لأول مرة منذ عام 1977، يعيش أنصار حزب الشعب الجمهوري المعارض للرئيس التركي رجب طيب اردوغان وحزبه، ليلة سعيدة، وذلك عقب فوزهم وتصدرهم الانتخابات البلدية المحلية في عموم البلاد، بفارق حوالي نقطتين عن حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002.
جاءت النتائج صادمة، لأن حزب العدالة والتنمية اعتاد منذ أكثر من عشرين عاما على تصدر الانتخابات البلدية بفوارق كبيرة عن منافسه التقليدي حزب الشعب الجمهوري، ولأن كثيرين حتى من جمهور المعارضة، لم يتوقعوا هذه الخسارة الكبيرة التي مني بها حزب العدالة والتنمية، على مستوى الجمهورية بشكل كامل، باستثناء ولاية هاتاي الجنوبية، التي شكلت مفاجأة معاكسة.
ففي عام 2019، ورغم فوز أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى إلا أن الغالبية في مجلسها البلدي بقيت لحزب العدالة والتنمية، كما أنه – أي حزب العدالة- استحوذ حينها على رئاسة 24 حيا مقابل 14 للحزب الجمهوري، أما اليوم فحصل «الجمهوري» على 26 حيا، بينما حصل العدالة على 13 حيا منها فقط.
عامل حاسم في الانتخابات
معظم التحليلات الأولية عزت أسباب التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية لأزمة البلاد الاقتصادية، وكذلك قضايا الهجرة واللجوء، وورقة السوريين، التي تدندن عليها المعارضة منذ سنوات.
ورغم أهمية هذه الملفات غير أنه يمكن المجادلة أن قضية غزة كانت العامل الأهم والحاسم، ليس في التراجع الذي كان يتوقعه الكثير، بل في النتائج الكارثية التي لم يتوقعها أحد، حتى الرئيس التركي نفسه، وبدا ذلك في افتتاح خطابه من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية عندما قال: «لم نحصل على النتائج التي كنا نتوقعها».
بالتأكيد لم يكن الرئيس التركي يتوقع أن يحقق فوزا ساحقا كما كان في السابق، ولكنه كان واضحا من كلامه أنه لم يتوقع مستوى التراجع الذي حصل.
لقد جاءت نتائج الانتخابات التركية العامة على الشكل الآتي، المرتبة الأولى لحزب الشعب الجمهوري، بـ37،5 في المئة وثانيا حزب العدالة والتنمية بـ 35،5، وأما ثالثا فكان حزب الرفاه الجديد بـ6،20 في المئة ، وهو الجديد اسما وفعلا، ورابعا جاء الحزب الديمقراطي (DEM) بديل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بـ5،70 في المئة، ثم أتى حزب الحركة القومية المتحالف مع اردوغان خامسا بنحو 5 بالمئة، وحزب الجيد القومي أيضا المتحالف مع حزب الشعب الجمهوري، بالمرتبة السادسة بنحو 3،5 في المئة.
نجم الدين أربكان
في السابق لم تتجاوز نسبة المصوتين لحزب الرفاه الجديد المؤسس 2018 والمنبثق عن حزب الرفاه القديم الذي أسسه نجم الدين أربكان، أستاذ اردوغان كما يطلق عليه، الـ 2،5 في المئة، ولم تتضاعف هذه النسبة فحسب، بل حصل في هذه الانتخابات على رئاسة بلدتين كانتا دائما لحزب العدالة والتنمية، إحداهما بلدية كبرى، وهي بلدية أورفا جنوب تركيا.
الذي حصل أنه ذهب نحو 4 في المئة من جمهور العدالة والتنمية إلى حزب الرفاه الجديد، الذي يعتبره جمهور العدالة والتنمية الأقرب لهم.
هذا الأمر أكده لي أيضا أكثر من صديق تركي في إسطنبول من جمهور العدالة والتنمية، عندما كنت أجادلهم أن تصويتهم لحزب الرفاه الجديد لن يمكّن الحزب من الفوز فيها بل سيقوي مركز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، على حساب حزب العدالة فقط، لتكون إجابتهم؛ نعلم ذلك ولكن نريد إيصال رسالة سياسية للرئيس اردوغان أننا غير راضين عن سياسته وخاصة في غزّة.
هذا الكلام وضحه أكثر رئيس حزب الرفاه الجديد نفسه، فاتح أربكان في أول كلمة له بعد النسبة المفاجئة أو لنقل غير المتوقعة لحزبه في الانتخابات، حيث قال بوضوح: «بدلا من أن يلومنا حزب العدالة عليه أن يلوم نفسه أولا، فأسباب خسارتهم هي ليس نحن بل، الديون والفوائد والاقتصاد الضريبي، واستمرار التجارة مع القتلة الصهاينة الإسرائيليين».
ويتفق أيضا عدد من المحللين الأتراك أن الغاضبين من الرئيس اردوغان بشأن غزة، انقسموا إلى فريقين، بعضهم فضل التصويت للرفاه الجديد، والبعض الآخر فضل المقاطعة، وهو ما جعل نسبة المشاركة بالانتخابات البلدية، الأقل منذ نحو 15 سنة تقريبا.
ورغم أنه لا يعتبرها العامل الحاسم إلا أن المحلل التركي الدكتور محمد جانبكلي كتب على حسابه في تويتر أن غضب جمهور حزب العدالة والتنمية من موقف حكومة بلادهم مما يحدث في غزة وعدم استجابتها لطلباتهم بعدم إيقاف التجارة مع اسرائيل دفع بعض الغاضبين للامتناع عن التصويت وذهاب البعض الآخر للتصويت لحزب الرفاه.
قال لي أحد الأصدقاء الأتراك إنه عندما بدأت الهجمة الشرسة من الجيش الإسرائيلي على أهلنا في غزة، دعا الرئيس التركي إلى تجمع حاشد في مطار أتاتورك الدولي الكبير الذي تحول إلى حديقة عامة مؤخرا، وفعلا زحفت الملايين إلى هناك وغصت الساحات للاستماع إليه، وقد كنا، والكلام للصديق، متحمسين للموقف الصلب الذي كان واضحا في البداية، ولكن بعد الموقف «المتخاذل» كما وصفه، فإن دعوة اردوغان الثانية، وفي المكان نفسه، قبل الانتخابات بأيام، لم يحضرها سوى النصف أو ربما أقل.
وبالأرقام، كان يحتاج حزب العدالة والتنمية نحو 6 في المئة ليفوز بالانتخابات ويعود إلى سابق عهده، وهذه الستة في المئة كانت ستأتي لولا الموقف الذي اعتبره الكثير من جمهور العدالة والتنمية بالضعيف.
يبدو أن الرسائل السياسية المتعلقة بغزة عبر الانتخابات الخدمية قد فهمها الرئيس التركي عقب صدور نتائج الانتخابات، عندما ألمح في خطاب الشرفة أنهم لن ينسوا المظلومين وسيبتعدون عن التعنت والتصرف ضد إرادة الشعب في إشارة إلى غزة وغيرها.
وهنا أنقل قوله حرفيا: «سنبتعد عن التعنت مع الأمة، والتصرف ضد الإرادة الوطنية )..( سنتخذ الخطوات اللازمة.. لتحقيق رسائل الأمة في صناديق الاقتراع بأدق صورة وموضوعية).. سوف ننصر المظلومين، ونساعد المحتاجين، ونقف شامخين في وجه الظالمين حيثما يوجد ظلم».
العامل الحاسم
نعم لا أحد يجادل في أهمية الاقتصاد وتأثيره على الانتخابات التركية وتراجع حزب العدالة والتنمية وصعود حزب الشعب الجمهوري المعارض، ولكن من خلال ما تقدم يتبين أنها ليست العامل الحاسم، كما أن هذه الانتخابات أكدت أن الضغط على اللاجئين عموما والسوريين خصوصا لن تزيد من شعبية حزب العدالة بل على العكس، فها هو حزب الحركة القومية المتحالف مع اردوغان، تراجعت نسبته إلى نحو النصف، وذلك بعدما رفع لواء العنصرية ضد اللاجئين السوريين «المظلومين» والتضييق عليهم، ما أسفر عن ضرر كبير لحق بالكثير منهم خلال السنوات الماضية.
إذن رسائل غزّة كانت حاسمة للرئيس اردوغان وحزبه وحتى إلى تحالفه الحاكم، وهي أن الأمة التركية أو الغالبية لن تكون إلا مع قضايا المسلمين المستضعفين في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
صحافي سوري
قلناها لكم مرارا وتكرارا أن لعنة دم أطفال غزة العزة ستصيب كل من خذل الشعب الفلسطيني الأعزل الصامد في وجه الصواريخ الصهيو أمريكية الغربية الحاقدة الغادرة الجبانة هذي شهور وشهور وشهور وهم يقصفون الغزاوييين بالصواريخ الأمريكية الفتاكة التي تحول أجسادهم الطرية إلى أشلاء ورب السماء إن انتقام الله لشديد إنه قادم قادم ✌️🇵🇸✌️🇵🇸✌️🇵🇸✌️🇵🇸