مرسيليا: تعقد “لي رانكونتر دافيرووَس” (لقاءات ابن رشد) في مرسيليا في جنوب فرنسا بنسختها الثلاثين، حتى الأحد، مع هدف “تخيّل مسارات للسلام في البحر الأبيض المتوسط”، رغم الحرب الدائرة بين إسرائيل وغزة، وفق ما قال مؤسسها تييري فابر لوكالة فرانس برس، في هذه المقابلة:
ما هو هدف “لقاءات ابن رشد” منذ إطلاقها قبل 30 عاماً؟
يتعلق الأمر بالتفكير في قضايا حوض البحر الأبيض المتوسط من ضفتيه، وليس فقط من وجهة نظر أوروبية. مهما تكن المواجهات، فإن تقاطعات عميقة تربط ضفتَيه.
قد يكون ابن رشد (1126-1198) الفيلسوف والفقيه الأندلسي الكبير، أحد أبرز رموز هذا التقاطع، إذ كان واحداً ممن أدخلوا فلسفة أرسطو اليوناني في أوروبا.
تييري فابر: عندما نتحدث عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، علينا أن نفهم أن كل شيء لم يبدأ في 7 أكتوبر، وأن هذا الصراع، وهو صراع إقليمي وسياسي مستمر منذ عقود، وأُريدَ له أن يبقى صامتاً
في الثقافة الأوروبية، هناك التراث اليوناني واللاتيني، لكن هناك أيضاً التراث اليهودي-العربي. نريد أن نظهر أنه يوجد دائماً “الآخر” في البحر المتوسط، أي أن اليهود والمسيحيين والمسلمين كانوا موجودين فيها منذ نشأة الديانات التوحيدية.
تُعقد “لقاءات ابن رشد” في مرسيليا ثاني مدن فرنسا، حيث نرى فئات وطبقات مختلفة من الناس المرتبطين بالبحر المتوسط: إيطاليون وإسبان ويهود منفيون بعد استقلال بلدان المغرب العربي، وعمال مهاجرون جزائريون وتونسيون غادروا بلادهم وغيرهم.
خلال الفعالية، يلتقي مؤرخون وعلماء أنثروبولوجيا وعلماء سياسة وفنانون وفلاسفة من كل أنحاء البحر الأبيض المتوسط، حاملين معهم وجهات نظرهم ومناهجهم، ويحاولون، انطلاقاً من سؤال مشترك يدور هذا العام حول الإمبراطوريات، الإضاءة على الحقائق المعاصرة والمستجدات، لكن من خلال وضعها في منظورها الصحيح.
تعقد “لقاءات ابن رشد”، هذا العام، في وقت تدور حرب بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية، ما هو المنظور الصحيح؟
من المفيد، على سبيل المثال، عندما نتحدث عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أن نفهم أن كل شيء لم يبدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر (بهجوم حماس على إسرائيل) وأن هذا الصراع، وهو صراع إقليمي وسياسي مستمر منذ عقود، وأُريدَ له أن يبقى صامتاً، لم يُحل.
في الماضي، كان أشخاص مثل المؤرخ الإسرائيلي إيلي بارنافي، أو الأمريكي الفلسطيني الأصول رشيد خالدي يأتون إلى لقاءات ابن رشد للتحدث عن الصراع واحتلال الأراضي الفلسطينية والعنف المتراكم…
هذا العام، تدور اللقاءات حول موضوع الإمبراطوريات، لكنها تتضمن إرث الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية في هذا الصراع. في إحدى المناظرات، سنتناول القانون والقوة: يبدو بوضوح أننا مصدومون بعودة الحرب الأكثر عنفاً بين إسرائيل والفلسطينيين.
يمكن أيضا التذكير بأن اليهودية في منطقة البحر الأبيض المتوسط يعود تاريخها إلى 2500 عام، وبالتالي فإن العلاقة بين اليهود والمسلمين تعود إلى وقت طويل، كانت هناك حروب بينهما، لكن أيضاً روابط مهمة جداً تجمعهما.
تييري فابر: يبدو بوضوح أننا مصدومون بعودة الحرب الأكثر عنفاً بين إسرائيل والفلسطينيين.. لكن أنا مؤمن بمبدأ الأمل
عندما طُرد يهود إسبانيا بعد “الاسترداد” المسيحي عام 1492، وجدوا ملجأ في العالم العثماني، المسلم.
منذ سنوات، تكثر النقاشات حول الحرية والسلام في البحر الأبيض المتوسط، لكن الآمال التي أثارها الربيع العربي خابت. هل ما زلت متفائلاً؟
الصورة التي تتبادر إلى ذهني هي صورة رونيه شار، الشاعر (الفرنسي) المقاوم أثناء الحرب العالمية الثانية الذي نخصص له أمسية، وتتراءى لي أيضاً شعلة شمعة هشّة، يمكن أن تنطفئ، لكنها رغم ذلك سمحت لعدد معين من الأشخاص بعدم الإذعان للأسوأ: الاحتلال والنازية والترحيل.
أنا مؤمن بمبدأ الأمل. يجب النظر إلى أحلك ما في التاريخ، وفي العنف، لنتخيل الانفراجات الممكنة بفضل شخصيات مقاوِمة للكراهية. من خلال العودة إلى كوارث الحرب يمكننا أن نتصور طرقاً ممكنة للسلام.
تسمح الأماكن الثقافية والفكرية بإيجاد طرق للتغلب على العنف. قال (الكاتب الفرنسي ألبير) كامو خلال حرب الجزائر: “المسألة كلها ليست مسألة أن نموت منفصلين، بل أن نعيش مجتمعين”. شروط العيش معاً، نفكّر فيها معاً، ونناقشها معاً.
(أ ف ب)