يُعرف الكثير عن المحطات الأشدّ قتامة في تاريخ الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي؛ سواء في ميادين القضاء وأحكام الإعدام وقمع الحريات والتشدد، أو في التقرّب من السلطات الأعلى والتطبيق الحرفي المفرط لأحكام ولاية الفقيه. وإذْ استلم رئيسي الأمر التنفيذي بالتعيين من يد المرشد علي خامنئي شخصياً، ثم أقسم اليمين رسمياً أمام مجلس الشورى، فإنّ تفصيل القول في ماضي الرجل بات تحصيل حاصل لا يغني مراقبي شؤون إيران وشجونها؛ إلا إذا شاء المراقب أن يربط بين غلوّ رئيسي القاضي والمدّعي العام، وما يُنتظر منه على صعيد المغالاة الأشدّ في منصبه الجديد.
ثمة، إلى هذا، أكثر من ميدان جدير بالمراقبة، أو الترقب على وجه الدقة، في كلّ ما اتصل أو سوف يتصل بموقعه ضمن المعارك العقائدية والفكرية والدستورية التي تُخاض في إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية على وجه التقريب، والتي يحلو للعديد من الباحثين المتعمقين في الملفات الإيرانية أن يطلقوا عليها صفة الصراع بين «يمين إسلامي ثيوقراطي» و«يسار إسلامي جمهوري»؛ وثمة، غنيّ عن القول، مزالق غير قليلة في اللجوء إلى تصنيفات كهذه، رغم أنّ معطياتها المعقدة والمتشابكة تبرر هذا اللجوء إلى عدّة اصطلاحية ميسّرة، كي لا يُقال إنها متخففة من أثقال الدقة والتدقيق. فإذا شاء المرء القبول، المبدئي على الأقلّ، بطبائع صراع كهذا، فإنّ مستقبل رئيسي لن ينحصر في ممارسة مهامّ الرئاسة وصلاحياتها، بل سيمتدّ إلى تشديد ميادين اشتغال أحكام ولاية الفقيه، من جهة أولى؛ ثمّ توظيفها تدريجياً بما يخدم تهيئة رئيسي للمنصب التالي الأعلى والأخطر، أي المرشد الأعلى/ الوالي الفقيه، من جهة ثانية؛ الأمر الذي يعني، من جهة ثالثة، تسخير هذه الديناميات وسواها في صراع الإسلامَين، اليميني الثيوقراطي واليساري الجمهوري، لصالح الإسلام الأوّل بالطبع.
أكثر من هذا، عند بايام محسني مدير «مشروع التشيّع والقضايا العالمية» في جامعة هارفارد، ثمة معطيات كافية تبرر تعريف بنية النظام في الجمهورية الإسلامية طبقاً لأربعة أقسام فرعية: اليمين الثيوقراطي، ونظيره اليسار الثيوقراطي، واليمين الجمهوري، ونظيره اليسار الجمهوري؛ حيث يُبنى انقساما اليمين واليسار على موقف كل فريق من مبدأ «العدالة الاجتماعية مقابل اقتصاد السوق». وهو مقترح يجده الكثيرون مفيداً، خاصة باولا ريفيتي، أستاذة السياسة والعلاقات الدولية في جامعة مدينة دبلن، وصاحبة الكتاب المميّز «المشاركة السياسية في إيران من خاتمي إلى حركة الخضر» الذي صدر بالإنكليزية السنة الماضية. ومن نافل القول إنّ الخضر ليسوا تياراً سياسياً بيئي التوجهات، على غرار حركات الخضر هنا وهناك في العالم، فحسب؛ بل ثمة قسط وافر، ولعله ينطوي على مفاجأة لافتة، من الأطروحات الفكرية والعقائدية والسياسية والثقافية، غير المألوفة في خضمّ السجالات التي عصفت بالبلد منذ قيام الجمهورية الإسلامية.
ومن الجدير بالتأمل أنّ نُخَب «اليمين» و«اليسار» أو «المحافظين» و«الإصلاحيين» للذين يفضّلون التعبير الأكثر رواجاً، اتفقت بدرجات متقدمة على قبول السياسات ذاتها التي تمّ إقرارها منذ أواسط تسعينيات القرن المنصرم، واقتُرحت من حكومات يمينية أو محافظة أو متشددة، ابتدأها هاشمي رفسنجاني.
ليس إجحافاً بحقّ اليسار الإيراني، أياً كانت تسمياته، التسليم بأنه في حال من التراجع والانحسار أو حتى المحاق، وأنّ رموزه وشرائح واسعة من جماهيره تسير خلف عمائم آيات الله السوداء، صاغرة تارة أو راضية طوراً.
وكلا النخب ساندت إدراج إيران في أسواق العولمة، كما صادقت على السياسات الثقافية/ الدينية أو صمتت عن بعضها الذي يجحف بالحقوق المدنية وحرية التعبير، وكذلك سكتت عن ستراتيجيات «تصدير الثورة» ودعم أنظمة الاستبداد والفساد هنا وهناك في الشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، كان رجل مثل الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد لا يدين بالقسط الأعظم من شعبيته لمواقفه «المحافظة» أو «المتشددة» بل لطراز من الشعبوية الفاقعة في مهاجمة الإمبريالية وامتداح الليبرالية الاقتصادية في آن معاً. ومما له دلالة خاصة أنّ «اليسار الثيوقراطي» لم يعترض على خيارات الخصخصة التي اعتمدها نجاد، بترخيص من المرشد الأعلى بالطبع واتكاءً على التعديل الذي أدخله خامنئي في أيار (مايو) 2005 على المادة 44 من الدستور، بحيث أفسح المجال أمام بيع ممتلكات الدولة، فضلاً عن خصخصة قطاع التأمين الصحي.
وتلك حال أثارت أسئلة جدية حول أسباب التفاف استخبارات «الباسيج» و«الحرس الثوري» (فضلاً عن الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله!) حول سياسات أحمدي نجاد؛ ثمّ أسباب سكوت أو تواطؤ أو حياء «اليسار» عموماً، الجمهوري أو الثيوقراطي كيفما شاء المرء؛ وأخيراً، أسباب محاق الرجل، إلى درجة رفض ملفه للترشيح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ليست أقلّ إثارة للأسئلة حقيقة أنّ «اليسار الإسلامي» في إيران بدأ خمينياً في الغالب، بمعنى أنّ رجالاته الأوائل كانوا من أشدّ المخلصين للإمام الخميني، وهيمنوا على الحياة السياسية والعقائدية في البلد طوال الثمانينيات مع صعود نجم رئيس الوزراء مير حسين موسوي، وسيطرة النوّاب الإصلاحيين على البرلمان. ثمّ توجّب أن يعطي خامنئي إشارة البدء بتحجيم، وبالتالي تصفية، ذلك «اليسار» حيث كان رفسنجاني هو الأداة والقبضة والهراوة. وكان لافتاً، ودراماتيكياً أيضاً، أن يُستبدل تعبير «المستضعفون» بسلسلة مفردات بديلة تشير إلى الطبقة الوسطى أو الريف أو المدينة باعتبارها جمهور المرحلة والمعمار الطبقي الذي يستند إليه «اليمين الثيوقراطي»؛ في غمرة المزيج ذاته من مواقف «اليسار الثيوقراطي»: الصمت أو التواطؤ أو القبول.
وهكذا يبدو صعود رئيسي، إلى سدّة الرئاسة ثمّ إلى موقع المرشد الأعلى ساعة وفاة خامنئي، بمثابة تتويج جديد لمحاق اليسارَين الإسلامييَن، الجمهوري والثيوقراطي، في إيران؛ ونذيراً بأنّ تيار «المحافظين الجدد» الذي نشأ وترعرع في عهد أحمدي نجاد، إنما يستعيد زمام المبادرة بعد الفاصل النسبي الذي شهد رئاستَي حسن روحاني. وهو نذير وبال كفيل بردّ البلد سنوات طويلة إلى وراء، وربما إلى ما قبل رئاسة محمد خاتمي الأولى، 1997، حين لاح أنّ التيّارات الإصلاحية توشك على إحراز تقدّم. وليس إجحافاً بحقّ اليسار الإيراني، أياً كانت تسمياته، التسليم بأنه في حال من التراجع والانحسار أو حتى المحاق، وأنّ رموزه وشرائح واسعة من جماهيره تسير خلف عمائم آيات الله السوداء، صاغرة تارة أو راضية طوراً.
وهذا مآل لا يغلق التاريخ الراهن أو يسدّ آفاق المستقبل بالضرورة، فليست بعيدة في الزمان تلك البرهة التي شهدت اندلاع تظاهرات طلابية ضخمة في شوارع طهران، طالبت باستقالة خامنئي وخاتمي معاً، وكان الأخير واجهة الإصلاح؛ كما شهدت إعلان مجموعة مؤلفة من 248 شخصية إصلاحية بأنّ «وضع أشخاص في موضع السلطة المطلقة والألوهية هو هرطقة واضحة تجاه الله وتحدّ واضح لكرامة الإنسان» في إشارة عدائية لمبدأ ولاية الفقيه، لعلها مثّلت النقد الأوضح والأكثر جرأة حتماً منذ انتصار الثورة الاسلامية.
وأمّا في في عام 1911 فإنّ زعيم البلاشفة فلاديمير إيليتش لينين لم يتردد في القول إنّ واحدة من أبرز علائم اليقظة الآسيوية تتبدّى بعمق في «حركة المشروطة»؛ التسمية الثانية للثورة الدستورية الإيرانية التي اندلعت عام 1905 ضدّ الشاه مظفر الدين، وقادها فقهاء ومشايخ شيعة بارزون من أمثال محمد الطباطبائي وعبد الله البهبهاني وكاظم الخراساني وعبد الله المازندراني ومحمد حسين النائيني. ومن الإنصاف الترجيح بأنّ أرحام الإيرانيات لن تعجز عن ولادة نساء ورجال، على غرار قادة «المشروطة» وعلى نقيض خامنئي ورفسنجاني ونجاد ورئيسي…
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
ما جاء في وسط الفقرة الثانية :
الصراع بين «يمين إسلامي ثيوقراطي» و«يسار إسلامي جمهوري»
بحسب السياق الذي يلي >>
الصراع بين «إسلام ثيوقراطي يميني» و«إسلام جمهوري يساري»
وما جاء في نهاية الفقرة نفسها :
صراع الإسلامَين، اليميني الثيوقراطي واليساري الجمهوري،
بحسب نفس السياق >>
صراع الإسلامَين، الثيوقراطي اليميني والجمهوري اليساري،
(وليس إجحافاً بحقّ اليسار الإيراني، أياً كانت تسمياته، التسليم بأنه في حال من التراجع والانحسار أو حتى المحاق، وأنّ رموزه وشرائح واسعة من جماهيره تسير خلف عمائم آيات الله السوداء، صاغرة تارة أو راضية طوراً) اه
أستاذ صبحي حديدي، في دولة إيران التي تسمَّت كـ”جمهورية إسلامية” منذ سنة 1979 لا يوجد، في واقع الحال، شيئ اسمه “يسار” بالمعنى المتعارَف عليه سياسيا – حتى مع مراعاة التصويبات الاصطلاحية التي وردت في التعليق الأول، والتي ليس لها إلا أن تُؤخذ من منظور سياق النص وحسب: إن كان هناك “يساريون” حقيقيون، بالفعل، فهم متواجدون بين شرائح الشعب الإيراني بوجه العموم ليس غير، إما على شاكلة يساريين مقموعين ومهمَّشين في الداخل أو على شاكلة يساريين مبعَدين ومنفيين في الخارج؛
وبناء على ذلك كله، فإن ما يُسمى الآن بـ”الجمهورية الإسلامية الإيرانية” إنما هي دولة أتوقراطية ثيوقراطية بامتياز بالدرجة الأولى، دولة تتراوح، حسبما يقتضيه المزاج الفقيهي/المرشدي بالذات، بين الطابع اليميني المتطرف في أسوأ أحوالها، من طرف أول، وبين الطابع اليمني اللامتطرف في حالها الأقل سوءا، من طرف ثان، وبين الطابع اليميني المعتدل في أحسن أحوالها، من طرف ثالث – ليس هناك، إذن، أي تجل “يساري” في أي من هذه الاحتمالات !!!؟؟
*وبين الطابع اليمني اللامتطرف >>> *وبين الطابع اليميني اللامتطرف
خلف العمائم السوداء …. قلوب أشد سوادا ….
(1)…
مثلما ان ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام ( الذي يطلق عليه اصطلاحاً) ب “داعش” هو الاكثر تشويهاً للإسلام و عار عليه و لا يفترض ان يصنف انه من الإسلام باي شكل من الأشكال
كذلك فإن ما يسمى بالجمهورية الإسلامية في ايران و على يد من يمثلها، هي تشويه للإسلام و سبة عليه ، و المفارقة في الامر أنهما الجهتان الوحيدتان اللتان تلصقان صفة “الاسلامية” بتسمية دولتيهما !
(2)…
الدكتور الإيراني الفذ علي شريعتي رحمه الله، ميز و فرق بشكل واضح بين التشيع العلوي و التشيع الصفوي ، و اعتبر ان التشيع العلوي هو الأقرب الى روح الإسلام و الى نهج غالبية المسلمين، اما التشيع الصفوي ،وهو تشيع الذي تتبعه الفئة الحاكمة في ايران و تسير الدولة بموجبه بل تسير العراق و حزب الله و جماعة الحوثي و كل اتباعها بموجبه
بل للاسف معظم كتب الفقه و العقيدة و الفكر الشيعي القديمة منها و الحديثة هي من تأليف رجال ينتمون الى هذه المدرسة من التشيع، هي من الناحية العملية و الفكرية ابعد ما تكون عن الإسلام و نهجه و فكره و عقيدته، انما تتمسح به لتكتسب شرعيتها.
سبعترض الكثيرون ربما ،لكن اعتراض مثل هؤلاء سيكون مبني على العاطفة و التعصب و الانتماء الطائفي و الولاء السياسي و ليس استنادا الى اطلاع و علم بواقع و حقيقة تلك المدرسة.