ديكتاتوريات عربية أينعت وحان قطافها

يحتفظ التاريخ والتراث العربيين بالخطبة الشهيرة للحجاج بن يوسف الثقفي، الذي توعد المعارضين بخطبته الشهيرة، التي جاء فيها: «والله إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها». توعد الحجاج يستعيد وهجه وإن ببنية معكوسة في وقتنا الراهن، حيث يبدو صاعدا من المحكومين اتجاه الحكام. وفي ظل الانتفاضات العربية نرصد ألسنة الشعوب العربية تلهج بهذا التوعد ولعلها تقول: «إننا والله لنرى ديكتاتوريات قد أينعت وحان قطافها».
وإن تباينت السياقات الزمنية بين الحجاج، أحد سيوف الأمويين في قمع الانتفاضات في العراق، أواخر القرن الأول الهجري، وسياق الانتفاضات العربية في أيامنا هذه، فإن هناك في المقابل نقاطا مشتركة كثيرة، بينها تطابق تحكيم منطق القمع الجارف من طرف السلطة في الحقبتين الماضية والراهنة  في هذه الرقعة الجغرافية التي تسمى العالم العربي، وإن شاب نظام الحكم في المنطقة، تقدم ما في مفاهيم الحكم، من ظهور منظومة الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الاختلاف بين تلك الحقبة وحقبتنا هذه هو بدء التحول في طبيعة الأدوار، يستمر الحاكم المستبد في غيه وجبروته، لكن المبادرة الآن بدأت تنتقل إلى يد الشعوب العربية، التي بلورت وعيا جديدا أصبحت تهدد به الديكتاتوريات بالثورة والانتفاضة والملاحقة.
في أعقاب الربيع العربي في مرحلته الأولى، وباستثناء سوريا، لجأت معظم الدول العربية الملكية منها والرئاسية، التي لم يسقط حكامها، إلى الرهان على الحوار مع شعوبها والإصلاح السياسي، مثل حالة الدول المغاربية، أو شراء صمت شعوبها بمغريات مالية مثل التعويضات والرفع من المرتبات، كما جرى في الخليج العربي، ولكن ما لبثت أن استعادت زمام استبدادها بعدما تراجعت شعلة الربيع العربي، ولم تعد هذه الأنظمة تتعرض لانتقادات من المنتظم الدولي، لاسيما بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وهذا الرجل يؤمن بضرورة تحرك الشعوب للدفاع عن مصالحها ومستقبلها، من دون انتظار دعم خارجي، لأن مصالح الدول هي الطاغية في العلاقات الدولية وليست مصالح الشعوب.

يصر الحاكم العربي سواء أكان ملكا أم رئيس دولة، على عدم تقليد مسارات وأفعال ملوك ورؤساء الدول الديمقراطية

عقل الحاكم العربي مشكل بمزاج ديكتاتوري عالي ويعاني من ضعف مزمن في الذاكرة، والاستفادة من التجارب التاريخية بما فيها المؤلمة. فقد سقطت رؤوس في المرحلة الأولى من الربيع العربي، وعلى رأسها الليبي معمر القذافي والمصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي، الذي مات مبعدا بعدما لفظه الوطن. ولم يستوعب الديكتاتور العربي هذه الدروس، وها هي المرحلة الثانية من الانتفاضة الديمقراطية تطل بإصرار، فقد حصدت الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي أقام رفقة مجموعة من الأشخاص حكم العصابة بامتياز، والآن يقبع الكثيرون منهم في السجن. ويعطي الشعب السوداني درسا بليغا للديكتاتوريين العرب، بعدما نجح في إرسال حاكم مخضرم وضارب في الزمن الديكتاتوري الى السجن وهو عمر البشير. وبينما كان الرأي العام العربي والدولي، يعتقد في سقوط مصر تحت قبضة أمنية فرعونية أبدية، ها هم أحرار هذا البلد يدشنون الفصل الأول من الانتفاضة ضد  الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، ستؤدي من دون شك إلى عزله على المدى القصير، لأنه أدخل البلاد في حالة اللاستقرار، ولن يصبر الجيش عليه كثيرا، حتى يقوم بتغييره لتفادي التوتر الخطير الأكبر.
في الوقت ذاته، يصر الحاكم العربي سواء أكان ملكا أم رئيس دولة، على تقليد ممارسات الديكتاتوريين، الذين سبقوه بدل تقليد مسارات وأفعال ملوك ورؤساء الدول الديمقراطية، هؤلاء يحترمون القوانين المنظمة للبلاد، فلا تمتد أيديهم الى ممتلكات الشعب، ولا يعادون أو يلاحقون أي مواطن تبنى موقفا فكريا وسياسيا مختلفا. وهذا يجعلهم أي الديمقراطيين، يغادرون السلطة وهم مطمئنين كل الاطمئنان ظافرين  باحترام الشعب لهم، وآمنين مطمئنين لعدم حصول انتقام منهم، لأنهم لم يرتكبوا أي مخالفات، وإن ارتكبوها سيكون القانون بالمرصاد لهم، كما حدث في عدد من دول أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة، بل حتى الدول الأوروبية، ومن أبرز الأمثلة ملاحقة القضاء الفرنسي للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، بسبب تعامله المالي مع ديكتاتور راحل وهو القذافي.
كل المؤشرات تشير الى بدء فقدان الشعوب العربية صبرها من عودة الحاكم العربي الى ممارسات الحكم البلطجي من قمع واختلاس واحتقار لكرامة أبنائها. وعليه فقد فقدت هذه الشعوب الصبر وأصبحت طاقة التحمل لديها تكاد تنفد وبصلاحية محدودة، لاسيما بعدما بدأ يتعاظم لدى الإنسان العربي نوع من الاحتقار التاريخي، وهو يرى مسار شعوب متعددة، من افريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا  تلحق بركب الديمقراطية والتنمية الحقيقية، بينما العربية تستمر في العيش في الذل، بسبب أنظمة لا ضمير تاريخي لها، وهي قريبة من ممارسات عصابات قطاع الطرق، بدل الأنظمة التي تحترم المواطن. وبناء على هذه الحال الجامدة، يظهر أن رؤوس الأنظمة الديكتاتورية قد أينعت، وتتوعدها الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والخلاص والكرامة بالقطاف، وتحويلها إلى  مجرد رقم في الواجهة السوداء من التاريخ: ولن تكون إلا مزبلة التاريخ نفسها».
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    لا فض الله فاك يا كاتب المقال
    و الله لو استمرت الثورات في هذه الأرض إلى يوم الدين فلن نتوقف حتى نكسر هؤلاء الطغاة الأنذال طاغية اثر طاغية

  2. يقول أحمد السنوسي:

    للأسف الثورات الشعبية ضد أنظمة الحكم العربية الفاشلة تنطلق عارمة لكن عفوية وتنتهي متشرذمة ومتحايل عليها لتفرز وضعا لا يختلف من حيث الجوهر عن الوضع السابق للثورة!
    من أسباب عدم نجاح الثورات الشعبية العربية في تحقيق إصلاح عميق للأوضاع السياسية والإقتصادية ببلدانها هو تفوق الثورة المضادة بفضل الدعم الغير مباشر من الحكومات الغربية ثم تسخير جحافل من وسائل الإعلام المأجورة وصرف أموال طائلة لشراء الذمم من طرف محور أبوطبي-الرياض وكذلك استمرار أجهزة الدولة العميقة في التخطيط في الخفاء للإلتفاف على الثورات رغم سقوط رموز الأنظمة الفاسدة. أعتقد أن الثورات العربية إذا لم ترسم وتعلن الخطوات العملية الواجب إتخاذها في المرحلة الإنتقالية قبل الخروج للشوارع تفاديا للإختلاف والتشرذم في منتصف الطريق لتحقيق التغيير الشامل فسيكون مصيرها ما حدث بعد “الربيع العربي” لسنة 2011

  3. يقول حميد:

    مهما طال الليل سيحل الصباح والفجر، عهد الديكتاتوريات سينتهي حتما، إنه منطق التاريخ

  4. يقول Thomas Johansen:

    On the wind of politic changes that are blowing in the Arab world : Tipping point
    The world is not immobile
    Change, is the only constant

    Heraclitus
    Greek philosopher

    Saudi and Abu Dhabi money bribery in support of Despots survival in Middle East along with lip services- hypocrisy of the west all these elements it will not stop the progress- struggles for freedom motions winds and storms in the Arab world because the freedom movements has strong roots caused by: ruthless repression , sky- high corruption plus incompetence of the dictators regimes and first of all global hunger true hungers of the majority of people , it lack of the future for the young, comparable example, recently Italian intellectual- historian asked a blind Italian man about the future in Italy; the blind man firmly replied that if I can see the future going to be dark, so will be the Arab world if it does not change fast it is reaching tipping point

  5. يقول الطاف:

    مقال في الصميم

  6. يقول خالد الزناتي:

    النظام السياسي في البلدان العربية يستثمر في عامل ارتفاع نسبة الأمية بين صفوف الشعب، عامل مهم يمكنه بسهولة من تسويق ترهات متجاوزة مثل الوطنية المزيفة وخلق قاعدة عريضة من المتملقين وأذناب الطابور الخامس الذين يقفون حجرة عثرة أمام أي مشروع تغيير عميق.
    ثم انهاك الطبقات الشعبية بآفة الفقر والتهميش يجعل من الصعب أن تقنع السواد الأعظم بضرورة طرح تحديات الإصلاح للمنظومة السياسية على رأس قائمة الأولويات فغالبا ما تخرج احتجاجات شعبية تنحصر تطلعاتها في بعض المطالب الإجتماعية والإقتصادية.

  7. يقول اسامه الاحمدي:

    للأسف يبدو أن الكاتب قد خانه التعبير أو انحاز عمدا الي نوع من الأنظمة العربية و لم يأتي علي ذكرها بسوي. أقول له ما هو الفرق بين الأنظمة العربية برمتها ملكية و جمهورية كلها فاسدة الي النخاع .الشعب سيقضي علي كل الاستبداد سويا كان ملكيات أو جمهوريا أو غيره. ماذا حققت الأنظمة العربية مجتمعنا جمهوريات و ممالك في جامعتها العربية .الجماهير اللعربية انتفظت علي نظمها الجمهورية لكونها طامحة الي الحرية و الانعتاق و من مبدأ ما فيه حد احسن من حد اي الكل يطمح إلي السلطة و انهارت هذه النظم أمام تصميم الشعوب أما شعوب الممالك باقية لا طموح لها الي في منصب متواضع ليس لأن النظام احسن بل لأن الحال اسوي لدرجة ان من يفتح فمه يسجن أما العصيان أو التظاهر السلمي و (ليست الوقفات الاحتجاجية لخمسة معلمين أو ثلاثة تلاميذ أو عشر معرضين يطالبون بحقهم الاجتماعي لا السياسي) فهو من الخيال

اشترك في قائمتنا البريدية