رِفْق عبيد: المعرفة تساعد الأطفال لتقديم سردية وطنهم فلسطين بثقة وقوة

زهرة مرعي
حجم الخط
0

البطل الخارق في حكاياتها يرتدي الكوفية الرمز الذي يبحث عنه الأطفال

بيروت ـ «القدس العربي»: كان حدثاً مفرحاً حين وجدت بين أيدي أحفادي كتباً للأطفال بالإنكليزية تحكي عن فلسطين. تصفحتها بقدر ما تتيحه معرفتي بتلك اللغة. كتب موجودة في مكتبات كندا، في حين أن طباعتها تمت في الولايات المتحدة. مؤلفة تلك الكتب ِرفْق عبيد، ولا بد من حوار معها. بدأ البحث وصار البريد الإلكتروني بالمتناول.

وكان الحوار مع رِفْق المولودة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تمضي منذ نعومة أظفارها الصيف في القدس حيث العائلة الممتدّة. تجربتها في الطفولة والمدرسة ومن ثمّ الجامعة كان لها أثرها في مسار حياتها التالي. هي التي لا تنسى جرحها حين أعلنت أنها فلسطينية بعد سؤالها عن جذورها، فاستغرب السائلون في أمريكا، ففلسطين مشطوبة من خرائط الغرب الذي اخترع الكيان الصهيوني، ويحميه.
ونظراً لوجود جيل كبير من أطفال فلسطين ولد ونشأ بعيداً عن فلسطين والوطن العربي، فتعريفهم بوطنهم وقضيتهم وحق العودة المقدس، ضرورة وواجب. ولكتب عبيد ـ ومن دون شك غيرها مما لا أعرفه ـ دور في الإجابة على كثير من أسئلة أطفال فلسطين، وغيرهم من الأطفال. وهذا ما قامت به عبيد وما تزال. تجيب على أسئلة الأطفال وبلغتهم. أسئلة تبدأ بتفسير لبطاقة التعريف أو الهوية التي يحملها أكثر من نصف الشعب الفلسطيني «لاجئ فلسطيني» ولماذا؟ كما في أرشيف عبيد الشخصي إنتاج فيلم كرتون يحمل عنوان «أنا من فلسطين» تخطت مشاهداته المليون و100 ألف.
هنا حوار مع رِفْق عبيد:
○ تكتبين لأطفال فلسطين في الشتات. لماذا هذا الاختيار؟
• في صغري كنت ناشطة في المدرسة، ورافقني هذا النشاط إلى الجامعة. كنت أتكلم عن فلسطين في كل مناسبة تتيح لي ذلك. نلت إجازتي الجامعية وبدأت البحث عن سبل تؤمن استمرار نشاطي هذا، سبل لها شكلها المختلف عن التقاليد المتبعة بهذا الخصوص، وتتصف بالتأثير الكبير. اهتمامي بالتعليم والتربية لفتني لانعدام وجود كتب للأطفال عن فلسطين. فأنا قرأت عنها حين كبرت، وجدت ضرورة لأن يتعرّف الأطفال إلى فلسطين، بحيث يتمكنون لاحقاً من التحدّث عن قضيتها بثقة.
○ حكايات المساء للأطفال تتميز برقتها بحيث تساعد على أحلام سعيدة ونوم هادئ. فماذا عن حكايات المساء الخاصة بأطفال فلسطين؟
• حكاياتي تنبع من داخلي، وأدرك جيداً بأن كل فلسطيني يستحيل أن يذهب إلى النوم وهو في سلام كامل، إنه الواقع، ومن الضروري عدم اخفاءه عن أطفالنا، وليس بإمكاننا أن نفعل هذا. حكاياتي تتضمن سيرة أرضنا التي سُلبت، وحقنا بالعودة، والنضال من أجل التحرر. وفي الوقت عينه تتضمن شعوراً بالأمل، ليس فقط الأمل بالتغيير، إنما كذلك الأمل بأننا مسؤولون ولنا دور يفترض أن نقوم به، حتى في عمر الطفولة.
○ ومن هذا المفهوم اخترت اسم «صامدة» بطلة لحكاية «بابا ماذا يعني اسمي»؟
• الإسم يعني الكثير، وكنت أبحث عن اسم ذو معنى ويعبر عن قضيتنا كشعب فلسطيني. مفهوم الصمود لصيق بقضيتنا، وأردت لإسم بطلة الحكاية أن يعكس ما يمثله شعبنا. على سبيل المثال يحمل أطفالي أسماء مدن ومناطق من فلسطين، وهم سيسألون عن معنى أسمائهم، وهكذا وجدت صامدة لترد على السؤال، وبات سائدا حالياً أن يطلق الفلسطينيون على مواليدهم أسماء تعكس تجاربهم، كما «انتصار، وأمل، وصامد». لتلك الأسماء أسبابها، وعلينا أن نُفهم الأطفال تلك الأسباب ومعاني الأسماء، وأن يكونوا فخورين بها.
○ في رحلة التعريف بفلسطين بدوت على معرفة تامة بكل قراها ومدنها. من أين جذورك في فلسطين؟
• والدي من الخليل، ووالدتي من القدس، وفيها يعيش معظم أفراد العائلة. ولدت ونشأت في الولايات المتحدة، وأشعر بالانتماء للقدس رغم أصولي الخليلية. كل صيف كنا نزور فلسطين. لهذا أردت كتاب «باب ماذا يعني اسمي» شبيهاً برحلاتي إلى فلسطين في الطفولة. ذكريات طفولتي من فلسطين فقط، وليس من مكان ولادتي، أردت أن يشعر كل طفل ممنوع من زيارة فلسطين كأنه زارها وتعرّف إليها.
○ تظهر الكوفية في كتبك وهي باتت رمزاً ممنوعاً ويعاقب عليه القانون في بعض البلدان. ما هو رأيك؟
• الكوفية لصيقة بالحياة اليومية للشعب الفلسطيني، ويستحيل أن أتخيل كتاباً لي عن فلسطين لا أضمنه الكوفية. ليس للآخرين تحديد معنى الكوفية، نحن نستخدمها كما نشاء لأنها من تاريخنا وثقافتنا وتقاليدنا. أوجه كتبي بحيث تقول حكاية شعبي. نحن من يتحكم بسرديتنا، نحكيها لأطفالنا بثقة وقوة، بحيث يفتخرون بتاريخهم ومروثاتهم، وليس من واجبنا الرد على أسئلة الآخرين. وفي كتابي الأخير «كنافة عيد الميلاد» ترتدي شخصية الحكاية الكوفية كرمز للبطل الخارق. الكوفية رداء للكتفين ورمز للهوية، ما يجعلها قوة خارقة بالنسبة للأطفال.
○ كيف للأطفال أن يدافعوا عن تاريخهم الحقيقي؟
• لا أتوافق مع اللغة المتداولة بشأن قضيتنا كتعبير الدفاع. نحن لسنا في موقف دفاع وتبرير، بل نقاتل لتحرير ذاتنا ووطننا، وتعبير دفاع يظهرنا ضحايا، بينما نحن مقاتلون. عندما نعلّم الأطفال تاريخهم فهم سيمتلكون الأساس والثقة للحديث عن فلسطين. شخصياً عرفت أكثر عن فلسطين في السنوات الأخيرة من المدرسة ووسعت معرفتي في الجامعة، في حين علينا أن نعطي المعرفة عن فلسطين للأطفال منذ بداياتهم، وبالتدريج وبحسب قدرات استيعابهم، وهكذا يكبرون ويتمكنون من تقديم سردية وطنهم من دون توتر. مهمتنا أن يمتلك أطفالنا المعرفة الكافية والضرورية لإدارة دفة الحوار وليس فقط الإجابة على أسئلة الآخرين.
○ فيلم «أنا من فلسطين» ترك التلميذة الطفلة تحمل الخريطة إلى الصف ومعها المفتاح؟
• الموقف الذي تعرّضت له الطفلة في مدرستها الأمريكية يحدث كثيراً في الغرب. ما زلت أذكر إحساسي وأنا طفلة عندما أنكر أحدهم وجود فلسطين، وأنا فلسطينية الهوية. دائماً كنت أظهر لهم العلم، والخريطة، وبأني أمضي كل صيف في وطني. إذا نحن موجودون رغماً عنهم، وليس لأحد قدرة شطب وجودنا. الفتاة في الفيلم تعرف أصلها، وفي الصباح ارتدت الطوق المطرز وسلسلة فلسطين والمفتاح، تعرف أنها فلسطينية ولكنها لا تعرف ما فيه الكفاية عن وطنها، لهذا لم تتمكن من الحديث عنه في هذا الموقف الصعب أمام معلمتها، موقف عدم توازن القوى كان حاضراً، لهذا وبعد ان سمعت سردية والدها عادت في اليوم التالي إلى الصف، ووقفت بثقة وقالت هذه فلسطين، وأنا من فلسطين.
○ ماذا عن الألوان في عيون أطفال فلسطين الذين شردتهم النكبة وأسكنتهم المخيمات؟
• في كتابي الثاني عن النكبة You Are The Color بطل الحكاية طفل لاجئ يدرس في مدارس الأونروا ويتابع صف العلاج بالفن. فهذا الطفل كان يرسم في البدء باللون الأسود معبراً عن طبيعة حياته في المخيم، لاحقاً استعاد ذكرياته من فلسطين وعاد ليرسم بالألوان. شاهدت والدته رسوماته الجديدة، وهي المرأة التي ما تزال تعيش مواجع اللجوء وصدمة إبعادها عن أرضها ووطنها، لم تتمكن من فهم ما يقوم به، ووجدت فيه أمراً غير إيجابي. فكّر الطفل بالصور والرسومات المنتشرة في مدرسته، وتساءل إن كان نشر رسوماته الملونة في البيت قد يساعد والدته لتجاوز آلامها. رغبت من خلال هذا الكتاب أن أظهر ثقافة الرسم على الجدران المنتشرة بقوة في فلسطين كوسيلة تعبير، ولهدف آخر مهم هو خلق مساحة جمال تحيط بالناس بغض النظر عن المكان فنحن نريد الجمال. المكان المحيط باللاجئين يصبح جميعه بالألوان، وبالمقابل لا ننسى معركتنا من أجل العودة.
○ لماذا عرض فيلم «أنا من فلسطين» بالمجان على يوتيوب؟
• كمنتجة للفيلم قررت مع المخرجة إيمان ظواهري وهي صديقتي منذ الطفولة، عرضه للجميع منذ بدأ الصهاينة حرب التطهير العرقي على سكان غزّة. شعرنا معاً أنه الوقت المناسب جداً، شعرنا أن العالم بأجمعه مستعد للتلقي والتعلُّم، فالعيون والآذان مفتوحة. فقد شكّل الفيلم أداة مهمة للمربين والمعلمين، وللعرض في الفعاليات المجتمعية على أنواعها. الفيلم قصير والأطفال يحبون الرسوم المتحركة، لهذا شعرنا بأنه يشكل أداة لنشر المعرفة حول فلسطين. وقد تجاوزت مشاهداته على يوتيوب المليون والـ100 ألف مشاهدة، وثمة أشخاص كثيرون يعرضون الفيلم على تيك توك وانستاغرام.
○ ما هو عدد الكتب التي أصدرتيها؟
• إنها ثلاثة، الأول «بابا ماذا يعني اسمي»؟ والثاني «أنت اللون» الذي أرى فيه تكملة للأول، لأن السؤال في الصفحة الأخيرة منه هو «بابا لماذا أصبحت لاجئة»؟ وكان جوابه نحكي بهذا الموضوع في المرة المقبلة. هو كتاب منفصل صحيح، لكنه يُظهر وكأن الأب يحكي قصة لجوئه مع والدته إلى أحد المخيمات. والكتاب الثالث هو «كنافة عيد الميلاد» وفي هذا الكتاب تتحدّث الصور بدون كلمات، ومن ينظر إلى صور الكتاب يصبح هو الحكواتي. في مهنتي كأخصائية نطق نستعين بهذا النوع من الكتب المصورة مع الأطفال الذين يعانون مشاكل في النطق، فالكتاب المكون من صور فقط، يشكّل ضغطاً أقل على الأطفال، يتحمسون لقراءته وفي كل مرة يسردون قصته بطريقة مختلفة ويزيدون في التوسع بالتفاصيل، وهذا ما يترك الأطفال أكثر تفاعلاً. أحب مبدأ هذا النوع من القصص، فنحن كعرب لنا موروث واسع مع الحكاية والحكواتي، فلست أطمح ليكتسب الأطفال فقط معلومات جديدة، بل أيضاً كي يصبحوا حكواتيين يمتلكون الثقة بالنفس لرواية قصتهم وبصوت مرتفع.
○ هل زرت مدارس لقراءة كتبك؟
• حدث هذا في مدرسة أطفالي، وفي مدارس مختلفة في الولايات المتحدة عبر الإنترنت، وتتضمن اللقاءات عرض الفيلم وحوارات.
○ وكيف كان تلقي كتبك في الولايات المتحدة؟
• جيد. ومعظم المدارس التي تدعوني لعرض الكتب طابعها إسلامي، كما عرضتها في مدرسة أطفالي. الأطفال طبيعيون وصريحون ويطرحون الأسئلة لمزيد من المعرفة وهم يفهمون الحكاية بعيداً عن تحيز الكبار، يفهمون مبدأ العدل، ويفهمونه حين يشوه. وأظهرت للأطفال على الخريطة محو اسم فلسطين. ابنتي زميلتكم في الصف وهي من فلسطين، لكن وطنها مُلغى عن الخريطة. كذلك كان الأمر جيداً للمعلمات، كذلك من الجيد أن المعلمة التي في الفيلم سألت تلامذتها عن جذورهم، ولم يكن ذلك بسهل على طفل من فلسطين. أسئلة الأطفال مهمة، وهذا ما يزودني بالأفكار من أجل كتب جديدة والأشهر المقبلة ستشهد صدور كتابي الرابع «مفتاح العودة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية