بقلم: مردخاي غيلات
هذه هي أيام حكم الخوف؛ الخوف من التظاهر ضد وزراء الحكومة الذين يحبون النفوذ والقوة والأموال والسلطة، والخوف من الاحتجاج على الدكتاتورية التي تسيطر على الدولة، والخوف من التظاهر في الشوارع وإطلاق الهتافات اليائسة لإنقاذ المخطوفين في غزة، والخوف من رفع لافتات تطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، والخوف من أن تكون مراسلاً تغطي المظاهرات وتتعرض للضرب، والخوف من محاولة الدفاع عن سلطة القانون والمعسكر العقلاني في الدولة الذي تحاول الحكومة تفكيكه إلى أجزاء، والخوف من أن ترسل إلى غرفة الاعتقال بسبب مقولة، أو حتى لا سمح الله، بسبب نثر حفنة من الرمال نحو وزير؛ حفنة من الرمال هذه هي كل القصة، حسب الشرطة، حفنة من الرمال يتضرر أحد بسببها؛ الرمال لا تؤذي أحداً. الخطر تولد في عقول قادة المليشيات العنيفة، ما كان يعرف ذات يوم بالشرطة. وقفة احتجاج رمزية ضد الشخص الذي قام رجاله بضرب المتظاهرين بشكل مبرح.
إلى أين سيؤدي كل ذلك؟ إلى قاضي محكمة الصلح، المنغلق إزاء الحقوق المدنية، روعي بيري، الذي ترعرع في حركة اليمين “موليدت” التابعة للجنرال رحبعام زئيفي، وصادق على اعتقال الفتاة نوعا غولدنبرغ (27 سنة) لليلة واحدة في سجن “نفيه تريتسا”. لقد أرسلوها إلى هناك مكبلة الأيدي والأرجل كي لا تهرب، لا سمح الله. هي خطيرة جداً إلى درجة أن الشرطة سارعت لتقديم لائحة اتهام ضدها خلال 72 ساعة، هذا رقم قياسي عالمي حقاً، الذي تم فيه عرض حفنة الرمال وكأنها كتلة وحل. النيابة العامة خجلت كما يبدو من تكرار الدعوى الأصلية المضحكة بشأن الخطر الكبير الذي تعرض له بن غفير بسبب حفنة من الرمال.
ولمنع سوء الفهم، هذه ليست حالة استثنائية بل أسلوب. هذه ثقافة جديدة للحكومة التي تتصرف كمنظمة جريمة. منذ بداية الشهر وخلال أسبوع تقريباً، اعتقلت الشرطة 100 متظاهر بادعاءات تافهة. حوالي 100 متظاهر أُرسلوا إلى مراكز الشرطة، وأطلق سراح معظمهم لعدم وجود أدلة على خرق القانون. هل يوجد لديكم انتقاد للحكومة؟ لرئيس الحكومة؟ لوزير العدل ووزير التعليم؟ هل تشوشتم. نحن السلطة. سنعلمكم درساً.
شرطة بن غفير اعتقلت أشخاصاً أبرياء. وقد كذبت في المحكمة بوقاحة. واحتجزت بعض المعتقلين في مركز الشرطة لساعات. قامت بتكبيلهم. حاولت تمديد الاعتقال لبعض منهم بذريعة سخيفة، أي شرطي مبتدئ تعلم أن يكررها: الإخلال بالنظام العام، والاعتداء على شرطي، وإزعاج شرطي أثناء تأدية وظيفته، واستخدام زائد للنار (يوجد شيء مثل هذا) وأيضاً تعريض حياة إنسان للخطر. هل رأيتم، أين الأدلة، الشهادات؟ الصور؟ لا يجب المبالغة. مسموح لنا كل شيء، أيها المواطنون الأعزاء. مسموح لنا أن نحاسب آلاف المتظاهرين في الاحتجاجات بهذه الطريقة في أرجاء البلاد، بما في ذلك عائلات المخطوفين. مسموح لنا اقتلاع خيمة احتجاج لهيئة المخطوفين في القدس، في محاولة لإخراج الرياح من أشرعة أعضاء الهيئة، الذين نحاربهم الآن.
بحماسة تصفية الحسابات لشرطة بن غفير مع المتظاهرين ومؤيديهم، بما في ذلك النساء الثلاث اللواتي وزعن كراسات من أجل المخطوفين في كنيس، لم تتجاوز الشرطة أيضاً المحامي غونين بن إسحق العضو في طاقم المحامين الذين يقدمون المساعدة لمن يتم اعتقالهم بالخطأ. صباح الأحد، بعد بضع ساعات على النشر عن قتل مخطوفين الستة سافر بن إسحق مع زوجته للمشاركة في مظاهرة قانونية في هرتسليا، غير بعيد عن بيت الوزير ياريف لفين. أوقف سيارته حسب القانون، وعندما اقترب من المتظاهرين وهو يحمل مكبر صوت (لم يكن قد شغله بعد)، سمع شخصاً بملابس مدنية يأمره بالتوقف. “أنا شرطي”، قال له هذا الشخص، وعرض عليه هويته. ومنذ تلك اللحظة تصرف بشكل فظ، ضمن أمور أخرى، بدأ بإثارة غضب المحامي المخضرم. “ماذا حدث، أنت ترتعش؟”، قال له. “شفاهك من الجهة اليمنى ترتجف”.
بن إسحق الذي هو ضابط كبير سابق في “الشاباك”، لم يبق صامتاً. فبعد محادثة قصيرة بينهما، أبلغ الشرطي المتخفي المحامي بأنه معتقل بسبب إهانة شرطي، وأدخله إلى سيارة الشرطة واحتجزه ست ساعات في مركز الشرطة. الذريعة: أمرتك بالتظاهر على مسافة تبعد 300 متر عن بيت الوزير، ولم توافق. كانت رواية كاذبة، ذريعة من أجل التحقيق مع المحامي الذي لم يطلق سراحه إلا بعد موافقته على عدم التظاهر في المكان لمدة أسبوعين.
حتى الآن، لم نتحدث عن الكشف الذي ظهر في هذه الصحيفة لبار بيلغ ويهوشع براينر، أن محققي الشرطة سألوا المتظاهرين إذا كانوا قد دفعوا لهم للمشاركة في المظاهرة، هذه أسئلة لا يستطيع طرحها إلا المحققون الفاسدون في شرطة فاسدة فقط (“هآرتس”، 8/9). ولم نتحدث بعد عن زعرنة شرطة حيفا، حيث رمى رجال الشرطة المتظاهرين على الأسلاك الشائكة. ولم نتحدث عن جلسة استماع أجريت لمعلم عارض الخدمة في الضفة في فيلم نشره في الإنترنت، وتم استدعاؤه للاستيضاح (شيرا كادري – عوفاديا، “هآرتس”، 9/9). يتبين أن الدكتاتورية تضرب جذورها.
الأربعاء الماضي، زار وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، مدرسة في “كفار مناحيم”. استقبله عشرات المتظاهرين الغاضبين الذين طالبوا بإطلاق سراح المخطوفين. ماذا فعلت الشرطة التي لا تعترف الآن بحق التظاهر لمواطني الدولة؟ انقضت عليهم واعتقلت شخصين، أحدهما كان قائد سرب في الاحتياط، والآخر مراقب جوي. ماذا نسبت لهم الشرطة؟ كالعادة، الإخلال بالنظام العام. متى تم إطلاق سراحهم لتوفير الخجل على نفسها في المحكمة، حيث ستكون مطالبة بالاعتراف بأن لا أدلة ضدهم، بعد بضع ساعات. كان الشرط أن لا يشاركا في المظاهرات مدة أسبوعين. خوفوهم.
أين صوت مفوض الخدمة المدنية في مثل هذه الظروف؟ المفوض دانيال هيرشكوفيتش، الذي مدد له نتنياهو الولاية لثلاثة أشهر، لم يناضل على أي شيء. هو مفوض على صورة وهيئة رئيس الحكومة. ومن هو الذي صمت أيضاً أمام تمادي الشرطة ومليشياتها؟ مراقب الدولة، نتنياهو انغلمان، جندي آخر مخلص للحكومة. يئير لبيد كان على حق عندما شكك في مصداقيته كشخص يريد إجراء التحقيق في أحداث 7 أكتوبر.
من الذي برز اسمه بشكل خاص في هذه الأحداث الدرامية لحرب الشرطة ضد المتظاهرين الذين يطالبون بعقد الصفقة لإنقاذ المخطوفين؟ يبدو أن المفوض الجديد داني ليفي ونائبه ابشالوم بيلد، اللذين أصبحا دمى في يد الوزير، هما خارج الموضوع. كلاهما يتصرف كمن يشكر مشعل النار الوطني، الذي أعطاهما هذا المنصب والشرف. وكلاهما قرر منذ اللحظة الأولى الاستسلام له بكل بساطة.
هآرتس 15/9/2024