خصخصة الأصول السيادية السورية: تسّرع قبل دراسة القطاع العام أم كفاءة أكثر؟

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي»: كشف وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في جلسة حوارية على هامش مؤتمر دافوس، عن عزم الإدارة الجديدة خصخصة الموانئ والمصانع المملوكة للدولة، وذلك لإنقاذ الاقتصاد السوري المتهالك سيما بعدما نهب نظام الأسد المخلوع أموالا في الخزينة العامة.
ولفهم أوضح حول خصخصة الأصول السيادية السورية، من المرافئ والمطارات وآبار النفط وغيرها من الأصول السيادية الأخرى، وهل يعني ذلك بيع الأصول السيادية وتخلي الدولة عن ملكيتها؟ يقول الخبير الاقتصادي السوري أسامة القاضي إن سوريا ليس أمامها أي خيار سوى أن تشارك القطاع الخاص في إدارة الأصول السيادية من المرافئ والمطارات.
ولفت في تصريح لـ «القدس العربي» أن استئجار هذه الأصول والدخول بعقود والتوقيع مع الشركات العربية والعالمية وحتى السورية سيتم بناء على عقود تشغيل تسليم وهذه العقود معناها أن هذه الأصول السيادية يتم استثمارها خلال فترة 10 إلى 20 عاما حسب الاتفاق ثم تعاد ملكيتها إلى الحكومة.
وعن شروط هذه العقود والأرباح، قال: خلال هذه الفترة تكون هناك نسبة من الأرباح التي تدخل إلى الخزينة، وفي الوقت نفسه هناك شروط من نسبة العمالة السورية التي تعمل في تلك الشركة وبالنهاية تعود الملكية كلها إلى الحكومة.
وأضاف: الموانئ السورية، لم يستثمر فيها أي دولار منذ أكثر من 20 عاما، وهي متهالكة، وكذلك المطارات، ومن أجل تأهيل هذه الأصول علينا بدخول بشراكات مع الشركات العربية والعالمية حتى نستطيع إدارتها، لكن هذا ليس معناه على الإطلاق بيع الأصول السيادية.
الخصخصة، حسب الخبير الاقتصادي، تعني هنا كفاءة أكثر بالمشاركة مع القطاع الخاص، أما الملكية تبقى ملكية الدولة، ولا يوجد هناك استثمار للنفط عبر بيع آبار النفط، ولا يوجد بيع للمرافق بل استثمار للمرافق لمدة محدودة وتظل الملكية للشعب والحكومة، أما الدخول التي تأتي ترفد الخزينة.

الخيارات المتاحة

ووفق القاضي، سوريا ليس أمامها سوى هذا الخيار بسبب ضعف التمويل ونقص التمويل المحلي، لأن النظام المخلوع نهب كل الأموال في الخزينة العامة، وهذا معناها أننا خلال عقد أو عقدين يكون لدينا خدمات ممتازة بسوية عالمية لكل الأصول السيادية، وهي معادلة ربح للطرفين سواء للشركات وسواء الشعب. فهو من جهة كسب أصوله السيادية ومن جهة دخل، والأهم من كل هذا أنه خلق فرص عمل وبقيت الأصول السيادية ملك للشعب وهي الطريقة الأمثل الآن ولا خيار سواها.
وحول ما إذا كانت الخصخصة بهذا المعنى قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وانخفاض الوصول إلى الخدمات الأساسية، وفقدان المساءلة؟ رأى أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك رفع لأسعار، لافتا إلى أن المسألة عائدة للمنافسة في السوق، أما بالنسبة للموانئ والمطارات فإنه يتم الاتفاق على حد أدنى وأعلى لأي خدمة بحيث تكون ملائمة ومناسبة للمواطن السوري.

«القدس العربي» تستطلع آراء خبراء اقتصاديين بعد حديث وزير الخارجية

ولكن، خبراء اعتبروا أن الحديث عن الخصخصة في سوريا الآن قبل دراسة القطاع العام هو تسرع، وهو ما عبر عنه المستشار والخبير الاقتصادي ومدير «مركز حرمون للدراسات المعاصرة» سمير سعيفان لـ «القدس العربي» حيث اعتبر أنه ليس لدى الدولة السورية تصور واضح حول موضوع الخصخصة، لأنها لا يمكن أن تتم بهذا الشكل السريع.
وقال: قبل موضوع الخصخصة فإن سوريا بحاجة لأن ندرس وضع القطاع العام بحد ذاته، ولا يجوز بسهولة الحديث عن الخصخصة وبيع كل ما تملكه الدولة، لأن القطاع العام، له دور اقتصادي ودور اجتماعي ودور في إيرادات الخزينة العامة، وليس من المطلوب أن تكون الدولة صاحبة السيطرة على الاقتصاد ولا أن تقوم بدور احتكار النشاط الاقتصادي بل يجب للدولة أن تلعب دور اقتصادي موازن وبالتالي يجب أن يكون دور ذكي.
وحول مؤسسات القطاع العام، فيه ذات الطابع الاستراتيجي، وملكية الدولة، أكد الخبير الاقتصادي أنه من المفروض أن تبقى للدولة وعدم بيعها مثل الموانئ فهي لا تباع، ويمكن أن نعطي جزء من إدارتها للقطاع الخاص، ولكن بتفويض من الدولة، والنفط كذلك لا يمكن بيعه، ويجب أن تبقى ملكيته بيد الدولة، كما أن صناعة الخبز، يمكن للقطاع الخاص أن يستثمر فيه، لكن كدولة يجب أن يكون لها نشاط، وصناعة الإسمنت سيما أن إدارته سهلة ويحقق أرباح، ويحتاج إلى التراب مع كهرباء ومعدات أما بالنسبة للسوق موجود، لذلك لا يمكن بيعه.
وأضاف: المفروض ألا تتسرع الإدارة السورية الجديدة بالحديث عن الخصخصة والبيع، والمفروض أن يُدرس القطاع العام، وينقسم إلى 3 أقسام شركات على الدولة بيعها والتخلص منها أو حلها، وشركات يجب على الدولة الاحتفاظ فيها كشيء استراتيجي، وهناك شركات أقل أهمية يجب على الدولة إصلاحها وإصلاح إدارتها، والسماح لها بنوع من المرونة لتدار وفق قواعد الاقتصاد السوق، حيث يمكن أن تعمل بشكل جيد وتلعب دور موازن وتحقق إيرادات للدولة، مثل محالج القطن ومصانع الاسمنت.
وبين أن القطاع الخاص سوف يشتري فقط الشركات التي تؤمن له ربح، وسوف يترك الباقي، كما أن هناك شركات لا تلزم الدولة مثل شركات صناعة الملبوسات، والصناعات الغذائية وبعض المشاريع مثل تربية الحيوانات والدواجن أو أقلام الرصاص، فالدولة ليست بحاجة إلى هذه الصناعات، ومن المفروض أن تتخلى عنها، ولكن بشرط أن لا تبيعها كمعمل بل كأرض ومبنى لأنه سوف يعود بمرابح أكثر بكثير.
وحول المشاكل المتوقعة، أوضح الخبير الاقتصادي أن ملف القطاع الخاص دائما يترافق بكثير من المشاكل وفي بعض البلدان كبلداننا شابه الكثير من الفساد والتلاعب وبالتالي هو من أحد الموضوعات التي تحتاج إلى انتباه.
وحول تداعيات خصخصة مؤسسات القطاع العام، وشكلها، قال مناف قومان، الباحث الاقتصادي في مركز «عمران للدراسات الاستراتيجية»، حتى الآن لم تتوضح تفاصيل الأمر وشكل الخصخصة التي يجري الحديث عنها، وهل سيكون هناك بيع لكل الشركات أو المطارات أو الموانئ للقطاع الخاص أم سيكون هناك خصخصة جزئية؟، لكنه عبر عن اعتقاده أن خصخصة شركات ومؤسسات القطاع العام في سوريا إحدى الخطوات المهمة التي ينبغي العمل عليها خلال الفترة المقبلة.
وحول ما تعانيه مؤسسات القطاع العام، قال لـ «القدس العربي» إن معظم هذه الشركات خاسرة إضافة إلى طبقات الفساد والبيروقراطية والمحسوبية والتسييس والبطالة المقنعة التي تغلف هذا القطاع، كل شركة لها ظروفها الخاصة ويجب أن تدرس على حدة، لافتا إلى أن «الخصخصة خيار جيد ولكن وفق شروط موضوعية تضع في الحسبان الموازنة بين ضرورة الإصلاح الاقتصادي وحماية الفئات الأكثر هشاشة ‏في المجتمع». وقال: أي خطوة لبيع شركة عامة أو تحرير سعر أو رفع عبء عن الدولة يجب أن تأخذ في الحسبان معدلات الفقر والجوع والبطالة والظروف التي تمر بها البلاد، كما يجب أن تأخذ في حسبانها العدالة الاجتماعية
وحول إعادة هيكلته الاقتصاد قال: الاقتصاد فيه وسائل إنتاج، تنتج السلع والخدمات ويتدفق منها الإيرادات، لافتا إلى أن وسائل الإنتاج هي الثروات التي فوق الأرض من معامل ومصانع وموانئ ومطارات وأراضي زراعية ومياه وشركات وغيرها أو تحت الأرض من ثروات طبيعية كالنفط والغاز والفوسفات والرخام والحديد وغيرها، إما أن تكون الدولة هي المنتج الرئيسي وبالتالي هي من تسعر، من توظف، من توزع، من تضمن العدالة بين الجميع، أو تقدم كل ذلك للقطاع الخاص.

الربح فقط

مع الخصخصة، سنكون وفق رؤية قومان، أمام شركات خاصة تدير الموانئ والمطارات والمعامل والمصانع وكل شيء وتنتج لأهداف ربحية فقط، توظف الناس وتقدم لهم الأجور والرواتب وتتعامل معهم وفق ميزان الربح والخسارة، ولن يهتم القطاع الخاص بالفقراء والجوع والتشغيل العام والعمالة الكاملة، الشركات الخاصة همها الربح فقط.
وعن خصخصة الموانئ والمصانع المملوكة للدولة، قال: الخصخصة بشكل كامل للموانئ والمصانع، تعني إدارة الشركات الخاصة لتلك المنشآت وبالتالي صرف الموظفين وتوظيف طاقم آخر ذي كفاءات أعلى، وتغيير سلم الرواتب للأفضل، وتغيير الآلات والماكينات لمواكبة التطورات الأخيرة في العالم، ورفع الإنتاجية لزيادة الإنتاج، ورفع هوامش الربح، والتوسع في الأسواق، تعني أيضا عدم رفع الدولة يدها عن تلك المنشآت، وعدم الاستفادة منها سوى من خلال الضريبية المفروضة على الربح مثلها مثل غيرها من المنشآت. الآن هناك فرق بين بيع الميناء لشركة أو عدة شركات محلية، وبين بيعها لدولة مثل إيران وروسيا، أو دولة هدفها الاستحواذ على الميناء وعدم تفعيله، كل شكل من أشكال الخصخصة يحمل في طياته إيجابيات وسلبيات.

نموذج الخصخصة الجزئية

ولفت إلى أن أحد السيناريوهات قد يكون من خلال تبني نموذج الخصخصة الجزئية الذي يعتمد على الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي بحيث تباع أجزاء من الشركات العامة للقطاع الخاص وتصبح الإدارة مشتركة ووفق اتفاقات محددة بين الطرفين، بهذه الطريقة يتم ضمان استمرارية الخدمات الأساسية، وتحسين كفاءة التشغيل، وجذب رؤوس الأموال، وإعادة توجيه الموارد نحو ‏الأولويات الوطنية بما يضمن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
وبالنسبة للأصول السيادية كالمرافئ وغيرها وهل من صلاحيات الحكومة المؤقتة الحديث عنها؟، قال: إذا «درست العقود والنماذج دراسة معمقة حددت على أساسها الإيجابيات والسلبيات يمكن اتخاذ قرارات مهمة في إطار الأصول السيادية للدولة، مثلا النفط والغاز، يمكن تقديم امتيازات للشركات الأجنبية، ولكن يبقى هناك حصص للدولة لضمان دعم الأسعار وتقديم خدمات محددة للفئات الاجتماعية الضعيفة. المطار مثلا يمكن بيع أجزاء منه لعدة شركات ودول وصناديق، ولكن بعد تدارس العقود وضمان حصة الدولة لأن هذه الأصول ليست للحكومة بل هي للشعب والإيرادات التي ستأتي منها يجب أن تعود للشعب عبر الخدمات ودعم السلع وما شابه ذلك، ويبقى القطاع الخاص يدير ويربح ويوظف في الجهة المقابلة، مؤكدا أن الخصخصة ليست من صلاحيات الحكومة الحالية بل يجب أن تكون في خطط الحكومة الانتقالية المقبلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية