في المقابلة التي أجراها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع تلفزيون بلاده في آخر شهر مارس، لوح بخيار إنشاء منظمة إقليمية في شمال إفريقيا على غرار غيرها من المنظمات الناشئة في غرب إفريقيا وشرقها، وحضرت في خطابه كثيرا لفظة «الغرب» التي يعني بها المغرب، وظهر بشكل واضح أن مواجهة هذا «الغرب» والحد من نشاط دبلوماسيته يمثل رهانا أساسيا بالنسبة إلى الجزائر.
في الواقع، لا شيء إلى حد الآن يبين جدية هذا الخيار، وتوافق الأطراف التي يفترض أن تشكله عليه، فكل ما يوجد من مؤشرات هو الاجتماع الذي تم على هامش القمة السابعة للغاز التي انعقدت في الجزائر، بحضور الرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، والتي تم فيها الاتفاق على عقد اجتماعات كل ثلاثة أشهر، يقام أولها في تونس بعد شهر رمضان.
موريتانيا التي كانت الجزائر تعول على أن تكون عضوا أساسيا في هذا الهيكل السياسي الإقليمي الجديد، لم تشارك في هذا اللقاء، وفضلت أن تبقى بعيدة عن أي مبادرة يمكن أن يفهم منها الضلوع في عزل المغرب عن محيطه الإقليمي وإخراجه بطريقة ناعمة من اتحاد المغرب العربي.
بيان الرئاسة الجزائرية، حاول أن يخفف من الموقف الموريتاني الرافض، وتحدث عن محادثة هاتفية بين الرئيسين الجزائري والموريتاني، تم فيها شرح عقد اللقاء الثلاثي، وفي أي سياق يندرج، فحاولت الجزائر بذلك أن تنفي وجود أي إرادة لعزل المغرب ومحاولة إخراجه من اتحاد المغرب العربي، وأن اللقاء انشغل بـ«قضايا راهنة ذات طابع إفريقي».
في الواقع، لم تكن هذه المبادرة فكرة جديدة للدبلوماسية الجزائرية، تم تقديمها في سياق مواجهة العنفوان الدبلوماسي الذي حققته الرباط في السنوات القليلة الماضية، بل سبق للجزائر أن تحدثت أكثر من مرة عن مغرب عربي بدون مغرب، لكنها لم تنجح في تنزيل الفكرة وإقناع الأطراف المعنية بها، بينما نجحت الرباط في جر عدد من الدول في الحدود الجنوبية المتاخمة للجزائر إلى المبادرة الأطلسية بعد أن تفجر الخلاف بين الجزائر والنيجر، ثم بين الجزائر ومالي، والتحقت تشاد هي الأخرى بالمبادرة، ودخلت موريتانيا في حوار عميق مع الرباط حول هذه المبادرة لا يزال مستمرا إلى اليوم، مع دخول قوى دولية أخرى على الخط لإقناع نواكشوط للانضمام إليها، وتثمين دورها الذي يفترض أن تقوم به في المنطقة وذلك على كافة المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتنموية.
واضح أن التصريح بشكل علني ولأول مرة من قبل الرئيس الجزائري عن هذا التكتل الإقليمي في شمال إفريقيا جاء في سياق تدشين انطلاق حملته الانتخابية، بعد أن تم تقديم موعد الانتخابات إلى السابع من سبتمبر المقبل بدل شهر ديسمبر، فموضوع مواجهة المغرب، وإثبات تفوق الجزائر دبلوماسيا عليه يمثل واحدا من الموضوعات الانتخابية المهمة والحاسمة، بل تشكل إحدى الأوراق التي يعتمدها الرئيس الجزائري للترشح للرئاسة، بالنسبة إلى النخب الأمنية والعسكرية التي لم تحسم أمرها في دعم هذا الاختيار، خاصة وأن الرئيس نفسه ولحد الآن لم يعلن بشكل رسمي نيته خوض غمار الترشح لولاية أخرى.
تقييم مبادرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يختلف بالاعتبار الدبلوماسي، والجيوستراتيجي، والسياسي، والاقتصادي.
لا شيء إلى حد الآن يبين جدية هذا الخيار، وتوافق الأطراف التي يفترض أن تشكله عليه، فكل ما يوجد من مؤشرات هو الاجتماع الذي تم على هامش القمة السابعة للغاز التي انعقدت في الجزائر
دبلوماسيا، يصعب تقييم المبادرة لأن شروطها لم تتخلق بعد، فليس هناك وضوح بشأنها بالنسبة إلى الأطراف المعنية، فالطرف الوحيد الذي أعلن عن فحواها ومراميها هو الجزائر، بينما لم يصدر عن تونس وطرابلس أي تصريح بهذا الشأن، فيلزم انتظار أول لقاء بعد شهر رمضان في تونس، لتكتمل الصورة، وتظهر جدية المبادرة، ويبرز موقف تونس بحكم أن اللقاء سينعقد بها. وما يجعلها محدودة في طموحها، أنها عجزت أن تضم إليها موريتانيا، مما يجعل فرصة عزل المغرب، وإقصائها من الاتحاد المغرب العربي الجديد، خيارا مستبعدا.
بالاعتبار الجيوستراتيجي، يعني قيام هذا الهيكل السياسي الإقليمي تمدد الجزائر في شرقها، والنجاح في إيجاد متنفس لتدبير عزلتها في الجنوب، أي في امتدادها الإفريقي، بعد أن دخلت في توترات معلنة وأخرى صامتة مع دول الساحل جنوب الصحراء (النيجر، مالي) ولم تنجح في جر موريتانيا الحذرة إلى مربعها في الصراع مع الرباط.
المشكلة بالاعتبار الاستراتيجي، أن كلا من تونس وليبيا تعانيان أزمات مختلفة المستويات، تلتقي كلها في عنوان هشاشة الاستقرار السياسي، فتونس تعاني من حكم استبدادي فقد القدرة على إدارة الحوار مع المجتمع الدولي، ومع النخب المحلية، وتعاني من أزمة اقتصادية خانقة، زادت من حدتها عدم التوصل إلى تفاهمات مع صندوق النقد الدولي. أما ليبيا، فلحد الآن، لم ينجح الفرقاء السياسيون في المضي بالبلد إلى الخطوة النهائية، أي إجراء الانتخابات، وبناء الهياكل السياسية والمؤسساتية للدولة، وإنهاء الفترة الانتقالية بكل متعلقاتها.
في الواقع، يمكن أن تستمر تونس على موقفها في الاقتراب من الجزائر على حساب الرباط فهي تحتاج الدعم المالي والاقتصادي حتى تؤمن فترة أخرى من شرعية الرئيس المتهاكلة، لكن اللحظة الانتخابية على الأبواب، وكل الاحتمالات مفتوحة بما في ذلك إنهاء دور قيس سعيد أو تثبيته في الحكم، لكن بالنسبة إلى ليبيا، فعلاقتها بالرباط قوية تأخذ أبعادا مختلفة، يصعب معها تصور أن تكون طرابلس جزءا من إرادة إضعافها أو عزلها عن محيطها الإقليمي، أو حتى إخراجها بشكل ذكي من اتحاد المغرب العربي.
أما بالاعتبار السياسي، فالمبادرة حتى لو تم لها النجاح، فإنها لن تتعدى ترسيم واقع حاصل هو مزيد من خلق شروط جمود اتحاد المغرب العربي، فخلق الكيانات التجزيئية (من ثلاث دول) يؤشر على أن التكتل الإقليمي الواسع (المشكل من خمس دول) سيدخل منعطفا آخر من الموت النهائي بعد أن كان في مرحلة الموت السريري.
تونس منذ أن استقبل رئيسها قيس سعيد قيادة البوليساريو، لم تخط خطوة أخرى تصعيدية اتجاه الرباط، واشتغلت دبلوماسيتها طوال المدة الفاصلة بسياسة التهدئة، بينما مزجت الرباط بين إظهار الغضب على الموقف التونسي، وبين عدم التصعيد في الرد، وذلك بحثا عن إمكان تطويق المشكل عبر آلية تصحيح الموقف التونسي. أما ليبيا، فلا تستطيع أن تغامر في أي خيار يراد منه عزل المغرب عن محيطه، وذلك لسبب بسيط وهو أن أغلب الاتفاقات التي جمعت الفرقاء الليبيين تمت إما في الصخيرات أو بوزنيقة، وأن المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، تحدث بوضوح في نوفمبر من العام الماضي عن دور الرباط من خلال عقد لقاء تحضيري في الصخيرات يجمع ممثلي المؤسسات الرئيسية الليبية للتمهيد للقاء القادة لحسم ما علق من خلافات بين الفرقاء، كما أجرى وزير الخارجية المغربي مباحثات مع نظيره الليبي الطاهر الباعور بالقاهرة وذلك على هامش أعمال الدورة 161 لمجلس الجامعة العربية وذلك في سياق توفير الظروف الملائمة للوصول إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا، عبر تنظيم استحقاقات انتخابية سليمة وشفافة، انطلاقا من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات سنة 2015. هذه الاعتبارات الثلاثة، الدبلوماسية، والاستراتيجية، والسياسية، تجعل من مبادرة الجزائر خطوة جد محدودة، وربما تكون ذات خلفيات انتخابية أكثر منها مبادرة دبلوماسية استوفت شروط النضج في مواجهة نشاط وتقدم دبلوماسية الرباط في إدارة الصراع الإقليمي مع الجزائر.
كاتب وباحث مغربي
3)- العاهل اختار ، بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء ، يوم 6 نوفمبر 2023 ، لإطلاق مبادرة دولية (هيكلا سياسيا إقليميا جديدا) ، من أجل تعزيز ولوج دول الساحل الأفريقي إلى المحيط الأطلسي . وتماشيا مع المبادرة ، انعقد اجتماع وزاري في مراكش ، يوم 23 ديسمبر 2023، بمشاركة وزراء خارجية كل من بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد ، بدون
الجزائر
عادي.. الجزائر لها منفد على المتوسط.. وهي ليست من دول الساحل..
.
والمشروع ليس فيه خلط مع مشروع المغرب العربي .. هذا شيئ.. وذاك شيئ..
.
كما للجزئر مشاريع مشتركة مع دول الساحل..
من يريد ان يعزل المغرب فهو واهم
إذا كانت البوصلة التي تحرك سلوكات النظام الجزائري هي عقيدة العداء و نظرية المؤامرة الكونية، فحتى لو اتحدت مع أرقى و اقوى التكتلات الإقليمية فستبوء ” استراتيجيتها” بالفشل…لأن الرؤية الاستراتيجية للدول لا تبنى على العداء بل على التنافس و الرؤية البرغماتية.
صاحب المقال غير متنوازن ويظهر انه يميل الى الاطروحات المغربية فالمغرب يعيش ازمات داخلية وفقر وبطالة ناهيك عن انبطاحه لاسرائيل وهوبذلك يريد ان يغطي عن هذا التطبيع المجاني عكس الجزائر التي لديها مقدرات تجعل منها قطبا اقتصاديا هاما
كلام قدحي .. مردود على صاحبه..
.
نسمع ان للجزائر مقومات تجعل منها قطبا هاما.. لكن هي ليست قطبا هاما الآن..
.
وتستعملون كثيرا صيغة تصريف الفعل في المستقبل.. Future tense.. وقد قرب عهد البترول ان يذهب الى غير رجعة..
.
والمغرب له قاعدة صناعية قوية الآن.. وليس في المستقبل.. وهو قطب الآن وليس في المستقبل.. وصناعات السيارات وقطع
غيار الطائرات.. وموانئ مصنفة عالميا خير دليل.. الآن .. وليس في ال Future tense.. 😀
سبق للعاهل المغربي أن عرض على الجزائر منفذا عبر ميناء على المحيط الأطلسي من الأقاليم الصحراوية لتصدير منتجاتها انطلاقا منه، على أن يكون الميناء تحت السيادة المغربية، وكان الردُّ هو: الجزائر لا تتاجر بمبادئها. أي أنها رفضت العرض ليستمر المشكل قائما..
مجرد تساؤل
من صاحب فكرة مغرب الجمهوريات !!!؟؟؟
جاء في المقال ما نصه:
“في الواقع، لم تكن هذه المبادرة فكرة جديدة للدبلوماسية الجزائرية، تم تقديمها في سياق مواجهة العنفوان الدبلوماسي الذي حققته الرباط في السنوات القليلة الماضية” انتهى الاقتباس
المقال يزعم أن “المبادرة ” (اجتماع تونس) لم تكن فكرة جديدة للدبلوماسية الجزائرية بدون أن يقدم أي دليل، وتجاهل أن صاحبها هو راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي السابق، ورئيس حركة النهضة. وقال عنها حينئذ الخبير الموريتاني في شؤون الساحل والصحراء، الدكتور سليمان الشيخ حمدي في حوار مع موقع “الصحراء الغربية 24” يوم:28/03/2021، ما نصه:
“أن الموريتانيين في قراءتهم السياسية للموقف من الحرب في الصحراء الغربية باتوا مقتنعين بأن قيام دولة صحراوية تفصل بين موريتانيا والمغرب سيشكل سدا منيعا ضد الأطماع المغربية التوسعية. هذا الموقف يحظى بدعم غالبية الاتجاهات الشعبية والرسمية، المغرب أصبح عالقا في قضية الصحراء الغربية والتي ستكون سببا في نهاية نظامه”. انتهى الاقتباس
تحية طيبة استاذ بلال … لا زالت لعبة الكل للكل تستهوي عسكر الجزائر ..
كل يدافع عن الرقعة التي يسكنها ويسترزق منها وتخرج منها ليدافع عن الحقيقة المنقسمة بين الأشقاء من الجهة النسب والأشقاء من جهة الدين واللغة .
فالتجرد سمة قليلة في الناس لتقول وتكتب ما فيه الخيرية لكل الأطراف