دمشق ـ «القدس العربي»: أعلن البنك المركزي السوري عن وصول 300 مليار ليرة سورية، أمس الجمعة، من روسيا الاتحادية.
وأكد أن «الأرقام المتداولة حول حجم وكميات هذه الأموال غير دقيقة على الإطلاق». وشدد على ضرورة الاعتماد على المعلومات الرسمية وتجنب الانسياق وراء الشائعات.
وقال إن «المبلغ الذي وصل اليوم (أمس) هو من حق سوريا والشعب السوري، وهو جزء من عقد موقع بين النظام المخلوع وروسيا، وكان يجب أن يصل قبل نهاية العام الماضي، كما ينص العقد على دفعة أخرى سيتم إرسالها في وقت لاحق قد تكون بمبلغ أكبر من المرسل حاليا».
وتشهد الأسواق السورية منذ مطلع العام الجاري ضغطا كبيرا على العملة حيث شهدت جميع الأسواق قلة كبيرة في حجم العرض من جهة الليرة التي ارتفعت قيمتها أمام الدولار بسبب قلة العرض.
وحول دلالات وصول كتلة من الأموال السورية من روسيا، وتأثيرها على العلاقات السورية ـ الروسية، وأيضا تأثير هذه الأموال على الليرة السورية، يقول مدير «مركز حرمون للدراسات المعاصرة» المستشار والخبير الاقتصادي السوري سمير سعيفان لـ «القدس العربي» إن ما يجري هو مؤشر صغير على أن العلاقات بين روسيا والسلطة الجديدة في سوريا تؤكد على وجود رغبة بين الطرفين بأن تكون العلاقات حسنة وطبيعية.
وعزا السبب إلى أن «اتفاق طباعة الأوراق النقدية، يفترض أن يكون اتفاقا مقابل أجر، وليس عملية مجانية، وقد تكون موسكو تطبع في السابق من دون مقابل، أو أن العملية مسجلة على أنها ديون، ولكن طباعة العملة عادة لا تتم بشكل سهل، لأن طباعتها هي موضوع خاص جدا».
وأضاف: «نذكر عندما وصل وفدٌ رفيع من وزارة الخارجية الروسية، برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، في الثامن من يناير/ تشرين الثاني الماضي إلى العاصمة السورية دمشق حيث أجرى مفاوضات من أجل تحسين العلاقات مع السلطة الجديدة في سوريا، وذلك في أول محادثات رسمية تجريها روسيا مع الإدارة السورية الجديدة، بعد أن كان التواصل سابقاً يقتصر على قنوات عسكرية ودبلوماسية مغلقة أو عبر وسطاء.
وتابع أن مرد ذلك لأنه في السياسة الدولية لدينا شيء اسمه أمر واقع طالما أن هذه السلطة واقعة وقائمة فأمام روسيا أن تتعامل معها، خاصة أن السلطة الحالية أبدت حسن نية والرغبة بان تكون العلاقات مع روسيا هي علاقات طبيعية.
الأهداف والمصالح
وحول الأهداف الروسية والمصالح السورية من تطبيع العلاقات، يرى سعيفان أن دمشق وموسكو حريصتان على تعزيزها وإعادة الثقة بناء على المصالح المشتركة، معتبرا أن وصول هذه الأموال من روسيا، هو مؤشر على رغبة موسكو في تحسين العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة.
سعيفان: الطرفان حريصان على تعزيز وإعادة الثقة بناء على المصالح المشتركة
وأوضح: روسيا يهمها أولا البقاء في طرطوس كميناء تزوّد بالدرجة الرئيسية وتطمح أن يكون أكثر من ذلك، بينما ترغب الإدارة السورية الجديدة أن يكون ميناء تزوّد فقط دون أن يكون قاعدة عسكرية، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد لأن يكون لروسيا أي وجود في البحر المتوسط ولا بطرطوس ولكن مصلحة سوريا تقتضي وجودا روسيا وهذا لا يمنع.
وبالنسبة لقاعدة حميميم، قال إن حميميم وضعها غير واضح تماما، وإذا كان سيجري اتفاق حولها أم لا، فالعلاقات بين روسيا والسلطة الجديدة تميل لأن تكون حسنة ومسألة طباعة العملة حسب طلب النظام السابق، من قبل، حيث تم تنفيذها اليوم هي إشارة صغيرة من جانب روسيا وتدلل على رغبة موسكو على أن يكون هناك علاقات طبيعية بينها وبين السلطة الجديدة.
تأثر الاقتصاد السوري
ومن حيث تأثير هذه الكمية من النقود على الاقتصاد السوري، قال مدير مركز «حرمون للدراسات الاستراتيجية»: «تقريبا 300 مليار ليرة سورية، وقد تكون 30 مليون دولار هو مبلغ ليس كبيرا بالنسبة لحجم الاقتصاد السوري رغم صغره، لكن 300 مليار يمكن أن تساعد بضخ الكتلة المالية الموجودة، لتلبية احتياجات السوق، بسبب وجود جفاف في مسألة الكتلة النقدية».
كما أن المبلغ يساهم، وفق المتحدث «بتحريك عجلة الاقتصاد بأثر إيجابي ولكن إذا كان تأثيره على عجلة الاقتصاد أقل من حجم الكتلة النقدية المطروحة فإن ذلك سينعكس بارتفاع بسعر الدولار مقابل الليرة السورية والعكس صحيح، لأنه كلما تم ضخ كمية نقود في السوق التي تكون قيد التداول، وإذا كانت أكثر من احتياج السوري وأكثر من الطلب على النقد كاش لتسيير عجلة الاقتصاد فهذا سوف سنعكس سلبا على قيمة الليرة السورية، وبالتالي قد ترتفع قيمة الدولار مقابل الليرة السورية بحدود فرق التوازن بين العرض والطلب، هذا هو التأثير، ولكن يمكن أن يؤثر خلال الفترة الأولى سلبا على قيمة الليرة السورية بالانخفاض مقابل الدولار الذي سوف يرتفع. وفيما بعد إذا تحركت عجلة الاقتصاد وجرت مبادلات تجارية أكثر وتحسن في المناخ ورغبة في القدوم إلى سوريا، فهذا كله ممكن أن يوازن وتعود قيمة الليرة السورية إلى وضعها الحالي والتي تساوي تقريبا اليوم نحو 10 آلاف ليرة سورية مقابل الدولار وقد تنخفض حسب تفاضل العلاقة بين الأثر السلبي والأثر الإيجابي».
ويعاني مئات الآلاف من العاملين في الجهات الحكومية للشهر الثاني على التوالي من غياب رواتبهم الشهرية بسبب عدم عمل الصرافات التي يتم سحب رواتبهم منها بسبب غياب العملة السورية.
العلاقات السورية ـ الروسية
ويقول الباحث والأكاديمي السوري الروسي الدكتور محمود الحمزة لـ «القدس العربي»: إن العلاقات بين الجانبين دخلت بعد سقوط نظام الأسد، في مرحلة حرجة وغامضة، لأن موسكو في العشر سنوات الأخيرة وقفت إلى جانب نظام الأسد بكل ما تملك من قوة عسكرية وسياسية، كما كانت موسكو السبب في بقاء نظام الأسد حيا حتى عام 2024، لذلك بعد سقوط الأسد كان العلاقات متوترة.
وأضاف: تصريحات أحمد الشرع كانت إيجابية حيث تحدث عن رغبته بإقامة علاقات جيدة مع روسيا، كما تحدث عن إعطاء روسيا فرصة لإعادة النظر بسياستها في سوريا، وأشار سابقا إلى أن روسيا وسوريا كانت تربطهما علاقة استراتيجية وتاريخية. من جهتها موسكو تلقفت هذه الكلمات وتحدثت بعدها عن المؤشرات الإيجابية بين البلدين.
كسر الجليد
واعتبر المتحدث أن زيارة بوغدانوف كانت علامة فاصلة لأنها كسرت الجليد بين البلدين، وعلى ما يبدو كانت هناك مباحثات شفافة وتناولت المواضيع الهامة والإشكالية بين البلدين، ومن قراءة بيان الرئاسة السورية بعد المحادثات بين نائب وزير الخارجية الروسية والشرع يتضح تماما أن السوريين تطرقوا لموضوع تسليم بشار الأسد لسوريا لأنهم تحدثوا عن المساءلة والعدالة الانتقالية.
وأكد على مطالبة «الجانب السوري بتسليم الأموال التي هربها بشار الأسد وأيضا الحديث عن تعويضات عن المرحلة السابقة».
ملفات كبرى
ووفق ما سيق يبدو أن العلاقات «تتحسن بعد جولات من التفاوض، كما أن المواضيع التي طرحت على نائب وزير الخارجية بحثت ملفات كبرى وكانت أعلى من مستوى وزارة الخارجية الروسية، وبالتالي تم نقل كل الملف إلى الرئيس الروسي، لهذا السبب قام بالاتصال الهاتفي مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، وعلى ما يبدو تم وضع النقاط على الحروف في بعض الملفات الشائكة، ولا يمكن الكشف عن النتائج حاليا، ولكن من المؤكد أن اتصال الرئيس الروسي جاء تتويجا لتفاهمات تم التوصل إليها، وعقد اتفاقيات إيجابية» وفق المتحدث.
وأضاف: هنا لا بد من الإشارة إلى أن الحديث الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسوري أحمد الشرع جرى بعد مكالمة هاتفية أخرى بين الرئيس الأمريكي ترامب ونظيره الروسي، وهذا يشير إلى خيوط تربط بين هذه العلاقات وتتنقل من بلد إلى بلد، مع وجود نوع من الصفقات أو التفاهمات الدولية التي تتعلق بسوريا وهذا مؤكد تماما.
وحول الوجود الروسي في الشرق الأوسط، وترسيخ العلاقات بين سوريا وروسيا، وصف المتحدث هذه العلاقات بالهامة للغاية، عازيا السبب إلى أنها «مهمة من أجل التوازن الجيوسياسي والاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وسوريا يجب أن تكون لها علاقات متوازنة مع العالم، علما الاتحاد الأوروبي يضغط بقوة على حكومة دمشق من أجل التخلص من كل النفوذ الروسي في سوريا». وقال: «ما يهم روسيا هو فتح صفحة جديدة وعلاقات جيدة مع الحكومة السورية الحالية، والقواعد العسكرية الروسية هي في غاية الأهمية بالنسبة لروسيا وتعتبر نقطة ومحطة الانطلاق الروسية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعني هذا أن الطائرات الروسية التي تنقل أسلحة ومعدات إلى ليبيا كانت كلها تذهب انطلاقا من قاعدة حميميم، لكن اليوم ستكون العلاقات من نوع آخر، وروسيا لن تتمكن من نقل الأسلحة، وستكون العلاقات دقيقة ومحددة لا تمس بالسيادة السورية واستقلالية البلد».
ملف «قسد»
وأشار الحمزة إلى أن «الاتفاق بين روسيا وسوريا، يمس قوات سوريا الديمقراطية أيضا، وربما تتفاهم الحكومة السورية الجديدة مع كل من أمريكا وروسيا لحل مشكلة «قسد» وقد تلعب روسيا دورا إيجابيا في هذا الملف، لذلك من مصلحة الجانبين أن تكون هناك علاقة طبيعية بين بلدين مستقلين ذاتيّ سيادة، وإن كانت هناك مصالح ولكن كلها وفق اتفاقيات دقيقة تؤكد على عدم التدخل بالسياسة الداخلية.