ليس هناك أدنى شك أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب في (28-30) من أكتوبر أنهت سنوات من الجفوة، وحقق المغرب بها فوائد كثيرة، فعلى الأقل، اختارت باريس تموقعها الجديد داخل منطقة المغرب العربي، بعد أن أبرمت قبل سنتين اتفاقية شراكة استثنائية مع الجزائر، وانتهت علاقتها معها بالتوتر، بسبب تغير موقف باريس من ملف الصحراء، واعترافها بأن حاضر الصحراء ومستقبلها لن يكون إلا في ظل السيادة المغربية.
إن أجندة الزيارة، ومضمونها وما تم توقيعه فيها من اتفاقيات، وما تم التوافق حوله في البيان المشترك بين الملك محمد السادس وبين إيمانويل ماكرون، تطرح تساؤلات كبيرة عن كسب المغرب، في مقابل كسب باريس، ومدى قدرة المغرب على أن يدير تداعيات وآثار هذه العلاقة مع دول أخرى تشترك مع فرنسا في نفس الطموح في نسج علاقات متميزة مع المغرب والاعتراف بأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تشكل الإطار الأفضل لحل النزاع في مقابل تحصيل صفقات ضخمة في عدد من القطاعات الحيوية.
سياسيا، نسجل أن المغرب حقق أربعة مكاسب أساسية، أولها، تأكيد فرنسا على أن حل ملف الصحراء ينبغي أن يكون ضمن السيادة المغربية، والثاني، خروجها من دائرة الوعود إلى دائرة الالتزام فيما يخص الاستثمارات في الأقاليم الصحراوية، والثالث، تأكيد فرنسا على إرادتها في فتح قنصلية لها في الداخلة، وأن السفير الفرنسي سيضطلع بهذه المهمة مباشرة بعد الزيارة، والرابع، هو تعهد فرنسا ضمن البيان المشترك بين زعيمي البلدين بالتعامل مع المغرب بالندية، دولة في مقابل دولة، مع احترام سيادة المغرب وقراره المستقل.
من الناحية العملية، يبدو أن فرنسا نجحت في تدبير خطواتها المتدرجة، كما تعهد بها في السابق وزير الخارجية الفرنسي، حتى وصلت إلى النقطة الأخيرة المتعلقة بالاستثمار في الصحراء وفتح القنصلية الفرنسية في الداخلة، وكان من الطبيعي للمراقب المتتبع لتطور العلاقة أن يترقب الجديد المسجل بعدما أدلت فرنسا في 30 يوليو الماضي بموقفها الجديد، ثم تعهدت بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية، إذ لم تشمل أجندة الزيارة فقط الوفاء بالتعهدات، بل تم الانتقال إلى الالتزامات فيما يخص نقطة الاستثمار، ثم التعهد بالوقوف إلى جانب المغرب في ملف الصحراء سواء داخل الأمم المتحدة أو داخل الاتحاد الأوروبي.
الديناميات التي عرفتها الأيام القليلة الماضية، تؤكد وفاء باريس بذلك، فقد بذلت جهدا كبيرا في أن تبطل مفعول قرار محكمة العدل الدولية، وتحركت داخل المفوضية الأوروبية لعزل هذا القرار، وعدم إضفاء أي طابع سياسي ملزم للدول عليه. وفي المقابل، كان جهد باريس واضحا، إلى جانب الولايات المتحدة ألأمريكية في إفشال تحركات كل من الجزائر والموزانبيق في إدخال تعديلات على قرار مجلس الأمن لتوسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء بعد أن فشل التعديل المتعلق بإلغاء الفقرة التي تلزم الجزائر بالحضور إلى الموائد المستديرة.
ليست الفائدة المغربية من هذه الزيارة، فقط تعهدات فرنسية بالوقوف بجانبه في قضية الصحراء ولكن أيضا، تحريك عجلة الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، بما يقوي فيها الاستقرار فيها وفرص التنمية، ويحفز الساكنة على الاندماج في المحيط، ويجبر جبهة البوليساريو على تجاوز أطروحة الانفصال
لا يشك المغرب في قدرة فرنسا على التحرك في هذا السياق، لكنه، قدم في سبيل ذلك صفقات كبيرة لباريس، تهم قطاع النقل السككي والبحري والطيران والطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر وغيرها من القطاعات التي تم توقيع اتفاقات بشأنها (22 اتفاقية)، والتي توحي بامتيازات تفضيلية لباريس.
قد يبدو الكسب الفرنسي كبيرا، لكنه، ليس أقل من الكسب الذي قدمته الجزائر لحظة إبرام اتفاق استراتيجي استثنائي مع باريس في أواخر أغسطس 2022، حينما تعهدت بتزويد فرنسا بالغاز وتأمينها من الأزمة التي تسببت فيها سياسة موسكو الطاقية بعيد غزوها لأوكرانيا.
الفارق بين البلدين، أن المغرب يريد الطي النهائي لملف الصحراء، بينما كانت الجزائر تتطلع إلى أن تكون فرنسا بجانبها في عرقلة الدينامية الدبلوماسية المغربية لكسب قضية الصحراء.
في الواقع، ثمة شيء جوهري يحتاج لتقييم خاص في الكسب الفرنسي، فالصفقات التي نالتها، تخص من جهة جهود المغرب للتهيؤ لكأس العالم 2030، وتخص من جهة أخرى، تقوية ترسانته العسكرية لاسيما ما يتعلق بالمراقبة العسكرية لمنطقة الصحراء (قمر اصطناعي جديد)، وتخص من جهة ثالثة، صفقات في الصحراء، أي دخول فرنسا كفاعل أساسي في تحويل منطقة الصحراء إلى منطقة مرتفعة الأسهم في مؤشرات التنمية، وهو ما يكسب منه المغرب مرتين، أولهما دعم وتعزيز استقرار المنطقة، وثانيهما دمج الساكنة بشكل كلي وشامل في التنمية، بما ينهي بالمطلق نزعات الانفصال، ويشجع محتجزي مخيمات تندوف على الالتحاق بالوطن ويعزل جبهة البوليساريو ومن يدعمها سياسيا.
التحدي الوحيد الذي يطرح بهذا الخصوص، هو مدى قدرة المغرب على تدبير تداعيات هذه الحظوة الفرنسية، وهل في سلته ما يكفي من العروض والصفقات لإقناع الدول الأخرى التي سارعت هي الأخرى لدعم سيادة المغرب على صحرائه، فقد أثبتت التجربة السابقة، أن تمتين العلاقات المغربية مع إسبانيا، كان ينتهي في الغالب بتوتر مع فرنسا، وأن تمتين العلاقة مع باريس كان ينتهي هو الآخر بتوتر أو جفوة مع مدريد.
الجديد المسجل بهذا الخصوص، أن سلة المغرب توسعت هذه المرة، وقدرة ونفوذ هذه الدول أو بعضها تراجع، فالمغرب الذي استبق الاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة، وهو بصدد تنظيم تظاهرة دولية سنة 2030 (كأس العالم)، وقد كسب رهان الاستثمار في الصحراء بدعم دولي، صار يملك فرصا كبيرة، قد تتوزع على أكثر من فاعل دولي، بل صار للمغرب قدرة على إدارة هذا التنوع، واستثماره في تقوية موقعه التفاوضي، ففي مناطق الصحراء، تتنازع الصين والولايات المتحدة الأمريكية الاستثمارات، وتبحث كل من فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا على أسهم تقوي بها تموقعها قرب العمق الإفريقي.
هناك اليوم من يتخوف مما نالته باريس من الصفقات، ويتصور أنها خرجت الرابح الأكبر من هذه الزيارة، لكن، هذا الوضع، كان يمكن تصوره في ظل هيمنة فرنسية على منطقة غرب إفريقيا، وتواجد قوي في منطقة الساحل جنوب الصحراء. أما حالها اليوم، فتراجع نفوذها في هذه المنطقة، هو الذي دفعها للبحث عن شراكة مغربية لتجديد نفوذها، واضطرت بسبب ذلك، أن تقر في البيان المشترك بالتعامل مع المغرب كدولة، واحترام سيادتها، حتى لا تعيد أخطاء الماضي، حينما كانت تناهض الدور المغربي في إفريقيا، وتنظر إليه على أساس أنه تجاوز للخطوط الحمر كما ولو كان المغرب محمية خاصة لباريس، أو كانت دول غرب إفريقيا والساحل جنوب الصحراء حديقتها الخلفية.
لقد خرجت فرنسا من الزيارة وهي تكسب الكثير، لكنها في نهاية المطاف، لن تكسب إلا جزءا من الفرص الواسعة التي يتوفر عليها المغرب اليوم، وستكون ملزمة بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية، بما يعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة، ويدفع بها إلى حسم ملف الصحراء بشكل تلقائي وطبيعي، حتى ولو استمر مجلس الأمن لسنوات أخرى طويلة يردد في قراراته نفس المضامين المكررة.
٭ كاتب وباحث مغربي
مجرد سؤال و جواب : لماذا كل هذا التشنج و القلق الجزائري حيال قرب اغلاق هذا الملف المفبرك من طرف القذافي و بومدين ؟؟ لان اغلاق الملف سيحط محط مسائلة و متابعة شعبية و قضائية من كانوا وراء هدر 500 مليار دولار طيلة 50 سنة من اجل معاكسة المغرب و وحدته الترابية و كي لا يطالب ايضا بحدوده الحقة.
أصبت كبد الحقيقة ، شكرا لك
فعلا يا أخي ، هذا ما سيحصل بعد إغلاق الملف أمميا ، سقوط النظام العسكري
المتتبع لمسار العلاقة المغربية الفرنسية مؤخرا والتي مرت من أزمة عميقة لم تقع مثيلتها الا في حقبة رئاسة فرانسو متيران ، سيستنتج ان المغرب هذه المرة فرض شروطه وكانت له اليد العليا في مخرجات هذه الزيارة وذلك باعتراف السياسين الفرنسيين أنفسهم ، وأن المغرب لم يسمح لماكرون بزيارته الا بعد اعتراف الدولة العميقة في فرنسا بمغربية الصحراء بعد ان استشرفت وتيقنت ان مستقبل الصحراء الغربية لن يكون الا تحت السيادة المغربية . أما السرديات التي تتحدث عن تنازلات مغربية هي نابعه من نفس المصدر الذي حاول تسويق ان مساهمة المغرب في صناعة السيارات لا تتجاوز ” نفخ العجلات ” . و ها هو المغرب يصبح من رواد صناعة السيارات في العالم ، واصبحت كثيرا من الدول وكبريات العلامات تتهافت على المغرب للاسثتمار في هذا الميدان . طموح المغرب الاقتصادي لم يعد مقتصرا على الاقتصاد التقليدي بل للمغرب رؤيا استراتيجية ستركز على الدخول في اقتصاد التكنولوجيا وخلق شركة أو شركتان في ما يسمى Uni corn , على غرار شركة Samsung الكورية التي تتجاوز ارباحها السنوية الدخل القومي لكل دول شمال إفريقيا مجتمعة . علاوة على الاسثتمار في الطاقات المتجددة و صناعة الطيران والسيارات الكهربائية….. . …
ماكرون محامي فاشل لا يستحق الأتعاب التي حصل عليها قرار مجلس تجاهل الحكم الذاتي ولم يذكره بتاتا .
مجرد تساؤل.
من رقص في عرس تغريدة ترامب !!!؟؟؟
في تعليق سابق قلت لم ينقص الإطراء المغربي على الزيارة سواء استقبال ماكرون بـ “طلع البدر علينا”.
لا أظن أن المتتبعين نسوا العرس الذي أقامة المغرب احتفالا بتغريدة ترامب، وظنوا أن العالم سيغرد “الصحراء مغربية” تحت الضغط الأمريكي وضغط اللوبي الصهيوني. وأن ثلاث مليارات دولار التي وعد ترامب استثمارها في المغرب ” ستحرك عجلة الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، بما يقوي فيها الاستقرار فيها وفرص التنمية، ويحفز الساكنة على الاندماج في المحيط، ويجبر جبهة البوليساريو على تجاوز أطروحة الانفصال”
لكن بمجرد أن غادر ترامب البيت الأبيض، تبخرت تغريدته وقنصليته واستثماراته، بل أصبحت الجبهة حركة تحرير تتفاوض مع أمريكا لتمكنها من تقرير المصير.