في زيارته التي وصفت بأنها مميزة واستثنائية، قام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بزيارة دولة إلى العاصمة البريطانية لندن، تلبية لدعوة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. أسفرت الزيارة عن توقيع عقود شراكة، وصفت بأنها تاريخية مع المملكة المتحدة، كما تم عقد لقاءات عمل مع شركات كبرى في مجالات الاستثمار والمال والطاقة والاتصالات والتعليم. وقدم بيان حكومي عراقي، يوم الجمعة 17 يناير الجاري، ملخصا لأبرز اللقاءات التي أجراها السوداني في لندن، حيث التقى ملك المملكة المتحدة تشارلز الثالث في قصر باكنغهام، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مقره في 10 داوننغ ستريت.
وكشف بيان عراقي بريطاني مشترك عن توقيع اتفاقية شراكة وتعاون واسع النطاق بين البلدين، فضلا عن لقاءات مع الوزراء المسؤولين ورؤساء البنوك، وممثلي شركات الاستثمار الكبرى، ورؤساء شركات النفط والكهرباء والطاقة النظيفة والصناعات العسكرية والاتصالات، ورؤساء الجامعات. إذن كيف سلط الإعلام العراقي الضوء على الزيارة؟ وكيف قرأها المعلقون العراقيون والبريطانيون؟ وما هي الآمال التي بنيت على هذه الزيارة؟
تطرح حكومة السوداني نفسها باعتبارها الحكومة التي حققت الاستقرار الأمني للعراق، لذلك رأى المراقبون التشديد في اللقاء البريطاني العراقي على الجانب الأمني
النقطة الأولى في قراءة الزيارة هي، توقيتها الذي جاء في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط زلزالا عنيفا لم تشهد له مثيلا منذ وقت طويل، فما خلفته حروب حكومة نتنياهو في غزة وجنوب لبنان ما تزال آثارها طرية، حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار في الجبهتين، لكن الكل ما زال يبحث عن مخارج لهذه الأزمة المتفجرة والمهددة بالاشتعال مجددا في كل لحظة، لذلك قال السوداني لوكالة رويترز يوم الاثنين 13 يناير الجاري وهو يتهيأ للقيام بزيارته للمملكة المتحدة: «إنه بالتأكيد توقيت مهم، سواء ما يتعلق بمسار علاقات العراق مع المملكة المتحدة، أو نتيجة لتطور الوضع الإقليمي، الذي يتطلب المزيد من المشاورات». وأضاف السوداني، أن الاتفاق الأمني بين المملكة المتحدة والعراق من شأنه أن يطور العلاقات العسكرية الثنائية، بعد إعلان العام الماضي أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سينهي عمله في العراق في سبتمبرعام 2026. ومن جانب آخر ما زالت تداعيات زلزال إطاحة نظام بشار الأسد في سوريا ماثلة للعيان، وأن البديل الإسلامي الصاعد في دمشق ما زال موضع شد وجذب بين مختلف الفاعلين السياسيين في الشرق الأوسط، وربما كانت بغداد هي العاصمة الأكثر تأثرا بما حدث في سوريا، بسبب القرب الجغرافي أولا، وبسبب التداعيات الأمنية التي ستفرزها عمليات التحول السياسي في سوريا. لقد هُزم تنظيم الدولة الإسلامية إقليميا في العراق عام 2017، وفي سوريا عام 2019، لكن المخاوف لا تزال مرتفعة من أنه قد يعيد تشكيل نفسه في مناطق نائية من العراق، ويستغل فراغ السلطة في سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد على يد المتمردين الإسلاميين العام الماضي. كذلك مثّل الموقف الإيراني المتراجع نتيجة الضربات التي وجهت لجميع حلفاء طهران في المنطقة، دافعا مهما لقيام السوداني بزيارته إلى لندن، إذ إن التهديدات الأمريكية والإسرائيلية واحتمالية توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، ما زال يمثل تهديدا خطيرا للمنطقة، حيث ستكون بغداد في قلب الحدث. لذلك كان السوادني ساعيا لإيجاد حلول وبدائل للتوازنات الحرجة التي لعب عليها طوال السنتين الماضيتين من عمر حكومته، إذ مارس دور المتوازن على حبل العلاقات المشدودة بين طهران وواشنطن، لكن هذا اللعب قد ينفع مع إدارة بايدن، التي وصفت بالتساهل، لكن المراقبين يرون أن هذه السياسة لن تجدي نفعا مع إدارة ترامب المتشددة المقبلة.
من جانب آخر، تطرح حكومة السوداني نفسها باعتبارها الحكومة التي حققت الاستقرار الأمني للعراق، بعد معاناة طويلة امتدت لسنوات عاشها العراقيون في ظل انفلات السلاح والتعرض لضربات الإرهاب، لذلك رأى المراقبون التشديد في اللقاء البريطاني العراقي على الجانب الأمني. لكن يبدو أن كل طرف نظر إلى الأمر من زاويته. فالعراقيون يقولون إنهم حصلوا على شراكات دفاعية وأمنية من الشركات البريطانية المنتجة للتقنيات المتطورة في قطاع الأسلحة وتكنولوجيا الأمن، لمواجهة الإرهاب في حال عودته نتيجة التغيرات السياسية في المنطقة. بينما البريطانيون يرون الأمر، كما صرح به رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قائلا: «إن الحدود الآمنة تشكل أساسا حيويا لخطتنا للتغيير، لذا يسعدني أن أبدأ المحادثات باتفاقية بين بلدينا ستساعد في تفكيك شبكات تهريب البشر، من خلال إرسال رسالة واضحة مفادها، أنه إذا أتيت إلى هنا بشكل غير قانوني، فلا يمكنك أن تتوقع البقاء». يأتي هذا في الوقت الذي تفي فيه حكومة حزب العمال البريطانية بتعهدها بتحقيق أعلى معدل إبعاد منذ عام 2018 مع زيادة نشاط إعادة المهاجرين غير الشرعيين الواصليين للمملكة المتحدة، ما أدى إلى إبعاد 16400 شخص، ليس لديهم الحق في البقاء في البلد. وتستند المحادثات بين الطرفين إلى زيارة وزيرة الداخلية ايفيت كوبر إلى العراق في نوفمبر الماضي، حيث وقعت اتفاقيات، بما في ذلك أكبر حزمة عملياتية على الإطلاق بين المملكة المتحدة والعراق بشأن أمن الحدود وإنفاذ القانون، من أجل تعزيز قدرة العراق على معالجة تهريب البشر. وقد أعلنت الجهات الرسمية في البلدين أن محادثات السوداني وستارمر بلندن قد عززت تنفيذ هذه الاتفاقية.
أما بالنسبة للجانب الاقتصادي، فإن حكومة السوداني طرحت نفسها بأنها الحكومة التي حققت قفزات ملموسة في مجال تنفيذ المشاريع المتلكئة منذ سنوات، والتي حققت نهوضا ملحوظا في قطاعات الإعمار والاتصالات. وقد أكد محمد شياع السوداني أهمية تنشيط قطاعات الاستثمار والصناعة والزراعة، لذلك اصطحب معه في الوفد المرافق، العديد من رجال الاعمال العراقيين الذين توفرت لهم فرص اللقاء مع ممثلي الشركات البريطانية، الذين ناقشوا معهم أهمية فتح آفاق التعاون بين البلدين. ويشار إلى أن رئيسي الحكومتين البريطانية والعراقية، وقعا اتفاقية شراكة وتعاون مهمة، تستفيد من خبرة القطاع الخاص في المملكة المتحدة في مجالات المياه والطاقة والاتصالات والبنية التحتية الدفاعية، لتأمين مشاريع استثمارية مستقبلية، وفرص كبيرة للأعمال التجارية البريطانية. وقال وزير الدولة للأعمال والتجارة جوناثان رينولدز: «إن هذا اللقاء هو تصويت آخر بالثقة في بريطانيا. وبصفتنا دولة تجارية منفتحة وفخورة، فإن استراتيجيتنا التجارية ستبنى على صفقات مثل هذه لتعزيز اقتصادنا. ويعكس هذا الإعلان علاقتنا الثنائية المتطورة ويمثل خطوة إلى الأمام في شراكتنا التجارية المتنامية». وقد أعلنت مصادر الأخبار الرسمية أن الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين تضمنت حزمة تصدير كبيرة بقيمة 14 مليار يورو، التي ستضمن تمويل الصادرات البريطانية، وستمنح الأعمال التجارية البريطانية والعراقية المزيد من اليقين، وتساعد في تحقيق النمو والفوائد المشتركة لكلا البلدين.
كما قرأ بعض المحللين الجانب الاقتصادي لزيارة السوداني، على إنه صفقة مهمة للاقتصاد البريطاني الذي تعرض لهزات عنيفة طوال السنوات الخمس الماضية، الأمر الذي أدى إلى تراجع تاريخي لهذا الاقتصاد، فبدءا بتأثير الخروج من الاتحاد البريطاني (البريكست) وتأثيراته الكبيرة على اقتصاد المملكة المتحدة، مرورا بتداعيات جائحة كوفيد 19 وتأثيراتها الكارثية على الاقتصاد، وصولا إلى ما سببته الحرب الروسية الاوكرانية من أضرار في سوق الطاقة، وفي العديد من قطاعات الاقتصاد البريطاني. لكل ذلك قرأ بعض الاقتصاديين العقود العراقية البريطانية المبرمة في زيارة السوداني نوعا من الإنقاذ والدعم للشركات البريطانية. أما من الجانب السياسي فقد قرأت زيارة السوداني على إنها سعيا عراقيا لإيجاد حلفاء وداعمين غربيين من دول مجموعة (5+1) قبل دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما ستجره من أخطار على المنطقة نتيجة ارتباط الملفين العراقي والإيراني في أروقة السياسة العالمية، لذلك سعى العراق لتعزيز شراكات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أملا في تخفيف ضغوط إدارة ترامب المقبلة.
كاتب عراقي
العراق مقبل على تغيير !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
للزيارة هدفان الاول الغاء تأميم النفط العراقي بعودة الشركات البريطانية والثاني لتكون بريطانيا ( الجسر ) مع امريكا ترامب..لتخفيف
الضغوط والتهديدات بربط المصالح الغربية مع العراق.
الوجه السيء للسياسة هو ان توقع حكومة العراق مع شركات تحت عطاء الاستثمار و الاعمار لبلد ساهم بشكل فعلي في تدمير العراق.