رينيه ديك: موت بسيط لجسد حالم

ترحل رينيه ديك ( 1946 – 2021 ) في الرابع عشر من الشهر الحالي إبريل/نيسان في بيروت بعد أن عانت التهميش الذي نال منها، فلم يجعلها الأولى ولا الأخيرة من بين أهل المسرح في لبنان، الذين احتاجوا ويحتاجون أدنى ممكنات الرعاية والاحتضان من المؤسسات الرسمية للدولة. انخرطت ديك في أكثر التجارب المسرحية التي عاشها المسرح اللبناني الحديث في عصره الذهبي (1960 – 1975) وشاركت في صناعة أهم المسرحيات الذهنية والتقليدية في لبنان وخارجهن إلى جانب لطيفة ملتقى ونبيه أبو الحسن وأنطوان كرباج ورضى خوري وميشال نبعة، وبتواقيع منير أبو دبس وأنطوان ملتقى، شكيب خوري ولاحقاً جواد الأسدي وعبد الرزاق الزعزاع وزياد الرحباني، وغيرهم الكثير وهي تحاول دائما استجلاء ضبابية المشهد الفني، لوظيفة الممثل المسرحي ، وتأثيره، وموقعه على المسرح في مواجهة ربط المسرحية كلها بشخص المخرج ورؤيته وأفكاره.
أثبتت ديك وبسرعة فعالية العنصر التمثيلي في المسرحية وأن الممثل الحق هو ناقد نفسه أو الروح التي ترتبط بالجسد، جسد إنسان حامل للخطاب المسرحي ويؤدي ويتحرك ويصارع وينفّذ الفعل تقابلياً مع الجمهور اللبناني، وهو ما ظهر في العديد من المسرحيات التي شاركت فيها، والتي كانت فيها الأولوية والغلبة لقدرات الممثل أكثر من تأثير كلمات الكاتب نفسه، وأهم من سلطة المخرج وأهمها «الذباب» لسارتر (1963) و«الإزميل» (1964) لأنطوان معلوف و«فيلم أمريكي طويل» (1980) لزياد الرحباني. فقد بنت ديك على أن الممثل هو الأول في عملية العرض المسرحي، وقد نستغني بفعاليته التقنية على الخشبة عن النص بحد ذاته إلى درجة كبيرة في ظاهرة إبداعية، ترى أن سر نجاح العمل التمثيلي يظهر في انتقال الجملة المكتوبة إلى الفعل الشفوي، أمام المتلقي موقفا ولهجة وحضورا وثقة، وهذا طبعا مع مراعاة عنصر الإحساس. ولا تكتفي رينيه ديك بهامشية التوصيف لمهمة الممثل كأن يُقال: ممثل جيد، شيق، مميز، إلخ، بل تجب بالضرورة قراءة تكنيك الجسد ومفهوم حركاته بالبحث الدؤوب عن كل جديد ومميز في قدراته لدى الممثل، وهو أمر مشروع مارسته غالبية الفرق المسرحية اللبنانية. ذلك أن المعنى الصحيح والناجز للمعايير والاسس العملية التي تفسرالأداء التمثيلي، لا تكون علمية ولا أكاديمية فحسب، بل نابعة من حلم جسدي يتيح ممارسة العمل المسرحي بأريحية وقوة موهبة، وكفعل تطبيقي تجاوزي مبدع يؤكد الفائدة والغنى لكل صاحب تجربة مسرحية.
وفي خضم الآراء النظرية التي جرى تطبيقها على الإنتاج المسرحي اللبناني، رفضت ديك النقد الاحتفالي بالعمل المسرحي، هي التي لم تتكاسل عن المشاركة في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وإن بأدوار أقل أهمية من المسرح، واتجهت إلى تأكيد صوابية إنعاش الخشبة بالجماعة المُتسقة قولاً وفعلاً ولو نهضت على مواهب خاصة داخلية للممثلين، لتؤكد الحاجة الدائمة إلى النهل من الممارسة المسرحية حضورا وإحساسا، وإن قدمت مشهدها الأخير في مأوى للعجزة!

كاتب لبناني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية