رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان رضية المتوكل: حجم الانتهاكات في اليمن كبير جدا

حاورها: أحمد الأغبري
حجم الخط
0

قالت رضية المتوكل رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، إن اليمن لم يشهد مساءلة في تاريخه عن الانتهاكات؛ ما شجع جميع أطراف النزاع في جميع أرجاء البلاد على ارتكاب الانتهاكات باسترخاء، بما فيها انتهاكات ليست مضطرة حتى أن ترتكبها، منتقدة إسقاط الأمم المتحدة آلية التحقيق الدولية الخاصة بتوثيق الانتهاكات هناك ممثلة في فريق الخبراء الدوليين، مؤكدة أن حجم الانتهاكات في عموم البلد كبير جدا، وخاصة في ملف الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري. قضايا عديدة كانت محاور حوار «القدس العربي» معها. وهنا نص الحوار.
○ استطاعت منظمة مواطنة أن تنال عددا من الجوائز والتقديرات الدولية بما فيها اختيارك للحديث عن الوضع الحقوقي في اليمن لدى مجلس الأمن والبرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي، إلام تعزين هذا؟
• شغلنا لا غير هو مَا أوصلنا ليس فقط إلى مجلس الأمن والكونغرس والبرلمان الأوروبي بل إلى كثير من المنصات الدولية. لا يوجد أكثر من شغلنا واستقلاليتنا وعلاقاتنا القوية جدا مع الشركاء الدوليين. ولا يمكن أن يكون هناك أي سبب آخر.
○ لكنكم لم تحزوا هذا التقدير والاعتراف محليًا؟
• الاعتراف موجود من الضحايا، موجود من كل الناس الذين نأخذ منهم المعلومات. علاقتنا بكل المؤسسات المستقلة في اليمن إيجابية جدا. كل الناس العاديين الذين ليس لهم علاقة بأطراف النزاع علاقتنا بهم جيدة جدا. الآن نحن نواجه أطراف النزاع في جميع أرجاء اليمن، ومن الطبيعي جدا أن أطراف النزاع وحلفائهم غير راضين عن منظمات ما، بل هم متضررون منها، ولا توجد مساحة في اليمن لوجود هيئات مستقلة أخرى تعطيك إشارة بأنها فخورة بعملك. لا يوجد غير الناس العاديين، ولولاهم ما استطعنا أن نصل إلى قصصهم.
○ لكن ثمة مَن يتهمكم ويقول إنكم تعملون لصالح طرف من أطراف النزاع. ما تردون على هذا وهل يمثل لكم ذلك مشكلة؟
• مشكلة لا. حاولت تلك الاتهامات أن تشوش علينا دوليًا؛ لكن الناس يزورون موقعك الإلكتروني ويقرأون تقاريرك ويعرفون أن الحملة كاذبة. محليًا ممكن أنها تكون أعطت انطباعا خاطئا لدى عدد كبير من الناس؛ لأن اليمنيين، وأنا هنا لا ألومهم في أنهم لا يقرأون تقارير حقوقية. ليس على اليمنيين أن يعيدوا قراءة مأساتهم مرة أخرى في تقارير حقوقية؛ لكن مع هذا، ويوم بعد يوم نستطيع أن نعرف كيف أن ثقة اليمنيين في مواطنة تزيد. مواطنة ثقة الضحايا، ثقة الناس العاديين من خلال لجوئهم إلينا، لننشر قصصهم، من خلال تعاملنا معهم في جميع مناطق اليمن، وهذا الذي يهمنا. مواطنة ليست منظمة جماهيرية، هي منظمة حقوقية تعمل مع المدنيين والمدنيات الذين تعرضوا للانتهاك، أو سوف يتعرضون للانتهاك. وبالتالي ما يهمنا هو هذه الفئة، وفي الأخير يبقى الأثر السلبي مؤقتا، بينما يبقى الأثر الإيجابي لعملك في الميدان.
○ في ظل هذا الواقع الذي أفرزته الحرب.. إلى أي مدى أنتم راضون عما تقومون به في المشهد الحقوقي؟
• أولا لازم نعرف أن حجم الانتهاكات في اليمن كبير جدا؛ لأنها حرب؛ وبالتالي هي أكبر من قدرات أي منظمة. مستحيل أننا نغطي كل الانتهاكات. ورغم أنها ثماني سنوات لكنا توسعنا، وصار لدينا نحو 100 موظف وموظف، ونعمل في كل المحافظات. الحرب متعددة الأطراف، وتعددُ الانتهاكات أجبرنا على التوسع؛ لأنه لازم نغطي قدر ما نستطيع من الانتهاكات. أكيد نحن نعرف أننا نؤدي مهامنا في ظرف حساس جدًا، لكن في كل مرة نشعر أننا لازم نعمل أكثر. نحن موجودون في المكتب الرئيسي بصنعاء، لكن لدينا مكاتب في عدن وفي تعز، وفي حضرموت، وحاولنا نفتح مكتبا في مأرب لم نستطع حتى الآن؛ لأنهم رافضون، وعموما من غير السهل وجودنا في صنعاء أو في مأرب أو في عدن أو في غيرها. غرسنا وجودنا رغما عن جميع أطراف النزاع، وفي مأرب أحد المسؤولين قال لنا أصبحت مواطنة سلطة أمر واقع في مأرب، بمعنى أننا نشتغل في كل الأحوال، لدينا باحثون وباحثات ميدانيين في كل اليمن؛ ولدينا محامون ومحاميات في 18 محافظة؛ وبالتالي نحن في كل اليمن نعمل ضد انتهاكات كل الاطراف.
○ كيف تقرأين علاقتكم بمهمة الدفاع عن حقوق الإنسان في ظل واقع تُنتهك فيه حقوق الإنسان من أقصى اليمن إلى أقصاه؟
• ليس سهلا أن تكون منظمة حقوقية في وسط حرب، وفي بلدك شبه انهيار للدولة، والبلد محكوم بجماعات مسلحة من أقصاه إلى أقصاه. هذا الوضع لم يكن سهلا العمل فيه رغمًا عن جميع الأطراف في كل اليمن، لكن كان عندنا مصادر قوة؛ وهي استقلاليتنا ومهنيتنا والمعايير الدولية العالية التي نعمل بها؛ وهذه العوامل ساعدتنا في أن نكون موجودين رغم انتهاكات الأطراف، وساعدتنا في نساعد في رفع أصوات الضحايا، واستطعنا من خلال العمل القانوني أن نساهم في الإفراج عن مئات المعتقلين في كل اليمن، كما أنه لدينا نشاط له علاقة بالمساءلة على المستوى الدولي في أكثر من محكمة مع شركائنا الدوليين على مستوى العالم، في قضايا لها علاقة بالحرب في اليمن. تعرضنا خلال هذه الرحلة لانتهاكات كثيرة جدا، يمكن أكثر من 60 نوعا من أنواع الانتهاكات، أكثر الاعتقالات التي تعرض لها فريق مواطنة كان في مناطق جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) واعتقالات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وتهديد اثنين من زملائنا قُذف بجانب بيوتهم قنبلة، وحملات كراهية وتشويه شرسة ضد مواطنة، وعرقله في الوصول إلى الضحايا والأماكن التي شهدت انتهاكات وغيرها. نحن نرصد الانتهاكات، وهذه الخطوة الأولى في عمل مواطنة.
○ تقول المنظمة في أدبياتها إنكم تقومون بتوثيق الانتهاكات في جميع أرجاء اليمن لجميع الأطراف، كيف تستطيعون إنجاز هذه المهمة في ظل سلطات حرب متعددة؟
• دراسات ووثائق مواطنة تغطي انتهاكات جميع أطراف النزاع في كل اليمن، لكن مقارنة بالواقع لا يمكن لعشر منظمات حقوقية مثل مواطنة أن تغطي كل الانتهاكات. حجم الانتهاكات في اليمن كبير جدا. نحن منظمة حقوقية واحدة حاولنا أن نكون موجودين في كل اليمن، ونغطي الانتهاكات. وليس من ضمن أهدافنا الوصول لكل الانتهاكات لأنه مستحيل، لكن غطينا. في عملنا ليس بالضرورة أن نصل إلى كل أماكن الغارات الجوية للتحالف، وليس إلى كل الألغام التي زرعتها جماعة «أنصار الله» لكن من خلال رصدنا لحوادث الألغام، من خلال رصدنا لحوادث الطيران التي أصيب فيها مدنيون، أثبتنا أن هناك انتهاكا، وهذا ينطبق على الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري واستهداف المستشفيات والمدارس.
○ على صعيد الاحتجاز التعسفي والاخفاء القسري تقول أديباتكم إنكم تقدمون الدعم القانوني والمشورة لضحايا الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، وما طبيعة هذا الدعم والمشورة مقارنة بواقع المعاناة؟
• الذي نقدمه أكثر من المشورة. الآن هناك ركنان أساسين في مواطنة: الرصد والتوثيق، وتقوم به وحدة الأبحاث والدراسات في مواطنة، ووحدة الدعم القانوني، وهم محاميون ومحاميات في 18 محافظة خلف حالات الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، ونقوم بهذا العمل من خلال الوصول إلى أهالي الضحايا. أما نصل إليهم نحن أو يصلوا إلينا هم. ونقوم بالتشارك معهم في الوصول إلى السلطات الأمنية المختلفة أي كانت المحافظة المحتجز تعسفيها فيها.
○ هل تواجهون مشكلة في الوصول إلى السلطات الأمنية؟
• نحن من خلال محاميينا وصلنا إلى الجميع، وخاطبنا النائب العام في صنعاء والنائب العام في عدن، وخاطبنا الأجهزة الأمنية في كل المحافظات، وخاطبنا النيابات وكل من له علاقة باختفاء شخص. استطعنا أن نساعد في الإفراج عن العديد من المعتقلين والمعتقلات. ملف المعتقلين والمعتقلات كبير جدا. هناك حالات معقدة بالتأكيد. هناك كثير من الحالات تم التجاوب معنا، واستطعنا أن نساهم في الإفراج عن المئات من المعتقلين. بالتأكيد ملف المعتقلين والمحتجزين والمخفيين قسريا كبير جدا، وأكبر من كل الجهود التي تُبذل. لكن استطعنا أن نساهم أما في الإفراج عنهم أو في إيصالهم بذويهم إذا كانوا من المختفين قسريًا، أو في متابعة حالات التعذيب، وخصوصًا الضغط باتجاه ألا تتكرر مثل هذه الحالات. هناك مساحة للتجاوب وهناك مساحة مغلقة بل تأكيد. هناك عدد كبير من المحتجزين والمختفين استطعنا أن نؤثر في قضاياهم. لكن ملف الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري هو ملف تتشارك فيه جميع الأطراف في قسوته وبشاعته حتى في حجمه. ومن خلالها دائمًا نؤكد أننا عندنا أطراف متعددة بسلوك واحد.
○ جرائم الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري ليست جديدة على اليمن. كيف تقرأين هذا الواقع الأليم خلال الحرب الراهنة؟
• موضوع الاختفاء التعسفي في اليمن فعلًا ليس جديدا. هو موجود من الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وما بعد ذلك. وفعلا جميع الأطراف التي كنا نسميها في اليمن قبل الحرب أطرافا سياسية للأسف لها علاقة في مرحلة تاريخية ما بملف الاختفاء القسري. لكن منذ الألفية الثالثة حصل اختلاف في موضوع هذا الملف؛ لأنه أصبح هناك ما يسمى بالمجتمع المدني، وأصبح هناك ما يسمى بالصحافة، وأصبحت العائلات في العقد الأخير تتحدث عن كل مَن هو مختف قسريا، وتتابع خلفه، ومستحيل أن يكون هناك مختف قسريا للأبد دون أن يُعرف أين هو؟ أصبحت هناك متابعة حثيثة من الأهل بمساندة من المجتمع المدني ومساندة من محامين ومن صحافيين… أصبحوا قادرين أن يعرفوا هذا المختفي موجود مع أي سلطة. هذا جديد في العقد الأخير؛ لأنني أعرف أن هناك مختفين قسريا من الستينيات والسبعينيات والثمانينيات أهاليهم حتى لم يتجرأوا على الحديث أنهم مختفون. لكن بعد 2011 تكونت رابطة أهالي المخفيين قسريا لأول مرة؛ لأنها كانت مرحلة انتقالية، كان هناك أمل بانتهاء السلطة القديمة إلى حد ما، وهناك سلطة جديدة قادرة على أن تساعدهم بمعرفة مصير أحبائهم، لكن خُذلوا حتى في المرحلة الانتقالية، وبدأت أصواتهم تنخفض؛ لأن انتهاكات الحرب طغت على ما قبلها؛ لكن يجب أن يكون هذا الملف دائما مفتوحا، لابد أن تصل الأسر في النهاية إلى أحبائها لمعرفة مصيرهم أو حتى لملاقاتهم، إذا كانوا ما زالوا على قيد الحياة. اليمن له تاريخ بشع ومأساوي في ملف الاختفاء القسري، وهذا ما تقوم به منظمات المجتمع المدني اليوم وحتى الإعلام في محاربة هذه الظاهرة. وأصبح من شبه المستحيل أن يختفي شخص ولا تعرف أسرته لدى أي طرف من أطراف النزاع هو مختف.
○ لكن على الرغم من وجود منظمات حقوقية على امتداد اليمن مازال الواقع الحقوقي بائسا؟
• أتمنى أن تكون هناك وفرة في منظمات حقوق الإنسان. في واقعنا ليست هناك وفرة في منظمات حقوق الإنسان، كعدد المنظمات التي نشطت أكثر خلال فترة الحرب، وهذه هي المنظمات الإغاثية، وبعضها تنموية، وقليل جدا منها حقوقية. أتكلم عن المستقلة وليس المنحازة. أفضّل أن يكون هناك لكل يمني منظمة حقوقية من أن يكون لكل يمني جماعة مسلحة. تكاثرها ليس عيبا لكن تفعليها واجب.
هناك شغل منظم من جميع أطراف النزاع ضد المساحة المدنية. هذه المساحة تنكمش يوميًا. وأصبحت منظمات المجتمع المدني حتى الإغاثية والتنموية تجد صعوبة جدًا في العمل. لكن اعتبر وجودها إيجابيا. أما الأداء الضعيف فمرتبط بمدى ما تتيحه لها أطراف النزاع. منظمات المجتمع المدني تحاول أن تؤدي دورا في وضع صعب تمنعك فيه السلطات حتى من أنك تقوم بدورك الإغاثي، الذي يفترض أنه ليس فيه أي مواجهة مع أطراف النزاع، فما بالك بالعمل الحقوقي أو عمل تُرفع فيه أصوات الضحايا. بالتأكيد منظمات المجتمع المدني ينبغي أن تكون فعالة، لكن اللوم في هذه المرحلة لا يجب أن يقع على المنظمات، وإنما على سلطات النزاع، التي تضعف المساحة المدنية المتاحة لعمل المنظمات.
يعني قبل عام 2000 كان المجتمع المدني بدأ يكون أكثر قوة، وكان لديه دور جيد على المستوى الإغاثي والحقوقي والتنموي. الإغاثي لم يكن موجودا آنذاك، لكن حتى على المستوى الحقوقي والتنموي. مع 2011 انهار هذا المجتمع المدني، وهذا كان دليلا على ضعفه، بمعنى أنه لم يكن قويا ومؤسسيا بما يكفي كي يستمر بعد التحول الذي حدث في 2011. لكن لو استمر اليمن بالتطور فبالتأكيد أن دور المجتمع المدني كان سيتطور. بالتأكيد كانت ستظهر منظمات مجتمع مدني قوية تحفز على التنافس وعلى أن يتطور المجتمع المدني. لكن المجتمع المدني بالتأكيد كان ضعيفا وتجربة ناشئة. لأن كثير من الذين يقودون المنظمات قبل 2011 كانوا قيادات في أحزاب سياسية، وكان العمل سهلا آنذاك؛ لأن الخصم كان واحدا. كان علي عبدالله صالح والمؤتمر هو الخصم؛ ولهذا كان سهل على منظمات المجتمع المدني باختلاف الانتماءات السياسية لقياداتها أن تستمر وتعمل ائتلافات، وتشتغل ضد انتهاكات السلطة. بعد 2011 انهار هذا الشيء؛ لأنه تعددت السلطات، وعادت قيادات المجتمع المدني لأحزابها، وانتمت لأحزابها أكثر من انتمائها لمنظماتها.
○ تتعدد الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الحرب في المرحلة الراهنة، وهذا يستدعي أن تشكل المنظمات الحقوقية جهودا تشابكية لمواجهة هذه الانتهاكات المتعددة؟
• التحالفات دائمًا قوة، ونحن جربنا التحالفات قبل 2011 وكان التحالف يقوم بأعمال مميزة، الآن أصبحت أكثر تحديًا لماذا؟ لأن الانقسام السياسي أصبح حادا جدا بعد الحرب؛ وبالتالي ما الضامن في أن تجد مؤسسات حقوقية مستقلة تستطيع تتحالف معها تحالفا استراتيجيا؟! نحن نتواصل مع المنظمات المدنية الواعدة، ونعمل ورشا وتدريبا منظما، لكن ما زلنا لا نعمل تحالفا قويا في العمل والمناصرة، حتى تطمئن المنظمات لبعضها، وأنها مستقلة ومهنية وغير منتمية لأطراف ما.
○ كيف تنظرين لبقاء واقع الانتهاكات بمجمله بعيدًا عن التوثيق الموازي حتى الآن وهو ما سيؤثر على دور المساءلة لاحقا؟
• الآن نحن في منظمة المواطنة نعتبر المعلومة قوة، والخطوة الأولى لعمل مناصرة أو مساءلة هي التوثيق. بدون التوثيق سيتعامل العالم مع الحرب في اليمن ومع الانتهاكات كأنها لم تكن. لذلك نحن نعمل على بناء ذاكرة حقوقية. نحن نعرف أن منظمة واحدة لا يمكن أن تقوم بكل هذا العمل. طالبنا كثيرا بأن يتم تشكيل آلية دولية للتحقيق في الانتهاكات في اليمن. اليمن يستحق مثل أي دولة للتحقيق في الانتهاكات. هناك آليات دولية للتحقيق في الانتهاكات. في السودان وسوريا وميانمار وأوكرانيا… يعني آلية تشكل إما عبر مجلس حقوق الإنسان أو عبر الأمم المتحدة والجمعية العامة. هذه تشكّل آلية مستقلة ترأسها شخصيات مستقلة، ولديها فريق حقوقي وقانوني مؤهل يقوم برصد الانتهاكات. هذه الآلية الدولية كانت تشكلت لليمن في 2017 اسمها (فريق الخبراء الدوليين) ثم اُسقطت بدفع من التحالف في عام 2021 تقريبا. وإلى الآن لم توجد آليات دولية للانتهاكات في اليمن؛ لأهداف سياسية بحتة.
○ ما الذي يمكن أن تقوم به منظمات حقوق الإنسان العاملة في الداخل في هذا السياق؟
• منظمات حقوق الإنسان تستطيع أن تبني ذاكرة حقوقية، وتستطيع أن ترفع أصوات الضحايا، وأن تضغط على أطراف النزاع في المرحلة الحالية من خلال رفع أصوات الضحايا، ومن خلال الضغط على أطراف النزاع، وتستطيع أن تخفف من حدة الانتهاكات حتى في ظل الحرب. ومستقبلا إن هي اهتمت بالرصد والتوثيق بمعايير دولية عالية تستطيع أن تحتفظ بذاكرة تمكنها من أن تحقق الانصاف والعدالة في المستقبل عبر أي نظام قضائي سواء محلي أو دولي.
○ يتجدد السؤال دوما: كيف يمكن لهذه المنظمات المساهمة في التأسيس للسلام انطلاقا من مشروع للعدالة الانتقالية؟
• نحن في مفهومنا أننا نشارك في بناء السلام من خلال فضح الانتهاكات، من خلال المطالبة بالمساءلة والانصاف، من خلال التحضير حتى لعدالة انتقالية منخفضة. نحن نرى أن هذه طريقتنا في المساهمة في السلام من خلال الضغط. أطراف النزاع في اليمن ارتكبت انتهاكات ليست مضطرة حتى أنها ترتكبها، لكن ارتكبتها؛ لأنها ببساطة واثقة في الحصانة أكثر من ثقتها في المساءلة، تعتقد أن لديها حصانة ولديها ضوء أخضر. كل أطراف النزاع بما فيها جماعة «أنصار الله» والتحالف والحكومة، وكل الأطراف التي تحتها…كل هذه الأطراف ترتكب انتهاكات باسترخاء؛ لأنها تعتقد أنها محصنة وبعيدة عن المساءلة. اكتسبت هذا من التاريخ، فهي ترى أنها ترتكب انتهاكات على مدى سنوات، ولم تتحقق مساءلة في اليمن من قبل، هذا يعطي استرخاء ويعطي ضوءا أخضر بالحصانة. حتى حين نطالب بأبسط ما تستحقه اليمن؛ وهي آلية دولية للتحقيق في الانتهاكات، ويتم اسقاط الآلية لأهداف سياسية؛ فهذا ضوء أخضر أيضًا من أطراف النزاع بأن أنتم في حصانة، وليس عليكم أي شكل من أشكال المساءلة. وكل طرف يغذي فكرة الطرف الثاني في الهرب من المساءلة. كل طرف يختفي خلف الطرف الآخر. فلا توجد تجربة في اليمن تقول لأطراف النزاع أنكم لستم بعيدون عن المساءلة. منظمات المجتمع المدني هي الصوت الوحيد الذي يقول لأطراف النزاع: سيكون هناك مساءلة، وعليكم الحذر.
○ لكن هناك مَن يتهم منظمات المجتمع المدني عمومًا بأنها ليست أكثر من مؤسسات تستغل واقع الحرب والانتهاكات والمعاناة لتحقيق مكاسب مالية لأصحابها بدليل أنها لا تنشر بياناتها المالية في مواقعها الإلكترونية، وهذا يخالف أحد أهدافها وهو تحقيق النزاهة والشفافية؟
• هناك حملات باتجاه هذه المنظمات، تكون في شكل أسئلة من المجتمع، ومن حق المجتمع أن يسأل ويتساءل ويعرف. هناك حملات منظمة ضد منظمات المجتمع المدني محلية ودولية. الآن فعلا لازم يكون هناك شفافية. يعني أي واحد يثرى من منظمة مجتمع مدني هو فاسد؛ فمنظمات المجتمع المدني ليست شركات ربحية؛ هي منظمة تعطيك راتبك لا أقل ولا أكثر. إذا كونت ثروة من منظمة مجتمع مدني أعرف أنك فاسد. مستحيل تكون ثريا من منظمة مجتمع مدني إلا في حال كان لديك ثروة من أهلك. منظمة مجتمع مدني هي حق عام ولا يملك العاملون والعاملات فيها غير رواتبهم. لكن الوضع العام لا يشجع حتى كثير من المنظمات الآن لنشر بياناتها؛ لأننا محكومون الآن بجماعات مسلحة، وليست هناك دولة. في وقت تكون هناك دولة نستطيع أن نطالب فعلاً منظمات المجتمع المدني بأن تنشر كل بياناتها المالية. وهذا حق للناس عليها.
○ كيف تقرأين مصير الأزمة في البلاد؟
• البلد محكوم بأطراف النزاع وبالمجتمع الدولي والإقليمي. كان هناك مخطط واضح لتمزيق اليمن. بغض النظر هل هو مخطط دولي أو أقليمي أو محلي؟! ما حدث فعليًا أن اليمن تمزق، ويُراد له أن يُحكم بجماعات مسلحة لا بدولة.
○ إلى متى؟
• إلى أن يحدث تغيير فعلي من اليمنيين. لا يوجد حل آخر. الموضوع ليس متروكا للقدر. الموضوع متروك إلى أي مدى سيستطيع اليمنيون العاديون غير المصنفين مع أطراف النزاع الضغط باتجاه إنقاذ بلادهم؟
○ كيف انعكست التطورات الأخيرة على الوضع الإنساني؟
• طبعا اليمن لم يسم أسوأ أزمة إنسانية في العالم من فراغ. الحرب في اليمن ليست الانتهاكات المباشرة فقط، ليست القصف والقتل والتعذيب ومنع المساعدات الإنسانية وحتى التجويع. استخدم التجويع في اليمن كسلاح حرب، هذا الانهيار الرهيب للدولة، وهو أن اليمن يصبح محكومًا بجماعات مسلحة. وأحد الأشياء التي أثرت على اليمنيين، وكسرت ظهرهم هي عدم حصولهم على الرواتب منذ عام 2016. خصوصا الساكنين في المناطق المسيطرة عليها من قبل جماعة «أنصار الله». هذا أصاب اليمنيين في مقتل؛ لأن الطبقة المتوسطة انهارت تمامًا. هناك أسر في اليمن كانت تعتقد أنها لن تذوق الفقر ثانية. وعانت اليوم لتكون فقيرة بسبب الحرب. الوضع في اليمن سيء جدا، وللأسف هو سيء في صنعاء كما هو سيء في عدن. لو كانت المناطق التي سيطرت عليها الحكومة وسيطر عليها التحالف نموذجا للدولة، وفيها تحسن في وضع الخدمات والقضاء وأقسام الشرطة لكان وضع اليمن كله أصبح أفضل. لكن حتى المناطق التي سيطرت عليها الحكومة هي محكومة اليوم بجماعات مسلحة. الإنسان اليمني مرهق في صعدة كما هو في سقطرى، مرهق في صنعاء كما هو في عدن.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية