في أحدث هذر/ هراء معلَن، يحشره ذاتياً تحت تصنيف «الأفكار البناءة»، تطرق الكاتب الأمريكي ـ اليهودي دانييل بايبس إلى فكرة الدولة الفلسطينية، منطلقاً من دافع أوّل هو أنها عادت إلى صدارة التصريحات لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن وعدد من ساسة أوروبا والعالم؛ ومن دافع ثانٍ، مركزي في مقاربة بايبس للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي إجمالاً، مفاده تقويض أيّ وكلّ «كيان» أو «مكوّن» أو «كينونة» ينتهي إلى تأسيس دولة فلسطينية.
عنوان شطحته الأحدث هذه يسير هكذا: «خطّتي ذات الخطوات الـ6 لحلّ الدولتين»، ولن يستغرق المرء حفنة قليلة من السطور الاستهلالية، قبيل الوصول إلى الخطوة رقم 1، حتى يدرك أنّ المفردات تُلقى على عواهنها، سابحة في فضاء دلالي غائم أو مبهم أو ركيك (عن سابق قصد وتصميم، هذه المرّة). وبذلك فإنّ من حقّ امرئ، عازم على متابعة القراءة، أن يتوقف عند الفكرة الخرقاء/ الخبيثة التالية: «صحيح أنه قبل قرن من الزمان كانت مفردة (فلسطينيين) تعني اليهود وليس العرب، ولكن العرب الفلسطينيين يشكلون اليوم شعباً، والتظاهر بالعكس يوحي بالعقم».
وحتى قبل أن يغامر القارئ بالانتقال إلى فقرة تالية في «خطة» بايبس، يباغته الافتراض التالي: رغم أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعترض اليوم على فكرة الدولة الفلسطينية، فإنه سبق أن وافق عليها في سنة 2009؛ وهذا يعني أنه مُلزم بالعودة إلى موافقته تلك، وكأنّ نتنياهو، مجرم الحرب الليكودي اليميني المتشدد والعنصري الصريح، يمكن بالفعل أن ينحني أمام الرأي العام العالمي فيعود إلى تصريح يتيم غامض أطلقه قبل 15 سنة بصدد حلّ الدولتين. ومتى؟ الآن تحديداً، بعد أن رفع من منصّة الأمم المتحدة خريطة لـ«الشرق الأوسط الجديد» خالية تماماً من أيّ محتوى فلسطيني؛ وبعد أن خاض في دماء عشرات الآلاف من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة…
وكان هذر سابق، لأنه متأصل مستدام، قد دفع بايبس إلى إعلان العجز عن فهم «النفسية» التي تجعل الآباء الفلسطينيين يبتهجون لأنّ أبناءهم استشهدوا في عمليات جهادية؛ فكان أن أحال قارئه إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، الذي أصابته حيرة مماثلة. ولم يكن المرء بحاجة إلى فطنة إضافية كي يدرك أنّ بايبس يعرف تماماً أسباب ابتهاج الآباء الفلسطينيين، وكي يخمّن الأسباب التي تجعل الأخير يزعم الجهل بها. وذاك، في كلّ حال، تفصيل لا عابر حين يتّصل الأمر برجل مثل بايبس تحديداً: ليكودي عريق، وبوق أمريكي موضوع في خدمة الصهيونية علانية وليس سرّاً، وتلميذ رديء لأسوأ تقاليد الاستشراق السياسي كما أرسى دعائمها برنارد لويس.
لقد كان يعرف، تماماً كما عرف أمثال دافيد بن غوريون ومناحيم بيغن وإسحق رابين وأرييل شارون ونتنياهو، صحبة أمثال بوش الابن ودونالد ترامب وبايدن، ويعرف أيّ إسرائيلي وكلّ فلسطيني؛ أنّ التاريخ لم يشهد احتلالاً عسكرياً آمناً وهانئ البال ونظيفاً وخالياً من الدماء، مدنية كانت أم عسكرية، بريئة أم مذنبة.
المدهش في معرفة بايبس وفي جهله، وهذا دليل إضافي على الرثاثة والإدقاع والانحطاط في تحليلاته السياسية مثل تلك السوسيو ـ استشراقية، أنه يرحّل نزعة الفلسطينيين الاستشهادية إلى منطقة أخرى لا تخطر على بال أحد آخر سوى أمثال بايبس: الفلسطيني، في قناعته، لا يستشهد ضمن أيّ سياق لفعل المقاومة ضدّ احتلال عسكري استيطاني عنصري، لأنه ما من احتلال في ضمير بايبس، ودولة الاحتلال قائمة بين ظهرانيها، على أرضها، في يهودا والسامرة…
«دولة» بايبس الفلسطينية هي هذه، في أزمنة الإبادة الإسرائيلية وهمجية الاحتلال؛ بما لا يُسقط عنها فرصة الولادة وحدها، بل الحقّ في الوجود أصلاً، حتى في نطاق المخيّلة والمجاز !
لا غرابة أبدا في ما كتبه دانييل پايپس في مقاله: «خطّتي ذات الخطوات الـ6 لحلّ الدولتين».
كنت سأستغرب لو كتب پايپس غير ذلك. و هو بالمناسبة مؤيد لبشار الأسد ضد السوريين.
مرة تلو الأخرى يتأكد التشابه الوثيق بين بشارون أسدوف ونتنياهو! ودانييل بايبس ليس إلا برهان غير مباشر كما يعرف في حقل الرياضيات والعلم والمعرفة.
مأجور نتن مثل بايبس تحديدا: ليكودي عتيق، وبوق أمريكي مستخدَم كماهن في خدمة الصهيونية علنا، وتلميذ رديء لأسوأ تقاليد الاستشراق السياسي كما أرسى دعائمها برنارد لويس !!
شكراً أخي صبحي حديدي. إذاً هو أي دانييل بايبس يفهم ويتفهم المستوطنيين المتطرفين العنصريين الفاشيين المجرمين. بالمناسبة فاقد الشيء لايعطيه!