تقييم عبدالباسط الساروت، شهيد الثورة السورية الراحل أخيراً عن سبعة وعشرين عاماً، كموسيقي ومغن، هو أقرب (وبلا تشابيه، كما نقول بالدارج) إلى تقييم حسن نصرالله كلاعب كرة قدم، أو بشار الأسد كناشط حقوقي، أو أدولف هتلر كفنان تشكيلي.
هذا ما فعله الموسيقي اللبناني زياد سحاب، في تعليق مستفز، عندما تحدث عن قلّة موهبته في الغناء، ولم يقل أكثر من شتيمة، في أكثر لحظات السوريين حلكةً وحزناً على أحد أبطالهم.
لم يكن الغناء مهنة الساروت. لا الثورة مهنته ولا السياسة. حتى كرة القدم، وقد كان نجماً لا ينازعه فيها منازع، وكان بإمكانه أن يغادر بلده المنكوب ليتنقّل بين الملاعب والأندية والشاشات، لم تكن تماماً مهنة، بقدر ما كانت عشقاً وشغفاً وحياة.
هل شاهدت الفيديوهات التي تصور تدريباته في النادي؟ أو هل قرأت وصف أحد زملاء بداياته الكروية حين قال إنه كان يرمي نفسه نحو الكرة بطريقة توجع الأرض نفسها؟
الساروت ظاهرة لا ينكرها إلا ممانع خبيث، أو مقلّد بائس يحاول بلا جدوى إعادة إنتاج نموذج زياد رحباني، أو ملحّن جلّ طموحه أن تغني له فايا يونان.
هو ذا الساروت، أراد أن يكون بين أهله، ولهم، حتى آخر رمق فيه، أكثر مما يستطيعون هم أنفسهم، مدافعاً عن كرامتهم، ومستحقاً، واقعاً ومجازاً، لأجمل ما قيل فيه: “حارس الكرامة”.
إن أنشد الساروت أو غنى مع الناس فليس لأنه أراد أن يكون موسيقياً، أو أن يثبت موهبة، ومع ذلك، بالإمكان القول إنه استطاع أن يؤثر في الناس، ويدفع ملايين السوريين للغناء والهتاف معه حتى قبل أن يصبح شهيداً.
الساروت ظاهرة لا ينكرها إلا ممانع خبيث، أو مقلّد بائس يحاول بلا جدوى إعادة إنتاج نموذج زياد رحباني، أو ملحّن جلّ طموحه أن تغني له فايا يونان.
ألقاب وأوصاف كثيرة اجترحت في وصف الساروت، أيقونة الثورة، حارسها، أمير شهدائها، زين الشباب،.. من بين أجملها لقب “حادي الثورة”، لأن الحادي هنا ليس مهنة للتكسّب، هذا درب رسمه الساروت كأجمل ما تكون الدروب.
كلمات… ملكات
معظم المواقع الإعلامية تداول فيديو الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في طريقه من سجنه إلى مقر النيابة. لم يبد في الفيديو أن البشير تعرض لأي مشهد مذلّ، على نحو ما حدث لكثير من معارضيه، سواء تحت حكمه أو تحت حكم المجلس العسكري الوريث، وخصوصاً ما حدث للسودانيين أخيراً عند فضّ الاعتصام.
لكن ما أسعدنا، وأسعد العدالة، بتلك العبارة الاستهلالية للخبر: “اقتيد البشير من سجن كوبر إلى مقر نيابة مكافحة الفساد في الخرطوم للتحقيق”.
للكلمة أحياناً، فقط لكلمة واحدة، مفعول السحر، كلمة فيها العدالة كلها. “اقتيد” البشير، كما اقتيد عديدون من قبل، على أمل “اقتياد” الباقين.
للكلمة أحياناً، فقط لكلمة واحدة، مفعول السحر، كلمة فيها العدالة كلها. “اقتيد” البشير، كما اقتيد عديدون من قبل، على أمل “اقتياد” الباقين.
المراسل الميدانيّ شاعراً
جميل أن تذهب كاميرا مراسل تلفزيون “العربي” في ساحة اعتصام الخرطوم إلى ما وراء المشهد، أن ترصد تفاصيل الحياة التي تهملها شاشات الأخبار، لتتحدث مثلاً عن “بائعات الشاي كجزء أصيل من مشهد الاعتصام”.
لكن ما يصعب فهمه، إلى جانب أن تحتل صورة المراسل فضاء المشهد، تلك اللغة الإنشائية التي تثبت مجدداً رغبة الإعلامي العربي بأن يكون شاعراً لا إعلامياً. هكذا يجري مثلاً وصف سيدة تبيع الشاي بأنها “تعاين بصمت سرمدي”. كما تُغدَق المجازات من غير حساب، فهل يستحق صنع كأس الشاي أن يوصف بعبارة “كأس شاي تصنعه بدقة الساعاتي وهدوئه”، دقة الساعاتي؟! من أجل كأس شاي؟!
لغة إنشائية تثبت مجدداً رغبة الإعلامي العربي بأن يكون شاعراً لا إعلامياً
إذا كان هذا حال لغة التقرير، فإن إلقاء المراسل يأتي كذلك ليعزز تلك الإنشائية، بصوت يطمح هو الآخر إلى منبر شعري في “شوارع تأبى النوم”، و”ساعات مساء تمضي رويداً”، و”شرب الشاي مع زوارها المؤقتين”.
الاسثمار السيسي
على الرغم من أن “التلفزيون العربي” قام بحذف حلقة من برنامج “عصير الكتب”، الذي يقدّمه الكاتب والإعلامي بلال فضل، بعد الجدل إثر ما اعتبُر “إساءة ضيف الحلقة للخلفاء الراشدين والتطاول عليهم”، وعلى الرغم من الاعتذار الرسمي الذي قدّمه التلفزيون، الذي قال إن ما ورد في الحلقة على لسان الضيف المصري المفكر أحمد صبحي منصور “لا يمثل خط التلفزيون العربي، بل نرفضه فالتلفزيون يعتز بحضارته وهويته”، فقد استمر الهجوم اللاذع والانتقادات على التلفزيون وإدارته في محاولة واضحة لتصيّده، بما يوحي أن الكثيرين وجدوا فرصتهم لتحريض الشارع الإسلامي والعربي، وحضه على التصعيد أبعد من التلفزيون.
إعلام السيسي كان على رأس المتصيّدين. بدا وكأنه ينتقم لنفسه من شبكة إعلامية لطالما سلطت الضوء على المصائب التي يرتكبها يومياً إعلام النظام المصري.
الأنظمة التي لها “الريادة” في مناهضة الإسلاميين هي أول و”أشطر” من يستثمر (في) غضبهم.
الفبركة المحمودة
ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة مفبركة تجمع بعض ممثلي المسلسل السوري “دقيقة صمت”، فادي صبيح وخالد القيش وعابد فهد، يحمل فيها الأخير صورة لبشار الأسد، وذلك إثر بيان وقّعه الثلاثة معاً يحتج على تصريحات كاتب المسلسل سامر رضوان التي أثارت غضب النظام السوري ومؤيديه اللبنانيين.
يقول الممثلون في بيانهم: “صدمنا بما أدلى به كاتب المسلسل من تصريحات بطريقة تتنافى، بل تتعارض مع ثوابتنا الوطنية، وبصورة تقحم العمل الفني في خضمّ عراكات أقّل ما يمكن أن يترفّع عنها مسلسل تلفزيوني”، ثم يأمل البيان في ختامه بـ “تكريس المعتقدات الوطنية ورموز السيادة المتمثلة بالعلم والجيش ومقام الرئاسة”.
اللافت في الصورة أنها تحاول أن تظهر عن عمد أنها مبنية على صور مستعادة من “ثورة حيّ السلّم” (خريف العام 2017)، الحيّ البيروتي الذي انتفض في وجه “حزب الله” موجهاً إليه أقذع الشتائم، ثم راح المنتفضون يعتذرون في الأيام التالية أمام الكاميرات، رافعين صور حسن نصرالله، وكان واضحاً أنهم تعرضوا لضغوط كبيرة كانت بادية في أصواتهم وإيماءاتهم.
“الفبركة” في مكانها هذه المرة، لأن الهدف ليس الفبركة تماماً، بل المقاربة بين ما جرى لمنتفضي حيّ السلّم، وما يبدو أنه يجري لممثلي وصنّاع مسلسل “دقيقة صمت”.
تبرأ منتجو العمل من الكاتب وتصريحاته، ثم مغني الشارة، معين الشريف، ثم الممثلون، بالجملة والمفرق، ولأكثر من مرة،.. وعلى ما يبدو ستظل دائرة الاعتذارات و”البراءات” تدور إلى أن يظهر الجميع في برنامج “الشرطة في خدمة الشعب”، يرددون فيه بصوت واحد: “ندمان يا سيدي”.
كاتب فلسطيني سوري
بل هو عضو في النصرة وقدم بيعة لداعش.. إرهابي.. وجعلتموه قديسا .. مبروك عليكم
رحمه الله برحمته الواسعة لأنه شهيد من شهداء هذه الثورة. لنا الله ومالنا غيرك ياالله
بعض الاعلاميين والفنانين والسياسيين اللبنانيين وصلت بهم الحقاروالدناءة درجة لا تتصور لدرجة السخرية من اوجاع ومآسي الاخرين والتعالي عليهم متناسين انهم عانوا من ذلك في الماضي مرارا وتكرارا