رفع العقوبات عن سوريا بوابة السوريين نحو حياة جديدة

حسام محمد
حجم الخط
1

تحتاج سوريا دولة وشعبا إلى مدة زمنية ليست بالقليلة حتى تتعافى من آثار الحرب التي يبخل فيها النظام السوري البائد ورئيسه المخلوع بأي نوع من أنواع الأسلحة على السوريين وممتلكاتهم، وكما يقال، من الصور البشعة للأنظمة الديكتاتورية والقمعية أن آثار إجرامها تبقى لفترة طويلة حتى بعد رحيلهم. فبعد هروب الأسد المخلوع إلى روسيا، وتشتت رجالات نظامه، أُذهل العالم بسجون الأسد التي تشبه المسالخ البشرية، ولا تشبه السجون أبدا، فيما ما زالت الدولة السورية حتى الساعة أسيرة العقوبات الدولية المشددة، وهي سلسلة طويلة من القرارات والإجراءات الغربية التي استهدفت النظام السوري الساقط والكيانات التي دعمته خلال السنوات الماضية في حربه ضد السوريين.
شهدت البلاد منذ اللحظات الأولى مطالب شعبية وأخرى حكومية لضرورة رفع العقوبات عن سوريا بهدف تشريع البوابة أمام السوريين لبدء ترميم حياتهم والبدء بمستقبل أفضل بعد أن نجحوا في طي عقود حكم الأسدين السوداء للأبد.
الحكومة السورية الجديدة، والإدارة السياسية طالبا برفع العقوبات عن سوريا، فيما قال القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع -أثناء لقائه وفد الخارجية البريطانية- إنه يجب رفع العقوبات عن سوريا كي يعود السوريون إلى بلدهم، يأتي ذلك في وقت وصل فيه وفد ألماني وآخر فرنسي للعاصمة دمشق لإجراء مباحثات، وكرر ذات المطلب في عدة لقاءات دولية جمعته مع بعثات ووفود زارت دمشق مؤخرا، وآخرها وفد أمريكي رفيع المستوى.
وأكد الشرع أن النظام المجرم، دمر كل شيء حتى مؤسسات الدولة، واستهدف كل الطوائف، مشددا على ضرورة بناء دولة القانون والمؤسسات وإرساء الأمن.

انتفاء أسباب العقوبات

وصف قادة الاتحاد الأوروبي سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بأنه “فرصة تاريخية من أجل إعادة توحيد البلاد وبنائها” وشدد البيان الصادر يوم الخميس الماضي، على أهمية وجود عملية سياسية شاملة تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري.
أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ثمين الخيطان، الجمعة، على ضرورة محاسبة الرئيس المخلوع بشار الأسد، وكل من ارتكب جرائم فظيعة في سوريا، وأضاف أن المحاسبة مهمة للغاية بالنسبة للمرحلة الانتقالية في سوريا وللعدالة التي ستبدأ بها البلاد، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول”.
وقال بن سول مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، إنه من المهم توفير الظروف اللازمة للتنمية في سوريا، وأشار إلى أنه يعتقد أن “الإدارة الجديدة في سوريا لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه لإظهار أنها ستنتقل إلى حكومة ديمقراطية حقيقية وشاملة وتحترم حقوق الإنسان”.
وشدد المقرر الأممي على أهمية المساعدة والدعم لسوريا في المرحلة الراهنة وعلى المدى الطويل، مذكرا بأن “إحدى الصعوبات التي تواجهها الإدارة الجديدة في سوريا هي أنها تخضع لعقوبات مكافحة الإرهاب”، وأوضح أن هذه العقوبات ستمنع المستثمرين الأجانب والحكومات من ممارسة الأعمال التجارية في سوريا.
من جانبه، قال المحامي السوري عبد الناصر حوشان، لـ “القدس العربي”: الأصل في العقوبات، بأنها مفروضة على أزلام النظام السوري المخلوع، وأن تصنيف العقوبات الدولية على سوريا جاءت ضمن عناوين المجرمين والشركات والقطاعات الداعمة لانتهاكاتهم في سوريا، سواء كانت تلك العقوبات موجهة ضد كيانات أو البنك المركزي أو حتى أفراد من النظام البائد في سوريا، وأن النظام في سوريا قد أسقطته الثورة في تاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر الحالي، ولم يعد له وجود، وبالتالي لم يعد هناك محل قانوني للعقوبات، إلا تلك الفئة من العقوبات التي تطال المجرمين وبشار الأسد، وهي عقوبات مهمة لمنعه من التصرف بالأموال التي سرقها ورجالاته من الخزينة السورية.
أما العقوبات الموجهة ضد البنك المركزي السوري أو على حياة السوريين فلم تعد أسبابها موجودة، وحتى العقوبات التي كانت موجهة أموال الدولة السورية لم يعد لها محل، ويتوجب الأفراج عن الأموال المحجوزة من الناحية القانونية، أما اشتراط الدول الأوروبية لرفع العقوبات على البلاد مقابل تحقيق شروط، فهي سياسة ترغب من خلالها تلك الدول بفرض ضغوط على دمشق لإنهاء الوجود الروسي في سوريا مقابل رفع العقوبات.
وفي هذا الصدد، قال حوشان المطلب الغربي الخاص بالتواجد الروسي في سوريا، هو “مطلب محق” لنا ولهم، وأن سوريا أصبح لديها تعويضات لدى موسكو وعند الإيرانيين، ولكن في النظر للشرط الأوروبي، علينا النظر، هل نحن اليوم قادرون على تحقيقه من عدمه؟ وهنا لا بد من التأكيد على إن مثل هذه الخطوة تحتاج لخطوات كبيرة وجهود عالية المستوى.

العقوبات … سجن جديد للسوريين

المستشار الاقتصادي السوري، الدكتور أسامة القاضي، قال لـ “القدس العربي”: آن الأوان لرفع العقوبات الاقتصادية عن الحكومة السورية، لأن موجبات تلك العقوبات قد انتهت بانتهاء المسبب، وهو إرهاب الأسد المخلوع لشعبه والدولة السورية، كما شاهد العالم برمته الفظائع التي خرجت من سجون النظام البائد.
من أهم العقوبات التي قد تعيق حركة الاقتصاد والمجتمع السوري، فهي القيود المفروضة على عمليات الاستثمار، وحظر الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة، وهي عقوبات تعيق إصلاح هذه المؤسسات وتعيق الاستفادة منها، وكذلك منع تصدير التقنيات والتكنولوجيا والمعدات، وهذا مختلف عن التكنولوجيا العسكرية، فلو تأخر رفع الحظر عن التقنيات العسكرية لن يكون لذلك التأثير الكبير مقارنة بمثيلاتها في القطاعات الاقتصادية التي تعد شريان الحياة لأي دولة وشعب.
كما يزيد الاقتصادي القاضي أن من أهم الملفات التي يجب النظر فيها هي “التعاملات المالية” وخاصة تلك التي تمنع التعامل مع البنك المركزي السوري والمؤسسات المالية المحلية، حيث إن التعامل مع البنك المركزي السوري مهم للغاية في الوقت الراهن، خاصة مع وجود جهود ورغبات عربية ودولية بوضع إيداعات “ودائع” فيه لدعم الليرة السورية، وإعادة البنك المركزي إلى نظام “سويفت” حتى يستطيع الشعب السوري تحويل الأموال بشكل مباشر.
من الملفات الهامة لسوريا اليوم، هي برامج الطيران للطائرات السورية، ومنع تحليقها إلى عدد كبير من الدول، خاصة مع وجود ملايين السوريين في العالم يريدون العودة إلى سوريا، سواء للعودة الدائمة أو الزيارات، وبالتالي فإن سوريا بحاجة لرفع العقوبات بما يخص مجال قطع غيار الطائرات، أو حتى السماح بشراء طائرات مدنية جديدة، خاصة مع انهيار أسطول الطيران السوري وعدم وجود طائرات كافية، والحاجة الماسة لقطع غيار للطائرات المتوقفة وتجديدها، والمصنفة قديمة بكل الأحوال.

العقوبات… ساهمت بإسقاط الأسد

قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، إن هناك أملا كبيرا في رؤية بداية سوريا جديدة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، جاء ذلك في بيان صادر عنه بشأن لقاءاته في سوريا، وأشار بيدرسون، إلى أنه كان في دمشق خلال الأيام القليلة الماضية، والتقى بقيادة هيئة تحرير الشام، ووفد هيئة المفاوضات السورية، والفصائل المسلحة، وعائلات المفقودين السوريين، ومسؤولي المنظمات غير الحكومية، وناشطين.
ودعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الاثنين، إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا وإبقائها على نحو 300 شخصية من رموز النظام المخلوع.
واعتبرت الشبكة في بيان حصلت “القدس العربي” على نسخة منه أن “العقوبات التي فُرضت على سوريا كانت نتيجة لفشل مجلس الأمن الدولي في وقف الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري منذ آذار/مارس 2011”.
وأردفت: “لذلك فإن الإبقاء على العقوبات الاقتصادية يهدد بتقويض الجهود الإنسانية، ويعيق تدفق الموارد الحيوية، مما يزيد من تعقيد مهام المنظمات المحلية والدولية في تقديم المساعدات وإعادة الإعمار”.
“كما يمثل استمرار العقوبات عقبة رئيسية أمام عودة اللاجئين والنازحين، ويعرقل جهود الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، بفعل القيود المفروضة على المعاملات المالية والتجارية، والتي تحول دون تأمين المواد الأساسية أو تحويل الأموال اللازمة لدعم المتضررين” وفق البيان.
من جانبه رأى السياسي السوري درويش خليفة في رفع العقوبات الغربية عن سوريا أولى الأولويات للسوريين في هذه المرحلة، خاصة حزم العقوبات المفروضة على الدولة السورية وليس على الأفراد أو على النظام السابق، فنحن أمام واقع جديد كليا، والدولة بحاجة لاستيراد مواد أولية تصنف كضرورات مهمة، وبحاجة لرفع العقوبات من أجل دخول المستثمرين إلى سوريا، وهذه خطوات لا يمكن تفعيلها إلا بعد رفع العقوبات.
مشيرا إلى وجود وعود أمريكية-أوروبية للعقوبات لمدة عام واحد، يتم من خلالها مراقبة أداء وسلوك الحكومة الجديدة في دمشق، وفي حال كانت الحكومة المنتظرة من كامل النسيج السوري، فسيكون رفع العقوبات بعد ذلك قرارا يمكن اتخاذه بدون أي عوائق.
درويش استطرد قائلا: على كافة الأطراف تركيز الجهود على جبهة رفع العقوبات عن سوريا، وتقديم الخدمات وتعزيز التنمية وإعادة الإعمار، وتمكين الدولة السورية الجديدة من مواكب الكم الهائل من الملفات والقضايا التي كانت مهمة منذ سنوات طويلة إبان حكم الأسد المخلوع، وأن بقايا العقوبات على سوريا والإبقاء على سوريا بشكلها الحالي، لا يخدم تحول البلاد إلى دولة قابلة للحياة، ولا يخفى على أحد، أن العقوبات كانت عاملا أساسيا ومهما في عملية إسقاط نظام الأسد، حيث أصبحت قوات النظام متهالكة، ومفاصل الحكم كانت منهارة، وهو ما أدى بالنهاية إلى عزوف جيش الأسد بالدفاع عنه وعن حكمه، هذه العقوبات أدت بشكل أو آخر إلى جعل العملية العسكرية التي أسقطت الأسد ناجحة وفعالة.
رفع العقوبات سيساهم كذلك في وحدة السوريين والابتعاد عن المشاحنات والتشدد في المواقف، فهي ستخلق بيئة مستقرة ومنقذة للسوريين بعد هذه السنوات الطويلة التي كانت مرهقة للجميع.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول برهوم:

    الوضع المعيشي كارثي ، راتب الموظف اقل من ٣٠ دولار بالكاد يكفي لشراء جرة غاز و بعض الحاجيات البسيطة لعدة أيام، لايستطيع الغالبية العظمى من تدبير امورهم بدون مساعدة من اقارب في الخارج, يجب رفع العقوبات التي تسبب ضرر مباشر على المواطن بعد انتفاء الاسباب مع انتشار سوء التغذية للاطفال

اشترك في قائمتنا البريدية