خدام بين ردح نواب مجلس الشعب وتكهنات الشارع

حجم الخط
0

خدام بين ردح نواب مجلس الشعب وتكهنات الشارع

ميشيل كيلوخدام بين ردح نواب مجلس الشعب وتكهنات الشارع قبل يوم من لقاء العربية مع الأستاذ خدام، كنت جالسا في المقهي إلي أصدقاء، عندما ذكر أحدهم عبد الحليم خدام، وتساءل بحنق إن كان يحق له الحديث عن الديمقراطية؟ صمت الحضور لحظة، قبل أن يرد واحد منهم: يحق له أن يتحدث عن الديمقراطية وعن غيرها، ويحق لك أن تصدق أو لا تصدق كلمة واحدة مما يقوله. إذا كان الكلام عن الديمقراطية حقا يقتصر علي أشخاص بعينهم، فهذا ليس من الديمقراطية في شيء، هذا استبداد باسم الديمقراطية. يحق لعبد الحليم خدام الحديث عن الديمقراطية، ويحق له المطالبة بها، والعمل من أجلها، مثلما يحق لأي مواطن سوري الحديث عنها والمطالبة بها والعمل في سبيلها، مثلما يحق لأي منا الوقوف عند ماضيه وثروته ودوره السابق، ونقد ما يتحدث عنه ويطالب به ويعمل من أجله. وإلا كيف ستقوم الديمقراطية عندنا، وهل تريدون لها أن تكون إقصائية تغلق فضاء الخلاف والاختلاف، والتوافق والتوازن، بين المواطنين، وتتسع لصنف واحد منهم هو جماعتنا، الذين يحق لهم وحدهم التحدث عنها والمطالبة بها والعمل من أجلها ؟. ثم، أردف منفعلا: لماذا نقفز عن الحقيقة، وهي أن السيد خدام أعطي الأولوية في حديثه للنظام وليس للديمقراطية، وأن ما قاله يستحق النقد والرد والتقويم والتثمين … الخ، لكونه يشير بوضوح إلي ما بلغته أزمة النظام القائم من عمق، ولأنه يقدم أدلة عليها ويشرح بعض أسبابها القريبة، ويطالب بإخراج سورية منها، وهذا جزء من واجب أي مواطن يريد تمكين بلده من الوقوف علي قدميه، ويطالب بخروجه من أزمته، ويعمل علي منع انهيار الهيكل السلطوي فوق رأس البلد والشعب. أخيرا، تساءل الصديق بلغة لا تخلو من استغراب: هل يحق لخدام القيام بهذا الواجب، إذا كان ليس له حق الحديث عن الديمقراطية؟ ـ 2 ـقال: من المستفيد من حديث خدام، أليس الإمبريالية والصهيونية؟ قلت: قبل طرح هذا السؤال، كان عليك طرح ألف سؤال غيره، إذا كنت لا تريد البدء من النهاية، وكنت تريد أن تعرف شيئا حول الحديث. وقد كثر في الآونة الأخيرة طرح السؤال عن المستفيد مما جري في لبنان وغيره، حتي أنك لا تكاد تلتقي شخصا حتي يبادر إلي طرح سؤال محير : يتهمون سورية، يا أخي ماذا استفادت سورية من قتل الحريري. أليس واضحا اليوم أنها المتضرر الأكبر منه؟ الجواب: بلا شك، هي المتضرر الأكبر. ولكن هل يعني سؤالك واستنتاجك أن قادة الدول لم يرتكبوا أخطاء ألحقت ضررا فادحا بهم وببلدانهم، وأنهم لا يرتكبون اليوم مثل هذه الأخطاء؟ لقد دمر هتلر ألمانيا، عندما شن الحرب ضد العالم، فهل يصح اعتبار الضرر الذي ترتب علي الحرب، وتجسد في دمار ألمانيا، برهانا يؤكد أنه لم يقرر شنها وخوضها؟ وألحقت قرارات صدم حسين ضررا جسيما بسلطته ونظامه، فهل يعني هذا أنه ليس من اتخذها؟ قبل السؤال عن المستفيد، لا بد من السؤال عن سياسات وقرارات النظم، التي ترتب عليها الضرر أو النفع. وقبل السؤال عن ما آلت إليه الأمور، وعن خواتيمها، من الضروري السؤال عن بداياتها، عن الخيارات التي أدت إلي ما تمخض عنها، أي النتائج الوخيمة أو النافعة. قتل الحريري أضر كثيرا بسورية، لكن الضرر وحده ليس دليلا يؤكد صحة سياسة نظام سورية تجاهه وتجاه القضية اللبنانية، وخاصة منها التمديد للحود، الذي كان قرارا أنزل ضررا فادحا بسورية، لأنه كان قرارا خاطئا. قبل الحديث عن المستفيد، وقبل بدء الحوار من نهايته، حدثونا عن القرارات والسياسيات، عن بداية كل شيء، إذا كنتم تبحثون حقا عن الحقيقة، وتريدون معرفة أسباب الضرر والفائدة. وفي حالة الأستاذ خدام، الذي كنت أول وأكثر سوري انتقده وتصدي له خلال السنوات الأربع الماضية، حين كان في السلطة، لا بد من طرح السؤال حول أسباب ما قاله، قبل الحديث عن الجهة، أو الجهات، التي أفادت منه، وإلا فإننا سندور في حلقة مفرغة، لن نصل منها إلا إلي المزيد من حجب الحقيقة عن شعبنا ومجتمعنا، والمزيد من الغرق في المتاهة الراهنة، التي تعود، بين أسباب أخري، إلي ضياع الاتجاه الصحيح عند من صادروا قدرة مواطنيهم علي اتباعه، فجاء الأستاذ خدام يخبرهم، بين أشياء أخري، ببعض أسباب ما حدث لهم. أخيرا، ألا تستفيد البلد إطلاقا من قول الحقيقة، ولو جاءت علي لسان من أسهم في كتم أنفاسها ومنع معرفتها وانتشارها طيلة نيف وأربعين عاما؟ـ 3 ـقال نواب مجلس الشعب السوري، الذين يسميهم اللسان الشعبي نواب المرسيدس، الذين كانوا سيحيلونك إلي المحكمة بجرم الخيانة العظمي، لو انك انتقدت قبل أيام قليلة السيد خدام أو ألمحت إلي فساد أولاده : إن السيد خدام، مفخرة البعث والسلطة إلي الأمس القريب جدا، هو شخص : جبان، كذاب، وضيع، مسيء، خائن، انتهازي، وقح، نتن، مشوه، بعير أجرب، باعر جرب ـ في لغة نواب البدو ـ رديء، ساقط، عدو، مرتد، عبد، خدام، قبيح . وبلغ الأمر حدا جعل السيد رئيس مجلس الشعب ـ ما رأي النواب أن يحققوا في طبيعة المكتب الذي كان يديره في بيروت، استعدادا لابتكار شتائم تليق بما كان يجري فيه، عندما تأتي ساعته ـ يشوه آية من القرآن الكريم، تبين عمق معرفته به وباللغة العربية، التي لاحظ المواطن كيف كسر أبطال المرسيدس عظامها وداسوا علي قبرها. لم يسأل أحد من هؤلاء السادة نفسه، ماذا سيقول المواطن وهو يسمعني أسب الرجل، لأن أولاد السيد النائب دفنوا نفايات نووية قبل نيف وعشرين عاما كنت صامتا خلالها صمت القبور؟ وكيف يصدق أنني لست فاسدا، إذا كان موقنا من أنني كنت سأدفن النفايات بيدي لو عرض علي أحد طمرها في منطقتي مقابل مبلغ معقول من المال، أنا الذي سكت وبعت نفسي وأنكرت وجود فساد في السلطة، واتهمت من يعارضونها بالعمالة، وقبلت أن يكون علي رأس مجلس الشعب رجل لا تاريخ له، سياسيا كان أم غير سياسي، أنتقد مرات كثيرة الحرية والمطالبين بها، واتهم الديمقراطيين بالرغبة في تدمير البلاد، وسوغ قمع المواطنين وحبسهم دون تهم؟ وكيف يحترمني المواطن، إذا كنت قد تناسيت أو نسيت أن له ذاكرة وعقلا، وأنه يعرف كيف كنت وزملائي سنقبل يد السيد خدام ـ وأي مكان آخر من جسمه ـ، لو أمرت بذلك، أو لو سمح هو لي به؟ ثم أن الناس تتساءل عن معني الخيانة العظمي، وهل هي الاختلاف مع السلطة والافتراق عنها، أم زرع نفايات نووية قتلت وشوهت عشرات آلاف البشر، لكن المجلس لم يتوقف عندها حتي في جلسته الأخيرة، وإنما اعتبرها مجرد حدث يبرر شتم السيد النائب؟ وماذا سأخبر المواطن إن سألني: لماذا لم يذكر النواب في الماضي السيد خدام بكلمة واحدة بغير أعلي أشكال الإطناب في مدحه، ولماذا لا يذكرونه اليوم بكلمة واحدة من خارج جدول السباب والردح، الذي ذكرت بعض مفرداته؟ ولماذا لم يطالبوا بأي شيء يتصل بواقع البلد؟ وهل يثير العجب أن معظم كتاب الأنترنت من السوريين العاديين وصفوا ما جري في المجلس بعبارات تنتمي إلي ما قاله هو في خدام، وأن بعضهم لا حظ سقوط السياسة في سورية، التي وصلت بعد أربعين عاما ونيف من حكم الرأي الواحد والشخص الواحد إلي قاع الحضيض، حتي لم يعد من حق أحد استغراب وقوع أي شيء فيها، مهما كان مستغربا أو مستبعدا، كموقف الأستاذ خدام اليوم، ومن سيأتون بعده غدا ممن نعرف ولا نعرف؟، لكننا نثق أنهم هنا، وأن ظهورهم مسألة وقت وحسب. ـ 4 ـذكر جميع منتقدي السيد خدام الرسميين أنه يسكن قصرا في باريس اشتراه له الحريري. ونسي هؤلاء أن لديه سبعة قصور في سورية، وأنه لم يغير موقفه من النظام بسبب قصر، كما تقول دعايات السلطة السخيفة، ولم يكن طيلة نيف وعشرين عاما عديم قصور ، سواء هو أم غيره من المسؤولين الأكارم، الذين تنتشر قصورهم في كل مكان من أرض وطنهم المسكين. ويقال الشيء نفسه عن أولاد خدم، الذين اكتشف شرفاء النظام أنهم فاسدون، كأن غيرهم صالح تقي ورع، يمضي وقته في الجامع الأموي وليس في ممارسة جميع أنواع التجارة الممنوعة : من تجارة السلع إلي تجارة البشر. ويقال، أخيرا، كلام مشابه عن جنسية أولاده، الذين اكتشف نواب المجلس النبلاء أن لديهم جنسيات أجنبية، وقال واحد منهم إن والدهم ـ خدام ـ هو المسؤول الوحيد في الدولة، الذي سمح لأبنائه بحمل جنسية غير سورية. كم يعرف هذا المسكين عن سادته المسؤولين وأبنائهم، وكم يعرف موضوع حديثه، وكم يعرف عن شحن الحوامل من ربات الصون والعفاف من نساء القادة إلي امريكا بالطائرات، كي يلدن هناك ويحصل أطفالهن علي الجنسية الامريكية، حتي انه صار ضربا من المحال أن تجد مسؤولا تجاوز اليوم الأول من عمره الرغيد إلا وفي جيبه جنسية البلد الإمبريالي / الصهيوني الأول، الذي يسمونه الولايات المتحدة الامريكية، أو جنسية بلد آخر غير عربي من الوزن الإمبريالي الثقيل؟ـ 5 ـقال أحدهم : إن خدم انتقم ممن أبعدوه عن السلطة. رد آخر متسائلا: وهل أبعدوه عن سلطة كان قد أعلن رغبته في تركها قبل مؤتمر الحزب القطري العاشر، وتركها بالفعل خلاله، رغم طلب نافذين في الحكومة والأمن بقاءه معززا مكرما في منصب نائب الرئيس؟ وأردف : هل نسينا أن طرده من القيادة القومية تم بقرار اتخذ بعد أيام ثلاثة من لقائه مع العربية وحفلة مجلس الشعب؟ وقال آخر: إن الرجل احتقر شعب سورية، حين زعم أنه يقتات من براميل القمامة. رد رابع معترضا: لا حاجة إلي جعله يقول ما لم يقله، لإثبات أنه كان يحتقر شعب ســـورية. قال خدام: إن نصف شعب سورية يعيش تحت خط الفقر، وفيه أناس يبحثون عن طعامهم في براميــــل القمامة. صمت الأول ولم يجب، حين سأله المتحدث المعترض: أليس ما قاله خدام صحيحا؟ في النهـــاية قال آخر المتحدثين: إن الرجل تعب من النضال، ويــريد الانـــضمام إلي العائدين إلي دمشق علي ظـــهر الدبابات الامريكية. ضحك أحدهم وقال معقبا : لو كان هذا هو السبب الحقيقي، لما غادر بالتأكيد بلده؟ہ كاتب من سورية9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية