دولة الاحتلال وسوريا الجديدة: أطماع قديمة وأخرى تتجدد

حجم الخط
12

ردود الأفعال العملية الأبكر، التي صدرت عن دولة الاحتلال الإسرائيلي حيال سقوط نظام بشار الأسد، اتخذت وجهة أولى هي كسر اتفاقية فصل القوات لسنة 1974، والتوغل مسافات مختلفة داخل المنطقة العازلة المحاذية لسفوح جبل الشيخ، بذريعة معلنة هي التخوّف من تقدم فصائل المعارضة السورية لملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب العشوائي لجنود الجيش النظامي السوري من مواقعه داخل تلك المنطقة.
وصحيح بالطبع أن العديد من نقاط انتشار هذا الجيش شهدت مظاهر الانهيار وفقدان الصلة مع حلقة القيادة والأوامر، على غرار ما وقع لغالبية القطعات العسكرية النظامية التي كانت تحت إمرة نظام الأسد في ريف إدلب وحلب وحماة وحمص والعاصمة دمشق ذاتها. غير أن جيش الاحتلال ظلّ على الدوام يتحين الفرصة لقضم مساحات جديدة ذات أهمية استراتيجية وطبوغرافية واقتصادية وسياحية ومائية في هضاب الجولان عموماً، وفي محيط جبل الشيخ خصوصاً.
ومنذ الأسابيع الأولى التي أعقبت اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية، ربيع 2011، لم يتردد النظام السوري في سحب قطعات عسكرية أساسية من مناطق فصل القوات على جبهات الجولان المحتل، ونقلها إلى الداخل السوري للمشاركة في قمع الاحتجاجات الشعبية، وخاصة في محافظة درعا المحاذية لريف دمشق ومحافظة القنيطرة. وإذا كان خيار الاحتلال خلال تلك الفترة قد اقتصر على قصف أي انتشار عسكري أو لوجستي لمفارز «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني على الجانب السوري من هضبة الجولان، فإن عمليات التوغل الإسرائيلية داخل المنطقة العازلة لم تتوقف، إذ لم يكن أمامها من رادع أصلاً.
الوجهة الثانية من الردود الأبكر لدولة الاحتلال، بعد ساعات قليلة على انهيار نظام الأسد وتحرير العاصمة السورية، تمثلت في مسارعة القاذفات الإسرائيلية إلى قصف أهداف متفرقة جنوب دمشق، تضم منشآت تصنيع الذخائر ومخازن أسلحة كيميائية وأنظمة صواريخ أرض ــ أرض متقدمة، وذلك بذريعة تفادي وقوعها في أيدي المعارضة المسلحة. وكان لافتاً أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أعلن أن اتفاقية الفصل قد انهارت و«لن نسمح لأي قوة معادية أن تتمركز على حدودنا» وكأنه افترض أن جيش النظام السوري الذي كان يشغل تلك المواقع لم يكن معادياً في الجوهر، أو أنه لم يكن على درجة تماثل ما تكنه المعارضة السورية المسلحة من عداء لدولة الاحتلال.
ومنذ اتفاقية سعسع في أيار/ مايو 1974 بين الاحتلال والنظام السوري في عهد حافظ الأسد، لم تخف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حرصها على بقاء السلالة الأسدية في حكم سوريا، بالنظر إلى سيادة الهدوء في بطاح الجولان والتزام النظام التام ببنود فصل القوات. وبعد الانتفاضة السورية والانكسارات السياسية والعسكرية التي مُني بها النظام السوري، صرّح نتنياهو مراراً بأنه لا مشكلة إسرائيلية مع بشار الأسد، شريطة استمرار الاحتلال في ردع النفوذ الإيراني في سوريا واستهدافه أينما كان.
ولعل الأسابيع والأشهر المقبلة سوف تتكشف عن ردود أفعال إسرائيلية إضافية ومختلفة إزاء متغيرات سوريا الداخلية، لن تشذ في كل حال عن سياق المطامع القديمة، وتلك التي تتجدد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عامر عريم:

    هذا درس اتمنى ان يتعلمه العرب الذين يدعون الى التطبيع مع اسراءيل. العدوان الاسراءيلي الحالي على سوريا يكشف بوضوح العقلية الاسرائيلية العدوانية العنصرية. اكرر دعوتي للحكومة السورية الجديدة بطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن للامم المتحدة لبحث العدوان الاسراءيلي الجديد على سوريا.

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية