واشنطن ـ «القدس العربي»: كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اعترف علناً بأنه لا يقرأ كثيراً أو يدرس التاريخ، مرة أخرى عن جهله وافتقاره إلى الخبرة في التاريخ والجغرافيا السياسية عندما وقف أمام الصحافة على متن الطائرة الرئاسية ليقترح نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الدول العربية المجاورة.
وقال ترامب «لابد أن يحدث شيء ما، لكن المكان أصبح الآن أشبه بموقع هدم. لقد هُدم كل شيء تقريبًا، ويموت الناس هناك، لذا أفضل أن أشارك مع بعض الدول العربية في بناء مساكن في مكان مختلف حيث أعتقد أنهم قد يعيشون في سلام».
وأضاف «أنت تتحدث عن مليون ونصف المليون شخص».
وقد تم التحقق من تصريحاته المرتجلة المشينة بالفعل عندما اتصل بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بشأن امكانية بناء المساكن ونقل الفلسطينيين من غزة إلى الدول المجاورة.
وقال للصحافيين إنه ينوي الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اليوم التالي بشأن استيعاب الفلسطينيين على نحو مماثل.
وكرر ترامب في مناسبات لاحقة هذه الدعوة بلهجة واثقة وبشكل لافت للنظر.
وقال الدكتور وارن بلومفيليد في مقال نشرته مجموعة من المنصات التقدمية، إن خطة ترامب لا تهدف إلى تشكيل تحالف من الدول لإعادة بناء قطاع غزة لصالح الشعب الفلسطيني، بل تهدف إلى تطهير الأرض الفلسطينية عرقياً. وتشبه هذه الخطة في كثير من النواحي «الترحيل الجماعي» الذي خطط له للسود من الولايات المتحدة كجزء من مشروعه القومي الأبيض المسيحي الأبوي.
ولاحظ الباحث أن جهل ترامب فيما يتعلق بسياسات الشرق الأوسط، إلى جانب رفضه إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، يتماشى مع ترشيحه للمسيحي الإنجيلي وحاكم أركنساس السابق مايك هاكابي ليكون سفير الولايات المتحدة في إسرائيل خلال فترة ولايته الثانية.
وقد رفض هاكابي منذ فترة طويلة فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في أعقاب حرب عام 1967. كما دعا إلى «حل الدولة الواحدة» حيث تحتفظ الحكومة الإسرائيلية بكل السلطة. ويتناقض هذا الموقف مع السياسة الأمريكية الراسخة.
وقد ادعى، على سبيل المثال، أن الضفة الغربية لنهر الأردن تابعة لإسرائيل، وأكد بشكل قاطع أن «صكّ الملكية أعطاه الله لإبراهيم وورثته».
ولا بد أن هاكابي نسي أن إسماعيل، الجدّ الأصلي للشعب العربي، كان أيضاً ابن إبراهيم ووريثه.
كما أدان الانسحاب الإسرائيلي من غزة في عام 2005، ووصف المستوطنين اليهود الذين تم إجلاؤهم من قبل القوات الإسرائيلية بأنهم «كانوا يسيرون تحت تهديد السلاح». وقال هاكابي: «أشعر بأننا نتحمل مسؤولية احترام حقيقة أن هذه الأرض كانت مملوكة تاريخياً لليهود».
وقال إن خطة ترامب لا تقوم على «المصالح المشتركة» بين الدول في المنطقة، ومن شأنها أن تعيق التقدم الذي بدأ للتو. ومن المرجح أن تعمل هذه الخطة على تخريب وقف إطلاق النار الهش والمتوتر بالفعل بين حماس وإسرائيل، وقد تعرض حياة الرهائن الإسرائيليين للخطر.
اتفاقيات أبراهام
لقد انسحب دونالد ترامب رسميًا من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. ولعل خطته في غزة تمثل انسحابه السلبي العدواني من اتفاقيات أبراهام.
وقال ستيف ويتكوف، مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط، إنه لم يناقش مع ترامب فكرة نقل الفلسطينيين من غزة.
وأشار إلى أنه من خلال ما شاهده خلال زيارته فإن غزة «غير صالحة للسكن». وقال «لم يتبق شيء قائما. هناك الكثير من الذخائر غير المنفجرة. ليس من الآمن السير هناك. إنه أمر خطير للغاية».
وقال محللون أمريكيون إن اقتراح ترامب طرد الشعب الفلسطيني من غزة إلى الدول المجاورة لم يكن تصريحا مرتجلا. فقد كشف ترامب أنه كان بالفعل في نقاشات مع قادة المنطقة حول هذه المسألة.
وحسب تقارير متعددة، فإن الأمر «جزء من خطة مدروسة جيداً، ويجري مناقشتها بشكل جدي في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية».
وكانت تسريبات سابقة من مصادر داخل إدارة ترامب قد أشارت إلى أن إسرائيل تخطط للسيطرة على غزة ــ تحت غطاء خطة إعادة الإعمار ــ لكن يوم السبت كان المرة الأولى التي يكشف فيها الرئيس نفسه علناً عن احتمالية حدوث ذلك.
وخرجت تصريحات من مسؤولين إسرائيليين لوسائل الإعلام تؤكد علمهم بأفكار ترامب. وقالوا: «نحن نتحدث عن خطة واسعة النطاق» تتضمّن «نقلًا مؤقتًا أو دائمًا (للغزيين) إلى الأردن ومصر وعدة دول إسلامية». وأشار ترامب أيضًا إلى أن إبعاد الفلسطينيين قد يكون دائمًا.
وقال الباحث روبرت فرانسيس إن خطابات ترامب وسياسته لم تشجع إسرائيل فحسب، بل وضعت الولايات المتحدة أيضا على مسار المشاركة الاستباقية بدلا من تيسير التطهير العرقي للفلسطينيين. ويتجلى هذا فقط في استجابته الساخرة لإمكانية إعادة بناء غزة، حيث أشار إلى «الموقع الهائل» و«الطقس الممتاز».
وأضاف «عندما توضع هذه التصريحات في سياق تصريحات سابقة لصهر ترامب، جاريد كوشنر، فإن التعليقات تكتسب وزنا إضافيا. فقد اقترح كوشنر سابقا أن العقارات الواقعة على الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تحمل إمكانات كبيرة إذا تم توجيه الجهود نحو بناء سبل العيش». ووصف الوضع بأنه «وضع مؤسف بعض الشيء»، وصرح، «من وجهة نظر إسرائيل، سأحاول نقل الناس وتنظيف المكان». هذا الخطاب ليس شاذًا بل هو تتويج للسياسات الأمريكية التي همشت الفلسطينيين بشكل منهجي وشجعت العدوان الإسرائيلي.
وقال إن تعليق ترامب «فقط نظفوا» يجسد تتويجًا لعقود من التواطؤ الأمريكي في قمع إسرائيل للفلسطينيين، والتحول من الدعم السلبي إلى التسهيل النشط للتطهير العرقي. كما تعكس سياسات إدارته السابقة، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى تأييد السيادة على مرتفعات الجولان، تجاهلًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الفلسطينيين. وتكشف هذه الإجراءات، إلى جانب المبادرات الجوفاء للناخبين العرب والمسلمين، عن استراتيجية التلاعب والتضليل.
ووصف مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية خطة الرئيس ترامب بأنها «هراء وهمي وخطير». وقال إن السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم هو «إجبار الحكومة الإسرائيلية على إنهاء احتلالها وقمعها للشعب الفلسطيني».
وماذا تنتظرون من أحفاد هتلر النازي و ترامبذو الأصول ألمانية ✌️🇵🇸☹️☝️