رغم الطفرة القوية التي يشهدها الفيلم الروائي القصير وتميزه الواضح كمُصنف إبداعي له اعتبار خاص ومكانه مرموقة في جميع المهرجانات الدولية والعالمية، إلا أنه لا يزال يُعاني من التهميش والنفي خارج دور العرض التجارية التي تحتفي فقط بالفيلم الطويل لاعتبارات اقتصادية بحتة بوصفه النوع القادر على جذب الجمهور وحصد الملايين من إيرادات شباك التذاكر تبعاً لعرضه المُتكرر بواقع ثلاث حفلات يومياً خلال فترة بقائه المُتفق عليها بالأسواق.
ثمة عنصرية واضحة يُعانيها الفيلم القصير جراء السيطرة الكاملة على دور العرض السينمائية في جميع المواسم، فلم تشفع للنوع السينمائي المُتميز كافة الجوائز التي يحصل عليها من لجان التحكيم بأهم وأبرز المهرجانات العالمية، لقد اقتصرت مشاركة الفيلم الروائي القصير عبر عصور طويلة على المهرجانات والعروض الخاصة التي تُقام بالقاعات الفاخرة ليشاهدها النُقاد والسينمائيون وحدهم فقط من دون غيرهم من عموم الناس ومُحبي السينما، وتُمثل هذه التفرقة في التعامل مع الفيلم القصير والفيلم التسجيلي ومثيلهما الوثائقي غُصة في حلق المُبدعين الشباب الذين يبدأون حياتهم العملية بهذا النوع من التجارب السينمائية ويجتهدون أيما اجتهاد في سبيل الوصول إلى المستوى المُتميز الذي يؤهلهم للمنافسات الكُبرى بأفلام روائية طويلة لا يعتبرها البعض أفلاماً تعليمية أو تجريبية كما يحدث عند تقييم الأعمال الروائية القصيرة والتسجيلية وغيرها.
لقد تفوق صُناع الفيلم القصير على الأفلام التجارية حين واتتهم الفرصة للمُشاركة في المسابقات الدولية فانتزعوا الجوائز انتزاعاً وأجبروا لجان التحكيم في كافة المهرجانات على الاعتراف بأهمية إبداعهم النوعي الخاص.
واتضح ذلك في كمية الجوائز التي خص بها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية والوثائقية، وكان من بينها أفلام فلسطينية ومصرية وأفريقية وآسيوية حازت على العديد من شهادات التقدير يأتي في مقدمتها أفلام المسابقة الخاصة بالمسافة صفر، كفيلم “جلد ناعم” للمخرج خميس مشهراوي وفيلم “خارج التغطية” للمخرج محمد الشريف و”يوم دراسي” للمخرج أحمد الدنف والفيلم الوثائقي “داهومي” للمخرجة الفرنسية السنغالية ماتي ديوب والفيلم المصري “أبو زعبل 89” للمخرج بسام مُرتضى والفيلم الصيني “ديفيد” وفيلم “الأم والدُب” للمخرجة المصرية ياسمينا الكمالي.
ولعل الفرصة الأقرب التي مُنحت للأفلام القصيرة والتسجيلية النوعية تمثلت في فعاليات مُلتقى الإعلام العربي للسينما السياحية الذي تم افتتاحه في القاهرة قبل عدة أشهر ونوه عن ترشيح بعض الأفلام القصيرة والتسجيلية للمُشاركة في مهرجان السينما السياحية، فضلاً عن بعض المشاركات المُتميزة لهذه النوعية أيضاً من الأفلام خلال الدورة القادمة المُزمع تدشينها بالعاصمة البحرينية المنامة تحت إشراف الاتحاد العربي للإعلام السياحي في المُبادرة السنوية التي تهدف إلى تشجيع الإبداع المُتميز في مختلف فروع الإعلام السياحي.
ومن المُقرر أن تشمل المُبادرة تنويعات ثقافية وفنية وإعلامية كثيرة سيُعلن قريباً عن مشاركة الفيلم الوثائقي وفيديوهات الريلز القصيرة في فعالياتها المُنتظرة والتي سيتم من خلالها استهداف التنشيط السياحي وتعزيز التعاون الدولي المُشترك بين الدول العربية الشقيقة، وفق تصريحات الدكتور صباح علال رئيس الاتحاد الدولي للإعلام السياحي الذي يسعى عبر الاتحاد إلى الاستفادة من كافة الوسائط الإعلامية الحديثة كالمنصات الرقمية وصفحات التواصل الاجتماعي وغيرها لدعم السياحة العربية في مختلف الدول التي تمتلك كنوزاً سياحية مهمة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد العربي للإعلام السياحي تأسس في عام 2008 على يد الصحافي المصري خالد خليل، ويضم مجلس إدارة يتم انتخابه بشكل دوري كل عامين وفقاً للائحة التأسيسية.
وتُعد هذه الأنشطة السينمائية على اختلاف مسمياتها وطبيعتها ومُحيطاتها مُتنفساً مهماً للأفلام القصيرة والتسجيلية والوثائقية التي كانت قبل سنوات مجرد أصناف إبداعية تُنتج وتُعرض في بعض قصور الثقافة والجمعيات السينمائية المُتخصصة لنفر قليل من المشاهدين في احتفاليات معينة لتُحفظ بعدها في العلب وتتوارى عن أعين الجمهور إلى أجل غير مُسمى لحين عرضها في المناسبات.
وهناك عشرات الأفلام المُتميزة لا تزال إلى الآن حبيسة الأدراج والدواليب في المركز القومي للسينما وبعض الجهات الثقافية المعنية، وهو ما يُشكل عبئاً جسيماً على هذه الجهات التي لا تمتلك آلية صحية لتخزين الأفلام ويُعرض الأفلام ذاتها للتلف والتحلل إذا ما تم إنقاذها قبل فوات الأوان، حيث أنها تُمثل ثروة ثقافية إبداعية بالغة الأهمية لا تُقدر قيمتها بثمن.