تطرح الفنانة والباحثة وأستاذة الدراسات الفنية العليا اللبنانية هناء عبد الخالق، في لوحاتها رؤى سريالية محدبة أو تكويرية خاصة بها، جاءت ثمرة أو خلاصة مشاهداتها وتأملاتها وتخيلاتها وأحلامها وبحوثها وتجاربها المتنوعة والمتشعبة على الصعيدين التكويني والتقني. وبقيت أمينة، لهذا الخط الفني، في خطوات توليفها للعناصر الإنسانية والمعمارية ومشاهد الطبيعة والتشكيلات الهندسية الشطرنجية وغيرها، في فضائية الأشكال الحلمية والمتخيلة، التي اتخذتها منطلقاً، من خلال خطوطها وألوانها وأشكالها، وعبر طروحات تنويعات رموز المرأة المحورة والمحرفة، التي تطل كعناصر أساسية، أو كصياغة عفوية تجمع الأداء التلويني والتكويني من الينبوع السريالي الشرقي، على اعتبار أن فنون وآداب الشرق كانت سباقة، في اكتشاف تجليات الحلم السريالي الخيالي (خاصة في قصص ألف ليلة وليلة، وما رافقها من تداعيات غرائبية ورؤى سحرية وخيالية خارقة).
إلا أن سريالية أو رمزية أو تحديبية أو تكويرية هناء عبد الخالق، تبقى خاصة بها ولصيقة بذاتها، وبعيدة كل البعد عن الدقة والنمنمة التفصيلية، التي ميزت أعمدة ورواد المدرسة السريالية، وفي مقدمتهم رائدها الأول سلفادور دالي (الذي استعاد تقنية الرسم الكلاسيكي، في خطوات توليف عناصره السريالية، وهذا ينطبق على الفنان السريالي اللبناني الراحل سمير أبي راشد وأمثاله، بخلاف هناء عبد الخالق تماماً، وبخلاف الفنانة السريالية الراحلة جوليانا ساروفيم وأمثالها).
هناء عبد الخالق ترفض اتجاهات الرسم الكلاسيكي أو الواقعي، في تركيزها على مبدأ التحريف والتحوير والرسم بلمسة لونية عفوية وواعية وهادئة، في الوقت ذاته. وعلى الرغم من اتجاهها (في المقطع الواحد من اللوحة) لتأكيد مظاهر الرسم التعبيري أو الرمزي، إلا أنها تعمل في أسلوبها للتفلت من أجواء لوحات وتقنيات الفنانين القدامى، من خلال جنوحها في أسلوبها نحو الرمز والخيال، في خطوات إطلاق الحركة الدرامية المعبرة عن تداعيات معطيات اللاشعور السريالي أو الخيالي. وفي أعمالها تستعرض قدراتها التقنية (حين تتنقل بين المواد اللونية المختلفة، التي تجعل لوحاتها تتدرج بين الشفافية اللونية والكثافة) وهكذا تطرح أمام المشاهد جمالية الأسلوب السريالي، الذي أعطى أعمالها قدرة التنويع في تجسيد الأشكال المختلفة ضمن جو خيالي، رغم اتجاهها في المقطع الواحد من اللوحة للوصول إلى واقعية جديدة أو حديثة. وإذا نظرنا إلى أشكالها المرسومة بكامل مساحة اللوحة، نجدها بتشكيلها العام أقرب إلى رموز الصياغة الغرائبية المعبرة عن علاقة اللوحة بتداعيات معطيات اللاشعور (رؤى تخيلية متداخلة ومتجاورة) والمشهد عندها يتجه لإطلاق الخيال نحو رؤى ترتاح إليها العين، على الرغم من غرابتها وغموض معانيها وتناقضاتها، المعبرة عن تناقضات واقعنا الراهن وعبثيته المجنونة واللامعقولة.
ففي اللوحة تظهر أحياناً الوجوه والأجساد وعناصر الطبيعة المتداخلة والمتجاورة، بالإضافة إلى توليفها الأشكال الإنسانية أحياناً أخرى على هيئة غرائبية، وبذلك فهي تدمج الرمز بالحلم، أو بتداعيات اللاشعور، لتعميق إحساسها بمعطيات الخيال ورؤى الأحلام. وهذا يعني أن مخيلتها تضج بالرموز والأشياء المبهمة، التي تحاول التعبير عنها عبر توليفها الأشكال بطريقة خيالية، تبرز فيها الرموز والدلالات والإشارات والرؤى المرتبطة بالثقافة العصرية المتجددة، وضمن منهجية نظامية صارمة بعيدة كل البعد عن الانفعالات والعواطف العنيفة، حيث ترتبط بفن موزون ومدروس، يحقق لها التحريف والتحوير الذي تجريه على أشكالها المرسومة بطريقة خاصة وجديدة.
فالتقنية ليست سوى وسيلة لإخراج اللوحة، أما الأسلوب فهو الرؤية الجديدة التي تعطي الفنان خصوصية واستقلاليته. وعلى هذا تتجاوز الأساليب التقليدية، بتشكيلاتها الجديدة والخاصة، وتحقق أسلوبيتها وبصمتها الخاصة، في خطوات توليف معطيات وتداعيات أحلامها السريالية. وفي هذا الإطار يمكن القول إن لهناء طريقتها الخاصة في توليف الأشكال وفي وضع الألوان (حتى إن لها مدرستها الخاصة، المدرسة التكويرية أو التحديبية، وهذا ليس من قبيل المبالغة، إنما هذه هي الحقيقة والواقع). لذا يتجه نظرنا للإحساس بإسلوبية خاصة في المعالجة التكوينية والتلوينية. وهي على الصعيد التلويني تميل في أحيان كثيرة لإبراز إيقاعات لونية شفافة ومشرقة، وهذا لا يمنع من اتجاهها في أحيان أخرى لإظهار إيقاعات لونية زاهية، على مساحات لونية معتمة أو خافتة، وهذا يزيد من إيقاعية الحوار اللوني، ويفسح المجال لرؤية اللوحة، منفذة بحساسيات لونية مختلفة ومتفاوتة .
هناء عبد الخالق، فنانة تشكيلية وباحثة وأستاذة جامعية ـ محاضرة متعاقدة في الجامعة اللبنانية منذ عام 2016 حتى اليوم، وهي عضو في لجنة تقييم أبحاث الماجستير في الفنون التشكيلية (الفرع الرابع) وأمينة سر جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت منذ عام 2019 وحتى اليوم.
كاتب لبناني
دائمًا تعطينا الدكتورة هناء عبد الخالق؛ الفنّ الأصيل المليء بملاذات الجمال؛ رغم القبح الذي ضرب النّاس في الشرق والغرب…إنها تضع أسسًا لمواجهة القبح بفرشاتها التي أضحت أقوى من بنادق الحروب.شكرًا دكتورة أنت شاهد جمال
على قبح الزمان.وشكرًا السّيد أديب مخزوم أنك كتبت عن سيدة الجمال الفنيّ الأصيل.
ما أجمل تعليقك وانطباعك عن أعمالي د. جمال البدري..
لك مني أطيب التحيات وكل التقدير لطيب كلامك.. وممكن متابعة أعمالي وكتاباتي على وسائل التواصل مع كل التقدير
قطرات من ماء لا كلمات معطرة بعطر الفن لاصيل أضعها تحت ظل هدا التحليل الفني لكن ادا سمح المنبر على هد ا الوجه وكدالك كاتب السطور المحترم وكدالك السيدة المحترمة التشكيلية الباحثة بلغة الفن شكرا للجميع بين قوسين ليس خروجا عن الموضوع لا ادا كانت السينما والمسرح كلاهما يعبش مانعيش وكلاهما يعبر بأساليبه الفنية الخاصة فابدوره التشكيل الدي تبوأ مكانا عاليا في فضاء الفن الواسع الدي لاينحصر فيمانعرف ونحن نقف احتراما للوحة التي رسمت بأتقان جيد فاغنت لاقلام المتميزة في وجهها .
الف شكر استاذ بلي محمد عل المتابعة والتعليق..
أطيب التحيات🌹