«توكلنا» رحلة تؤرخ مسيرا علميا طويلا للناقد الأكاديمي محمد مشبال، وهي فترة مهمة من حياته، تسجل سفره إلى المملكة السعودية بمناسبة تتويجه «بجائزة الملك فيصل في دورتها الثالثة والأربعين في فرع اللغة العربية والأدب في موضوع «البلاغة الجديدة» بتاريخ (2021/02/10)» اعترافا بمشروع علمي ومجهود أخذ من الناقد أكثر من ربع قرن من عمره، ما جعله يكون في موقف دفاع عن هذا المشروع العلمي؛ حيث قال: «كل مرة واجهنا فيها سؤالا يتعلق بتوضيح مجال اختصاصي، أشعر كأنني في موقف دفاع عن هويتي العلمية».
أولا- ما قبل الارتحال
تبدأ هذه الرحلة منذ حدث الإعلان عن فوز الرحالة الفائز بالجائزة، وذيوع خبر فوزه جعله محط نظر منابر إعلامية كثيرة من أجل التعريف بالموضوع الذي فاز بهذه الجائزة. وقد تزامن هذا الحدث مع فترة انتشار وباء كورونا الذي كان سببا في تأجيل حفل تتويج الفائزين أكثر من مرة، إلى أن تقرر بتاريخ 2021/12/28.
ثانيا- بداية الرحلة
بدأت الرحلة بيوم قبل الحفل، حيث سافر الرحالة ومرافقه محمد كركب، ووصلا في منتصف النهار إلى مطار الرياض واستقبلهما فيه الأمين العام لمؤسسة الجائزة ومستشارتها، ليتجهوا نحو فندق الفيصلية المخصص لإقامة الفائزين. وكان حفل التتويج اليوم الموالي لوصول الرحالة إلى المملكة السعودية، بحضور الأمير محمد بن عبد الرحمن. بدأ الحفل بكلمة الأمين العام للجائزة الذي قرأ بيانا على الفائزين من مختلف التخصصات، من ضمنهم الرحالة الذي ألقى كلمته بهذه المناسبة، في جو وصفه بـ»المهيب محاطا بالعلماء والأمراء» ثم تسلم ميداليته الذهبية، وشهادة براءة. ثم تلا ذلك عشاء يجمع الأمراء والفائزين ومرافقيهم ليتحول الفضاء بعد ذلك إلى مكان لعقد لقاءات إعلامية مع الفائزين، منهم الرحالة الذي عبّر عن شعوره العظيم بالفرحة، التي تملكته في تلك اللحظات التي رأى فيها حافزا للسير قدما في مشروعه العلمي. لتتوالى اللقاءات الإعلامية لليوم التالي مع الصحافة المكتوبة والمرئية تخليدا لهذا الحدث.
وهنا يكون الرحالة قد حقق هدفه من هذه الرحلة، ليأتي قرار العودة بعد الحفل، وهو اليوم الأول من سنة 2022، إلا أن هذه الرحلة ستلغى لسوء تدبير لم يكن في الحسبان من الرحالة ومرافقيه، فقد كان عليهما أن يوثقا لقاحهما في تطبيق «أبشر» الإلكتروني، بسبب هذا الأمر ألغيت رحلة العودة، إضافة إلى ذلك، صدر قرار إغلاق الحدود وتعليق الرحلات بين المغرب والسعودية إلى إشعار غير محدد، فبقي الرحالة ومرافقه محمد كركب عالقين في السعودية، وقد سبب لهما ذلك نوعا من الارتباك والتوتر في تدبير حياتهما، في دولة لم يُكتب للرحالة أن زارها من قبل، بخلاف مرافقه، فوجد فيه المؤنس الذي خفف عنه تلك الوحدة بعيدا عن بلده، بالإضافة إلى مساهمة مجموعة من الأصدقاء الذين يشاطرهم الهم المعرفي في تبديد غربته خلال فترة إقامته بها، التي امتدت لشهر ونصف الشهر. وما سيزيد الأمر تعقيدا هو تطبيق «توكلنا» الذي تعتمد عليه السعودية، حيث وصفه الرحالة بأنه سيصبح «كابوسا حقيقيا، لأن وجودنا في أراضي المملكة دون تطعيمنا في هذا التطبيق، يعني أننا غير محصنين ولا يسمح لنا بالدخول إلى الأماكن العمومية وقضاء مصالحنا اليومية من دخول المطاعم أو التسوق أو صرف العملة وغير ذلك من الحاجيات الضرورية».. فلم يكن يقضيا احتياجاتهما إلا بمساعدة الأصدقاء الذين التفوا حولهما إلى أن عُدّل هذا التطبيق بعد عناء معه. وخلال الفترة التي امتدت في المملكة السعودية إلى شهر ونصف الشهر، نقل الرحالة فيها مشاهداته عن هذا البلد وأهله.
صورة الآخر: الأمكنة والأشخاص
من الأمكنة التي زارها الرحالة وظلت عالقة في ذهنه المسجد النبوي، فهو من الأمكنة التي رآها مصدرا للإلهام، لما تتميز به من اختلاط الأعراق والروائح والجنسيات. كما زار الروضة الشريفة وجبل أحد وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبري الصحابيين أبي بكر وعمر بن الخطاب. وقد لمس في هذه الأمكنة «هويتنا وذاكرتنا الوجدانية والتاريخية».
ومن الصور التي التقطها الرحالة أيضا في رحلته وضعية السعودية التي بدأت تغير عباءتها، وقد لاحظ ذلك انطلاقا من أمرين؛ يتمثل الأول في جغرافية هذا البلد الذي بدأت تظهر ملامح التغير عليه، من خلال إعادة هيكلة مدنه؛ كمدينة جدة، حيث شاهد الرحالة هدم المباني القديمة لبناء مدينة عصرية بغاية الترويج الديني الذي تنحو نحوه مخططات السعودية. و«الإعلان عن مشروع بناء مدينة المستقبل التي سترى النور قريبا «نيوم» أحدث وأذكى مدينة في العالم».
بينما الأمر الآخر، ارتبط بلباس المرأة السعودية؛ يقول: «انشغل ذهني بالمقارنة بين الصورة التي ترسخت في ذهني عن هذا البلد، والواقع الحاضر أمام عيني الآن؛ رأيت نساء جالسات بالقرب من مجلسنا بلباس لم أتخيل من قبل رؤيته في مدينة سعودية؛ ففهمت أننا مقبلون على صورة جديدة لبلد لم يعد مستعدا للاستمرار في العيش في النمط التقليدي المتوارث لعقود من الزمن». كما أثار انتباه الرحالة الحضور القوي للمرأة المغربية في بلد السعودية، سواء في المحيط الذي وجد فيه الرحالة أو في مخيلة رجالها.
المرأة المغربية في مخيال الرجل السعودي
ولم يَخْفَ عن الرحالة الرجال السعوديين الحالمين بالمرأة المغربية التي تملكت مخيالهم، فها هو أحد السعوديين المعروفين يكشف للرحالة حبه للمغرب: «يحب المغرب مثل معظم السعوديين الذين التقيت بهم والذين لم ألتق بهم». تحيل هذه العبارة إلى الصورة التي عُرفت عن الرجل السعودي، التي يرى الرحالة وجها من وجوهها تتحقق بمن التقى بهم في رحلته من ذوي أهل العلم، حيث رأى في هذا الاعتراف تمهيدا ليبدي له رغبته في الزواج من مغربية، تكون له رفيقة في جولاته في المغرب. وقد أثار انتباه الرحالة هذا الأمر، فتساءل عن سر إقبال السعوديين على الزواج من مغربيات، محاولا اكتشاف هذا السر من أفواه السعوديين، فكانت الإجابة أنهم يرون فيها امرأة «تتصف «بالتبعل»؛ أي أنها تمتلك ثقافة العناية بالزوج وبالنظافة والمطبخ» وهو ما لا تقوم به المرأة السعودية، فمعظمهن لا يطبخن في البيت، بل يعتمدن على الأكل الجاهز. ومن خلال هذه الاعترافات يتبين للرحالة أن الرجال السعوديين يحلمون أن يتزوجوا امرأة مغربية من أجل المتعة، مستغلين الجانب الديني في التعدد، الذي رآه الرحالة استغلالا في غير محله، «وهؤلاء متدينون يريدون متعة بالحلال، حتى لو كانت أحيانا متعة مؤقتة لا تتفق مع المفهوم الديني للمتعة، التي ينشأ عنها النسل وبناء الأسرة. ولأجل ذلك يبحثون عن شخص مغربي يسهل لهم الطريق، وهم لا يرون في ذلك عيبا ما دام فعلهم يتفق مع الدين، لكن كيف يكون من الدين زواج ليس له من مفهوم الزواج الحقيقي سوى وثيقة تشهد على وجوده، بينما نية الزوج الطلاق بعد أيام معدودة من المتعة؟!». وقد جعله هذا الأمر يفصح عن امتعاضه من هذا النوع من الرجال، فقد رآه مسا بكرامة المغاربة.
ويقدم الرحالة سر جاذبية المرأة المغربية للرجل السعودي من خلال ما هو شائع عنها هناك، ويرتبط ذلك بالمتعة والسحر، ففي الصورة الأولى تجعلها محط رغبة فيها، حيث تمتاز بـ»الثقافة الجنسية واللباقة وفن الطبخ والتواصل الثقافي» بينما في الصورة الثانية تجعلها محط رهبة منها، إذ تلجأ «إلى السحر والشعوذة مثلما هو شائع في الصورة النمطية عن المغرب والمغاربة منذ فترة زمنية بعيدة». ويظهر ذلك جليا في الحكايات التي رواها رجال سعوديون، عايشوا هاذين الجانبين في علاقتهم بالمرأة المغربية.
ويفسر الرحالة رغبة السعودي الطافحة في تعدد زيجاته لتغير حاله من بيئة صحراوية ودينية محافظة، ومن شظف العيش إلى رغده، فتفتحت بصيرته على العالم، «فنشطت حواسه وانطلقت شهواته من عقالها، ساعده في ذلك فقر معظم البلدان العربية وحاجة الناس فيها إلى المال»..
ثالثا- رحلة العودة
وها هو يزف خبر فتح الحدود في «إقرار في سبعة فبراير/شباط إعادة فتح المجال الجوي في وجه الرحلات الجوية من وإلى المملكة المغربية». فألمت بالرحالة سعادة كبيرة، لأنه تخلص من قَيْدٍ قيَّد حريته في تحديد عودته بحرية متى شاء إلى بلده. وهو نقيض ما أوحى به مرافقه محمد كركب الذي كان منشغلا بالاعتمار كل يوم.
كاتبة مغربية
ذكرت الكاتبة المحترمة أن الفائز تسلم الميدالية الذهبية وشهادة البراءة ، ولعلها نسيت أن تذكر المبلغ المالي المعلن عنه لكل فائز ، فلماذا ؟ مع الشكر للقدس العربي الغراء . وليد محمود خالص
المبلغ المالي، لم يرد له ذكر في الرحلة، وبالتالي فالكاتبة ليست ملزمة بذكره
للرحلة شروط ومقومات لا تستقيم من ذونها ( الرفقة، الدليل، الوجهة …)، أما ماكتبه الدكتور محمد مشبال جعل الناقد المغربي يصنف إنتاجه ويجنسه ويقحمه في عالم الرحلة.
إن كان الكاتب قد سافر ووصف وكتب، فإن هذا لا يعني ان كل من نقل المشاهد والمسموع رحالة .
رواية توكلنا تطرح إشكال التجنيس ومن صنفها ضمن فن الرحلة