القرار العراقي بوقف البعثة التحقيقية الأممية يتزامن أيضاً مع توجّه حكومي بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» في غضون العام المقبل 2025.
بغداد ـ «القدس العربي»: قطع الفريق الأممي المُكلّف بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية» إبّان سيطرته على نحو ثلث مساحة العراق بين الأعوام (2014 ـ 2017) الأسبوع الماضي، أعماله بناءً على طلب من الحكومة العراقية، قبل أن يسلّم السلطات الاتحادية ملايين الوثائق والأدلة التي وثّقت جمّلة الانتهاكات التي مارسها الجهاديون بحق العراقيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وسط مخاوف حقوقية من «إهمالها».
وتأسس فريق التحقيق الأممي «يونيتاد» بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2379 لسنة 2017 بهدف «تعزيز جهود المساءلة عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة من جانب تنظيم داعش» حسب ما ورد على موقع الفريق الذي توقّف عن التحديث رسمياً في 17 أيلول/سبتمبر الجاري.
في مقابلة سابقة مع «رويترز» تحدث رئيس الفريق كريستيان ريتشر عن الحاجة للمزيد من الوقت قائلا: «إذا حددنا موعدا نهائيا في ايلول/سبتمبر 2024 فلن نكون قد أكملنا سير التحقيقات» ولا مشروعات أخرى مثل عمل أرشيف مركزي لملايين الأدلة.
والأسبوع الماضي، نشر الفريق الدولي سلسلة نتائج حول جرائم ارتكبها التنظيم، من بينها تلك المتعلقة بهجومه على سجن بادوش بالموصل، وإعدامه نحو ألف نزيل غالبيتهم من الشيعة، فضلاً عن تقرير آخر يتحدث عن الجرائم الدولية للتنظيم ضد أفراد عشيرة البو نمر في محافظة الأنبار الغربية، وأيضاً توثيق حجم الدمار بمواقع التراث الثقافي التي تعود إلى جميع المجتمعات في العراق.
وأصدر الفريق، حسب تقرير لخّص فيه جمّلة أعماله في العراق على مدى السنوات الستّ الماضية، «19 تقييماً للقضايا وتقريراً تحليلياً- بمئات الصفحات- تُغطّي أفعالاً محددة قد ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية ارتكبها تنظيم داعش ضد المسيحيين والكاكائيين والشبك والشيعة والتركمان والسنة والأيزيديين». وتمت مشاركة نتائج العمل هذه مع السلطات العراقية المختصة إلى جانب الأدلة الأساسية التي أصدرها فريق التحقيق «يونيتاد».
ووفق الفريق الأممي فإن النتائج التي توصّل إليها تستند إلى ملايين الأجزاء من المعلومات التي جمعها الفريق وأنتجها على مر السنين، وتحديداً المعلومات التي قدمتها السلطات العراقية، لا سيما القضاء العراقي.
وتضمن الأرشيف «مواد أهمها مقابلات مباشرة من الناجين والشهود الذين تقدّموا لسرد رواياتهم من جميع أنحاء العراق. ويشمل أيضاً معلومات أخرى جُمعت من عدّة مصادر والتي أنتجها الفريق أيضاً، مثل تقارير الطب الشرعي».
وسلّم فريق التحقيق «يونيتاد» جزءاً مهماً من هذا الأرشيف إلى السلطات العراقية وفقاً لوثيقة اختصاصاته، حسب التقرير النهائي للبعثة الدولية، غير أن «المحفوظات الأكثر شمولاً» والتي تتضمن جميع سجلات الفريق، فإنّها مخزنة الآن بأمان داخل مقرّ الأمم المتحدة على أمل أن يتاح الوصول إليها في المستقبل لأغراض المساءلة.
تعاون البعثة الأممية مع السلطات العراقية أسهم في «حفر 68 مقبرة جماعية ذات صلة بالتنظيم، وإعادة رفات الضحايا الذين تم تحديد هوياتهم من هذه الحفريات إلى أسرهم، ورقمنة وحفظ 20 مليون سجل ورقي متعلق بتنظيم داعش والحصول على البيانات من عدد كبير من الأجهزة الرقمية (مثل الأقراص الصلبة والهواتف المحمولة) التي صادرتها السلطات العراقية من التنظيم».
وعلى الرغم من أهمية جهود الفريق في توثيق «الجرائم الإرهابية» وما أنتجته من أضرار على المجتمعات في العراق، غير أن الخبير في ملف حقوق الإنسان، الدكتور علي البياتي، يرى بأن المؤسسات العراقية لم تستطع القيام بـ«10في المئة» من هذه الجهود.
ويضيف في حديث لـ«القدس العربي» أن «الفريق الدولي المعني بالتحقيق في جرائم داعش (يونيتاد) الذي تشكّل بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، هو فريق تخصصي حقق تقدماً واضحاً في ملفاته التحقيقية بجرائم التنظيم. للأسف الشديد؛ هذا التقدم لم تقم به مؤسسات الدولة بنسبة 10 في المئة».
وأضاف البياتي وهو عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان العراقية قائلاً: «كان يفترض على المؤسسات العراقية الاستفادة من هذه البعثة وتطوّر امكاناتها، أو على أقل تقدير أن تخطو خطوات للاستفادة من هذه التحقيقات والملفات، من خلال انشاء محاكم خاصة لمحاكم مجرمي داعش، لكن لم يحصل ذلك».
وأشار إلى أنه «بدلاً عن هذه الخطوات، طلبت الحكومة العراقية إنهاء بعثة (يونيتاد). إن كان هناك بديل وخطوات مسبقة لتطوير المؤسسات العراقية في هذا الملف، فقد يكون القرار منطقياً ومقبولاً، غير إنه يتم من دون تقديم أيٍّ من تلك الخطوات يدل على إن هناك رغبة سياسية بإنهاء هذه التحقيقات، لكن لمصلحة من؟».
واعتبر البياتي الذي يترأس منظمة «مدافعون لحقوق الإنسان» أيضاً، القرار الحكومي بأنه «يصب في مصلحة من كان لهم دور في دعم داعش بشكل أو بآخر. لا يمكن تفسير الموضوع إلا من خلال هذه الزاوية. سنرى أن كل تلك الملفات تُرمى في سلّة المهملات أو سيتم وضعها في الأرشيف من دون تحقيق أي شيء».
ووفق الخبير في ملف حقوق الإنسان فإن خطوة إنهاء بعثة «يونيتاد» تحتاج إلى «تشريع قوانين ومؤسسات قادرة على القيام بمهامها، لكن البرلمان اليوم منشغل بأمور أخرى بعيدة كل البعد عن هذه القضايا المصيرية والمهمة والتي تمسّ أرواحا وجرائم حدثت بسبب لا مبالاة القوى السياسية ومؤسسات الدولة وعدم اعتبار حقوق المواطن أولوية لدى المشرع العراقي وصاحب القرار».
على المستوى ذاته، يرى رئيس «المركز العراقي لحقوق الإنسان» علي العبادي، وجود ضرورة في تمديد عمل الفريق الأممي للتحقيق بجرائم التنظيم.
وقال في تصريحات لمواقع إخبارية محليّة، معلقاً على إنهاء مهمة الفريق التحقيقي الأممي، إن الأخير «يعمل ضمن اتفاقيات دولية، وتقرير (يونيتاد) الذي أفصح عن جريمة سجن بادوش دليلاً على فضاعة مرتكبيها».
وأضاف أن «الفريق الأممي لم يكمل عملية جمع المعلومات، فضلا عن عدم وجود محاكمات حقيقية، إذ جرت 9 محاكمات فقط في البرتغال وايرلندا بالتالي هذا يحتاج إلى تطبيق». ووفقاً للحقوقي العراقي فإن «الآليات الدولية لمحاكمة مجرمي داعش الإرهابي قد تتقاطع مع القوانين الداخلية، بسبب عدم جدية في الإعدامات بحق المرتكبين بسبب المعارضات الدولية».
وشدد على ضرورة أن «يمدد عمل الفريق الأممي في العراق، كون التنظيمات الإرهابية ما زالت موجودة، وآلاف الضحايا ما زالوا موجدين».
واختتم بالقول: «العراق بحاجة إلى خبرات دولية بخصوص ملف حقوق الإنسان للاستمرار بمحاكمة المتسببين بسقوط ضحايا من الشعب العراقي».
القرار العراقي بوقف البعثة التحقيقية الأممية يتزامن أيضاً مع توجّه حكومي بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» في غضون العام المقبل 2025.
وفي 31 أيار/مايو الماضي، قرر مجلس الأمن الدولي، سحب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، الموجودة في البلاد منذ أكثر من 20 عاما، بحلول نهاية 2025 بناء على طلب بغداد.
وينص القرار الذي تم تبنيه بالإجماع على تمديد ولاية البعثة التي تم إنشاؤها عام 2003 «لفترة أخيرة مدتها 19 شهرا حتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2025».
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحدث في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي مطلع أيار/مايو، عن «تطورات إيجابية ونجاحات» طالبا إنهاء مهمة البعثة الأممية الموجودة منذ 2003.
ويرى الخبير الحقوقي العراقي، علي البياتي، أن عمل البعثة السياسي يضمن للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، عدم تحوّل العراق إلى دولة «سطوية» معتبراً أن غياب العمل الإنساني الدولي في العراق يسهم في تراجع مؤشرات حقوق الإنسان في البلاد.
البياتي أوضح أن «وجود البعثات الدبلوماسية في العراق منذ عام 2003 عليه الكثير من الملاحظات، منها ما يتعلق بالتدخلات وتنفيذ أجندات وقضايا أخرى تتعلق بالفساد» مبيناً أن «منظومة الحكم في العراق غير طبيعية وتأسست بأيادٍ خارجية، وتحديداً بيد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، الأمر الذي يعني بأن استمرار هذا النظام السياسي وضمان عدم تعرضه إلى صدمات أكثر مما عليه الآن، يعتمد على رضى الغرب ووجود أدوات غربية تطمأنهم- على أقل تقدير- بعدم تحول هذا النظام إلى ما يضر مصالحهم».
ورأى أن «هذه البعثات- خصوصاً السياسية منها- هي أدوات غربية لضمان عدم تحوّل هذا النظام إلى نظام سلطوي أو استبدادي يكون سبباً في إحداث صراعات في المنطقة، وهو ما يؤثر على جميع دول العالم من بينها الدول الغربية، ويهدد مصالحها».
من جانب آخر، يشير البياتي إلى وجود «أجنحة إنسانية في عمل هذه البعثات، وأدوات تخص جوانب حقوق الإنسان، وهي أدوات غربية أيضاً بكونهم متقدمون في هذا الملف ويعرفون تفاصيله» معتبراً أن غياب هكذا بعثات «يؤدي إلى تراجع في الملفات الإنسانية وملفات حقوق الإنسان».
وماذا عن جرائم اسرائيل . كم انكم منافقين