ديكتاتورية ترامب خطر يهدد الديمقراطية الأمريكية

ابتدأ الرئيس دونالد ترامب ولايته الرئاسية الثانية بسيل من الأوامر التنفيذية، اتخذ عبرها إجراءات حاسمة بشأن مجموعة من القضايا المهمة، بما في ذلك إنفاذ قوانين الحدود، وسياسة الطاقة، وحق المواطنة بالولادة، والموقف من المؤسسات الاعلامية، وغيرها. وبينما تغطي هذه الأوامر التنفيذية مجالات سياسية ومواضيع قانونية متباينة، إلا أنها تتفق في اعتمادها على تأكيدات واسعة النطاق على السلطة الرئاسية شبه المطلقة، التي حاول ترامب أن يرسخها أمام المتلقي. في كل قضية، يدّعي ترامب أن الدستور يُخوّله مباشرة اتخاذ إجراءات معينة، دون أي تفويض من الكونغرس، وفي مواجهة قوانين مُخالفة.
فكرة أن الدستور الأمريكي يمنح الرئيس صلاحيات مُحددة بشكل مباشر ليست جديدة ولا مثيرة للجدل في حد ذاتها. ومع ذلك، نجد العديد من الأوامر الرئاسية، لا يُصرّ ترامب ببساطة على سلطة دستورية متأصلة للتصرف، بل يدّعي سلطة التصرف بطرق تتعارض بوضوح مع القوانين الفيدرالية القائمة، أي أنه يُصرّ على حق دستوري يسمح له بتجاهل القوانين الفيدرالية التي تتعارض مع أجندته السياسية، أو التغاضي عنها، أو حتى انتهاكها علنا.
لقد تكهن بعض المحللين بأن محاولات الرئيس ترامب للسيطرة المطلقة على البيروقراطية، تستند إلى نظرية السلطة التنفيذية الموحدة للرئاسة، التي تؤيد تفسيرا موسعا للسلطة الرئاسية. وتؤكد هذه النظرية أن الرئيس يتمتع بسلطة حصرية على السلطة التنفيذية للحكومة، وتهدف إلى مركزية السيطرة في البيت الأبيض. واستنادا إلى «بند التفويض» في الدستور، الذي ينص على أن «السلطة التنفيذية تُمنح للرئيس»، فقد أيدها قضاة محافظون في المحكمة العليا الأمريكية في العقود الأخيرة، ودافعت عنها مراكز الفكر اليمينية، بما في ذلك مؤسسة هيريتدج، المهندسة الرئيسية لمخطط «مشروع 2025» الراديكالي، الذي رسم العديد من هجمات ترامب الحالية على البيروقراطية. وقد انتقد بروس أكرمان أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة ييل، نظرية السلطة التنفيذية الموحدة، وحذّر من خطرها على الديمقراطية الأمريكية، وقال إن ترامب تصرف خارج نطاق سلطته الشرعية بإغلاقه التعسفي للعديد من المؤسسات، بما في ذلك مكتب حماية المستهلك المالي، والمجلس الوطني لمراجعة العمل، ولجنة تكافؤ فرص العمل، وقد جعل الأخيرتين غير قابلتين للتشغيل، نتيجة طرد الأعضاء الديمقراطيين الحاليين دون تعيين بدائل. كما أقال سبعة عشر مفتشا عاما – مكلفين باستئصال الهدر الحكومي والاحتيال وسوء الاستخدام – في جميع أنحاء السلطة التنفيذية دون إخطار الكونغرس قبل ثلاثين يوما من الموعد القانوني. وأضاف أكرمان: «ليس من حق الرئيس أن يهيمن على صنع السياسات في جميع مؤسسات السلطة التنفيذية. وعلى وجه الخصوص، لا يحق للرئيس إقالة أشخاص، أو أعضاء هذه اللجان، بل لا يحق له، من خلال إجراء أحادي الجانب، ببساطة تدمير لجنتين مستقلتين». من جانبه أشار ديفيد دريسن أستاذ القانون الدستوري في جامعة سيراكيوز، إلى أن طموحات دونالد ترامب، امتدت إلى ما هو أبعد من الرئاسة الإمبراطورية التي يعتقد الكثيرون أنها بلغت ذروتها في عهد ريتشارد نيكسون قبل أن تُقيدها تشريعات الكونغرس، في أعقاب فضيحة ووترغيت. وقال دريسن: «ما يحاول ترامب فعله هو انتزاع كل سلطة إدارة الحكومة من الكونغرس، ثم استخدام القضاء لتفكيك القانون. ترامب يتحدى كل قيد تقريبا على سلطته، ثم يأمل أن تُعلن المحاكم عدم دستورية جميع القوانين التي تُقيده».

تكهن بعض المحللين بأن محاولات الرئيس ترامب للسيطرة المطلقة على البيروقراطية، تستند إلى نظرية السلطة التنفيذية الموحدة للرئاسة، التي تؤيد تفسيرا موسعا للسلطة الرئاسية

عندما صدر الأمر التنفيذي التاسع والستين لترامب في رئاسته الثانية، والذي حمل عنوانا خادعا هو «ضمان مساءلة جميع الوكالات»، قد وُصف بأنه «استيلاء فاضح على السلطة»، يعزز مبدأ سياسيا يهدف إلى جعل الرئيس ديكتاتورا. انشغل الرأي العام في ذلك اليوم بالدراما التي تصدرت عناوين الصحف، والتي تمثلت في شق أيلون ماسك طريقه عبر البيروقراطية الفيدرالية، وترحيل المهاجرين إلى خليج غوانتانامو، وسيل التوجيهات الأخرى التي أصدرها ترامب منذ تنصيبه. يحتوي الأمر التنفيذي على فقرة تسمح للرئيس بتحديد القانون، ومن يجب أن يلتزم به، أثارت هذه الفقرة قلق حتى بعض المحافظين الدستوريين، الذين يتفقون مع العديد من تصرفات ترامب. ويصفها منتقدون آخرون بأنها خطوة أخرى نحو نموذج أمريكي من الاستبداد. وقد وصف فرانك بومان أستاذ القانون، والمدعي العام الفيدرالي السابق، ومؤلف كتاب «الجرائم والجنح الكبرى: تاريخ المساءلة في عصر ترامب»، الأمر التنفيذي بأنه «صادم». وقال: «جوهر الأمر هو أن دونالد ترامب يحاول، بوعي تام، أن يجعل من نفسه ديكتاتورا منتخبا». وأوضح بومان ذلك بقوله، إن الأمر التنفيذي التاسع والستين يُمثّل إعلانا بأن رأي الرئيس في القانون يطغى على رأي أي شخص آخر في الحكومة. وأضاف: «هذا كلامٌ مُبالغٌ فيه، لأنه في جوهره يُشير إلى أنه إذا استيقظ الرئيس ذات صباح وقال: ‘أعتقد أن جميع هذه القوانين التي تُجرّم الرشوة، ينبغي أن لا تُطبّق عليّ، أو على عائلتي، أو أصدقائي، أو على مسؤولي السلطة التنفيذية على الإطلاق، وهذا رأيي القانوني’، فسيتعين على وزارة العدل اعتماد تفسيرٍ لقوانين الرشوة الفيدرالية يتعارض تماما مع معناها الواضح».
أما جريج نونزياتا، المدير التنفيذي لجمعية سيادة القانون المحافظة، التي انتقدت بشدة بعض إجراءات ترامب، فقال، إن الرئيس كان مُحقا بشأن الشرعية الدستورية للوكالات المستقلة، حتى لو شكك في دوافعه وفي رغبته في السيطرة عليها. لكن نونزياتا منزعج من «تزايد التلميحات من البيت الأبيض بأن القانون هو ما يقوله الرئيس». وقال:» القانون هو ما يُقرّه الكونغرس وتفسّره المحكمة العليا، والرئيس مُلزمٌ باحترام القانون. لذلك هو مُلزمٌ بتوكيل محامين يبذلون جهودا صادقة لتفسير ما يقتضيه القانون، لا بتوكيل محامين يُصدرون له تصاريح ليفعل ما يشاء». وربما كان رأي سارة. أس. هان أستاذة القانون في كلية الحقوق في جامعة واشنطن، ذا اهمية كبيرة لما احتواه من توصيف لمستقبل ديكتاتورية ترامب، إذ أشارت في مقال لها إلى أن خبراء القانون وبعد ستة أسابيع من بدء الولاية الثانية للرئيس ترامب دقوا ناقوس الخطر بشأن الديمقراطية، إذ سرعان ما أعقب دخول ترامب للبيت الأبيض قيامه بهجوم على الدولة البيروقراطية، وتهديده لسيادة القانون، ودعوة قادة الشركات الأثرياء، وأبرزهم أيلون ماسك، لإعادة تشكيل الحكومة وفقا لمصالحهم. وترفض سارة هان احتمالية أن يكون ترامب ديكتاتورا شبيها بديكتاتوريات الشرق الأوسط، أو حتى ديكتاتورا شبيها بما يحصل في بعض النظم الشمولية مثال ذلك، روسيا بوتين أو تركيا أردوغان. وإنما تعتقد أن ما حصل وسيحصل في أمريكا ترامب سيحيلها إلى نوع من الديكتاتورية تسميه «ديكتاتورية ديمقراطية الشركات»، يبدو أن هذا التقييم، انطلاقا من جبهة رأسمالية الشركات، يُغفل أمرا مهما: الحوكمة العامة والخاصة تتقاربان بسرعة. إن دليل التحول الحالي المناهض للديمقراطية في السياسة الأمريكية يأتي من حوكمة الشركات، وليس من الحكومات الاستبدادية في أماكن بعيدة مثل روسيا والمجر وتركيا. «الاستبداد التنافسي» له اسمٌ آخر في الولايات المتحدة، إنه «ديمقراطية الشركات».. إنها الطريقة التي تُحكم بها جميع الشركات الأمريكية. إذ لا يرث قادة الشركات مناصبهم، أو يستولون عليها بالقوة الغاشمة، إنما يُنتخبون لهذه المناصب عبر عمليات تتضمن السمات الرسمية للديمقراطية السياسية: حقوق التصويت، وحقوق التعبير، وإدارة الانتخابات. تُجرى انتخابات الشركات بوتيرة عالية لدرجة أن قادة الشركات يكونون دائما تقريبا في دورة انتخابية أو يستعدون لها. ومع ذلك، من ذا الذي يدّعي أن الشركات ديمقراطية بشكل واضح؟ إن السمات الديمقراطية لحوكمة الشركات الأمريكية كامنة في نظام يُنتج في الغالب انتصارات انتخابية لمن هم بالفعل في صدارة الشركة. إن ساحة المنافسة مائلة لدرجة أنه في معظم انتخابات الشركات، لا أحد يُكلف نفسه عناء الترشح ضد شاغلي المناصب، لماذا الترشح وأنت لا تملك أي فرصة للفوز؟
الغرض من استبداد الشركات هو ترسيخ مجموعة صغيرة في قمة مؤسسة عالية القيمة، حيث يمكنهم التمتع بالثروة والسلطة مع قدر ضئيل من المساءلة القانونية. لتحقيق ذلك، يستخدم الاستبداد الشركاتي انتخابات حقيقية، وإن لم تكن مزورة تقنيا، إلا أنها منحرفة لدرجة أنها تكاد تكون بمنأى عن معارضيها. ربما لم يشغل الرؤساء التنفيذيون أمثال ماسك مناصب عامة قط، لكنهم أمضوا سنوات في صقل مجموعة معينة من المهارات المناهضة للديمقراطية. في الغالب، تمتلك الشركات شكل الديمقراطية، ولكن ليس جوهرها. هذا هو النموذج الذي يريد ترامب وأنصاره نقله إلى سياساتنا. بدلا من «الاستبداد التنافسي»، يجب أن نُعرّفه بأنه «استبداد الشركات».
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    ديكتاتورية ترامب المتصهين الأرعن المتغطرس المغرور ستعيد أمريكا إلى المربع الصفر يا صقر ✌️🇵🇸😎☝️🔥🐒🚀

  2. يقول Mahmoud:

    السيد ترامب انتخب رئيسا للمرة الثانية. باغلبية ساحقة. نفس الشعارات التي كان يطرحها في حملته الانتخابية ينفذها. المشكلة بالمجتمع الأميركي.

    1. يقول polishman:

      49,8% مقابل 48.3% من مجموع المصوتين هذا يسمى أغلبية ساحقة!!!! أم أن مرض ترامب بالكذب أصاب حتى انصاره

  3. يقول تيسير خرما:

    عبر حرب باردة كان العالم الثالث عالة على إتحاد سوفياتي فسقط وبدأت تجارة حرة وباتوا مع روسيا والصين عالة على اقتصاد أمريكا فأستنزفوه رغم ضخامته بفرض كل دول العالم رسوم لمنع تصدير أمريكا لها فاستقبلت إنتاج العالم بدون رسوم وكسد إنتاجها وتضاعف سعر بترول لتضاعف شحن لأمريكا عبر محيطات وتضاعف مهاجرون ومخدرات، فاكتسح اتجاه امريكا أولاً الإنتخابات وفرضت رسوم تكبح فيضان وتشجع إنتاج أمريكا وتركت مجال تفاوض لفرض توازن بإتجاهين وخفض شحن عبر محيطات وخفض سعر بترول وكلفة معيشة ودعم إنتاجها وخفض مهاجرين ومخدرات

  4. يقول عبد الله العقبة:

    ترامب ليس ديكتاتورا ترامب استحواذي يسعى طمعا للاستحواذ على فرص غيره ذات المكاسب الكبيرة بالقوة أو بغير القوة..لهذا الطبقة الحاكمة الأميركية من كلا الحزبين متماهية معه بالنتيجة العملية.

اشترك في قائمتنا البريدية