زيارة بايدن لم تعد الثقة بالحليف الأمريكي المتردد!

كما أشرت في أكثر من مقال إذا لم يحمل الرئيس الأمريكي جو بايدن معه في زيارته الأولى للشرق الأوسط مبادرات لتحريك الجمود في ملفات المنطقة ودعم الاستقرار والأمن بشكل واضح فلن ينجح في طمأنة الحلفاء وحل أزمات المنطقة. وهذا ما حدث في الأسبوع الماضي طغت زيارة الرئيس بايدن بشقيها الصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية والأمن الخليجي وطمأنة الحلفاء بتبديد مخاوفهم ودعم الاستقرار ومعالجة القضايا الأمنية. باستثناء إعلان جدة حول التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والاستثمارات.
وقد سبقت ورافقت وأعقبت زيارة الرئيس بايدن تحليلات وتعليقات وتغطية إعلامية سلبية شاركت الأسبوع الماضي شخصياً بندوة افتراضية عن بعد، بمنتدى الخليج الدولي عن نتائج زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط. وكانت معظم الملاحظات والتعليقات في الندوة وغيرها من الندوات وتحليل وتعليق الصحف والفضائيات الإخبارية سلبية بأنه لم يتحقق الكثير وأخذ بايدن أكثر مما أعطى، وكان تعليق واشنطن بوست ونيويورك تايمز «عاد بايدن بخفي حنين» لا يختلف كثيراً بالانتقاد من تغطية الإعلام المحافظ كفضائية Fox News الإخبارية اليمينية.
يرى بعض المحللين أن زيارة الرئيس بايدن كانت استدارة واهتماما مؤقتا بالشرق الأوسط ـ ولكنها استدارة مؤقتة وأولوية عابرة، أملتها التطورات الجيو-استراتيجية المتمثلة بتداعيات حرب روسيا على أوكرانيا وتهديدات الأمن في أوروبا وأمن الطاقة والأمن الغذائي، فيما يطل شبح الكساد في أمريكا والدول الأوروبية وحول العالم بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع والمواد الزراعية والغذائية، وإنقاذ سمعته وشعبيته المنهارة في الداخل الأمريكي وتعثر مفاوضات النووي الإيراني، وطمأنة الحليف الإسرائيلي للتكسب السياسي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في انتخابات التجديد النصفي لانتخابات الكونغرس الأمريكي والخشية من خسارة أغلبية حزبه الديمقراطي الضئيلة في مجلس النواب وحتى مجلس الشيوخ.
لذلك من الصعب الحديث عن إنجازات واختراقات كبيرة تحققت في زيارة الرئيس بايدن للمنطقة.
ولكن بات واضحاً أنه لا تحولات كبيرة استجدت أو في طريقها للتحقق.. سواء في القضية الفلسطينية ـ القضية المركزية للعرب كما سمع بايدن من القادة الخليجيين والعرب ـ دعماً لمبادرته في حل الدولتين، التي تبقى شعاراً تدحضه ممارسات إسرائيل وغطاء واشنطن والتمسك في الأمن الخليجي أو التعاون الأمني وحلحلة وتحقيق اختراقات في ملف إيران النووي، أو في الحصول على تعهدات من الدول العربية والخليجية بوقف تمدد كل من الصين وروسيا للعب في مساحات الفراغات الاستراتيجية على حساب التراجع والانكفاء الأمريكي، الذي اعترف بايدن نفسه بأنه كان خطأ استراتيجي.
لكن ما ثبت وتأكد من الزيارة هو ما كنت أكدته في مقابلات متعددة في قناة «الجزيرة» بأنه الترويج لحلف ما يعرف بـ «ناتو عربي» ولا «تحالف عسكري خليجي ـ إسرائيلي» و«لا تطبيع ولا دمج لإسرائيل في نظام أمني ودفاعي وعسكري واقتصادي قبل حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومترابطة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967» كما تعهد الرئيس بايدن في زيارته للمنطقة!

تشكل زيارة الرئيس بايدن انتصارا للسعودية وللواقعية السياسية أملتها المتغيرات الجيو-بوليتيكية لخدمة مصالح الدول بعيداً عن المناكفات والمثاليات التي لا مكان لها في العلاقات الدولية

ختمت مقال الأسبوع الماضي الذي بعنوان: «هل حققت زيارة بايدن الحليف المتردد أهدافها في المنطقة»؟ بتأكيد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يقدم مبادرات جريئة في شقي زيارته الشرق أوسطية الأولى الإسرائيلي ـ الفلسطيني وقمة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن ـ ما يعقد فرص نجاحه في تحقيق أهداف زيارته للمنطقة. في المجمل تشكل زيارة الرئيس بايدن انتصارا للسعودية وللواقعية السياسية أملتها المتغيرات الجيو ـ بوليتيكية لخدمة مصالح الدول. بعيداً عن المناكفات والمثاليات التي لا مكان لها في العلاقات الدولية.
منذ البداية كانت الزيارة مثيرة للجدل في أهدافها وتوقيتها. كان الرئيس بايدن متردداً بالقيام بالزيارة، لكن أمن الطاقة واحتواء تمدد الصين وروسيا وإيران، وتغليب الواقعية السياسية دفعت بايدن للتراجع، والقيام بالزيارة. وقد حدد بايدن ستة أهداف للزيارة:
1 دمج إسرائيل وتوسيع رقعة التطبيع
2 ـ طمأنة وبناء الثقة مع الحلفاء الخليجيين وتصحيح بوصلة العلاقات مع السعودية.
3 ـ تقديم ضمانات وتنسيق وتعاون عسكري وأمني واستخباراتي
4 ـ زيادة انتاج النفط
5 ـ احتواء تمدد روسيا والصين
6 ـ الاصطفاف ضد إيران
7 ـ توظيف الإنجازات في حملة حزبه الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2022.
المحصلة: لم يحقق الرئيس بايدن سوى نجاحات جزئية ومتواضعة، وكانت الإخفاقات أكثر من النجاح في تحقيق تلك الأهداف في زيارته.
لكن النتيجة الأهم في فشل زيارة الرئيس بايدن تتمثل بالفشل في دمج إسرائيل في الوسط العربي الذي يمهد لشرق أوسط جديد بدور قيادي لإسرائيل عسكرياً وأمنياً واقتصاديا-حصيلة الزيارة هي فرملة التطبيع والدمج وإعادة التذكير بالحاجة لحل جذري للقضية المركزية للعرب. ويبقى التحدي الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية هي تقديم مبادرات استراتيجية جريئة، وطمأنة وبناء الثقة لدى الحلفاء الخليجيين وتحقيق اختراقات في أزمات المنطقة وتحريك عملية السلام في إسرائيل والسلطة الفلسطينية وتجاه الأمن الخليجي، وإنهاء حرب اليمن واحتواء إيران وأذرعها، خاصة بعد اتهام الرئيس بايدن إيران أمام القادة العرب بإثارة عدم الاستقرار.
كما أن هناك حاجة لتصحيح بوصلة العلاقة المتوجسة التي باتت ظاهرة، من الانكفاء والتراجع الأمريكي وإعادة مكانة ودور الحلفاء الموثوقين في منطقة الخليج ليقتنعوا بعدم الانفتاح أكثر على الصين وروسيا، أو اقتناع الحلفاء بإمكانية أن يسدوا فراغ التراجع الأمريكي. وذلك بتعامل إدارة بايدن والإدارات الأمريكية القادمة بجدية وواقعية لتهدئة هواجس الحلفاء، لتحقيق معادلة ربحية للطرفين، والانتقال بالعلاقة لمستوى الشراكة الاستراتيجية، وكسب ثقة الحلفاء في المنطقة، والتوقف عن ترويج دمج إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد، عندها فقط يمكن أن نقتنع ونثق بأن أمريكا لم تعد حليفاً متردداً!

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول zerradabdellatif:

    دائما نسمع أن إيران تهدد الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط دون تقديم اي دليل ملموس ماعدا سوريا واليمن ، في سوريا توجد روسيا أمريكا توركيإ ،
    اسرائيل الخليج وايران …. وفي اليمن كذلك . فلما ذا ينظر إلى إيران وحدها مهددة للامن القليمي ؟ من يعرف الجواب المقنع أرجو الا يبخل علينا به

اشترك في قائمتنا البريدية