لندن – “القدس العربي”:
قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اختار مصيره وعرف نفسه حول فكرة الدعوة للمقاومة ولم يكن لديه أي فرصة للتراجع عن هذا الخيار.
وقال إن نصر الله أراد أن يعيش ويموت مقاتلا، وحصل على ما يريد يوم الجمعة عندما محت قنابل أطلقها الطيران الإسرائيلي موقعا سريا في بيروت، وسيحاول حزب الله وبلا شك الانتقام لمقتله، لكنه كان زعيما نادرا لا يمكن تعويضه.
و”قد التقيت بنصر الله في تشرين الأول/أكتوبر 2003 في ملجأ محصن في الضاحية الجنوبية لبيروت، على مقربة من المكان الذي قتل فيه. وعلى الرغم من أنه كان رجلا أصدر أوامره بقتل العديد من الإسرائيليين واللبنانيين، إلا أنه كان هادئ الحديث إلى حد مدهش. وكان ساحرا وليس صاخبا وكانت شرعيته مستمدة من دراسته الدينية في النجف بالعراق، وخطبه المشوقة التي كانت تبث على شاشات التلفزيون خلال شهر محرم وغيره من الأعياد الدينية”. وفي “لبنان حيث يعيش الساسة حياة مترفة حتى وهم ينهبون شعبهم، كان نصر الله مختلفا وأخبرني أنه فخور بمقتل ابنه هادي وهو يقاتل إسرائيل عام 1997 وقال: “لم نرسل أطفالنا إلى لندن أو باريس للدراسة في الجامعة، بل للقتال إلى جانب اللبنانيين الآخرين”.
كان نصر الله أيضا عنيدا. ولهذا السبب كان هدفا إسرائيليا لا مفر منه. فقد أمر بشن هجمات صاروخية ضد إسرائيل بدءا من الثامن من تشرين الأول/أكتوبر أي في اليوم التالي لهجوم حماس ضد إسرائيل.
و”قد مارس قدرا من ضبط النفس، فامتنع عن شن هجمات واسعة النطاق على المدن الإسرائيلية. لكنه لم يتراجع عن المعركة”. كما “لم يفصل مصير حزب لله ولبنان عن مصير المقاتلين المختبئين في غزة. وكانت لديه فرصة لإنقاذ نفسه وحركته في خطة سلام تقدم بها المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، إلا أن هذا كان يقتضي الانفصال عن حماس، ولن يفعل نصر الله هذا”.
ويضيف الكاتب أنه سأل في عام 2003 نصر الله إن كانت هناك صيغة للسلام تنهي الهجمات الانتحارية في إسرائيل، فكان رده بهزة كتف باردة قائلا: “لا أستطيع تخيل وضع، استنادا إلى طبيعة المشروع الإسرائيلي وطبيعة القادة الإسرائيليين يوافق فيه الفلسطينيون على إلقاء السلاح”.
ويعلق إغناطيوس قائلا: “لم ير نصر الله أي مخرج إلا الحرب بين إسرائيل والمقاومة التي زعم أنه يقودها. وفي وقت اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كان هناك “نقاش فلسفي” حول اتفاقية السلام، إلا أن ذلك العهد ولى”.
فقد جعل نصر الله من حزب الله حركة قوية، وكان قويا جدا ومنضبطا جدا وقادرا مع مرور الوقت على السيطرة على القوة وأخذها من الدولة اللبنانية.
و”بدا عناصر حزب الله مختلفين عن بقية الميليشيات اللبنانية. وكانوا معا أكثر رشاقة وقوة وتنظيما ويمكن تمييزهم بقمصانهم الخضراء عندما تهبط في مطار بيروت”.
وقد جسد حزب الله القوة لشيعة لبنان الذين كانوا مشردين ومنبوذين وفي حالة الاحتفال بالذات. وأصبحوا من أكبر الجماعات الإثنية في لبنان وصاروا تدريجيا الأكثر صرامة. وخدم وزراء حزب الله في الحكومة اللبنانية التي تعاني من خلل وظيفي وكانوا يمارسون حق النقض على من يقود البلاد كرئيس (المسيحي، وفقا لصيغة تقاسم السلطة في لبنان) ورئيس وزراء (مسلم سني). ولكن القوة الحقيقية لحزب الله كانت في كونه حكومة بديلة مع شبكتها الخاصة من منظمات الرعاية الاجتماعية والأمن لخدمة أتباع المقاومة الذين اختارهم ضد إسرائيل.
وكان نصر الله هو الذي حرك هذه الدولة داخل الدولة، كما حدد أوغست ريتشارد نورتون في كتابه الصادر عام 2007 “حزب الله” الذي أشار فيه إلى شعبية نصر الله لدرجة أنك تستطيع شراء سلاسل المفاتيح والقمصان والأزرار وملصقات السيارات والملصقات التي تحمل وجه صورة نصر الله في دمشق. ورغم ما تمتع به نصر الله من كاريزما وشعبية إلا أن الكثيرين في لبنان كرهوه وجماعته، وبخاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق في شباط/فبراير 2005، حيث ألقى عشرات الآلاف من اللبنانيين اللوم على سوريا وضمنا على حزب الله (وقد أدانت محكمة خاصة بالأمم المتحدة في عام 2020 أحد أعضاء حزب الله بارتكاب جريمة الاغتيال).
وتعمق الشعور المناهض لحزب الله بعد حرب عام 2006، عندما دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية ــ ردا على عملية اختطاف عبر الحدود نفذها حزب الله ــ الكثير من البنية الأساسية في لبنان. وحتى نصر الله شعر أنه ذهب بعيدا وقال لشبكة تلفزيونية: لم نعتقد ولا حتى بنسبة 1% أن الخطف سيقود إلى حرب في هذا الوقت وبهذا الحجم. لو سألتني في 11 تموز/يوليو إن كانت العملية ستقود إلى تلك الحرب وإن كنت سأفعلها؟ سأقول بالمطلق لا”.
وعلى الرغم من كارثة 2006 ظل نصر الله يضع الفخ للنمر الإسرائيلي ويستفزه. والحرب التي أودت بحياته أخيرا، هي تلك التي لم يرد هو وحزبه الفرار منها. فالقتال كان هو السمة التي طبعت مسيرتهم، وبدون عباءة المقاومة كان حزب الله سيفقد مبرراته في التغلب على الدولة اللبنانية.
ومن غريب المفارقات أن حزب الله كان بحاجة للحرب من أجل البقاء. و”في عام 2002 سألت واحدا من الأساتذة الروحيين لنصر الله، الشيخ محمد حسين فضل الله، ماذا سيقول للأطفال الإسرائيليين الأبرياء الذين قتلوا في الهجمات الانتحارية، رد السؤال إلي وماذا سأقول لضحايا ناغازاكي”. وقال فضل الله “في ظل الحرب يحدث كل شيء” و”لأن الحرب هي حرب”.
والآن انضم نصر الله إلى طابور من شهداء الشيعة، وسيندبه أتباعه وسيحاولون الثأر له، ولكن موته يمنح اللبنانيين فرصة لاستعادة بلادهم بعد ما يقرب من أربعين عاما من الزعامة المدمرة لحزب الله، كما يقول إغناطيوس.
بل سيعوض بمن هو أشد وأشرس على العدو المحتل الصهيوني الأمريكي النازي الفاشي الدموي المجرم الذي يبيد البشر والحجر في فلسطين منذ 1948 بدعم أمريكي بريطاني وغربي غادر حاقد جبان سارق لأرض فلسطين ✌️🇵🇸🇱🇧☹️☝️🔥🐒