دمشق التاريخية تنتعش بعد سقوط الأسد: إقبال كثيف للزوار والسياح

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق ـ «القدس العربي»: داخل أسوار المدينة القديمة، يوفر الطريق من باب سريجة في اتجاه الحريقة وأسواق دمشق العتيقة، كسوق مدحت باشا وسوق الحرير والبزورية وغيرها مثل سوق الخياطين الشهير باللباس التقليدي، وسوق الطويل والعطارين والنحاسين والمسكية، وليس انتهاء بسوق الحميدية التاريخي وهو الأشهر على الإطلاق، الذي يمتد من باب النصر وحتى الجامع الأموي، فرصة غنية للتسوق واكتشاف السلع التي تشكل مزيجا من الحداثة وأصالة التراث.

المحافظة على التراث

وقد حافظت أسواق دمشق على الحرف المصنعة يدويا على أيدي الحرفيين، خاصة الصناعات الجلدية، والسجاد اليدوي والأقمشة المطرزة، والبروكار المصنوع من أفخر المنسوجات في العالم، والخزف وأواني الخشب المعشق بالصدف البحري، والسيوف الدمشقية القديمة عند شيخ الكار في حي القيمرية، إلى جانب المأكولات الشعبية، وبيع أنواع التوابل والعطور والطرابيش والشراويل، وانتشار المطاعم الفخمة والمعارض بين البيوت العتيقة، ما يشكل تجربة فريدة لاستكشاف الثقافة والتراث.
بعد سقوط نظام الأسد، وحلّ الأجهزة الأمنية وشعب المخابرات وفكّ الحواجز العسكرية التي كانت تقطع أوصال البلد، وتعتقل وتقتل وتفرض الأتاوات وتنهب أرزاق الناس، انتعشت هذه المواقع العريقة وشهدت تحسنا ملحوظا لاعتبارها جزءا من الجولات السياحية الرئيسية للدمشقيين المهجرين الذين عادوا أخيرا إلى البلاد، وعموم السوريين والسياح من الجنسيات المختلفة، لما لها من إرث ثقافي غني.

المكتبة الظاهرية

في باب البريد «حي دمشقي قديم» بجانب المسجد الأموي، تقع المكتبة الظاهرية ذات الأبواب الخشبية الضخمة، وهي من أقدم المكتبات في سوريا، ومن أهمها عربيا، أسسها الظاهر بيبرس عام 1277ميلادي، وتضم نفائس المراجع وأمهات الكتب والمخطوطات النادرة.
مصدر مسؤول فضل حجب هويته ومنصبه، قال لـ «القدس العربي» إن المكتبة تضم 100 ألف عنوان، وكل عنوان يضم سلسلة من الكتب، لكن المكتبة الظاهرية أغلقت لنحو 17 عاما، أي منذ 2007 وبقيت على هذا الحال حتى عام 2024.

جولة لـ«القدس العربي» في قصر العظم والمكتبة الظاهرية وباب سريجة

وأضاف: بدأت عمليات ترميم المكتبة على حساب دولة كازاخستان عام 2008 وانتهت بنهاية عام 2010، حيث كان من المقرر إعلان الافتتاح في شهر مارس/ آذار 2011، ولكن مع اندلاع الثورة السورية، منع افتتاح المكتبة، وأعلن عن تأجيل مراسم الافتتاح مرارا إلى وقت غير معلوم، لكن رغم ذلك كان يسمح سرا للطلاب يالدخول والاستعانة بالمراجع الموجودة.

إقبال السياح

وفي بداية عام 2024 بات يسمح بشكل غير معلن بدخول السياح إلى المكتبة، ويمنع عنهم التصوير إلا بموافقة خطية تصدر من «مجمع اللغة العربية» بإدارة الدكتور الراحل محمود محاسنة. وحسب المصدر، فإن مشروع الترميم مرّ على كل أقسام المكتبة، وشمل أيضا قاعات المطالعة، حيث كانت المكتبة تضم قاعة كبيرة للمطالعة في الطابق العلوي، أضيفت لها بعد عمليات الترميم قاعتان في الطابق الأرضي، وهما الإيوان القبلي والإيوان الشرقي.

وزاد: بعد سقوط النظام، انتعشت المكتبة بالزوار مجددا، خاصة من قبل السياح من السوريين المغتربين، وأبناء المناطق المحررة ممن كان يستحيل عليهم الوصول إلى دمشق، لافتا إلى أن دخول المكتبة مجانا واستعارة الكتب هي داخلية حيث يمنع خروج المراجع.
وحسب مصادر «القدس العربي» فإن ثمة اتفاقية تعاون مشتركة ستوقع قريبا مع أعرق المكتبات الحكومية في ولاية إسطنبول التركية، إذ شهدت المكتبة الأسبوع الفائت زيارة وفد تركي برئاسة السفير التركي برهان كور أوغلو.

خطة للترميم

ووسط الحارات الضيقة، وبين القلعة الأثرية والسور الروماني، تقع معظم آثار دمشق في مساحة صغيرة لا تشكل سوى حوالي 5٪ من مساحة المدينة الحالية.
وتضم دمشق القديمة في إحدى حواريها المرصوفة، قصر العظم، ويقع في نهاية سوق البزورية، ويمتد بجانبه شارع مدحت باشا، ويعد القصر متحفا للتقاليد الشعبية، ويضم قاعات عديدة تختصر الفلكلور السوري، ويقدم نموذجا عن البناء الشامي بحجارته وحدائقه ونوافير الماء.
التقت «القدس العربي» بمراقب القصر أيهم عماد من أبناء مدينة اللاذقية، حيث يعمل منذ أكثر من 20 عاما في هذا الموقع الأثري.
وقال: سمي قصر العظم بهذا الاسم نسبة إلى والي دمشق أسعد باشا العظم، الذي عين عام 1749 بمنصب والي دمشق، وفي العام نفسه بدأ بناء قصر العظم، كمسكن له ولإدارة الحكم، حيث تم هندسة القاعات وتصميم الفناء بهذا الشكل، قبل نحو 300 عام مر القصر خلالها بعدة مراحل خلال فترة الاحتلال الفرنسي واستقلال سوريا.
وأضاف: الدولة السورية رممته عام 1950، وجعلت منه متحفا للتقاليد الشعبية، ووزعت هذه القاعات بهذا الشكل كنموذج عن الحياة الدمشقية زمان أسعد باشا العظم، وتضم بعض قاعاته نموذجا من السيوف الدمشقية القديمة المصنوعة من الفولاذ، إذ أخذت هذه السيوف المراتب الأولى على مستوى العالم بالنسبة للمتانة والمرونة.
ورصدت «القدس العربي» إقبالا كثيفا للزوار والسياح من العرب والأجانب، وحسب المتحدث، فإن السنوات الماضية شهدت انخفاضا واضحا لدخول الوفود الأجنبية إلى القصر، بينما يبدو جليا نشاط الحركة السياحية أمام الوفود الأجنبية والبعثات الدبلوماسية.
وحول آلية العمل والخطوات التي يتخذها عمال ومراقبو القصر للحفاظ على هذا المعلم التاريخي، قال عماد: شرحنا للحكومة السورية الجديدة المشاكل التي يواجهها القصر سيما ضرورة ترميم بعض الأجزاء فيه، حيث ننتظر لجنة مختصة للاطلاع على واقع القصر وتحديد الأقسام التي تحتاج إلى ترميم، كما شرحنا بعض المشاكل التي يجب حلها سريعا، مثل الإضاءة وانقطاع الكهرباء لفترة طويلة خلال اليوم.

باب سريجة

على مدخل سوق باب سريجة الواقع في منطقة القنوات، التقت «القدس العربي» بمهران تقالة، وهو تاجر «بسطة» للحلويات التقليدية وأنواع الكعك والبسكويت، للحديث حول واقع السوق، حيث قال: كانت أسعار البضاعة تزيد عما هي عليه اليوم بأضعاف مضاعفة بسبب الجمارك، وهناك عدد من التجار المعروفين في دمشق الذين أعلنوا إفلاسهم، بعدما وشى أحدهم بوجود كميات كبيرة من السلع داخل مستودعات التخزين، معظمها سلع وطنية وبعضها سلع مهربة، حيث صادرت الجمارك كل البضائع، بينما كان يسمح للمقربين من نظام الأسد في حي السومرية عند مدخل مدينة دمشق الغربي، ومدينة مضايا التي كانت تقطنها عناصر وقوات «حزب الله» اللبناني، بيع كل أنواع البضائع المهربة، ومعها المخدرات وحبوب الكبتاغون، تحت ضوء الشمس.
وزاد: لم أكن أملك نصف هذا التنوع، ودون الحد الأدنى من هامش الربح، مقدرا زيادة الربح عنده بنسبة 20 في المئة، وسط سوق تنافسي.

وأضاف: تحسنت الحركة التجارية، تجار الجملة اليوم هم من يقدمون عروضا مغرية، بسبب تنوع البضائع الآتية من لبنان وتركيا والأردن وغيرها.
وفي وسط السوق، يقول تاجر الخضار والفواكه، صالح شربجي من أبناء مدينة داريا، لـ «القدس العربي»: بعد سقوط النظام انخفضت الأسعار، وزاد التنوع مثلا الكيوي الذي كان يصل عبر طرق التهريب وبصعوبة، إضافة إلى الأناناس والأفوكادو، باتت متوفرة اليوم حيث تصل هذه المنتجات من تركيا إلى سوق الهال المخصص لتجار الجملة، وبأسعار مناسبة ومنافسة، ما خفّض بدوره هامش الربح عند التجار الكبار نتيجة قدرة البسطات الصغيرة على المنافسة بالسعر.
وزاد: يصلنا اليوم كل أنواع الفاكهة والخضار، وبعدما كانت المانغا الاستوائية مثلا باهظة الثمن، يناهز سعر الكيلو الواحد منها 80 ألف ليرة سورية، بينما لا يزيد سعر الكيلو من المانغا اليمني اليوم عن 40 ألفأ في أحسن الأحوال، وكان البطيخ الأردني يصلنا من لبنان عبر طرق التهريب بـ 50 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، بينما اليوم البطيخ اليمني متوفر في سوق الهال بشكل طبيعي، ولا يزيد سعر الكيلو الواحد عن 13 ألف ليرة، وبات بمتناول اليد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية