خاطفُ الغزالة يتعثّر بالأعشاب التي تأكلها.

1 في داخلي شخصٌ عارٍ
كلما مات عزيزٌ جرى إلى الغابة’
وتلفّت كابن وحش.
2
الغزالةُ
أسرعُ من الوحوش،
لكن مأساتها أنها تقفُ
في كلّ لحظة
لتلتفتَ وراءها.
3
سنجري في الحياة’
بحسرة غزالة’
رأت صغيرتها بين أنياب الوحوش،’
ولم تدر من ألمها بأنها’
سبقتِ النهر’
الذي لم تشرب منه.

4
خاطفُ الغزالة
يتعثّر
بالأعشاب
التي تأكلها.
5
على قبره شجرة مثمرة،’
لأنه مات وفي جوفه خطأ طفوليّ أخير:’
أكل الفاكهة بنواتها.
6
الموتُ الحقيقي هو’
ألا نستطيع نطقَ اسم من مات بعد دفنه،’
كما لو أن في أفواهنا رملاً’
وألسنتنا جذور.
7
أنا فاكهة الأرض،
شهدتُ غسل الكثير من الموتى
ومراراً استجبتُ لصرخة الأم عليّ:
إغسلها قبل أن تأكلها!

8
على قبره ريشة..’
ريشة واحدة بمعنى الكلمة
لولا وقوعها بين شعاب نبتة مجهولة
ما أقامت لحظةً
و الهواءُ’
في البرية فتى يافع كثير الحركة.
9
يلوّحُ بيده’من أجل الوداع،’
لكن من أجل أن تنتظره’
خمسَ دقائق؛’
أنت الذي ترى الإبهامَ’
أقصر الدقائق.
10
أريد أن نظلّ في العتمة،
نقرص بعضنا بعضاً وندفع التهمة عنا.’
لماذا كلما مات عزيز’
استنار لي شيءٌ’
وعرّفني على القارص؟
11
بعيدون’
بعيدون’
مثل طفْو ٍ على الماء،’
موتانا
بيضٌ كعافية القدامى..
فالغفوة بيضاءُ’
والنوم أسود.’
صرخاتُهم العالية أشرعة ممحوة بالكامل،’
عوضتها ثيابُهم الفضفاضة.
12
أقف مكتوفَ اليدين أمامَ المقبرة.
مكتوف اليدين، أي:
أدفن يداً في الجيب الأمامي لبنطالي الجديد،’
ويداً في الوراء.
فلا ألوّح.
ناصح الجَيْب أمرّ عنهم’
بسرعة من يحمل على رأسه إناء نار ..
تلك مهنتي:’
تحويل الميتافيزيقا إلى كلام.
13
النزولُ ببطء من طبع الحزانى.’
وعلى العتبة
التفاتهم سريع.
الذي يلعبُ به الحزنُ أكثر يلهو كطفل
بعدّ الدّرجات.
14
أرى العصافيرَ’
وأتحدّث عنها بحكم العادة.’
وفي مناماتي لا أراها’
رغم كثرةِ الشجر ..’
ربما تحليقي’
في النوم هو السبب.
15
لا يعرف الحبّ’
من لا يحبّ الأشجارَ غير المثمرة.’
جميلةٌ ولا تخافُ،’
عوض أنها تحرمُنا’
مُخاطرة الـوصول لأعلى الثمار.
16
الوحدة’
كبعض الحبوب’
تنمو ..
حتى إذا انقسمت نصفين.
17
الليالي حبالى..’
كلّ ليلة تلدني وحيداً، ولا توائم لتعيلهم وتتعب.
حتى أنني زاهد بالأصدقاء،’
وبطول العمر على ظهر حصان’
سريع وجائع على طريق العشبِ’
ولا يقف ليأكل.
18
يا أيها الطائر،’
أنتَ تَسمن على الأرض وتطير.’
وأنا أنحفُ ولا أطير.
19
نسيت الشرفة في البيت مفتوحة..
طوال الطريق التي تنتهي إلى جبل غامض،
وأنا ألوم نفسي:’
لو أنّني حملتها معي إلى النهاية!
20
في حياتي،’
سمعت الكثيرَ من الكلام الكبير الذي أدهشني’
وأبكاني ودلّني على الأرض.
ولكني ما زلت أحنّ إلى طفولة اللغة التي افتتح بها آدم لسانه’
وطمْأنَ بها نفسَه كغريب.

21
عيناي صحيحتان،’
لا تخطئان قراءةَ ساعةٍ تخطئ’
على غفلة مني’
وتتقدّم دقيقة.
22
في لحظة العراء التي انتابت عينيه’
وهو يُبدّلُ نظّارة اليوم بنظارة القراءة
ليقرأ قصيدةً؛’
رأى أشياء أكبر من القصيدة.
23
يُحدّقون في ظلالي’
بحثاً عن عيونهم السوداء،’
وأحدّق في ظلالهم’
بحثاً عن البياض المحيط.
24
الشلالاتُ الصغيرة’
على ظهور الجبال’
تجري وتصل..’
رغم أنها عرجاء كإمضاءٍ يختلفُ’
قليلاً عن نفس الإمضاء.
25
قد أعطيكَ الجسرَ’
ويبقى لي النهرُ ..
لكن لا أعطيكَ الطريقَ،
فأنا لا أمشي تَجديفاً’
على الزرع’
الذي سقيته بنهري
26
أسماء كثيرة للسيف
ما تغلّبَتْ عليه.’
أسماء كثيرة للورد،’
انتشرتْ’
ولكن عندما نحبّ’ نسمي الوردة
وردة.
27
أحبّ الخريف’
يُوصل الأوراقَ إلى العتبة.’

أوراقُ الخريف’
لا تذهب إلى البحر.’

والخريفُ ضرورة أمنيّة’
كالحرص على الكؤوس ناقصةً’
لتأمين حملها.
28
الماءُ يَشربُ اسمَه فيطول..’
نهرٌ جميل ويُجرّب الأولادُ رسمَه مُسرعاً و مستقيماً، بالرصاص.’
ولا يُلتقي العشّاقُ إلا في تعاريج الحياة.
وأنا أبطأ من الحبّ السريع، وأبكي على نفسي إذا أسرعت.
كل حبّ بطيء وراءه فراشة، كلّ حبّ سريع وراءه حجر.
29
من أنتَ؟
تقف كل يوم على حديد الشوارع،’
تتأمل عجلات الدراجات الهوائية لرياضيين،’
الأمامية منها تحديداً ..
يصلون وأنت’
لا تعود إلى الأيام البطيئة.

30
القواربُ’
كنتُ أقطع لها أوراقاً، لم يجر عليها قلمٌ، من آخر الدفتر؛
فتفلتُ أوراق البداية..
ويصفني المدّرس بصاحب الدفتر المهلهل.
الأوراق القوارب،
كبرتُ الآن،’
و نسيتُ كيف تصنع.
31
رأيت أطفالاً كثيرين وزعت محاسنهم على نفسي:’
قلت للأول: كان شَعري جميلا في طفولتي مثل شعرك.’
قلت للثاني: كنتُ أحبّ كل ما حرمت منه أكثر مما تحب في يدك الآن.’
قلت للثالث: أمي اشترت لي ساعةً كالتي خرّبتها من فرحك بها الآن،’
قلت للرابع: أبي كان كأبيكَ شاباً جميلاً.’
وقلت للخامس: لا تكبر مثلي يا حزين.
32
فوق الطاولة رؤوس،’
تحت الطاولة أقدام.
أنا لا أسمّي الأفكار والأسس،’
أنا مرعوب من هذا التباعد بين الأشلاء.
33
الضبابُ كفَنُ العين.
الغياب حمار القصائد.
والعكس صحيح
كحصان.
والوحيد يرسم
الشجرةَ التي سيختبئ بها في الصحراء.
أفكار الوحيد كأفكار جنديّ،
ولكن الجنديّ لا يرسم أحلامَه بالماء.
34
في الغابة،
بيدي أحلّ المشاكل بين الأغصان
وقميصي الفضفاض.
وكلما تعمّقتُ في الحبّ،
هكذا جزافاً كرهتُ الحياة.
35

الجبناء
يزورون حديقة الحيوان،’
يلفون على رقابهم ثعابين عاجزة’
سُلِبت منها مهنتها القديمة..
أين الشعر في التقاطهم صوراً،’
والعجز حول الرقاب؟!
36
الجنودُ الجادّون في الحرب’
قَصفوا كلّ شيء على الأرض،
وفي نهاية الطلعة؛’
قصفوا السماء، من باب المزاح.
37
عند الأعداء ما عندنا،’
ستائر للبيت،’
قطط،’
نوايا،
أصدقاء،
وأسماء كثيرة على سبيل الدلال’
أو الشتيمة’
لكل ولد من الأولاد.
38
كنتُ أجري وأدوسُ’
على أعقاب سجائر رموها في التوّ’
أمامهم.’
كبرتُ وأنا أجري..
الطفل الذي أراه واقفاً ورائي’
لا يفعل، الآن، هذا.
39
لستُ سهلاً
وإن كنت كثير الحركة بينكم.
وبعض الشعر أكتبه احتجاجاً
على كوني شاعراً بكم.
فيّ شخص يرفضكم، لست أنا.
إنه الشاعر.
40
آه يا أبي’
كم أنتَ حزينٌ من قصائدي الآن،

حزنك الذي أؤكّد به ما قلتـُه لنفسي في لحظةِ يأس من الحياة’
من أنني لا أكتبُ الشعرَ طمعاً في قارئ متوقّع،’
إنما لكَ كي أشعر بردّة فعلك في داخلي’
وأنت ميّت منذ سنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية