روسيا ما بين اغتيال معارض وجنرال

وسام سعادة
حجم الخط
0

العام المنتهي لم يشهد دلائل على تصدع في القيادة الروسية يقارن بما شهده العام الذي سبقه، إلا أن الحدث البارز على هذا الصعيد تمثل بإقالة الرئيس الروسي وزير الدفاع شويغو.

شكّل نجاح القوات الأوكرانية في التوغل في الجانب الآخر من الحدود من جهة كورسك الحدث الأوراسيّ الأبرز هذا العام، إذ هي المرة الأولى التي تُحتلّ فيها ولأشهر عدّة أراض روسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. يأتي ذلك في ظل عام اتسم فيه مسار الوضع في جبهة الدونباس بالضغط المتزايد على الجانب الأوكراني.
ينتهي هذا العام، والأوكران يستعدون لمرحلة عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والتحسب مما يمكن أن يطرحه من مخارج للنزاع المستعر المتواصل منذ ما يقارب الثلاث سنوات على الصعيد الشامل، ومنذ عشر سنوات ونيف على جبهة الدونباس.
عموماً ينتهي العام بنجاح، بشق النفس، وغير ناجز تماما بعد، باستعادة الجيش الروسي للأراضي التي توغل إليها الأوكران في إقليم كورسك، أما على الصعيد الدونتسك، فقد نجح الروس في متابعة التوسع، إنما ببطء وبكلفة عالية في الجنود والعتاد، لكنهم اقتربوا من مدينة بوكروفسك التي ينظر لها أن موقعها استراتيجي.
يد الأوكران جاء مباغتاً للغاية في الأيام الأخيرة من سنة 2024 مع تنبيهم عملية اغتيال إيغور كيريلوف في موسكو، وهو قائد قوات الدفاع الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية في الجيش الروسي. يحصل ذلك فيما لا تزال جردة الحساب الروسية مع سياسة فلاديمير بوتين في سوريا وحصيلتها مؤجلة، وإن كانت المقارنة بين الخروج من سوريا والخروج من أفغانستان باتت تحتل مكانة الصدارة، بعيداً عن التوأمة الرائجة سابقاً بين نجاح بوتين في الحرب ضد الشيشان، وما زيّن له لسنوات متواصلة على أنه تطبيق لما يوصف بعقيدة غروزني، على سوريا.
لئن شكل اغتيال الجنرال كيريلوف في 17 من كانون الأول/ديسمبر صفعة قوية للقيادة الروسية، فلا يزال من الصعب التكهن بمسار الأوضاع في الداخل. على هذا الصعيد بدأ العام باذاعة خبر وفاة المعارض أليكسي نافالني في سجنه بمنطقة القطب الشمالي بتاريخ 16 شباط/فبراير عن عمر ناهز السابعة والأربعين، وبشكل ساورت الشكوك المراقبين بأن النظام تخلص منه بشكل أو بآخر، ما لم يمنع بضعة آلاف من المواطنين من الاحتشاد لوداع جثمانه في موسكو. أتت وفاة نافالني بعد أسبوعين من دعوته الناس للاحتجاج على استمرار الحرب في أوكرانيا بلا طائل، وعشية الانتخابات الرئاسية، في اذار/مارس، التي بدت الأكثر «تعليباً» منذ مرحلة البيروسترويكا.
شهد العام عودة ملحوظة للعمليات الإرهابية في الداخل الروسي، وخاصة الهجوم الذي شهدته قاعة كروكوس سيتي قرب موسكو (كرسنوغورسك) في 22 اذاؤ/مارس، والذي أدى إلى مقتل 144 شخصًا وإصابة أكثر من 360. وقع الهجوم خلال حفل لفرقة موسيقية، وقد حاولت السلطات الروسية سوق الاتهام بالضد من كييف في وقت أعلن فيه تنظيم الدولة «داعش» مسؤوليته عن تنفيذ الهجوم.
وجاء هجوم «داعش» هذا في إثر العملية التي نفذتها القوات الخاصة الروسية بمنطقة كارابولاك، بجمهورية انغوشيا ذات الحكم الذاتي، ضد خلايا لتنظيم الدولة. مجددا شهد شهر حزيران/يونيو عودة للتصادم بين القوات الخاصة الروسية وخلايا داعش. في 16 حزيران/يونيو، احتجز أعضاء من تنظيم «الدولة» في مركز للاحتجاز المؤقت في روستوف على نهر الدون موظفين روس كرهائن فاقتحمت القوات الخاصة الروسية المركز، ما أسفر عن مقتل الخاطفين الستة. وفي 23 من الشهر نفسه جرى استهداف كنيس يهودي وكنيسة أرثوذكسية في ديربنت، بينما هاجمت مجموعة أخرى نقطة تفتيش للشرطة المرورية في ماخاتشكالا.

إقالة وزير الدفاع

وإذا كان العام المنتهي لم يشهد دلائل على تصدع في القيادة الروسية يقارن بما شهده العام الذي سبقه من تصادم بينها وبين مجموعة فاغنر، إلا أن الحدث البارز على هذا الصعيد تمثل بإقالة الرئيس الروسي بوتين لوزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي شغل هذا المنصب منذ عام 2012. ترتبط أسباب إقالة شويغو بعدة عوامل، أبرزها تواصل الانتقادات المتعلقة بإدارته للحرب في أوكرانيا، وإلقاء القبض على تيمور إيفانوف، نائب وزير الدفاع، بتهم الفساد، وانخراط شويغو في نزاع علني مع عدد من القيادات العسكرية. بتعيين اندريه بيلوسوف، وهو اقتصادي مدني، وزيرًا للدفاع، يبدو أن بوتين يسعى إلى دمج الإنفاق العسكري بشكل أفضل في الاقتصاد الروسي، خاصة مع ارتفاع نسبة هذا الإنفاق إلى مستويات قريبة من تلك التي كانت في الاتحاد السوفييتي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. على الرغم من إقالته، تم تعيين شويغو في منصب رئيس مجلس الأمن الروسي، ما يشير إلى استمرار دوره في الشؤون الأمنية للبلاد.
في عام 2024 أظهر الاقتصاد الروسي مرونة ملحوظة على الرغم من العقوبات الغربية المستمرة، حيث أشارت التقديرات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 3.9 في المئة و4 في المئة بنهاية العام، متجاوزًا المتوسط العالمي. ساهمت عدة عوامل في هذا الأداء الاقتصادي اللافت، أبرزها الإنفاق الحكومي المرتفع، خاصة في المجالات العسكرية، والذي عزز النشاط الاقتصادي المحلي. كما لعبت شبكات التجارة البديلة دورًا مهمًا، حيث اعتمدت روسيا على وسطاء في دول مثل تركيا وكازاخستان لتجاوز القيود التجارية واستمرار تدفق السلع والخدمات.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي. فقد شكلت ضغوطًا كبيرة على القطاع المالي، ما أدى إلى تعقيدات في المعاملات الدولية. ورغم أن تأثير العقوبات على الحياة اليومية للمواطنين الروس ظل محدودًا حتى الآن، إلا أن التحديات الأكبر قد تظهر في العام الجديد بالحاح أكبر، هذا ما يجعل روسيا تحتاج بجدية إلى التخفيف من هذه العقوبات، ومحاولة الاستفادة من وصول ترامب للقيام بما يلزم لأجل ذلك.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية