رغم حرب الإبادة الشكوك حول قدرة الجيش الإسرائيلي تجر البنتاغون إلى التورط التدريجي في حرب طوفان الأقصى

حسين مجدوبي
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»:  في بداية الأسبوع الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن تعزيز التواجد العسكري لبلاده في الشرق الأوسط، وذلك بهدف حماية أمن القوات الأمريكية وأساسا إسرائيل، ولعل عنوان هذا الدعم هو نشر منظومة ثاد لاعتراض الصواريخ الإيرانية في حالة شن طهران هجوما على الكيان، والحفاظ على ما يفوق ثلاثة آلاف من قوات المارينز للتدخل إذا تدهورت قدرات الجيش الإسرائيلي.

وسبق للرئيس بايدن أن قال بعد اندلاع حرب طوفان الأقصى أكتوبر من السنة الماضية بأن «دعم واشنطن لإسرائيل ثابت مثل الصخر». وميدانيا، ترجم هذا الدعم بمئات الرحلات الجوية لنقل شتى أنواع الأسلحة لإسرائيل ومنها أسلحة نوعية مثل التي جرى بها اغتيال حسن نصر الله الشهر الماضي في الضاحية الجنوبية، قنابل تزن قرابة طن استعملت لأول مرة وهي مختلفة تقنيا عن تلك التي جرى استعمالها ضد القاعدة وطالبان في أفغانستان بسبب التطور الذي خضعت له على مستوى القوة التفجيرية.
واستعرض جو بادين في رسالته إلى الكونغرس الأمريكي القرارات التي اتخذها وقام البنتاغون بترجمتها إلى واقع عملي وميداني وعلى رأسها تمديد عمل حاملات الطائرات «أبراهام لينكولن» وجميع القطع الحربية المرافقة لها وخاصة الغواصات علاوة على المدمرات. ويضاف إلى هذا نشر مقاتلات من الجيل الخامس إف 35. ولم يحدد جو بايدن تاريخا لتقليص التواجد العسكري بل ربطه بتأمين حياة الجنود الأمريكيين في المنطقة وكذلك أمن إسرائيل، وعليه، قد يستمر هذا التواجد وقد يتضاعف.
ويطرح الدعم العسكري الأمريكي اللامشروط لإسرائيل الكثير من التساؤلات وسط المؤسسة العسكرية الأمريكية، وتذهب التساؤلات إلى: هل الوجود العسكري يؤثر على استراتيجية واشنطن بشأن تواجدها العسكري في منطقة المحيط الهادي-الهندي؟ ثم، هل التواجد العسكري يعمل على تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط أو يزيد من التوتر ويزيد من استمرار الحرب؟
وكانت المواقع العسكرية المهتمة بالشأن العسكري الأمريكي مثل «ديفانس نيوز» و«ديفانس وان» قد عالجت هذا الموضوع بنقل آراء خبراء كبار وقادة الجيش، وكان الرأي هو أن الحرب في الشرق الأوسط تؤثر وتؤخر تعزيز استراتيجية التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الهادي-الهندي التي تعتبر منذ سنوات مركز العالم بسبب النزاع الصيني-الأمريكي. وقلّص البنتاغون من تواجده في هذه المنطقة لصالح الدفاع عن إسرائيل وخاصة على مستوى عدد السفن الحربية والمدمرات المختصة في اعتراض الصواريخ.
وكان البنتاغون يعتقد أن مسلسل التطبيع الذي بدأ سنة 2020 سيعمل على نوع من الاستقرار في الشرق الأوسط لصالح التركيز على منطقة الهادي-الهندي، غير أن طوفان الأقصى ورهان إسرائيل على حرب بعيدة المدى التي تعدت الآن السنة، أجبر البنتاغون على إجراء تغييرات في أجندته العسكرية الخاصة بالانتشار العسكري. وكانت استراتيجية التواجد العسكري في الهادي-الهندي قد تأثرت بحرب روسيا-أوكرانيا لأن البنتاغون يخصص مجهودات لدعم الجيش الأوكراني عسكريا ولوجستيا واستخباراتيا، والآن تتأثر أكثر بحرب طوفان الأقصى لأن البنتاغون يعتبر فاعلا ميدانيا على مستويات مختلفة.
وأصبح الدعم العسكري لإسرائيل يثير قلق حتى الضباط الكبار في الجيش الأمريكي، ونقل الموقع العسكري «ديفانس وان» الثلاثاء من الأسبوع الجاري أن بعض الضباط يعتقدون أن إرسال أنظمة ثاد والجنود الخبراء الذين يقومون بالإشراف عليها يتعب كثيرا هؤلاء الجنود ويرهقهم جدا لاسيما وأنهم سيضطرون للبقاء سنة في الشرق الأوسط بعيدا عن أماكن عملهم وعائلاتهم في الولايات المتحدة. كما أن نشر نسبة كبيرة من أنظمة الدفاع الجوي في الخارج يؤثر على تحديث هذه الأنظمة في الوقت الراهن.
ويوجد اختلاف في تقييم التواجد الأمريكي، إذ تنظر واشنطن إلى وجودها العسكري في الشرق الأوسط والدفاع عن إسرائيل باعتباره عملا يرقى إلى الواجب الوطني، ويكفي التأمل في تصريحات بايدن خلال أكتوبر من العام الماضي «دعم واشنطن لإسرائيل ثابت مثل الصخر». وهكذا، بعدما أحست واشنطن ببدء فقدان إسرائيل السيطرة على الحرب رغم حرب الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين، انتقلت إلى مستوى المشاركة المباشرة لتأمين أمن إسرائيل أكثر، وتتجلى فيما يلي:
في المقام الأول، نشر أعلى نسبة من السفن الحربية والطائرات بما فيها القاذفات المقنبلة وأخيرا نظام ثاد الذي ينضاف إلى أنظمة باتريوت والدرع الصاروخي المتواجدة أصلا في المنطقة. وهذا ثاني أكبر تواجد عسكري للولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة بعد حرب العراق.
في المقام الثاني، المشاركة المباشرة في الحرب بين الدفاع والهجوم. ويطبق البنتاغون مبدأ الهجوم على الحوثيين تحت مبرر تعطيلهم للملاحة في البحر الأحمر وخاصة في باب المندب، وخلال الأسبوع الجاري، هاجم البنتاغون اليمن بمقاتلات ب 2 وهذا يحدث لأول مرة. وفي الوقت ذاته، المشاركة في اعتراض الصواريخ الإيرانية كما فعل منتصف نيسان/أبريل الماضي وفاتح تشرين الأول/أكتوبر الجاري عندما شنت إيران هجمات بصواريخ بالستية وكروز وفرط صوتية ضد الكيان.
وفي جانب لا يجري الحديث عنه كثيرا وهو أن البنتاغون أرسل أكثر من ثلاثة آلاف جندي من قوات النخبة في المارينز للتدخل المباشر في الميدان إذا نجحت كوماندوهات حزب الله في التقدم نحو شمال إسرائيل، وهي فرضية واردة جدا، الأمر الذي يفسر لماذا تدفع إسرائيل بفرق عسكرية بالكامل نحو شمالها تحسبا لهذا السيناريو، لاسيما بعدما بدأت المقاومة اللبنانية في استعمال أسلحة نوعية من صواريخ وطائرات مسيرة في ضرب أهداف إسرائيلية ومنها مقر إقامة رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو السبت من الأسبوع الجاري.
وعليه، لا يعترف البنتاغون بأن دوره في حرب طوفان الأقصى يزيد من التوتر في الشرق الأوسط بل يؤكد أنه يمنع من تحول حرب طوفان الأقصى إلى حرب إقليمية. من جهة، يعطي لإسرائيل الاطمئنان بأن الجيش الأمريكي إلى جانبها إذا تدهورت قدرتها العسكرية، وهو ما يحصل تدريجيا، ومن جهة أخرى يمنعها من الدخول في حرب مع إيران من خلال اعتراض الصواريخ الإيرانية وتقليل الخسائر التي قد تسبب فيها.
وعليه، يتورط البنتاغون تدريجيا وميدانيا في حرب طوفان الأقصى بسبب مواجهته للحوثيين والدعم اللامشروط لإسرائيل سواء على مستوى فتح مخازن السلاح أو المشاركة في عمليات نوعية معلنة مثل اعتراض صواريخ إيران أو على مستوى الكوماندوهات. ويحدث هذا لأن هناك شكوك حول قدرات الجيش الإسرائيلي في الصمود طويلا رغم حرب الإبادة التي يشنها ضد الفلسطينيين واللبنانيين ومنها تدمير كل ما هو مدني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية