لندن-«القدس العربي» – وكالات: استهدفت روسيا شبكة الطاقة الأوكرانية بضربات واسعة في هجوم اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رداً على استهداف روسيا بصواريخ “أتاكمز” الأمريكية، منوهاً أنه قد تقوم موسكو باستهداف مراكز صنع القرار في كييف. في المقابل، ندد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، بـ”التصعيد الحقير” لموسكو متهما الجيش الروسي باستخدام “الذخائر العنقودية” في هجومها.
وانقطعت الطاقة عن أكثر من مليون أوكراني في ظل تدني درجات الحرارة إلى حد التجمّد بعدما أطلقت روسيا نحو 200 صاروخ كروز ومسيرة على البنى التحتية المرتبطة بالطاقة في أنحاء أوكرانيا. وتستعد أوكرانيا لشتاء يتوقع بأن يكون الأقسى منذ بدأت الحرب قبل حوالي ثلاث سنوات في وقت تكثّف موسكو قصفها الجوي بينما تتقدّم قواتها على خط الجبهة في الشرق.
وتصاعدت حدة التوتر بشكل كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية، فيما تتعهّد موسكو الرد على إطلاق أوكرانيا صواريخ “أتاكمز” التي زوّدتها بها الولايات المتحدة باتّجاه أراضيها، في وقت يسعى الطرفان لتحقيق تقدّم ميداني قبيل تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير.
واتّهم زيلينسكي موسكو بتصعيد حدة النزاع عبر استخدام ذخائر عنقودية في الهجوم الليلي. وقال في منشور على تلغرام: “تم تسجيل ضربات باستخدام الذخائر العنقودية في عدة مناطق، واستهدفت البنى التحتية المدنية”. وأضاف: “إنه تصعيد حقير جدا في تكتيكات روسيا الإرهابية”.
ولفت إلى أن أوكرانيا بحاجة إلى المزيد من أنظمة الدفاع الجوي الغربية “الآن” لحمايتها من الضربات الروسية. وتابع: “هذا أمر مهم خصوصا في الشتاء عندما يتعيّن علينا حماية البنى التحتية التابعة لنا من الضربات الروسية المستهدفة”.
في المقابل، أكد بوتين، الخميس، أن الهجوم هو “رد” موسكو على الضربات الأوكرانية على الأراضي الروسية باستخدام صواريخ “أتاكمز”. وقال في تصريحات متلفزة بعد ساعات على الهجوم: “نفّذنا ضربة شاملة. كانت ردا على الهجمات المتواصلة على أراضينا بواسطة صواريخ أتاكمز”، مؤكداً إصابة 17 هدفا في أوكرانيا. وسبق لبوتين أن تعهّد الرد بقوة على أي استخدام للصواريخ من قبل كييف ضد روسيا.
وخلال مؤتمر صحافي في نور سلطان عاصمة كازاخستان، قال بوتين: “في الوقت الراهن، تختار وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة الأهداف التي سيتم ضربها على الأراضي الأوكرانية. وقد تكون هذه الأهداف منشآت عسكرية أو مؤسسات دفاعية وصناعية أو مراكز صنع القرار في كييف”.
وأطلقت روسيا صاروخا بالستيا جديدا فرط صوتي باتّجاه مدينة دنيبرو الأوكرانية في “اختبار قتالي” هذا الشهر بعدما استهدفت كييف منشأة عسكرية في منطقة حدودية روسية بضربة بصواريخ “أتاكمز”.
وبعد أن ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، الأسبوع الماضي، أن بعض المسؤولين الغربيين، دون أن تذكرهم بالاسم، أشاروا إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يمنح أوكرانيا أسلحة نووية قبل تركه الرئاسة، قال بوتين: “إذا أصبحت الدولة التي نخوض معها حربا الآن قوة نووية، ماذا سنفعل؟ في هذه الحالة، سنستخدم كل، وأريد التشديد على هذا، بالتحديد كل وسائل التدمير المتاحة لروسيا. كل شيء، لن نسمح بذلك. سنراقب كل تحركاتهم”. وأضاف: “إذا نقل أحدهم شيئا ما بصورة رسمية، فسيعني ذلك انتهاك كل التعهدات التي قطعوها بعدم نشر الأسلحة النووية”.
وتابع أن أوكرانيا يستحيل عليها عمليا إنتاج سلاح نووي، لكنها ربما تستطيع تصنيع نوع ما من “القنابل القذرة”، وهي قنابل تقليدية محاطة بمواد مشعة من أجل نشر التلوث النووي. وحذر بوتين من أن روسيا سترد بشكل مناسب في تلك الحالة. وقال بوتين أيضا إن روسيا عانت من أضرار طفيفة فقط جراء هجمات أوكرانية على أراضيها باستخدام صواريخ أتاكمز طويلة المدى أمريكية الصنع.
وفي المقابل، اعتبر بوتين أنه لا توجد شروط مسبقة لبدء محادثات مع أوكرانيا بشأن التوصل إلى اتفاق سلام محتمل لكنه شدد على أن الشروط التي حددها في يونيو/ حزيران من أجل التوصل إلى اتفاق لم تتغير. وذكر بوتين حينها أن روسيا ستنهي الحرب في أوكرانيا إذا وافقت كييف على التخلي عن طموحاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وسحب قواتها من المناطق الأربع التي تطالب بها روسيا. لكن كييف ترفض هذه الشروط وتعتبرها بمثابة استسلام.
أما عن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، قال بوتين: “تصوري عن الرئيس المنتخب مجددا هو أنه في الواقع شخص ذكي، ويتمتع بخبرة كبيرة. أعتقد أنه سيجد حلا”، من دون تحديد “الحل” الذي كان يشير إليه.
انقطاعات في شبكة الطاقة
وأطلقت روسيا 91 صاروخا و97 مسيرة هجومية باتّجاه أوكرانيا في سلسلة الهجمات التي تواصلت حتى الساعات الأولى من فجر الخميس، وفق ما أعلن سلاح الجو الأوكراني. وأكد بأنه تم إسقاط 79 من الصواريخ و35 مسيرة، فيما “اختفت” باقي المسيرات عن شاشات الرادار لديها أو أُسقطت بواسطة أنظمة التشويش الإلكتروني الدفاعية. لكن بعض الصواريخ ضربت أهدافها، بحسب مسؤولين أوكرانيين.
وقالت الشركة المشغلة لشبكة الطاقة في البلاد أوكرإنرغو: “تضررت منشآت الطاقة في عدة مناطق”، مضيفة بأنها قطعت الكهرباء عن مناطق في أنحاء البلاد استجابة للوضع الطارئ. وأكدت السلطات في كل من لفيف وكييف تعرّض بنى تحتية رئيسية للطاقة إلى ضربات روسية.
وحرم الهجوم الذي أطلق في وقت وصلت الحرارة في أنحاء البلاد إلى ما دون الصفر أكثر من مليون مشترك من الكهرباء في غرب أوكرانيا، على بعد مئات الكيلومترات عن خط الجبهة.
وقال حاكم منطقة لفيف ماكسيم كوزيتسكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “الكهرباء مقطوعة حتى الآن عن 523 ألف مشترك في منطقة لفيف”.
ورغم أن المنطقة الواقعة في غرب البلاد والمحاذية لبولندا المنضوية في حلف شمال الأطلسي لم تشهد معارك كغيرها منذ بدء الغزو الروسي قبل 33 شهرا، فإنها استُهدفت بشكل متفرق بهجمات روسية بالمسيرات والصواريخ. وأفاد مسؤولون إقليميون بأن الطاقة انقطعت عن 280 ألف مشترك آخر على الأقل في منطقة رفنة (غرب) و215 ألفا في منطقة فولين (شمال غرب) والمحاذية أيضا لبولندا.
وحوالي الساعة 12 ظهرا (10:00 ت غ)، أفادت أوكرإنرغو بأنه تم رفع تدابير القطع الطارئ للكهرباء، مع الإبقاء على الانقطاعات الإقليمية المقررة. واستُهدفت أيضا كل من مدينتي خاركيف (شمال شرق) وأوديسا المطلة على البحر الأسود.
وأوضحت وزارة الطاقة بأن الهجوم هو الحادي عشر من نوعه ضد البنى التحتية المدنية المرتبطة بالطاقة الذي تتعرض له أوكرانيا هذا العام. وحذّرت المسؤولة الرفيعة في الأمم المتحدة روزماري ديكارلو هذا الشهر من أن الضربات الروسية على البنى التحتية الأوكرانية للطاقة قد تجعل هذا الشتاء “الأكثر قسوة منذ بدء الحرب”.
ذخائر عنقودية
يفيد الخبراء بأن أوكرانيا وروسيا استخدمتا على حد سواء الذخائر العنقودية خلال النزاع. والذخائر العنقودية هي قنابل أو صواريخ أو قذائف تنثر العديد من العبوات الناسفة الأخرى الصغيرة على مساحة واسعة.
حظرت أكثر من مئة دولة استخدام هذا السلاح بسبب احتمال تسببها بأضرار واسعة وعشوائية ولعدم انفجار العديد من الذخائر الأصغر التي تنثرها لدى ارتطامها بالأرض، ما يعني تحوّلها إلى ألغام أرضية قابلة للانفجار بعد سنوات.
لكن أيا من روسيا أو أوكرانيا لم تحظر استخدامها، علما بأن هذه الذخائر أدت إلى مقتل أو إصابة أكثر من ألف شخص في أوكرانيا منذ الغزو الروسي في شباط/فبراير 2022، بحسب ما أفاد “ائتلاف الذخائر العنقودية” في أيلول/سبتمبر.
خفض سن التجنيد
وفيما تواصل روسيا التقدم في جبهة شرق أوكرانيا، دعت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن، الأربعاء، كييف إلى خفض الحدّ الأدنى لسنّ التعبئة العسكرية من 25 إلى 18 عاما لتعويض النقص في عديد قواتها المسلّحة.
والأربعاء، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن طالبا عدم نشر اسمه إنّ أوكرانيا تواجه أزمة “وجودية” في التجنيد، مع تضاؤل عدد المتطوّعين في جيشها الذي يواجه عدوّا يتفوق عليه عديدا وعتادا. وأضاف: “الحقيقة هي أنّ أوكرانيا لا تقوم حاليا بتعبئة وتدريب ما يكفي من الجنود لتعويض خسائرها في ساحة المعركة والحفاظ على قوتها في مواجهة القوات الروسية المتزايدة”.
وردّا على سؤال بشأن السنّ المناسبة للتجنيد، أجاب المسؤول الأمريكي الكبير أنّه يتعين على كييف “التفكير بخفض سنّ التجنيد إلى 18 عاما” لأنه يؤمّن “ميزة”. وسبق لكييف أن خفّضت هذا العام الحدّ الأدنى لسنّ التعبئة من 27 إلى 25 عاما.
وأوضح البيت الأبيض، الأربعاء، أنّ المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف لن تكون مشروطة بأيّ حال من الأحوال بخفضها سنّ التجنيد.
وقال المتحدّث باسم البيت الأبيض جون كيربي في بيان: “سنواصل بالتأكيد إرسال أسلحة ومعدّات إلى أوكرانيا، نحن نعلم أنّ هذا أمر حيوي، لكنّ العديد هو كذلك أيضا”. وأضاف: “نحن نعتقد أنّ العديد هي الحاجة الأكثر حيوية (لأوكرانيا)، وبالتالي نحن مستعدّون لزيادة قدراتنا التدريبية إذا ما قرّروا اتّخاذ إجراءات مناسبة لتعزيز صفوفهم”.
وأعلن ترامب، الأربعاء، أنه سيعيّن الجنرال كيث كلوغ الذي دعا كييف لتقديم تنازلات عديدة، مبعوثا لإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
وقال ترامب في منشور على منصة “تروث سوشيال” الخميس، إن لكلوغ “سيرة مهنية عسكرية وبمجال الأعمال متميزة (..) بما في ذلك أدواره بالأمن القومي الحساسة للغاية”. وقال: “كان معي منذ البداية، ومعًا سنصنع السلام من خلال القوة، وسنجعل الولايات المتحدة الأمريكية والعالم آمنًا مرة أخرى”.
وخلال ولاية ترامب السابقة، شغل كلوغ منصب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس مايك بنس بين عامي 2018-2021.