“دولة لا ننام”… كيف لشعب أن “يجمع” رأياً على “المقامرة بالمجهول”؟

حجم الخط
1

شيلي يحيموفيتش

في حرب أخرى، في عقد آخر، دخلت إلى مكتب وزير الدفاع ووجدته راضياً عن نفسه إلى ما يفوق كل حد. أطلعني على استطلاع اظهر معدلات تأييد هائلة للحرب، 80 في المئة تأييد لها و90 في المئة تأييد لرئيس الوزراء. في اليوم الثاني من هذه الحرب، نشر بأن العدو “في صدمة” من قدرات إسرائيل، وأن كل الصواريخ والمنصات والبنى التحتية التي كانت موجهة ضد إسرائيل، أبيدت. في غضون أيام قليلة، وصل إلينا ما يصل دوماً: الثمن الدموي الجسيم، الدمار الذي زرعه عدو هزئنا به، الصحوة المريرة.

لن أذكر أسماء، ليس لأني أغطي على قادة الحرب إياها، بل لأن هذا لا يغير في الأمر من شيء. النشوة في بداية كل خروج إلى حرب، وأقوال التبجح والمغالاة، والبيانات عن “الصدمة” الوهمية التي ألمت بمن هاجمناهم، والتقديرات الواهية بأن المواطنين سيفهمون بأن زعماءهم سيخرجون إلى الشوارع ويسقطون الحكم، والابتهاج للدعم الدولي الذي سرعان ما يتبدد… كل شيء يكرر نفسه حتى التعب. كيف ينتهي هذا في النهاية – الكل يعرف، يغني اهود بناي.

الأخطر من كل شيء هو الإجماع المطلق. كيف نخرج جميعاً إلى خطوة على هذا القدر من الخطورة وعلى هذا القدر من المغامرة، ومع علم تام بشدة الدمار الذي يمكن لإيران أن تزرعه هنا. لم يقم حتى هذه اللحظة ولا سياسي واحد (وعلى ما يبدو أيضاً لا كبير في الجيش، في الموساد وفي الشاباك) ليطرح شيئاً مغايراً؟ إجماع كهذا، إجماع محظور تحديه، هو ليس “وحدة في الشعب”، بل مفهوم خطير وبالتأكيد ليس طبيعياً في ديمقراطية سليمة.

هذا ليس طبيعياً بسبب الأثمان الباهظة بالأرواح وبالممتلكات. فالصاروخ الباليستي الذي يضرب، يقتل ويدمر تماماً في منطقة مكتظة بالسكان في المعركة الأولى سيضرب بألف مواطن آخر في المعركة الثالثة. كما أن النوافذ التي تتحطم في المباني على طول شوارع كاملة اهتزت ليست أمراً نستخف به. الطفل الذي عاد ليتبول ليلاً، الفتاة التي ترتعد أمام سريرها المليء بحطام الزجاج، التجسيد المؤلم لحجم الخطر، البيروقراطية المضنية للتصليحات… ليست أموراً يتجاهلها الإنسان العادي. لا يمكن لأي ثناء عن المناعة وكليشيهات “شعب أسود ولبؤات” أن تجدي نفعاً أو تساعد على النوم ليلاً بشكل أفضل. دولة كاملة تدور بلا قدرة على النوم بشكل مريض وبأعصاب واهنة – هذا ليس طبيعياً بسبب المخطوفين وبسبب الخسائر الفادحة في القطاع. أي منطق كان في تشديد القتال هناك، وفي تجنيد واسع للاحتياط، عشية حرب زعم أنها خطط لها على مدى نصف سنة؟ لأي غاية دفع ثمنها رجال شباب، في النظامي والاحتياط، في معركة باتت هامشية في هذه اللحظات؟ ما الذي كسبناه من الكارثة الإنسانية بقتلنا للأبرياء ومن مقت العالم؟ نصر مطلق؟! هذا وهم. كان يمكن تحرير كل المخطوفين وإرسال المقاتلين للاستراحة.

ما يؤدي إلى انعدام منطق آخر للإجماع. نتنياهو لا يريد إنهاء الحروب. الحروب تعرقل تفكيك حكومته، وتشطب أزمات (مثل قانون التجنيد)، وتؤجل محاكمته، وتحسن مكانته، ولا يمكن أن نتناول بشكل “موضوعي” الخروج إلى حرب هو نفسه كان حذراً منها طوال عشرات سنوات حكمه، دون الأخذ بالحسبان أنماط سلوكه التي تركز على الذات. الحرب ليست غاية، بل وسيلة للوصول إلى تسوية سياسية. لكن نتنياهو لا يحصي سياسية منهية. من لا يريد حرباً إلى الأبد أو صاروخاً باليستياً برأس متفجر من طن ونصف ليس له إلا أن يصلي إلى ربنا الذي في السماء أو إلى ترامب.

ترامب ليس مستعجلاً. “سنرى ما سيكون”، قال أمس. “أحياناً ينبغي أن نسمح لهم بالقتال إلى أن ينهوا هذا”. يبدو أننا فعلنا ما حذر منه بن غوريون. خرجنا إلى حرب بدون قوة عظمى. نسمي هذه الحرب بانفعال وبإحساس يدعو إلى الشفقة، “تاريخية”. هذا صحيح، إلا أن التاريخ مليء بسيناريوهات، مرة أخرى، بسخافتنا، لم نحصها. فلماذا نحصي، عندما تكون وحدة في الشعب/إجماع/مفهوم.

 يديعوت أحرونوت 17/6/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سميح العامري:

    أولا اشكر القدس العربي على نشر هذا المقال المفيد جدا و على السماح للقراء بالتعبير عن رأيهم حيث تتعامل معنا بقية الصحف على أننا بير يلقون فيه ما يريدون
    ثانيا لم اكن اتوقع ان إسرائيل ستذوق من ما فعلته لغزة بهذه السرعة
    ثالثا هو استمرار حرب الاستنزاف هو في صالح كل دول الشرق الاوسط للخروج من حظيرة الاحتلال و العبودية للغرب ثم بناء علاقة بين الدول على أساس المصلحة و عدم التدخل في شئون الدول بفرض حاكم يعمل لصالح الغرب كما حدث مع مصدق و مرسي رحمة الله عليهم و ليس على أساس الخوف و الرعب من إسرائيل كما قال المقال

اشترك في قائمتنا البريدية