تضمن مقالنا السابق مناشدتين ومقترحين حول حرب السودان الكارثية. وجهنا مناشدتنا الأولى إلى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» وإلى القوى المدنية خارج التنسيقية، ودعوناهما إلى الانخرط معا في التحضير السياسي والإجرائي لمؤتمر جامع للقوى السياسية والمدنية، يعقد عاجلا، اليوم قبل الغد، مع اشتراط عدم إقصاء أي طرف أو حزب أو مجموعة، غض النظر عن أي مواقف سياسية سابقة لهم، ماداموا هم الآن يقفون ضد الحرب، وماداموا يستندون إلى قاعدة ملموسة تعمل على الأرض، وأن يشترك الجميع في كل تفاصيل التحضير للمؤتمر، مع التقيد التام بالشفافية في كل خطوات العمل، والتي يجب أن تكون بعيدة عن أي مؤثرات خارجية، دولية أو إقليمية. وكررنا في مناشدتنا تلك، قناعتنا الدائمة بضرورة تواجد قيادات النقابات والاتحادات المنتخبة في قلب هذا العمل. وفي حال تعزر عقد هذا المؤتمر لأي سبب من الأسباب، جاء اقتراحنا الأول بأن تتنادى قوى «تقدم» والجبهة النقابية ولجان المقاومة/غرف الطوارئ والضباط من القوات النظامية وأي من المكونات المدنية الأخرى، بمبادرة من أحد أطراف هذه القوى، وبعيدا عن التدخلات المباشرة للقوى الإقليمية والدولية، لتشكيل مجموعة عمل تتوافق حول رؤية لوقف الحرب وتذهب بها إلى لقاءات مباشرة مع طرفي القتال والمجتمع الدولي والإقليمي، وفي ذات الوقت تشكل هذه الرؤية مادة لتنظيم مقاومة شعبية داخل البلاد ضد الحرب ومحاولات وأد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018. أما مناشدتنا الثانية، فوجهناها إلى اللجنة الثلاثية رفيعة المستوى التي شكلها الاتحاد الأفريقي لتسوية الصراع الدائر في السودان، حسب نص قرار الاتحاد، والتمسنا منها أن تكثف جهودها وتحصرها في توحيد المبادرات الإقليمية والدولية وتجميعها في منبر واحد، بدلا من أن تفترع مسارا أو منبرا جديدا يبدأ من المربع الأول، وشددنا على أن تعدد المنابر يضر كثيرا بقضية السودان ولن يوقف الحرب. اقتراحنا الثاني كان موجها إلى القوى المدنية السودانية بأن تنتبه إلى دعاوى الاستنفار والتسليح وتكوين المقاومة الشعبية المسلحة، وتبحث بصورة عاجلة كيفية التعامل مع هذه الظاهرة التي صارت جزءا من واقع الحرب، وستفرز تداعيات خطيرة على البلاد. لكن لم نطرح اقتراحنا هذا في مقالنا السابق بسبب ضيق مساحة النشر المخصصة، ونبتدر مناقشته في مقال اليوم.
المقاومة الشعبية، منظمة أو غير منظمة، سلمية أو مسلحة، هي بالأساس حق إنساني طبيعي تكفله وتحميه المواثيق والقوانين الدولية. وإذا كانت المقاومة الشعبية المسلحة تعتمد العمل المسلح من ضمن وسائلها، فإن المقاومة الشعبية السلمية تعتمد على انخراط وإشراك أكبر قاعدة جماهيرية في المقاومة بدون أي مظهر من مظاهر العنف أو حمل السلاح، مستندة إلى إرادتها وعزيمتها وطول نفسها والتعاطف الدولي والإقليمي معها ومع عدالة قضيتها، ومحولة ضعفها والخلل في ميزان القوى تجاه الطرف الآخر المعتدي والمدجج بالسلاح إلى نقطة قوة لها من خلال سلميتها.
المقاومة الشعبية السلمية تعتمد على انخراط وإشراك أكبر قاعدة جماهيرية في المقاومة بدون أي مظهر من مظاهر العنف أو حمل السلاح
وبالنسبة للسودان، المقاومة الشعبية مطلوبة وضرورية، ولكنها المقاومة السلمية الرافضة للحرب، والتي في إمكانها ابتداع عشرات التكتيكات السلمية لوقف الاقتتال. وتاريخ البشرية الحديث حافل بالكثير من تجارب المقاومة الشعبية، مثل مقاومة شعوب أوروبا ضد الاحتلال النازي وتعاونها مع جيوش الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية، المقاومة الشعبية السلمية في الهند بقيادة الزعيم غاندي ضد الاحتلال البريطاني، مقاومة الشعب الفيتنامي ضد الإحتلال الفرنسي ثم الأمريكي، مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، مقاومة شعب جنوب افريقيا ضد نظام الفصل العنصري، مقاومة الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، مقاومة الشعب السوداني السلمية ضد الديكتاتوريات…، والأمثلة كثيرة. صحيح هناك أوجه شبه تكاد تكون مشتركة بين مختلف نماذج المقاومة الشعبية هذه، خاصة من حيث الأهداف والمعاني العامة، ولكنها بالتأكيد تختلف في السياقات ومن حيث الظروف والطبيعة الخاصة، زمانيا ومكانيا، في هذا البلد أو ذاك، ومن حيث الأساليب ومناهج العمل، بحيث سنكون مخطئين إذا أسقطنا أيا من هذه النماذج على التجربة السودانية الحالية مثلا، فنتعامل مع تجربة الاستنفار والتجييش ودعاوى المقاومة الشعبية ضد قوات الدعم السريع وانتهاكاتها، وكأنها بذات ملامح وشبه تجربة المقاومة الشعبية في الجزائر أو فيتنام أو جنوب افريقيا مثلا.
إن دعوات الاستنفار والمقاومة الشعبية المسلحة، جاءت في جانب منها كرد فعل للانتهاكات الواسعة من قوات الدعم السريع تجاه المواطنين، في حياتهم وممتلكاتهم وأعراضهم. وفي جانب آخر، تعكس إدراكًا متزايدًا عند المواطنين بأن الجيش غير قادر بمفرده وإمكاناته الحالية على حسم المعركة، أو أن ثقتهم في قدرة الجيش على حمايتهم تزعزعت وأصابها التصدع بعد تعدد انسحاباته، كما في حالة انسحابه من مدينة ودمدني. لذلك، فإن دعوات تكوين المقاومة الشعبية، هي استجابة موضوعية ومتوقعة، والنظر إليها باعتبارها كلها من صنع فلول النظام البائد ليس صحيحا ويعكس قصر نظر بائنا. لكن أيضا، صحيح أن العديد من المؤشرات تشير إلى أن مجموعات الفلول، والتي مُكنت من مواقع متنفذة، تسعى للاستفادة من هذا الوضع، وربما كونت بعضا من هذه المجموعات المسلحة واخترقت بعضا آخر، بهدف تجيير هذه المجموعات لصالح خدمة أهدافها المعادية لثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 ولصالح تصفية الحسابات السياسية مع قوى الثورة والانتقام منها. ومن بين هذه المؤشرات، الممارسات المعادية حد الاعتقال والتهديد بالتصفية تجاه أعضاء لجان المقاومة ولجان غرف الطوارئ وأعضاء تحالف قوى الحرية والتغيير بزعم أنهم عملاء للدعم السريع، إسراع الولاة بإعلان حل لجان المقاومة ولجان غرف الطوارئ، وهذه مجرد رصاصات صوتية، لا تصيب ولا تدوش، فهذه اللجان أصلا لم تنشأ بإذن هؤلاء الولاة أو غيرهم، ولن تسري عليها إلا قراراتها الذاتية فقط.
كاتب سوداني
( 1)
يشكر للدكتور الشفيع خضر، سعيه الدؤوب الى ايجاد حل للقضية السودانية ووقف الحرب في السودان ،كما يبرز من خلال مقالاته ومن بينها مقاله المعنون : دعاوى الاستنفار وحرب السودان، الذي وددت ان ابدي عليه الملاحظات التالية:
والدكتور في معظم مقالاته- ومن بينها المقال موضوع التعليق- يعول على تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم»، التي يدعوها الى الانخراط في التحضير السياسي والإجرائي لمؤتمر جامع للقوى السياسية والمدنية، وخلافاَ لمنهج- “تقدم”،الذي درج على حصر مناشطها في قوى سياسية معينة ،وحين وسعتها حصرتها في كل من رفع شعار “لا للحرب”- اكد الدكتور على عدم استثناء اي قوى سياسية.ويبدو ان الدكتور تجاهل تجربة تلك القوى وفشل تجربتها السياسية طوال الفترة الانتقالية،وعدم انجازها ايا من شعارات الثورة المعلنة ، فلم تنشيء المؤسسة العدلية، او تكون مجلس تشريعي ، او مفوضية الانتخابات، لاجراء انتخابات حرة ونزيهة. ويها يبدا مشوار بناءالدولة السودانية الحديثة.دولة الحرية والعدالة والسلام،والرخاء،كما لم تستطع قحت بحكومتيها، ان تخلص الجهاز التنفيذي من سيطرة “الكيزان” المزعومة ، بل انصرفت الى اثارة قضايا بعيدة عن تلك الشعارات ،وبعيدة عن اهتمامات الثوار،ومعاش الناس.
(2)
يخاطب الدكتور في مقاله اللجنة الثلاثية التي شكلها الاتحاد الأفريقي لتسوية الصراع الدائر في السودان، ، ويطلب منها أن نحصر جهودها في توحيد المبادرات الإقليمية والدولية وتجميعها في منبر واحد، بدلا من أن تفترع منبراجديدا يبدأ ، لأن تعدد المنابر يضر بقضية السودان ولن يوقف الحرب.واحسب فشل المبادرات لا يعود الى تعددها بل الخلل في تصورها جميعا للصراع ،بأنه صراع بين جنرالين.،بينما حقيقة الامر انه صراع بين فيئة تمردت على الجيش ،الذي لقادتها ان ينمو نفوذها ويتمدد،حتى طمعت في القضاء على الدولة السودانية واقامة سلطة سياسية مكانها، ومن ثم تمردت على الدولة وحملة السلاح في وجهها الى اخر ما قامت به ، جرائم حرب في دارفور؛ وجرائم تطهير عرقي؛ كان من ضحاياه قبيلة المساليت في الجنينة، وانتهكت واغتصبت وسرقت وقتلت في الخرطوم والجزيرة ونيالا وغيرها من المدن والقرى، وغير ذلك مما هو موثق ومثبت، وشهدت به المنظمات الدولية؛ واعترفت به الولايات المتحدة الامريكية،فكان على كل اصحاب المبادرات ومنايرها في جدة ونيروبي والقاهرة، ان تستصحب هذه الصورة حينما تتناول موضوع السودان.
(3 )
-ثم تناول المقاومة الشعبية، واقر بان المقاومة الشعبية ، سلمية أو مسلحة، حق إنساني طبيعي تكفله المواثيق والقوانين الدولية. ويبدو ان الدكتور من مؤيدي المقاومة السلمية ،ومن ثم ساق عددا من تجارب المقاومة الشعبية التي حفل بها تاريخ البشرية الحديث. وحقيقة فان الانماط التي ذكرها، ليست جميعها مقاومة سلمية.
وخلافا لكثير ممن يرفعون شعار لا للحرب ،يذهب الكاتب الى إن دعوات الاستنفار والمقاومة الشعبية المسلحة،هي استجابة موضوعية ومتوقعة، ومن مبرراتها -كما يقول- كونها رد فعل لانتهاكات قوات الدعم السريع تجاه المواطنين، ومن مبرراتها عدم ثقة المواطنين في الجيش ، وعدم قدرته على حسم المعركة او حمايتهم، لا سيما بعد انسحاباته المتعددة، لاسيما في ودمدني. وعليه فإن النظر الى الدعوة للمقاومة باعتبارها كلها من صنع فلول النظام البائد ليس صحيحا ويعكس قصر نظر بائنا، ولكن سرعان ما استدرك موقفه المعتدل هذا بالقول ان العديد من المؤشرات تشير إلى أن مجموعات الفلول،قد تسعى للاستفادة من هذا الوضع لصالح خدمة أهدافها المعادية لثورة ديسمبر،ولصالح تصفية الحسابات السياسية مع قوى الثورة والانتقام منها،واورد ما يتداول من اتهامات تحتاج الى توثيق.”