خرج كثير من مواطني الأردن إلى شوارع عمان لرؤية المشهد الذي لم يروه خلال سنوات الصراع الإسرائيلي – العربي. الطائرات الأردنية تعترض المسيرات الإيرانية في الطريق لمهاجمة إسرائيل. وحسب تقديرات أردنية، فإن سلاح الجو الأردني نجح في اعتراض 20 في المئة تقريباً من المسيرات التي حلقت في مجاله الجوي، بالإجمال بضع عشرات من المسيرات الإيرانية التي انتشرت شظاياها في أرجاء الدولة. هذه المفارقة تثير التفكير. في ذاك الصباح، مثلما تعودوا أن يفعلوا منذ أسابيع، تجمع مئات المواطنين للتظاهر قرب السفارة الإسرائيلية في عمان للاحتجاج على الحرب في القطاع، وطلبوا من الحكومة قطع العلاقات مع إسرائيل.
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي هو من أشد المنتقدين لسياسة إسرائيل، دعا مؤخراً إلى تقديم إسرائيل للمحاكمة على جرائم حربها في غزة. في تشرين الثاني في “منتدى البحر المتوسط” في برشلونة، قال الصفدي إن “اتفاق السلام بينها وبين الأردن على الرف ويعلوه الغبار”. أعاد الأردن سفيره من تل أبيب، وأعلن بأنه لن يوقع مع إسرائيل على اتفاقية الكهرباء مقابل المياه، التي كانت ستوقع حتى قبل الحرب، وهذه خطوة استدعت رداً بارداً ومثيراً للغضب من قبل رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، الذي دفع في حينه قدماً بهذه الاتفاقية. “لا يريدون، لا يجب إذاً”، أعلن بينيت. “يمكنني القول وبوضوح إن لإسرائيل ما يكفي من مصادر الطاقة، أما الأردن فلا يملك ما يكفي من المياه لسكانه… إذا أراد زعماء الأردن أن يعطش مواطنوهم، فهذا من حقهم”.
أما على مستوى القيادة، فليس بين رئيس الحكومة نتنياهو والملك عبد الله أي حوار. جرى أساس العلاقة عبر الأجهزة الأمنية في الدولتين. ولا يقل أهمية عن ذلك، أن الأردن غير مشارك في النقاشات حول “اليوم التالي” في القطاع. هذا رغم أنه قد يكون لأي قرار يُتّخذ تداعيات على مكانته وعلاقاته مع الحكومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. وكـ “هدية ترضية”، سمحت إسرائيل للأردن بإنزال مساعدات إنسانية للقطاع من الجو، أما الآن في ساعة اختبار حاسمة، فقد وقفت المملكة إلى جانب التحالف الإقليمي المؤيد لأمريكا الذي سعى الرئيس بايدن لإقامته.
قام الأردن بدوره بشكل منقطع النظير كجزء من سور الدفاع الجوي حول إسرائيل، وعلى الرغم من طبقة الجليد التي تغلف علاقته مع إسرائيل فإن تهديد إيران يقض مضاجع المسؤولين في عمان مثلما هي الحال في “القدس”. وأعلن القائد العسكري في مليشيا حزب الله في العراق، أكبر المليشيات الموالية لإيران التي تعمل في العراق، عن الاستعداد لتدريب وتسليح 12 ألف أردني يكونون مستعدين للانضمام لجبهة المقاومة ضد إسرائيل.
عندما تتجلى أهمية ائتلاف دولي يضم دولاً عربية كما الحال في وقت الهجوم على إسرائيل، فالمطلوب هو إسهام جوهري من الأخيرة لترميم العلاقات مع المملكة الجارة، إسهام لا يقتصر فقط على التعاون الاستخباري. أمن واستقرار الأردن مرتبطان بشكل عميق بالتطورات في غزة والضفة الغربية، وبهذه ليس لعمان عنوان في إسرائيل.
التطبيع مع إيران
الأردن ليس الدولة العربية الوحيدة التي تضطر للمراوغة بين التزامها بالتحالف الإقليمي ومصالحها، من بين ذلك الحفاظ على الاستقرار الداخلي وهدوء جماهيري في الداخل، وبين هذه وبين علاقاتها مع إسرائيل. السعودية، التي كان ردها الرسمي على الهجوم الإيراني مائعاً بدرجة معينة، اكتفت بالتعبير عن قلق من تدهور الوضع إلى حرب إقليمية. للرياض علاقات وثيقة مع طهران منذ استئناف العلاقات معها في آذار 2023. وهي الخطوة التي بفضلها تحظى بالهدوء من هجمات الحوثيين الذين تجري معهم مفاوضات متقدمة لإنهاء الحرب في اليمن. السعودية شريكة أيضاً في مجموعة الدول التي تعمل على إنقاذ لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية. كما تجري السعودية في هذه القضية اتصالات مستمرة مع إيران.
سيتعين على الدول العربية المؤيدة لأمريكا الآن فحص معنى مفهوم “الردع” في السياق الأمريكي والإسرائيلي من أجل تشكيل علاقتها مع إيران. استخدم الرئيس الأمريكي تعبير “إياكم” تجاه إيران مرتين. تحريك حاملات الطائرات إلى البحر المتوسط والمنظومة العسكرية الكبيرة التي أقامتها أمريكا وبريطانيا ودول أخرى في البحر الأحمر والحضور العسكري الكبير في المنطقة، والرسائل التهديدية التي أرسلتها واشنطن لطهران عبر دول وساطة، كل ذلك نجح في منع هجوم أوسع من قبل إيران. ولكن لم يكن فيها ما قد يوقف هجمات الحوثيين أو المليشيات الشيعية في العراق.
لم تنس السعودية والإمارات كيف بقيتا وحدهما أمام هجمات الحوثيين والمليشيات الشيعية على أهداف داخل حدودهما في 2019 و2021، وأقوال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ما زالت منقوشة في ذاكرتهما، حين عرض على الرياض المساعدة، ولكن مقابل الدفع. عندما تسعى السعودية لاتفاق دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، فعليها في المقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وعلى الرغم من أنها عبرت عن رغبة في القيام بدورها في الصفقة، تجد المملكة أن هذا الاتفاق أصبح رهينة لسياسة إسرائيل التي تعرض المنطقة للخطر. الآن، مع وقوف بايدن إلى جانب ما يمكن تفسيره سور دفاع ضد هجوم إيران، ربما تعطي الرياض وأبو ظبي أهمية أكبر للعلاقات مع إيران كمسار دفاع مفضل بدلاً من الانضمام لتحالف مقاتل، خاصة عندما تكون إسرائيل شريكاً رئيسياً فيه.
تسفي برئيل
هآرتس 15/4/2024
لا توجد دول عربية معتدلة.الدول العربية