العراق إلى جنوب الخليج العربي.
وجهات نظر
انقسم كثير من المحللين والمعلقين حول الضربة الانتقامية هذه ضد الكيان الصهيوني إلى قسمين، من رأى فيها مسرحية لا قيمة لها تمت بالاتفاق مع الولايات المتحدة، بهدف حفظ ماء الوجه، بعد أن توعدت إيران بالرد على تدمير القنصلية في دمشق وبعد أن فشل مجلس الأمن الدولي في جلسته يوم 2 أبريل بإدانة العدوان. وراح العديد من الكتاب والمعلقين يطلقون التهكمات على العملية ويعملون جردات حساب على فوائدها، ويستنتجون أنها خائبة «وكأنك يا أبا زيد ما غزيت» كما علق أحدهم.
أما وجهة النظر الأخرى فقد بالغت كثيرا في أهمية الهجوم الإيراني وراحت تتحدث عن تغيير خريطة المنطقة وكل قواعد الاشتباك، وفرضت إيران نفسها كقوة إقليمية عظمى، وأثبتت أنها قادرة على الردع المطلق وأن هذه الضربة الهائلة ستضع حدا لاستفزازات النظام الصهيوني في المنطقة. وأضاف بعض المحللين أن عملية التصدي كلفت العدو الصهيوني مليار دولار، وأنها بعثت رسالة قوية للمطبعين العرب الذين يعتقدون أن هذا النظام الهش قادر على حمايتهم وهو لم يستطع حماية نفسه لا من هجمات المقاومة يوم 7 أكتوبر، ولا من الهجمات الإيرانية مساء السبت 13/14 أبريل واعتمد في الضربتين على المساعدات الغربية الهائلة، فكيف له أن يحمي هذه الدول الباحثة عن أمنها خارج المنطقة؟ التحليل الموضوعي لما جرى في الساعات الأولى ليوم 14 أبريل يشير إلى أن هناك شيئا من الصحة في التحليلين إذا ما أقصينا جوانب المبالغة.
ولنبدأ بالجانب الإيجابي للضربات ونؤكد أن هذه أول مرة تهاجم إيران الكيان الصهيوني من أراضيها، وليس من أراضي حلفائها. كما أن الضربة كانت موجهة لعمق الكيان ومؤسساته ومواقعه العسكرية مباشرة في النقب وعسقلان وحيفا وغيرها. كانت قبلها إيران ترد على استفزازات الكيان بضرب مصالحه وحلفائه في المنطقة، مثل الهجوم على أربيل، أو القاعدة الأمريكية في الأردن، أو على السفن في مضيق هرمز أو البحر الأحمر. كما أن الرد هذه المرة كان كبيرا وشاملا ومنوعا وليس ردا شكليا، وتخيلوا معي لو أن هذه الضربات جاءت مفاجأة ووصلت عشرة في المئة منها إلى أهدافها، لأحدثت دمارا هائلا سيؤدي إلى اندلاع حرب شاملة، لا تريدها إيران ولا تسعى إليها، وتعمل بكل جدية لتقوية قدراتها الردعية وعينها على القواعد الأمريكية المنتشرة قريبا منها. لقد كانت رسالة إيران واضحة وشجاعة ومؤثرة، ومن المؤكد أن الكيان وحلفاءه قرأوا الرسالة بجدية متناهية، مفادها أن إيران لن تسكت إذا هددت سيادتها وأمنها القومي، وأن لديها من قوة الردع ما يشكل مظلة حماية حقيقية وقوة هجومية كاسحة. ومع كل الاستعدادات التي وضعت سلفا لمدة 72 ساعة من قبل الكيان وحلفائه الأساسيين الثلاثة، إضافة إلى الدول الوظيفية في المنطقة، إلا أن بعض الصواريخ وصلت لأهدافها وأحدثت دمارا كبيراً، خاصة في قاعدة نيفاتيم التي انطلقت منها الطائرات الحربية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق. وكما قال الخبير العسكري أهارون بريغمان من كلية كنغز بلندن «إن الهجوم الإيراني حدث تاريخي بدّل حرب الظل بين البلدين إلى مواجهة مفتوحة». من جهة أخرى استطاع الكيان الصهيوني أن يستثمر العملية إلى أقصى الحدود، فقد أعاد إلى الواجهة «نظرية الضحية» التي ما فتئ يعممها واصطفت خلفه تلك الدول التي لم تدن المجازر المتواصلة لمدة 193 يوما وذهب ضحيتها أكثر من 140 ألفا بين شهيد وجريح ومفقود، ولم تصدر إدانات لاستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ولكنها أصدرت إدانات قوية لإيران، وحاولت أن تقطع أحداث 14 أبريل عن سياقها كما فعلت مع أحداث 7 أكتوبر. التاريخ يبدأ من حيث تريده إسرائيل أن يبدأ، وتقوم هذه الدول بتبني السردية نفسها، لقد أعادت الهجمة نوعا من التعاطف مع الكيان ولو مؤقتا من الدول الغربية، وغطى قليلا على مجازر غزة وأعاد اصطفاف الطبقة السياسية في الكيان وراء نتنياهو، وخفف من حدة التوتر الداخلي. وهذا الهجوم سيترجم إلى مزيد من رزم الأسلحة الغربية المتطورة ومليارات الدولارات. لكن هذه المليارات لن تعيد الطمأنينة لهؤلاء الأغراب الذين يصابون بالهلع كلما سمعوا صوت بوق الإنذار فيتدافعون نحو الملاجئ. ولو فرضت عليهم حالة حصار لأسبوع واحد شبيه بحصار غزة لتفكك الكيان وعاد كل مهاجر إلى موئله الأصلي. ويكفي أن هذه الهجمة كشفت العديد من المواقع العسكرية، التي تعمل لخدمة النظام وكشف زيف المواقف، فالدول التي لم تستطع أن تفتح معبرا واحدا أمام المساعدات الإنسانية، سارعت للانضمام لجبهة الدفاع عن الكيان الصهيوني من أول دقيقة. ونود أن نسأل: يا ترى لو انطلقت المسيرات والصواريخ الصهيونية من فوق فضاءات هذه الدول باتجاه إيران فهل ستطلق دفاعاتها الجوية قذيفة واحدة لحماية سيادة البلاد؟
كاتب فلسطيني
” ونود أن نسأل: يا ترى لو انطلقت المسيرات والصواريخ الصهيونية من فوق فضاءات هذه الدول باتجاه إيران فهل ستطلق دفاعاتها الجوية قذيفة واحدة لحماية سيادة البلاد؟ ” إهـ
سؤال مشروع للنظام الأردني !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
فتحت الهجومات الإيرانية فسحة و لو بسيطة في نفوس الشعب الفلسطيني المحاصر من العدو و الأخ و الصديق . و من أبرز خصائص هذا الهجوم أنه جاء لأول مرة بواسطة أسلحة من صنع محلي إيراني سواء المسيرات أو الصواريخ ، إيران هذه الدولة الناشئة رغم مساوئ نظامها و سلبياته إستطاعت أن تفرض إحترامها على الدول الكبرى بإحترافية و كفاءة عالية ، و ها هي تدعم و تدافع عن غزة في غياب و منع المساعدات العربية ، الأمور واضحة فهي ليست مسرحية تكلف خسارة مليار دولار في دفاع يوم واحد ..و هل قصف المفاعل النووي هو سيناريو لعب أطفال ..! ، الملفت للإنتباه أن إسرائيل تريدها حرب ياجوج و ماجوج حتى ظهور المسيح المخلص .. و هو المسيح الدجال عند المسلمين الذي يبني لهم دولة من النهر إلى النهر بحرب الملحمة الكبرى أو بالأحرى الحرب العالمية الثالثة ، لكنهم ربما ما غاب عنهم أن المسيح الحقيقي يعود بعد المسيح الدجال رفقة المهدي و هو الذي يقضي على المسيح الدجال و يعيدهم إلى مرحلة التيه الأولى .. في إنتظار تلك الأحداث الدامية التي تأكد أن إيران تكون أحد أطرافها ، ترى من هم طراف الصراع الأخرى ؟.
تحليل موضوعي للحدث وبعيد عن الانفعال
أحسنت ,
هي ليلة من ليالي ألف ليلة و ليلة التي شنت فيها ايران هجومها هذا و ستروي شهرزاد أحداثها و وقائعها و ربما ما سيستجد فيها لاحقاً على مسامع أولادها و أحفادها و الملك شهريار يشنف أذنيه بما يسمع , إيران لم تضرب ضربتها الحقيقية بعد انتقاماً لما حدث في دمشق , هي التزمت بداهة بالصبر الإستراتيجي و هو الصبر الجميل الذي يدعو له الله , و لكن عندما وصل العدوان ذروته تحول الصبر الإستراتيجي عندها إلى الجزع الإستراتيجي فضربت ضربة تحضيرية و تمهيدية و هي بمثابة استكشاف بالنيران لقدرات العدو ليس إلا , و اسرائيل ستدفع أثماناً غالية نتيجة الجزع الإسترتيجي الإيراني هذا الذي سيكون دعماً لأهل غزة و نصرهم النهائي المنشود
ليلة ألف ليلة و ليلة الإيرانية في سماء فلسطين , جعلت من الجمهورية الإسلامية الإيرانية و بحق ” دولة مواجهة مع العدو الصهيوني ” و جعلت من عاصمتها طهران ناصرية بعد أن تحولت عاصمة أرض الكنانة إلى قاهرة شاهنشاهية , و بالمناسبة أنه من سوء حظ الشعب الإيراني و من حسن حظ الصهاينة الغاصبين , انتفاء الحدود المشتركة بين إيران و فلسطين و إلا فإن زوال الكيان الغاصب أصبح الآن حقيقة واقعة و راسخة يتوج بالنصر مقاومة و جهاد و صمود الشعب الفلسطيني العظيم ضد العدو الصهيوني الغاصب
من مؤشرات تاريخ الاستغفال العربي.. أنه عندما أراد هولاكو مهاجمة قلب الخلافة العباسية..لم يأتي بمستشار من قلب منغوليا أو تاتاريستان… ولكنه جاء بفيلسوف وعالم منطق وحجة في الفقه المذهبي..من إيران…ليكون رفيقه في عملية الاستيلاء التي ارادها أن تكون علامة فارقة في تاريخ المغول.. لأنها تتعلق بتقويض إمبراطورية ممتدة في الأرض والزمان..وبالفعل لم يخيب نصير الدين الطوسي..رهان هولاكو..عندما أشار عليه بعدم الركون إلى مجرد الانتصار باستسلام الطرف المهزوم..بل لابد من أن تجري مياه دجلة بالدماء والمداد في عملية استئصال للبشر والفكر..؛ ومناسبة ذكر هذه الواقعة التي لايجب أن تغيب عن القياس الذهني في التحليل السياسي.. أن المراهنة على من يتحين الفرصة للانتقام من سقوط دولة فارس وتكسير تاج كسرى…من أجل مواجهة من يسعى إلى تكريس خرافة الهيكل…هو كالمستجير…بالقاتل من اللص… لأن هذا قد يكتفي بأخذ متاعك.. أما الأخير فلن يكتفي إلا بالمتاع والروح معا…بينما نحن نعيش واقعا يقتضي استنهاض الذات..بعدما دمرت غزة البقعة الوحيدة التي تحررت من فلسطين..وقتل وجرح أكثر من مائة ألف…وهجر أكثر من مليون…غزة التي كانت إلى أمد قريب أفضل من كثير من عواصم العرب..عمرانا وتنظيما ومعيشة..
شكراً أخي عبد الحميد صيام. لا أستطيع أن أرى أي إيجابيات في العملية الإيرانية ضد إسرائيل بل على العكس كل هذا يصب في المقاولة الإيرانية على حساب شعوب المنطقة بما فيهم السعب الإيراني في الحقيقية. حرب إبادة غزة أثبتت أن الشعب الفلسطيني بقف وحده والدعم الإيراني هو محاولة لإستغلال القضية الفلسطينية كما فعل القادة العرب الأشاوس وهم مجرد دكتاتوريات لاتهتم إلا بقتل شعوبها وهكذا النظام التيوقراطي الإيراني. مقارنة السيء بالسيء والأسوأ بالأسوأ لاقيمة لها، أو ان إيران والأنظمة العربية وإسرائيل جميعها إلى مزبلة التاريخ. ولنا الله ومالنا غيرك ياالله.
شكرا دكتور عبد الحميد للتحليل الموضوعي والمتوازن. مهما كانت نتيجة الرد الايراني من حيث خسائر الكيان المادية، الا ان الضربة شكلت منعطفا في غاية الاهمية لجهة تحديث معادلات الاشتباك والردع. من يطالع الاعلام العبري يدرك ان الكيان وجه ضربته للقنصلية الايرانية في دمشق ضمن فهم يقوم على ان اسرائيل تقوم بما تشاء في بقعة تشاء في اي وقت تشاء. ويشير الاعلام العبري الان الى سوء تقدير استخباراتي توقع ان ايران لن ترد وانها ستبتلع الضربة كما في حالات سابقة غير مدركين ان الضربة هذه المرة كانت مختلفة ولم تتم بالسر وكأن اسرائيل لم تفعلها. وكان الرد الايراني في حالات مشابهة يعتمد على فعل وكلاء ايران وليس فعلا مباشرا. لكن ضرب ارض ايرانية واعلان اسرائيل قيامها بذلك لم يكن ليمر دون رد مباشر دون وكلاء، وهذا ما حصل فعلا. اما وصف الرد الايراني بالمسرحية فقد تعبنا ونحن ننتظر ردا عربيا ولو كان مسرحيا، لكن حتى هذا لم نحصل عليه. المسرحية الوحيدة عربيا كانت تراجيديا التطبيع الذي حاول اباطرته تسويقه على انه خدمة لفلسطين، وهو ما يدفع للتساؤل اي المسرحيتين افضل؟