رهان الأمم المتحدة 2030: الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة

فؤاد الصباغ
حجم الخط
0

يمثل الاقتصاد الأخضر اليوم البديل الحيوي للاقتصاد التقليدي والعمود الفقري للتنمية المستدامة بحيث يسهل الحركة في الأسواق العالمية وينشط المبادلات التجارية اليومية. ويعتمد هذا النوع من الاقتصاد بالأساس على الطاقات المتجددة والتي في مجملها تمثل الثروة الحقيقية للبلدان غير النفطية وذلك بأقل تكلفة وبمردودية إنتاجية عالية. كما تسمح التقنيات الحديثة في مجال التكنولوجيات والتجديد بتفعيل دور الابتكار في مجال المشاريع التنموية ذات الجودة العالية من خلال استعمال الأنظمة التي تحد من التلوث البيئي وتخلق سوقا إنتاجية كبرى. إن الاقتصاد الأخضر يعد من أبرز الركائز الداعمة لمختلف الأنشطة الاقتصادية والتي تساهم في تقليص نسبة الإنبعاثات الحرارية والمعروفة بالاحتباس الحراري. ومنذ قمة كيوتو العالمية أصبح الشغل الشاغل للحكومات العالمية البحث والتجديد لإيجاد بدائل تحد من التلوث البيئي وتخلق نوعية جديدة من الاقتصاد الصناعي الذي يكون مساهما جديا في المشاركة للحد من الاحتباس الحراري العالمي. إن الدول المتقدمة في معظمها أصبحت تولي اهتماما بالغا للاقتصاد الأخضر وذلك من خلال المؤتمرات والقمم العالمية المتتالية منذ قمة ريو دي جانيرو في البرازيل سنة 1992 الذي قصد الحد من نسبة التلوث والإحتباس الحراري وأيضا الحوافز المالية الهامة من قبل بعض المنظمات العالمية ومن أهمها منظمة الأمم المتحدة وذلك للتشجيع على بعث مشاريع صديقة للبيئة. ففي هذا الإطار نذكر برامج الابتكار في الطاقات المتجددة مثل الطاقة المائية والحرارية والشمسية والهوائية والتي تعد في مجملها العنصر الهام الذي يساهم إيجابيا في تقليص نسبة التلوث البيئية العالمية وخلق مناخ استثماري جديد بديل عن الطاقات التقليدية مثل الغاز والنفط. فعلى سبيل المثال تعتبر فرنسا الدولة الأكثر تطورا في هذا المجال البحثي والتجديدي في الاقتصاد الأخضر، إذ اعتمدت مؤخرا على بنية جديدة في منظومتها الاقتصادية التي تولي اهتماما كبيرا للمشاريع صديقة البيئة، نذكر منها مشاريع رسكلة النفايات وإعادة تدويرها ومنها مخلفات استعمال الإطارات المطاطية عبر تحويلها إلى مواد أولية. أيضا رسكلة الأوراق المدرسية والإدارية والقوارير البلاستيكية وعلب المشروبات الغازية والزجاجات البلورية. أما أهمها فهو تحويل القمامة إلى مواد طبيعية وسماد عضوي يستعمل لتسميد الأراضي الزراعية والأهم من كل ذلك تحويل تلك النفايات وبعض النباتات والبذور إلى بيترول طبيعي يعرف بالبيوديزال. بالتالي يعتبر الاقتصاد الأخضر المستقبل الأنجع عالميا نظرا لجمعه بين جميع مواصفات المردودية المالية و الربحية و أيضا التوفيق بين الاستثمار الناجح و الحفاظ علي بيئة خضراء.
ويمثل التعاون الدولي بين دول شمال وجنوب المتوسط إنجازا مهما من أجل تعزيز الشراكة الأورومتوسطية وخلق فضاء صناعي متطور يعتمد بالأساس على الطاقات المتجددة والتي تساهم بدورها إيجابيا في تقليص نسبة الاحتباس الحراري ومن جانب آخر تساعد على تحقيق سوق للمنافسة الاقتصادية تجلب مداخيل مالية إضافية هامة لميزانية الدول المشاركة في برنامج دعم الاقتصاد الأخضر. أيضا يساهم هذا الاقتصاد في دعم المجال الفلاحي من خلال بيئة خالية من السموم تحمي التربة من الإنجراف وتستغل فيها النفايات كمواد عضوية للتسميد.
إن التقدم في هذا المجال يتطلب العمل على نشر الوعي لدى المواطنين من أجل جمع الفضلات المنزلية مثل القوارير الزجاجية والبلاستيكية والمعدنية أو البطاريات الإلكترونية أو قمامة الخضروات وفرزها وتوزيعها ثم بيعها بمقابل مالي رمزي لبعض الشركات المختصة في الغرض والتي تقوم بتدويرها وإعادة إنتاجها. بالتالي تتحول تلك الشركات من مستهلك للمواد الأولية للإنتاج إلى مستهلك للفضلات المنزلية وإعادة رسكلتها و تدويرها وإنتاج منها منتجات جديدة ذات قيمة مضافة عالية الجودة ترفع من القدرة التنافسية في الأسواق المحلية أو العالمية. أما في المجال الإلكتروني فقد إزدهرت خلال العشرية الماضية صناعة سيارات التسلا مما يعزز بالنتيجة من تواجد التكنولوجيا النظيفة لحماية البيئة وتقليص نسب التلوث الهوائي. عموما يساهم الاقتصاد الأخضر بصفة ناجعة في تحقيق نسب نمو اقتصادية محترمة ويخلق فرص عمل وأيضا يحقق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 بطريقة فعالة وذات مردودية إنتاجية عالية ويضمن بيئة خضراء نظيفة وخالية من إنبعاثات سموم الغازات. فالأمم المتحدة أصبح اليوم شغلها الشاغل هو خلق توازن بيئي وصناعي يحد من التلوث البيئي ويقلص من نسبة الإحتباس الحراري والتغير المناخي مع المحافظة على الثروة الصناعية واستمرارية الإنتاجية التصاعدية. إذ يعتبر هذا الرهان أولوية لها من خلال نشرها لشعار التنمية المستدامة 2030 والتسويق والترويج له دوليا حتى يكون الاقتصاد الأخضر البديل الحيوي للتقليدي والمحفز الرئيسي للتنمية المستدامة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية