روسيا وإسرائيل: وساطة المحتل لنظيره؟

حجم الخط
10

حمّل نفتالي بينيت، رئيس الحكومة الإسرائيلية، العالم جميلا: لقد خرق حظر السفر (باعتباره يهوديا متدينا)، وذلك بسفره يوم السبت الماضي إلى موسكو. وصف أحد كتاب صحيفة “هآرتس”، الزيارة بأنها الأولى لزعيم “غربي”!، وهو توصيف يقصد طبعا أن إسرائيل، رغم احتلالها حيّزا على شرق المتوسط، هي دولة محسوبة على الغرب.
الزيارة مليئة بمفارقات كبيرة، فرغم احتساب إسرائيل تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لتمتعها بنظام سياسي ديمقراطي، وتشابك اقتصادها بشكل عضويّ بالاقتصاد الغربيّ، فإن سرديّتها الكبرى، القائمة على احتلال أراض مأهولة لشعب آخر بدعاوى تاريخية ودينية، وسيرورتها الحاضرة المستمرة القائمة على الاجتياحات والغزو والاستيطان، وخطابها اليومي، كلها عناصر تجعلها، حاليا على الأقل، أقرب إلى روسيا البوتينية، وكل ما يمثّله الطغيان الشرقيّ، منها إلى “الغرب” الذي تدعي الانتساب إليه.
من المفيد ملاحظة أن مصطلحات وتوصيفات تكرّرت في خطاب القيادة الروسية، قبل وبعد اجتياح أوكرانيا، تبدو مأخوذة، بقضها وقضيضها، من الترسانة الإسرائيلية: الحفاظ على المجال الآمن، لوصف علاقات القوة والاحتلال والغطرسة مع الفلسطينيين والبلدان العربية المجاورة، واعتبار المدافعين عن أرضهم مخربين وإرهابيين، واستعراض القوة النووية، والاستهزاء بمواقف الشعوب الأخرى، فكلتا الدولتين تحظيان، حين تحال شؤون اعتداءاتهما على الآخرين، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتصويت دوليّ لافت ضدهما، وكلتاهما يتدخّل حق النقض لحمايتهما من قرارات مجلس الأمن.
لا يتعلّق الأمر إذن بترتيبات تكتيكية تتعلق بإطلاق يد إسرائيل في المجال السوريّ، الموجود تحت الغطاء الروسي، بل يتعلّق أكثر بالصراع على “روح” إسرائيل نفسها، التي تحوّلت إلى مزيج هجين (مسخ) من الديمقراطية الغربية والاستبداد الشرقيّ، وهو ما يؤهّلها، على ما استنتج بينيت، لتكون الوسيطة الأنسب بين هذين العالمين.
بعد الحصيلة البائسة للدول المتعاطفة مع الغزو الروسي، وزيارة شخصية مثل محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، يُناسب بوتين، الذي فوجئ بالعزلة الدولية التي تغرق بلاده في مستنقعها، أن يزوره زعيم دولة “نووية” ومحتلة شبيهة، فالمسؤول الإسرائيلي الكبير قادر على فهمه، والتعاطف مع نهجه العسكري والسياسي، أكثر مما يستطيع مستشار ألمانيا الغربية أو حتى رئيس فرنسا (رغم محاولاته الاستعادية الفاشلة لتجارب الاستعمار في أفريقيا).
الأغلب ضمن هذه السياق العام، ألا تحصل أوكرانيا (التي حاول رئيسها، بسذاجة، توظيف مكانة إسرائيل لدى الزعيم الروسي، بدعوى كونه يهوديا) فائدة فعلية من “الشفاعة” الإسرائيلية، فالحديث يدور على كيفية تيسير شؤون يهود أوكرانيين أو روس، ومحاولة تسليك مصالح بوتين مع ألمانيا (التي سافر بينيت إليها بعد موسكو) في استمرار شريان الغاز (والمال) متدفقا إلى أوروبا.
تعرضت مباحثات بينيت مع بوتين، على الأغلب، للمفاوضات الجارية في فيينا حول الاتفاق العالمي الجديد مع إيران حول مشروعها النووي، والذي يُتوقع أن يتم التوقيع عليه خلال أيام، ولروسيا، كما إسرائيل، اهتمام كبير بهذا الاتفاق، وقد انعكس عبر تأخير موسكو موافقتها عليه، بوضعها شرط عدم تطبيق العقوبات الدولية الجديدة عليها فيما يخصّ إيران، وهو تأخير ترى فيه إسرائيل بابا لإعادة الاتفاق الذي عملت كثيرا على تقويضه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نجلاء فتحي:

    رئيس الحكومة الاسرائيلي يعلم علم اليقين انه في حالة نشوب حرب أوروبية عالمية فاليهود سيكونون في دائرة الاستهداف مع تزايد العنصرية والكراهية في أوروبا إتجاه الأقليات.
    بوتين في عجلة من امره لتركيع الغرب عسكريًا لان طول الحرب لا تخدم مصالحه ومصلحة إسرائيل التي هي في حاجة ماسة الى روسيا والتي يجمعها مع إسرائيل عدم الاكتراث بالقواعد الدولية في الحروب أو عدد القتلي من المدنيين ونوعية الأسلحة المستخدمة في إبادة البشر.
    مغادرة روسيا من سوريا يعني عمليًا عودة المقاومة المسلحة ضد النظام السوري وهذا استراتيجيا أمر مرفوض من قبل الاحتلال والغرب عموما لان حماية حدود اسرائيل تم الاتفاق عليها من قبل القوى الكبرى مع روسيا وايران وملشياتها مقابل حماية النظام وإنهاء المقاومة الشعبية المسلحة.

  2. يقول منير:

    هذا التحرك ” الاسراءبلي” ليس لما يشاع عنه و يروج ، فهو لم يكن لوساطة و انما لمقايضة!
    بينيت زار موسكو منتدبا من صهيون لعرض صفقة ما يبدو أن بوتين رفضها!

    حينما دعا رئيس اوكرانيا اليهود للتحرك، هو كان يعلن عن تولي صهيون ملف اوكرانيا و قضيتها مع الروس ، و الزيارة هذه اثبتت ذلك و اكدته!

    لو يتم الاتفاق بين الروس و صهيون ستتوقف الحرب في الحال ؛ و بوتين يدرك أن القضية مع صهيون و ليس مع احد آخر سواه ، لا امريكي و لا فرنسي و لا الماني فهؤلاء مجرد بيادق و ادوات لا اكثر!
    على نتيجة هذه الحرب سوف تتحدد العلاقة مع روسيا ؛ إما كقوة قطببة كما كانت الى الان ، او كأي دولة اخرى تطلب ود صهيون و رضاه.

  3. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لقدسنا العزيزة علينا
    الإرهابي بينيت ربما كانت زيارته لينزل القيصر الواهم من الشجرة

  4. يقول سعادة فلسطين الصين:

    ‏كتبتُ في اليوم التالي للحرب أنها تمثل فرصة تاريخية للتحرك استراتيجيا للفلسطينيين, هذه الحرب ستترك تداعيات كبيرة على خريطة العالم, ما يهمنا بالتحديد أن الغرب سيشهد عملية إعادة التشكيل والتعريف , لقد وجدت إسرائيل نفسها في موقف الحرج هذا فقط بسبب التدخل الروسي في سوريا, فلولاه لما ترددت بالاصطفاف مع الكتلة الغربية . ليس مهما من سيكون المنتصر في هذه المواجهة بين الغرب وروسيا . ما يهمنا خاصة إذا أخذنا الدرس من الحرب الاخيرة على غزة ومن الذي أوقفها فعلا وهو القوى التقدمية والليبرالية في الحزب الديمقراطي الأمريكي فإن موقفا فلسطينيا واضحا في التضامن مع الأوكرانيين سيشكل ليس فقط دعما قويا للأصدقاء في الدول الغربية ولكن أيضا إحراج كبير للذين مازالوا في مكانهم ضد حقوق الفلسطينيين. ‏السؤال هو لماذا لا تقدم القيادة الفلسطينية وقيادة غزة على هذا الامر . اعتقد ان السبب الرئيسي هو غياب الجرأة السياسية. كما انه لن استغرب إذا كان احد الاسباب ايضا هو بضع عشرات او مئات من الفلسطينيين .. يتبع

  5. يقول سعادة فلسطين الصين:

    يتبع .. المتواجدين في روسيا ممن تربطهم مصالح مع موسكو ويستطيعوا التأثير على رام الله وغزة ، او بلغة اخرى وللاسف فان الحكومات كثيرا وبعكس ما تدعي تجد نفسها مرتبطة بجملة مصالح خاصة بها اكثر من المصلحة العامة لعموم الشعب الذي تمثله .

  6. يقول سامح //الأردن:

    *أسوأ ثلاث ضباع ف العالم(روسيا والكيان الصهيوني وأمريكا).. قاتلهم الله جميعا.
    حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.

  7. يقول الكروي داود النرويج:

    إحتلال روسيا لأوكرانيا كإحتلال الصهاينة لفلسطين !
    هذا الإحتلال فضح ذاك الإحتلال !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  8. يقول Passerby:

    تحليل القدس العربي دقيق جداً و موضع تقدير . كلاهما احتلال أي كلاهما لص، واللصوص دوماً متشابهون في النذالة ولا يعترفون بأن ما سرقوه هو سرقة بل ملك مُباح لهم.

  9. يقول رضوان من المغرب:

    عنوان إفتتاحية ” القدس العربي” جد معبر ويعكس موضوع المقال بجمالية بلاغية رائعة .
    فاقد الشيء لا يعطيه، وساطة المحتل الإسرائيلي مجرد غطاء لخدمة مصالحه، إن فرصة لتحقيق مزيد من المكاسب .

  10. يقول إدوارد:

    إدا إستثنينا “عباقرة الأستراتيجيا” العارفين عن بوتين ما لا يعرف هو داته عن نفسه فسيبقى أن أحداث أوكرانيا لم تكشف عن سر القرار الحاسم الدي رجح الحل العسكري ومع التغييب الممنهج للرأي الروسي في الموضوع يتمدد الرأي المعاكس وياليته تمدد بقوة الأقناع بدل قوة الأقصاء..
    مادا لو أن “عملية” بوتين هي إستباق لحرب شاملة ؟ مادا لو كانت أهون الضررين ؟ سؤال برسم العقلانيين المتحررين من تأليه واشنطن ومن شيطنة موسكو في أن.

اشترك في قائمتنا البريدية